الجمعة، 27 يوليو 2018

مصادر قصص صلب يسوع بين لصين واستعلان ذراع الرب وحمل يسوع لخطايا الناس

الفصل الثالث: مصادر الأناجيل وطريقة تأليفها وكتابتها

القسم الرابعالنصوص المنسوبة مباشرة للعهد القديم
في هذا القسم سنطلع على النصوص المنسوبة للعهد القديم مباشرة وقول كتبة الأناجيل أنها لم تتم وتكتمل وتحدث إلا في يسوع وزمنه وجيله، لنرى حقيقتها ومدى صدق ما قاله الكتبة عنها.
12 - مصدر قصة صلب يسوع مع أثمة
- وصلبوا معه لصين واحداً عن يمينه وآخر عن يساره،
فتمّ الكتاب القائل وأُحصي مع أثمة. (مرقس 15: 27-28)
- ثم قال لهم حين أرسلتكم بلا كيس ولا مزود ولا أحذية هل أعوزكم شيء، قالوا لا،
فقال لهم لكن الآن من له كيس فليأخذه ومزود كذلك،
ومن ليس له فليبع ثوبه ويشتر سيفاً،
لأني أقول لكم إنه ينبغي أن يتمّ فيّ أيضاً هذا المكتوب، وأُحصي مع أثمة، لأن ما هو من جهتي له انقضاء، فقالوا يا رب هو ذا سيفان، فقال لهم يكفي. (لوقا 22: 35-38)
يذكر كتبة الاناجيل الاربعة قصة صلب يسوع مع لصين ولكن اثنان منهما نسبا ذلك للعهد القديم، الأول مرقس بقوله فتمّ الكتاب القائل وأُحصي مع أثمة، والثاني لوقا إذ كتب على لسان يسوع لأني أقول لكم إنه ينبغي أن يتمّ فيّ أيضاً هذا المكتوب وأُحصي مع أثمة، مع ملاحظة ان مرقس ذكر النصّ بعد وقوع عملية الصلب ولوقا ذكره قبل حادثة الصلب على لسان يسوع، أي انه كان يخبرهم بما يتحدث العهد القديم عنه، وهنا لا بد من وقفة مع هذا المكتوب، فالنص يتحدث عن أثمة، وليس آثِمَين، أي أكثر من اثنين، فكان الأولى بمرقس ولوقا أن يكتبا أن يسوع صُلب مع مجموعة من الآثمين أو اللصوص وليس مع لصين فقط، وهذه الصيغة للنص هي ما جعلت متّى ويوحنا تجاهل الاستشهاد بالنص مباشرة لان النص يتحدث عن مجموعة وليس عن اثنين، وهذه الطريقة في تعامل كتبة الاناجيل مع نصوص العهد القديم هي التي أحدثت كل التناقضات والاختلافات التي نقرأها فيها، ومنها هذه القصة، فمتّى ومرقس كتبا أن اللصين كانا غير مؤمنين بيسوع ويجدفان عليه، في حين أن لوقا كتب أن أحدهما آمن وهو معلق على الصليب وأن يسوع قال له إنه سيكون معه اليوم في الفردوس، مع أنه لم يصعد الى السماء إلا بعد أربعين يوماً وهذا كله بحسب ما هو مكتوب في الاناجيل!
وقبل استعراض النص المقتبس من سِفر إشعياء أودّ أن اذكر نصين آخرين، الأول من إنجيل يوحنا والثاني من إنجيل متّى، لان فيهما نصان مقتبسان من ذات الإصحاح.
13 - مصدر القول عن استعلان ذراع الرب
- ومع انه كان قد صنع أمامهم آيات هذا عددها لم يؤمنوا ليتم قول إشعياء النبي الذي قاله يا رب من صدق خبرنا ولمن استعلنت ذراع الرب لهذا لم يقدروا أن يؤمنوا. (يوحنا 12: 37-38)
في هذا النص نجد ان يوحنا قد أغفل ذكر عدد الآيات التي صنعها يسوع لهم، وهو أمر مستغرب ان لا يذكر عددها وخاصة ان الكنائس تقول ان الروح المقدس كان يسوقه عند كتابته لإنجيله، فهل إغفال ذكر عدد الآيات له معنى أم ان يوحنا لم يكن يعلم عدداً بعينه وكان ينتظر جواباً عن عددها إلا أن الجواب لم يأت ونسي أن يصحح الجملة فبقيت دون ذكر لعدد الآيات التي صنعها يسوع لهم!
14 - مصدر القول عن حمل يسوع للخطايا
- ولما صار المساء قدّموا إليه مجانين كثيرين،
فأخرج الأرواح بكلمة وجميع المرضى شفاهم،
لكي يتم ما قيل بإشعياء النبي القائل هو أخذ أسقامنا وحمل أمراضنا. (متّى 8: 16-17)
في هذا النص يقول متّى ان السبب الرئيس لشفاء يسوع للمرضى والمجانين هو لكي يتم ما قيل بإشعياء النبي القائل هو أخذ أسقامنا وحمل أمراضنا، فهو يريد أن يقول ان نص إشعياء لم يحدث ولم يتم حتى جاء يسوع وشفا بعض المرضى! وأنا لن أُعلق الآن على هذا الاستنتاج، بل اترك التعليق للنص المذكور في سفر إشعياء لنرى ان كان هذا القول صحيحاً أم لا؟
هذه النصوص الثلاثة مذكورة في سفر إشعياء في الإصحاح الثالث والخمسين، ولكنه يُعتبر استكمالاً للإصحاح السابق له، لهذا سأبدأ من الفقرة الثالثة عشر من الإصحاح الثاني والخمسين، وهو كما يلي:
- هو ذا عبدي يعقل يتعالى ويرتقي ويتسامى جداً.
يبدأ النص بالحديث عن عبد للرب، وأنه يعقل ويرتقي ويتسامى جداً، وهذه الصفات كما هو معلوم يكتسبها الإنسان من خلال التزامه بعبادة الرب وحده وتنفيذ شرائعه، كما حدث مع موسى وغيره من الأنبياء، فالفقرة تبدأ بذكر صفات عبد الرب ثم يكمل الحديث عن صفاته فيقول:
- كما اندهش منك كثيرون،
كان منظره كذا مفسداً أكثر من الرجل وصورته أكثر من بني ادم،
هكذا ينضح أُمما كثيرين.
هذه الفقرات تتحدث عن عبد الرب بأن منظره وصورته كانت مفسدة وأنه ينضح أُمماً كثيرة! ثم يُتابع النص ذكر صفات عبد الرب فنقرأ ما يلي:
من أجله يسدّ ملوك أفواههم لأنهم قد أبصروا ما لم يُخبروا به وما لم يسمعوه فهموه. (إشعياء 52: 13-15)
وهذه الفقرة تقول ان عبد الرب الذي عقل وارتقى وتسامى يسد الملوك أمامه أفواههم لأنهم أبصروا ما لم يُخبروا به وما لم يسمعوه فهموه، وهذه الصفات كلها تتحدث عن عبد للرب، وكتبة الاناجيل الاربعة يقولون أن هذا الانسان هو يسوع والدليل على ذلك أنهم قاموا باقتباس النصوص السابقة، وهنا لا بد من وقفة مع صفات عبد الرب هذا ومقارنتها بصفات يسوع كما هي مكتوبة في الاناجيل الاربعة لنرى حقيقتها.
أول ما نلاحظه أن هذه الفقرات تتحدث عن عبد للرب وليس عن ابن للرب، وأن هذا العبد يتعالى ويتسامى ويرتقي وهذه صفة المخلوقات وليست من صفات الرب، كما أن فساد المنظر والصورة ليست من صفات الرب بل هي من صفات المخلوقات!
الملاحظة الثانية وهي قول النص أن عبد الرب هذا ينضح أُمماً كثيرة وهذا الأمر بالتأكيد لا ينطبق على يسوع سواء في حياته أو بعد عودته، إذا عاد، لأنه في حياته لم يُبشر غير أُمة واحدة وهي بني اسرائيل وقال إنه لم يُرسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة، وطلب من تلاميذه عدم دعوة غير اليهود.
- فأجاب وقال لم أُرسل إلا إلى خراف بيت اسرائيل الضالة. (متّى 15: 24)
- هؤلاء الاثنا عشر أرسلهم يسوع وأوصاهم قائلاً،
إلى طريق أُمم لا تمضوا والى مدينة للسامريين لا تدخلوا،
بل اذهبوا بالحري إلى خراف بيت إسرائيل الضالة. (متّى 10: 5-6)
الملاحظة الثالثة وهي على الفقرة التي تتحدث عن سدّ الملوك أفواههم أمام عبد الرب، فهذا لا ينطبق على يسوع لأنه لم يلتق في حياته بأي ملك! كما أن الولاة الذين قابلهم في محاكمته كما تقول الاناجيل، إذا قلنا أنهم ملوك، فهم لم يسدوا أفواههم أمامه، بل العكس هو الصحيح، فهم كانوا يفتحون أفواههم بأسئلتهم ويسوع كان مُغلِقاً فمه أمامهم ورافضاً الإجابة عن أسئلتهم مما اضطرهم في النهاية إلى الاستهزاء به وجلده ولطمه! فمتى سدّ الملوك أفواههم أمامه، لو كان المقصود بهذا النص يسوع؟
- من صدق خبرنا ولمن استعلنت ذراع الرب.
هذه هي الفقرة التي اقتبسها يوحنا باعتبار أنها تمت في زمن يسوع، وهي من الأُمور المستغربة لأنه إذا كانت هذه الفقرة لم تتم إلا في ذلك الوقت وأنها تقصد اليهود، فيوحنا كاتب الانجيل وباقي التلاميذ داخلون تحتها لأنهم يهود، فكيف آمن هؤلاء إذا كان النص يتحدث عن اليهود زمن يسوع؟
ثم يعود النص للحديث عن عبد الرب المذكور سابقاً فنقرأ ما يلي:
- نبت قدّامه كفرخ وكعرق من أرض يابسة لا صورة له ولا جمال فننظر إليه ولا منظر فنشتهيه،
محتقر ومخذول من الناس،
رجل أوجاع ومختبر الحزن،
وكمستّر عنه وجوهنا،
محتقر فلم نعتدّ به.
في هذه الفقرات نقرأ أن ذلك العبد لا صورة له ولا جمال، وأنه محتقر ومخذول ورجل أوجاع فلم يعتدّ به أحد، وكان الناس يحجبون وجوههم عنه، وهذه الصفات تشير بكل وضوح الى أن عبد الرب هذا لا يحمل أيّة صفات إلهية، فكيف اقتبس كتبة الاناجيل تلك الفقرات من هذا الإصحاح وقالوا انها تتحدث عن يسوع وزمانه؟
إن من أغرب ما يمكن ملاحظته في هذا الموقف هو ولع كتبة الاناجيل بوضع عشرات القصص ليسوع وكلها تشير الى حقارة ووضاعة مكانة يسوع من ولادته في مذود غنم الى محاكمته وجلده والبصق عليه ومن ثم قتله بطريقة وضيعة على الصليب، والتي يفتخر بولس بأنها ميتة ملعونة، ومع هذا فهم يقولون عنه أنه يحمل صفات إلهية وأنه أحد الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر، وهذا الأمر لو قارناه بالصفات التي وضعها الهندوس والبوذيين وغيرهم من الشعوب للرجال والنساء الذين يعبدونها لازداد استغرابنا، فالهندوس يقولون عن راما أحد الرجال الذين يعبدونها أنه كان ملكاً وابن ملك وأنه خاض عشرات المعارك وانتصر فيها، وكذلك البوذيون فهم يقولون عن بوذا أنه كان أميراً وابن ملك وأنه ترك كل ملذات الدنيا وتوجه للتأمل مما أهله ليحمل صفات خاصة توجب عبادته والخضوع له، وغيرهما من الشخصيات التي تعبدها بعض الشعوب، في حين أن كتبة الاناجيل والكنائس يقولون عن يسوع ما نسمع ونقرأ!
- لكنّ أحزاننا حملها وأوجاعنا تحمّلها ونحن حسبناه مصاباً مضروباً من الإله ومذلولاً.
هذه هي الفقرة الثانية المقتبسة والتي استشهد بها متّى عندما قام يسوع بشفاء بعض المجانين والمرضى بقوله لكي يتمّ ما قيل بإشعياء النبي القائل هو أخذ أسقامنا وحمل أمراضنا.
نص متّى من نسخة الملك جيمس:
8:16 When the even was come, they brought unto him many that were possessed with devils: and he cast out the spirits with [his] word, and healed all that were sick:
8:17 That it might be fulfilled which was spoken by Esaias the prophet, saying, Himself took our infirmities, and bare [our] sicknesses.
نص إشعياء من نسخة الملك جيمس:
53:4 Surely he hath borne our griefs, and carried our sorrows: yet we did esteem him stricken, smitten of God, and afflicted.
نص إشعياء من النسخة السبعينية:
53:4 He bears our sins, and is pained for us: yet we accounted him to be in trouble, and in suffering, and in affliction.
نص إشعياء من النسخة العبرانية:
53:4 Surely our diseases he did bear, and our pains he carried; whereas we did esteem him stricken, smitten of God, and afflicted.
في الحقيقة ان الانسان يصاب بالدهشة وهو يرى كتبة الاناجيل كيف يتلاعبون بنصوص العهد القديم في محاولتهم لإثبات ان العهد القديم تحدث عن يسوع، فمتّى قام بتغيير كلمات الفقرة كما نقرأ ليخدم قصته التي كتبها للقول أنها تتحدث عن يسوع، وهذا منهج دأب كتبة الأناجيل عليه كما قرأنا سابقاً وكما سنقرأ لاحقاً، وهو ما يؤكد افتقادهم للوحي وعدم سوقهم من الروح المقدس، لأنه لو كان عندهم وحي خاص أو ساقهم الروح المقدس عند كتابتهم للأناجيل لما قاموا بتغيير نصوص العهد القديم، فهذه الفقرة لا تشير بأي حال من الأحوال الى ان عبد الرب المذكور في النص يشفي المرضى، ولو كانت الفقرة تتحدث عن شفاء المرضى فهي لا تعني أن الأمراض تنتقل إليه لان شفاء المرضى لا يعني ان أمراض هؤلاء تنتقل إليه وانه يحملها! فإيليا وأليشع وغيرهما من أنبياء بني اسرائيل قاموا بشفاء الكثير من المرضى كما يذكر العهد القديم ولم يقل أحد عنهم أنهم حملوا أمراض الذين شفوهم وأخذوا أسقامهم، وأما متّى فما ان قرأ هذه الفقرة حتى قال انها تتحدث عن يسوع، أو بمعنى أدق قام بصياغة قصته عن يسوع بحيث تتوافق مع هذه الفقرة، ولم يكتف بهذا بل قام بتغيير الكلمات وقال ان هذه الفقرة ما وقعت وتحققت الا عندما قام يسوع بشفاء بعض المرضى والمجانين، مع ان الفقرة في معناها الحقيقي ابسط من هذا بكثير اذ انها تتحدث عن عبد الرب المذكور سابقاً انه حمل أحزان شعبه وتحمل أوجاعهم، وهذا ممكن أن يحدث لأي قائد يرى شعبه في ضيق ومصائب وحزن شديد فيحزن لحزنهم ويحمل أحزانهم ويسعى لتخفيف الحزن عنهم، وأما أوجاعهم التي تحمّلها فهي إشارة الى أن شعب عبد الرب يسبب له الكثير من الألم والتعب فيضطر الى تحمّل هذه الآلام والأوجاع حتى يقوم بإنهاء وظيفته التي أرسله الرب من أجلها، كما حدث مع موسى من قبل، فهو تحمل كل آلام بني اسرائيل وأوجاعهم ومشاغباتهم طوال أربعين سنة حتى استطاع أخيرا ان يعبر بهم الى الارض المقدسة، وهو ما عبر عنه في النص التالي:
- ألعليّ حبلت بجميع هذا الشعب أو ألعليّ ولدته حتى تقول لي احمله في حضنك كما يحمل المربّي الرضيع الى الأرض التي حلفت لآبائه، من أين لي لحم حتى أُعطي جميع هذا الشعب. (عدد 11: 12-13)
هذا ما تحمله الفقرة من معان بلا تكلف ولا قلب للمعاني والكلمات كما فعل متّى، وكان حريّاً به ان يقرأ النص كاملاً حتى يعلم انه يتحدث عن عبد للرب ومخلص لبني إسرائيل، وليس عن إله وابن إله وأحد الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر كما تقول قوانين إيمان الكنائس المختلفة، هذا إذا كان قد سمع بتلك القوانين!
- وهو مجروح لأجل معاصينا مسحوق لأجل آثامنا،
تأديب سلامنا عليه وبحبره شفينا.
هذه الفقرة يقول كتبة الأناجيل والكنائس أنها تتحدث عن يسوع وعن جراحه التي أُصيب بها أثناء عملية الصلب، ويتناسون ان النص يتحدث عن عبد للرب وليس عن إله وابن إله! مع أنها في معناها الحقيقي لا تشير الى جراح مادية بل كما في الفقرات السابقة تشير الى تحمل عبد الرب لمشاغبات شعبه وإصابته بجروح نفسية نتيجة للمعاصي التي يرتكبونها وانسحاقه من كثرة آثامهم، وأنه نتيجة لهذه الجراح وصبره على شعبه شفاهم الرب على يديه، كما حدث مع موسى وغيره من عبيد الرب الأنبياء.
- كلنا كغنم ضللنا، ملنا كل واحد الى طريقه.
وهذه الفقرة تظهر حال هؤلاء الناس، وهي أن كل واحد منهم له طريقته وليسوا على طريق واحد مع عبد الرب، لهذا وصفهم بالضلال!
- والرب وضع عليه إثم جميعنا.
هذه الفقرة تقول ان الرب وضع إثم الشعب على عبد الرب، وهي امتداد للفقرات السابقة والتي تقول ان عبد الرب مجروح ومسحوق لأجل معاصي وآثام شعبه، وتعني أنه يتحمل تلك الآثام وما فيها من ظلم وعدوان عليه، كما حدث مع موسى وغيره من الأنبياء، لهذا يقول في الفقرة التالية:
- ظلم أما هو فتذلل ولم يفتح فاه كشاة تساق الى الذبح وكنعجة صامتة أمام جازّيها فلم يفتح فاه،
فعبد الرب ظلم من شعبه ومع هذا فلم يغضب عليهم بل تحمل كل ظلمهم له، وأما ما حاول كتبة الأناجيل والكنائس قوله من أن هذه الفقرات تتحدث عن يسوع في المحاكمة، فكان عليهم قبل هذه المحاولة تذكر ان هذا النص يتحدث عن عبد للرب وليس عن إله وابن إله، مع أن يسوع لم يكن ساكتاً في المحاكمة بل كان يتكلم كما سيتبين لنا بعد قليل.
- من الضغطة ومن الدينونة أُخذ،
وفي جيله من كان يظن أنه قطع من أرض الأحياء،
أنه ضرب من أجل ذنب شعبي.
من هذه الفقرات يبدأ الحديث عن نهاية عبد الرب، فنقرأ أنه ضُرب من أجل ذنب شعبي، وهي تعني بني إسرائيل، لأنهم شعب الرب في العهد القديم، وأنا أتساءل إذا كان يسوع هو المقصود في هذا النص، وأنه ضُرب من أجل ذنب شعب الرب، فأين هي الخطيئة الأصلية التي حملها آدم وزوجه بأكلهما من تلك الشجرة وأورثاها لذريتهما، كما تقول الكنائس؟
وإذا كان يسوع قد ضُرب من أجل ذنب شعب الرب، فأين دوره في حمل ذنوب الشعوب الأخرى من غير اليهود، وهو القائل انه لم يرسل إلا الى خراف بيت إسرائيل الضالة، ومنع تلاميذه من ان يسلكوا طريقاً للأمم حتى لا يدعونهم لأنه لم يرسل إليهم؟
- وجُعل مع الأشرار قبره،
ومع غني عند موته،
على أنه لم يعمل ظلماً ولم يكن في فمه غشّ،
أما الرب فسُرَّ بأن يسحقه بالحزن،
إن جعل نفسه ذبيحة إثم يرى نسلاً تطول أيامه ومسرّة الرب بيده تنجح.
هذه الفقرات تتحدث عن نهاية عبد الرب وهي تتناقض مع ما هو مكتوب في الاناجيل عن نهاية يسوع، فهو صلب مع لصين وأما قبره فلم يكن مع أشرار، بل دُفن في قبر وحده ولم يشاركه فيه أحد من الأشرار، ولم يُدفن فيه أحد قبله، وكذلك الحال بالنسبة للفقرة الثانية فيسوع لم يُدفن مع غني عند موته بل دُفن وحده كما هو مكتوب في الاناجيل!
وأما الفقرة الأخيرة يرى نسلاً وتطول أيامه، فلو كانت كل أسفار العهد القديم تتحدث وتتنبأ عن يسوع لكانت هذه الفقرة بالتأكيد لا تتحدث عنه! لأن الأناجيل كتبت ان يسوع لم يتزوج ولم ير نسلاً في حياته، ولا يقولن أحد ان هذا سيحدث في اليوم الأخير في القيامة لان يسوع قال ان الناس في القيامة لا يتزوجون، فأين ومتى سيرى نسله؟
- فأجاب يسوع وقال لهم تضلون إذ لا تعرفون الكتب ولا قوة الإله،
لأنهم في القيامة لا يُزوِّجون ولا يتزوَّجون، بل يكونون كملائكة الإله في السماء. (متّى 22: 29-30)
وأما إطالة أيامه فهذه الصفة بالتأكيد لا تقصد يسوع لان يسوع أسلم الروح ومات وهو في ريعان الشباب ولم يكن قد تجاوز الرابعة والثلاثين من العمر!
- من تعب نفسه يرى ويشبع،
وعبدي البارّ بمعرفته يُبرّر كثيرين،
وآثامهم هو يحملها.
في هذه الفقرة يتم التأكيد على ان النص يتحدث عن عبد الرب البار وليس عن إله أو ابن إله أو أحد الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر، ونقرأ فيها انه من تعب نفسه يرى ويشبع وهذه الفقرة تفيد بأنه يأكل من تعب نفسه، وهذه الصفة لا تنطبق على يسوع، هذا إذا تجاوزنا الصفات التي تقولها الأناجيل والكنائس عليه، لأن الأناجيل الأربعة لم تذكر قصة واحدة عن يسوع انه كان يعمل ليُطعم نفسه وتلاميذه، بل ذكرت الأناجيل ان النساء اللواتي آمنّ به كنّ يُنفقن عليه وعلى تلاميذه.
- وكان يسير في مدينة وقرية يكرز ويُبشر بمملكة الإله ومعه الاثنا عشر وبعض النساء كن قد شفين من أرواح شريرة وأمراض، مريم التي تدعى المجدلية التي خرج منها سبعة شياطين، ويونا امرأة خوزي وكيل هيرودس، وسوسنة،
وأُخر كثيرات كنَّ يخدمنه من أموالهن. (لوقا 8: 1-3)
وفي نسخة كتاب الحياة الترجمة الانجليزية نص إشعياء مكتوب كما يلي:
 - After the suffering of his soul, He will see the light of life and be satisfied. (Isaiah 53: 11)
وهذه الفقرة قد تكون أكثر بُعداً في الحديث عن يسوع لأنها تتحدث عن رؤيته للنور وانه سيكون مطمئناً، لأن الاناجيل تقول ان يسوع وهو معلق على الصليب كان يصرخ لإلهه ويقول إلهي إلهي لماذا تركتني، فأين حقيقة النور والاطمئنان وهو يصرخ، لو كان النصّ يتحدث عن يسوع؟
وأما الترجمة العربية لذات النسخة فتقول ويرى ثمار تعب نفسه ويشبع، وهذه الترجمة تشير لأول وهلة وكأنها تتحدث عن التلاميذ باعتبار أن يسوع كان يتعب على هؤلاء الأشخاص، ولأنه قال من ثمارهم تعرفونهم، وهنا لن أتحدث عن التلاميذ كثيراً بل سأكتفي بذكر آخر موقف بينهم وبين يسوع، وهو قوله لهم ليلة إلقاء القبض عليه أنهم سينكرونه، فقالوا جميعاً أنهم لن ينكروه ولو ماتوا معه، ولكنهم ما أن رأوا الجند حتى ولّوْا هاربين وتركوه وحيداً، وأنكره بطرس ثلاث مرات إحداها وهو يلعنه! فهل شبع يسوع من هؤلاء التلاميذ؟
- فأجاب بطرس وقال له وإن شكّ فيك الجميع فأنا لا أشكّ أبداً،
قال له يسوع الحق أقول لك إنك في هذه الليلة قبل أن يصيح ديك تنكرني ثلاث مرات،
قال له بطرس ولو اضطررت أن أموت معك لا أُنكرك،
وهكذا قال أيضاً جميع التلاميذ. (متّى 26: 33-35)
- حينئذ تركه التلاميذ كلهم وهربوا. (متّى 26: 56)
ومرقس كتب ذات المعنى ولكنه تحدث عن تلميذ هرب وهو عريان كما في النص التالي:
فتركه الجميع وهربوا، وتبعه شاب لابساً إزاراً على عُيريِّه فأمسكه الشبان، فترك الإزار وهرب منهم عرياناً. (مرقس 14: 50-52)
- لذلك أقسم له بين الأعزاء ومع العظماء يقسم غنيمة،
من أجل أنه سكب للموت نفسه،
وأُحصي مع أثمة.
هذه هي الفقرة الثالثة المقتبسة من النص وقالوا أنها تمّت عندما صُلب يسوع مع اثنين من اللصوص، وهي من الفقرات الغريبة التي استشهد بها مرقس ولوقا والكنائس من بعدهما لأنها تحمل في ثناياها عدة مسائل خاطئة.
المسألة الاولى وهي الإحصاء مع الأثمة، فالفقرة لا تتحدث عن الصلب بل عن الإحصاء، فكان الأولى بمرقس ولوقا أن يذكرا قصة عن إحصاء يسوع مع أثمة في السجن وتأكد اليهود من وجوده مع الأثمة كي يتم هذا القول في يسوع، أما ان يكتبوا عن عملية الصلب بين لصين فهذا بعيد عن الواقع، وخاصة أن مرقس ولوقا لم يكتبا قصة تتحدث عن قيام الرومان أو اليهود بعدّ أو احصاء المصلوبين في ذلك اليوم!
المسألة الثانية وهي التي تؤكد ان هذا النص لا يتحدث عن يسوع هو قوله أُحصي مع أثمة، لان يسوع كما تقول الاناجيل صلب مع لصين فلو كان النص يتحدث عنه لقال أُحصي مع آثِمَين، أو كان يجب على كتبة الأناجيل أن يكتبوا انه صلب مع عدد من اللصوص أو غيرهم من الأثمة حتى يمكن القول ان الفقرة تتحدث عنه، مع انها لا تتحدث عن الصلب بل عن الاحصاء!
المسألة الثالثة في هذا النص ترد على محاولة الكنائس القول ان صيغ الجمع التي تتحدث عن الرب المذكورة في العهد القديم تقصد الأقانيم الثلاثة، فهنا نجد ان النص يتحدث عن اثنين بصيغة الجمع مما يدل على ان استعمال صيغ الجمع لا يعني دائماً المعنى الحقيقي للجمع بل قد يستخدم للتعظيم والتفخيم وغيرها من الاستخدامات، إلا إذا أصرّت الكنائس على القول أن صيغة الجمع تعني عدداً أكثر من اثنين وهنا عليهم القول ان من أُحصي مع يسوع أو صُلب معه كانوا أكثر من اثنين لان النص يقول أُحصي مع أثمة وليس آثمين، وبالتالي عليهم الاعتراف بأن ما كتب عن صلب اللصين معه ليس صحيحاً.
ويختم الاصحاح بالفقرة التالية:
- وهو حمل خطية كثيرين وشفع في المذنبين. (إشعياء 53: 1-12)
هذه الفقرة تتحدث عن حمل عبد الرب لخطيئة كثير من الناس وشفاعته في المذنبين، وهي تحمل ذات المعاني في فقرات سابقة والتي تحدثت عن حمله لآثامهم وأوجاعهم وأحزانهم، وفي العهد القديم عدة قصص تتحدث عن حمل بعض الناس لآثام بني إسرائيل، وخاصة الكهنة، وكذلك شفاعة بعض الناس في ذنوب بعض المذنبين، كما سنقرأ لاحقاً، وهي لا تعني أن هؤلاء يحملون صفات إلهية توجب عبادتهم من دون الرب كما تقول الأناجيل والكنائس عن يسوع، وبعيدأ عن أن النص يتحدث عن عبد الرب البار وليس عن إله وابن إله وبعيداً عن كل الحقائق التي ظهرت في النص والتي تتناقض مع ما هو مكتوب في الأناجيل، فإن الأناجيل لم تكتب أيّة قصة عن شفاعة يسوع في بعض المذنبين، وكيف تكتب وهو لم يستطع الشفاعة لنفسه مما اضطره للصراخ الى إلهه وهو معلق على الصليب إلهي إلهي لماذا تركتني!
وأما حمله لخطايا الكثير من الناس فهذا ما تقوله الكنائس عن يسوع في قوانين إيمانها، ولكنها لم تستطع قبول حمل يسوع لخطايا اليهود عندما قال يا أبتاه اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون، فإذا لم تقبل الكنائس حمله لخطايا اليهود وشفاعته لذنوبهم، فكيف نستطيع قبول قولهم أن الفقرات السابقة التي تم اقتباسها قد تمت في زمن يسوع، مع ان النص كما قرأنا يتحدث عن عبد الرب وليس عن إله وابن إله وأحد الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر! من هذا كله يظهر لنا أن قانون لا تقبل خبراً كاذباً ينطبق على نصوص الأناجيل السابقة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق