الخميس، 26 يوليو 2018

مصدر قول يسوع عن نزع مملكة الإله من اليهود وإعطائها لأُمة تعمل أثمارها، ومصدر قول يسوع عن علامات آخر الزمان وخراب الهيكل ورجسة الخراب، ومصدر قول يسوع أن الهيكل بيته وبيت أبيه

الفصل الثالث: مصادر الأناجيل وطريقة تأليفها وكتابتها

القسم الخامس: النصوص المستشهد بها في الحوارات والمجادلات
في هذا القسم سنطلع على بعض الحوارات والمُجادلات التي كتبت في الأناجيل وتم الاستشهاد فيها بنصوص من العهد القديم لنرى إن كان كتبة الأناجيل قد نجحوا في كتابة تلك الحوارات والمُجادلات بما يتوافق مع نصوص الأناجيل ونصوص العهد القديم أم أنهم كتبوا حوارات ومجادلات تتناقض مع نصوص الأناجيل ونصوص العهد القديم كما ظهر لنا في القسم السابق.
مصدر قول يسوع عن نزع مملكة الإله من اليهود وإعطائها لأُمة تعمل أثمارها
- قال لهم يسوع أما قرأتم قط في الكتب الحجر الذي رفضه البناؤون هو قد صار رأس الزاوية،
من قبل الرب كان هذا وهو عجيب في أعيننا،
لذلك أقول لكم إن مملكة الإله تنزع منكم وتعطى لأُمة تعمل أثمارها، ومن سقط على هذا الحجر يترضرض ومن سقط هو عليه يسحقه،
ولما سمع رؤساء الكهنة والفريسيون أمثاله عرفوا أنه تكلم عليهم،
وإذ كانوا يطلبون أن يُمسكوه خافوا من الجموع لأنه كان عندهم مثل نبي. (متّى 21: 42-46)
أما قرأتم هذا المكتوب،
الحجر الذي رفضه البناؤون هو قد صار رأس الزاوية. (مرقس 12: 10)
- فنظر إليهم وقال إذاً ما هو هذا المكتوب الحجر الذي رفضه البناؤون هو قد صار رأس الزاوية،
كل من يسقط على ذلك الحجر يترضرض ومن سقط هو عليه يسحقه،
فطلب رؤساء الكهنة والكتبة أن يُلقوا الأيادي عليه في تلك الساعة ولكنهم خافوا الشعب، لأنهم عرفوا أنه قال هذا المثل عليهم. (لوقا 20: 17-19)
هذه النصوص جزء من الحوار الذي حدث بين يسوع واليهود قبل محاكمته ببضعة أيام كما هو مكتوب في الأناجيل، والذي رفض فيه التصريح بمصدر السلطان الذي يعمل به المعجزات، وبعد رفضه التصريح بسلطانه بدأ بتوجيه خطابه لهم معلناً أن العهد مع بني اسرائيل قد انتهى وأنه سيُعطى لأُمة أُخرى تعمل أثماره، واستدل على ذلك بنص من المزامير.
وقبل دراسة نص المزامير أود أن ألفت الانتباه الى أن يسوع نفسه وكذلك التلاميذ واقعون تحت هذا النص أو النبوءة لأنهم جميعاً من بني إسرائيل، وهو لم يُرسل إلا الى بني اسرائيل كما كتبت عنه الاناجيل كما في النصين التاليين:
- فتقدم تلاميذه وطلبوا إليه قائلين اصرفها لأنها تصيح وراءنا،
فأجاب وقال لم أُرسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة. (متّى 15: 23-24)
- هؤلاء الاثنا عشر أرسلهم وأوصاهم قائلاً،
إلى طريق أُمم لا تمضوا إلى مدينة للسامريين لا تدخلوا،
بل اذهبوا بالحري إلى خراف بيت إسرائيل الضالة. (متّى 10: 5-6)
فكل ما يقع على بني اسرائيل في هذا النص أو النبوءة واقع على يسوع وتلاميذه لأنهم من بني اسرائيل!
نأتي الآن لدراسة النص المقتبس من المزامير لنرى إن كان ينطبق على يسوع أو على الكنائس المختلفة التي تقول عن نفسها انها هي الأُمة التي ستُعطى مملكة الإله التي نزعت من بني إسرائيل.
احمدوا الرب لأنه صالح لأن إلى الأبد رحمته،
ليقل اسرائيل إن ألى الأبد رحمته،
ليقل بيتُ هرون إن إلى الأبد رحمته،
ليقل متقو الرب إن إلى الأبد رحمته.
يبدأ المزمور بدعوة الناس لحمد الرب وتمجيده وإعلان أن رحمته إلى الأبد، وإن خص بني إسرائيل وبني هارون بالذكر، وسبب هذا الحمد لأن الرب صالح، وهذا القول كتب مضمونه كتبة الأناجيل وإن كانوا وضعوه في سياق ينقض قوانين إيمان الكنائس القائلة إن يسوع إله وابن إله وأحد الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد، كما في النصوص التالية:
وإذا واحد تقدم وقال له أيها المعلم الصالح أيّ صلاح أعمل لتكون لي الحياة الأبدية،
فقال له لماذا تدعوني صالحاً، ليس أحد صالحاً إلا واحد وهو الإله، ولكن إن أردت أن تدخل الحياة فاحفظ الوصايا. (متّى 19: 16-17)
- وفيما هو خارج إلى الطريق ركض واحد وجثا له وسأله أيها المعلم الصالح ماذا أعمل لأرث الحياة الأبدية،
فقال له يسوع لماذا تدعوني صالحاً، ليس أحد صالح إلا واحد وهو الإله. (مرقس 10: 17-18)
وسأله رئيس قائلاً أيها المعلم الصالح ماذا اعمل لأرث الحياة الأبدية،
فقال له يسوع لماذا تدعوني صالحاً،
ليس أحد صالحاً إلا واحد وهو الإله. (لوقا 18: 18-19)
فاستنكار يسوع لمن دعاه بالصالح وقوله إنه ليس أحد صالح إلا الإله دليل على أنه لا علاقة له بالرب من حيث الصفات والذات، لأنه لو كانت له علاقة من هذه النواحي لما استنكر القول عنه أنه صالح.
- من الضيق دعوتُ الرب فأجابني من الرُّحب،
الرب لي فلا أخاف، ماذا يصنع بي الإنسان،
الربّ لي بين مُعينيّ وأنا سأرى بأعدائي،
الاحتماء بالرب خير من التوكل على إنسان،
الإحتماء بالربّ خيرٌ من التوكل على الرؤساء.
في هذه الفقرات يبدأ إنسان بدعاء الرب في ضيقته فيجيبه الرب من الرحب، وأنا سأعتبر أن الذي يدعو هو يسوع، لسببين الأول أن النص يحتوي على نبوءة حجر الزاوية والكنائس تقول انه يقصدها، ويحتوي كذلك على فقرة مبارك الآتي باسم الرب والتي اقتبسها كتبة الأناجيل وقالوا ان الجموع كانت تهتف بها عند دخول يسوع الى أُورشليم، وإن لم ينسبوها مباشرة للعهد القديم، والسبب الثاني وهو أن الكنائس تقول ان المزامير تمثل روح الأناجيل لأنها تتنبأ عن يسوع، لنرى إن كان هذا صحيحاً أم لا؟
- كل الأُمم أحاطوا بي، باسم الرب أُبيدهم،
أحاطوا بي واكتنفوني، باسم الرب أُبيدهم،
أحاطوا بي مثل النحل، انطفأوا كنار الشوك، باسم الرب أُبيدهم،
دحرتني دحوراً لأسقط، أما الرب فعضدني،
قوتي وترنّمي الربُّ وقد صار لي خلاصاً،
صوت ترنم وخلاص في خيام الصديقين، يمين الربّ صانعة ببأس،
يمين الربّ مرتفعة، يمين الرب صانعة ببأس.
في هذه الفقرات يتحدث ذلك المتكلم بأن كل الأُمم أحاطوا به وانه أبادهم باسم الرب، وهنا نجد أن النص قد بدأ يبتعد عن صورة الأحداث  التي جرت مع يسوع كما هي مكتوبة في الاناجيل، لأنها لم تذكر أي قصة عن إحاطة الأمم بيسوع وانه أبادهم باسم الرب.
فلو كانت الفقرات تقصد تلاميذ يسوع والكنائس وأنهم الأُمة التي ستعطى مملكة الإله، لظهرت حقيقة هذا الأمر ولأبلغنا كتبة الأناجيل كيف أن الأمم قد أحاطت بيسوع وانه أبادهم باسم الرب، لا بل إن الأناجيل الأربعة كتبت عن دفعه الجزية لقيصر، وخضوعه واستسلامه لشرذمة من الجند والخدم الذين ألقوا القبض عليه، وهروب التلاميذ كلهم من حوله!
- لا أموت بل أحيا وأُحدّث بأعمال الرب،
تأديباً أدّبني الربّ وإلى الموت لم يُسلِمَني.
وهذه الفقرات تتناقض مع ما يقوله كتبة الأناجيل عن نهاية يسوع، فهم كتبوا عنه انه عندما صُلب مات وان الرب أسلمه للموت على الرغم من عدم رضا يسوع بهذه النهاية، وتقول أيضاً إن يسوع بقي طوال الليل يُصلي ويدعو أن لا يُصلب وأن تعبر عنه تلك الكأس، وعندما صُلب صرخ بصوت عظيم قائلاً إلهي إلهي لماذا تركتني.
فنهاية يسوع تتناقض مع هذه الفقرات التي تقول إن هذا المتكلم لا يُسلمه الرب الى الموت!
- افتحوا لي أبواب البر، أدخل فيها وأحمد الرب، هذا الباب للرب،
الصّدّيقون يدخلون فيه،
أحمدك لأنك استجبتَ لي وصرت لي خلاصاً.
وهذه الفقرات كسابقاتها لأن آخر جملة قالها يسوع وهو معلق على الخشبة إلهي إلهي لماذا تركتني، أي إن الرب لم يستجب لتضرعاته وصلاته طوال الليلة السابقة كي يُنجيه!
- الحجر الذي رفضه البنّاؤون قد صار رأس الزاوية،
من قبل الرب كان هذا وهو عجيب في أعيننا.
هذه هي الفقرات التي استشهد بها كتبة الأناجيل وهي واضحة ولا تحتاج إلى شرح.
- هذا هو اليوم الذي صنعه الرب نبتهج ونفرح فيه،
آه يا رب خلّص، آه يا رب أنقذ،
وهذه الفقرات لم تتحقق أيضاً لان الرب لم يُخلّص يسوع، ولم ينقذه!
- مبارك الآتي باسم الرب،
باركناكم من بيت الرب.
وهذه الفقرة اقتبسها كتبة الأناجيل وقالوا إن الجموع كانت تهتف بها عند دخول يسوع إلى أُورشليم، إلا أن واقع الحال هو هروب كل تلك الجموع مع تلاميذه من حوله وتركه وحيداً، لا بل إنهم أنكروه وشكوا فيه، وزاد بطرس على الإنكار والشكّ بلعن يسوع، وكلهم لم يصدقوا أنه قام من الأموات، كما هو مكتوب في الأناجيل!
- الرب هو الإله، وقد أنار لنا، أوثقوا الذبيحة بربط إلى قرون المذبح،
إلهي أنت فأحمدك إلهي فأرفعك،
احمدوا الرب لأنه صالح،
لأن إلى الأبد رحمته. (مزمور 118: 1-29)
الرب هو الإله، أي إن الرب هو الإله وليس أحد سواه، والذي يستحق الحمد هو الرب الإله، وان له الحمد وحده إلى الأبد، كما نقرأ مرة ثانية فقرة أن الرب صالح وهو ما قاله يسوع عن الرب واستنكر أن يدعوه أحد بالصالح مما يدل على أن يسوع ليس كما تصفه قوانين إيمان الكنائس من أنه إله وابن الإله والأقنوم الثاني من الأقانيم الثلاثة، لأنه لو كان كذلك لما استنكر مناداته بالصالح.
من هذا الشرح للمزمور نجد أنه يتحدث عن وحدانية الرب خالق السموات والأرض، ولو كان يتحدث عن نزع العهد من بني إسرائيل وإعطائه لأُمة أُخرى فهو بالتأكيد لا يقصد الكنائس التي أقامت إيمانها على تعدد الآلهة ونقضت الكثير من الشرائع والوصايا التي أعطاها الرب لموسى.
مصدر قول يسوع عن علامات آخر الزمان وخراب الهيكل ورجسة الخراب
- وَفِيمَا هُوَ جَالِسٌ عَلَى جَبَلِ الزَّيْتُونِ، تَقَدَّمَ إِلَيْهِ التَّلاَمِيذُ عَلَى انْفِرَادٍ قَائِلِينَ:«قُلْ لَنَا مَتَى يَكُونُ هذَا؟ وَمَا هِيَ عَلاَمَةُ مَجِيئِكَ وَانْقِضَاءِ الدَّهْرِ؟»، فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ:«انْظُرُوا! لاَ يُضِلَّكُمْ أَحَدٌ. فَإِنَّ كَثِيرِينَ سَيَأْتُونَ بِاسْمِي قَائِلِينَ: أَنَا هُوَ الْمَسِيحُ! وَيُضِلُّونَ كَثِيرِينَ. وَسَوْفَ تَسْمَعُونَ بِحُرُوب وَأَخْبَارِ حُرُوبٍ. اُنْظُرُوا، لاَ تَرْتَاعُوا. لأَنَّهُ لاَ بُدَّ أَنْ تَكُونَ هذِهِ كُلُّهَا، وَلكِنْ لَيْسَ الْمُنْتَهَى بَعْدُ. لأَنَّهُ تَقُومُ أُمَّةٌ عَلَى أُمَّةٍ وَمَمْلَكَةٌ عَلَى مَمْلَكَةٍ، وَتَكُونُ مَجَاعَاتٌ وَأَوْبِئَةٌ وَزَلاَزِلُ فِي أَمَاكِنَ. وَلكِنَّ هذِهِ كُلَّهَا مُبْتَدَأُ الأَوْجَاعِ. حِينَئِذٍ يُسَلِّمُونَكُمْ إِلَى ضِيق وَيَقْتُلُونَكُمْ، وَتَكُونُونَ مُبْغَضِينَ مِنْ جَمِيعِ الأُمَمِ لأَجْلِ اسْمِي. وَحِينَئِذٍ يَعْثُرُ كَثِيرُونَ وَيُسَلِّمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَيُبْغِضُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا. وَيَقُومُ أَنْبِيَاءُ كَذَبَةٌ كَثِيرُونَ وَيُضِلُّونَ كَثِيرِينَ. وَلِكَثْرَةِ الإِثْمِ تَبْرُدُ مَحَبَّةُ الْكَثِيرِينَ. وَلكِنِ الَّذِي يَصْبِرُ إِلَى الْمُنْتَهَى فَهذَا يَخْلُصُ. وَيُكْرَزُ بِبِشَارَةِ الْمملكة هذِهِ فِي كُلِّ الْمَسْكُونَةِ شَهَادَةً لِجَمِيعِ الأُمَمِ. ثُمَّ يَأْتِي الْمُنْتَهَى.«فَمَتَى نَظَرْتُمْ «رِجْسَةَ الْخَرَابِ» الَّتِي قَالَ عَنْهَا دَانِيآلُ النَّبِيُّ قَائِمَةً فِي الْمَكَانِ الْمُقَدَّسِ ­لِيَفْهَمِ الْقَارِئُ­، فَحِينَئِذٍ لِيَهْرُب الَّذِينَ فِي الْيَهُودِيَّةِ إِلَى الْجِبَالِ، وَالَّذِي عَلَى السَّطْحِ فَلاَ يَنْزِلْ لِيَأْخُذَ مِنْ بَيْتِهِ شَيْئًا، وَالَّذِي فِي الْحَقْلِ فَلاَ يَرْجعْ إِلَى وَرَائِهِ لِيَأْخُذَ ثِيَابَهُ. وَوَيْلٌ لِلْحَبَالَى وَالْمُرْضِعَاتِ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ! وَصَلُّوا لِكَيْ لاَ يَكُونَ هَرَبُكُمْ فِي شِتَاءٍ وَلاَ فِي سَبْتٍ، لأَنَّهُ يَكُونُ حِينَئِذٍ ضِيقٌ عَظِيمٌ لَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ مُنْذُ ابْتِدَاءِ الْعَالَمِ إِلَى الآنَ وَلَنْ يَكُونَ. وَلَوْ لَمْ تُقَصَّرْ تِلْكَ الأَيَّامُ لَمْ يَخْلُصْ جَسَدٌ. وَلكِنْ لأَجْلِ الْمُخْتَارِينَ تُقَصَّرُ تِلْكَ الأَيَّامُ. حِينَئِذٍ إِنْ قَالَ لَكُمْ أَحَدٌ: هُوَذَا الْمَسِيحُ هُنَا! أَوْ: هُنَاكَ! فَلاَ تُصَدِّقُوا. لأَنَّهُ سَيَقُومُ مُسَحَاءُ كَذَبَةٌ وَأَنْبِيَاءُ كَذَبَةٌ وَيُعْطُونَ آيَاتٍ عَظِيمَةً وَعَجَائِبَ، حَتَّى يُضِلُّوا لَوْ أَمْكَنَ الْمُخْتَارِينَ أَيْضًا. هَا أَنَا قَدْ سَبَقْتُ وَأَخْبَرْتُكُمْ. فَإِنْ قَالُوا لَكُمْ: هَا هُوَ فِي الْبَرِّيَّةِ! فَلاَ تَخْرُجُوا. هَا هُوَ فِي الْمَخَادِعِ! فَلاَ تُصَدِّقُوا. لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الْبَرْقَ يَخْرُجُ مِنَ الْمَشَارِقِ وَيَظْهَرُ إِلَى الْمَغَارِبِ، هكَذَا يَكُونُ أَيْضًا مَجِيءُ ابْنِ الإِنْسَانِ. لأَنَّهُ حَيْثُمَا تَكُنِ الْجُثَّةُ، فَهُنَاكَ تَجْتَمِعُ النُّسُورُ. «وَلِلْوَقْتِ بَعْدَ ضِيقِ تِلْكَ الأَيَّامِ تُظْلِمُ الشَّمْسُ، وَالْقَمَرُ لاَ يُعْطِي ضَوْءَهُ، وَالنُّجُومُ تَسْقُطُ مِنَ السَّمَاءِ، وَقُوَّاتُ السَّمَاوَاتِ تَتَزَعْزَعُ. وَحِينَئِذٍ تَظْهَرُ عَلاَمَةُ ابْنِ الإِنْسَانِ فِي السَّمَاءِ. وَحِينَئِذٍ تَنُوحُ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ، وَيُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ آتِيًا عَلَى سَحَاب السَّمَاءِ بِقُوَّةٍ وَمَجْدٍ كَثِيرٍ. فَيُرْسِلُ مَلاَئِكَتَهُ بِبُوق عَظِيمِ الصَّوْتِ، فَيَجْمَعُونَ مُخْتَارِيهِ مِنَ الأَرْبَعِ الرِّيَاحِ، مِنْ أَقْصَاءِ السَّمَاوَاتِ إِلَى أَقْصَائِهَا. فَمِنْ شَجَرَةِ التِّينِ تَعَلَّمُوا الْمَثَلَ: مَتَى صَارَ غُصْنُهَا رَخْصًا وَأَخْرَجَتْ أَوْرَاقَهَا، تَعْلَمُونَ أَنَّ الصَّيْفَ قَرِيبٌ. هكَذَا أَنْتُمْ أَيْضًا، مَتَى رَأَيْتُمْ هذَا كُلَّهُ فَاعْلَمُوا أَنَّهُ قَرِيبٌ عَلَى الأَبْوَابِ. اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لاَ يَمْضِي هذَا الْجِيلُ حَتَّى يَكُونَ هذَا كُلُّهُاَلسَّمَاءُ وَالأَرْضُ تَزُولاَنِ وَلكِنَّ كَلاَمِي لاَ يَزُولُ. «وَأَمَّا ذلِكَ الْيَوْمُ وَتِلْكَ السَّاعَةُ فَلاَ يَعْلَمُ بِهِمَا أَحَدٌ، وَلاَ مَلاَئِكَةُ السَّمَاوَاتِ، إِلاَّ أَبِي وَحْدَهُ. (متّى 24: 3-36)
- فمتى نظرتم رجسة الخراب التي قال عنها دانيال النبي قائمة حيث لا ينبغي، ليفهم ألقارئ،
فحينئذ ليهرب الذين في اليهودية الى الجبال. (مرقس 13: 14)
الحق أقول لكم لا يمضي هذا الجيل حتى يكون هذا كله،
السماء والارض تزولان ولكن كلامي لا يزول،
وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد ولا الملائكة الذين في السماء ولا الابن إلا الأب. (مرقس 13: 30-32)
في إنجيل لوقا حديث عن الأُمور التي ستحدث في نهاية الزمان تشبه ما هو مكتوب في انجيلي متّى ومرقس إلا انه لم ينسبها الى رجسة الخراب التي ذكرها دانيال، وقال خلال النصّ مخاطباً تلاميذه ولكن شعرة من رؤوسكم لا تهلك، وقال معقباً على ذلك بالقول لان هذه أيام انتقام ليتمّ كل ما هو مكتوب، ثم قال الحق أقول لكم انه لا يمضي هذا الجيل حتى يكون الكل، السماء والارض تزولان ولكن كلامي لا يزول. (لوقا 21: 5-33)
هذه النصوص استكمال للحوارات السابقة وهي تتحدث عن الأُمور التي ستحدث في آخر الزمان وكما هو ملاحظ فان اثنين منها نسبا هذه الأمور الى رجسة الخراب التي قال عنها دانيال والثالث لم ينسبها الى رجسة الخراب ولكنه قال ليتم كل ما هو مكتوب.
ورجسة الخراب مذكورة في سفر دانيال كما قال متّى ومرقس، وهنا لا بد من تسجيل عدد من الملاحظات على ما هو مكتوب في نصوص الأناجيل.
الملاحظة الاولى وهي على اتفاق الاناجيل الثلاثة على القول الحق أقول لكم لا يمضي هذا الجيل حتى يكون هذا كله.
وهذا يعني ان كل تلك الأمور التي كتبت في الاناجيل على لسان يسوع كان يجب أن تقع قبل نهاية الجيل الذي كان في زمن يسوع، وهو ما لم يحدث، ونحن نعيش الآن بعد مضي ذلك الجيل بأكثر من تسعة عشر قرناً ولم يحدث ما كتبت الاناجيل عنه من انه سيكون قبل مضي ذلك الجيل، وهذا يعطينا مؤشراً لحقيقة ما كتبه كتبة الاناجيل على لسان يسوع ومدى صدقه، وخاصة أنهم حاولوا أن يظهروا صدق ما كتبوه بقول آخر اتفق كتبة الاناجيل الثلاثة على كتابته على لسان يسوع وهو قوله السماء والارض تزولان ولكن كلامي لا يزول، وهذا القول أشد من القول السابق لأنه يُظهر ان كلام يسوع قد زال ولم يتحقق والسماء والارض باقيتان ولم تزولا!
الملاحظة الثانية وهي على قول متّى على لسان يسوع وصلوا لكي لا يكون هربكم في شتاء ولا في سبت. وهذا يدل على التزام يسوع بالسبت وإلزام أتباعه به الى آخر الزمان، وهو ما لم تلتزم به الكنائس المختلفة لأنها التزمت بيوم الشمس، أي يوم الأحد، وهذا يبين مدى مخالفة الكنائس ليسوع حتى بما كتبته الاناجيل على لسانه من تعاليم.
الملاحظة الثالثة وهي على قول متّى وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد ولا ملائكة السماء إلا أبي وحده، وقول مرقس وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد ولا الملائكة الذين في السماء ولا الابن إلا الأب، فهاتان الفقرتان تنقضان قوانين إيمان الكنائس التي تتحدث عن مساواة الأقانيم الثلاثة في الصفات والقدرات واتحادها في الجوهر، لأنهما تتحدثان عن جهل يسوع بالغيب وبيوم القيامة وهذا الأمر لا يدل على المساواة!
الملاحظة الرابعة وهي على كتابة لوقا على لسان يسوع قوله ولكن شعرة من رؤوسكم لا تهلك، فهذا القول يُعتبر نبوءة من يسوع لتلاميذه من أن شعرة واحدة من رؤوسهم لن تهلك، والجميع يعلم أن هذه النبوءة لم تتحقق، ككل نبوءاته التي لم يتحقق منها شيء، لان جميع التلاميذ ماتوا وهلكوا هم وشعورهم!
وأنا أتساءل لماذا لم يكتب كتبة الاناجيل قصة تقول ان أحد التلاميذ اختفى ولم يمت حتى يقولوا ان شعر ذلك التلميذ لم يهلك بعد؟
أو لماذا لم يحتفظوا ببعض الشعر ويقولوا انه شعر أحد أولئك التلاميذ وهو محفوظ ولم يهلك حتى تكون رجسة الخراب التي قال عنها دانيال؟!
والأغرب من هذا هو كتابة لوقا في أعمال الرسل لهذه النبوءة بعينها على لسان بولس وقوله إنها تحققت، كما في النصين التاليين:
- لذلك التمس منكم أن تتناولوا طعاماً لأن هذا يكون مفيداً لنجاتكم لأنه لا تسقط شعرة من رأس واحد منكم. (أعمال الرسل 27: 34)
فهكذا حدث أن الجميع نجوا الى البر. (أعمال الرسل 27: 44)
فهذه النبوءة لم تتحقق كما قال يسوع في حين تحققت كما قال بولس!
وأما رجسة الخراب أو إقامة رجس المخرب كما هو مكتوب في سفر دانيال فهي عبارة عن حديث عن آخر الزمان وما يقع فيه من حوادث وهي كلمات مخفية ومختومة كما قال دانيال نفسه في النص!
وأنا سأوردها فقط دون الحاجة للتعليق عليها لأنها مخفية ومختومة، وهي كما يلي:
- فسمعت الرجل اللابس الكتّان الذي من فوق مياه النهر إذ رفع يمناه ويسراه نحو السموات وحلف بالحيّ الى الأبد أنه الى زمان وزمانين ونصف،
فإذا تم تفريق أيدي الشعب المقدس تتمّ كل هذه،
وأنا سمعت وما فهمت،
فقلت يا سيدي ما هي آخر هذه،
فقال اذهب يا دانيال لأن الكلمات مخفية ومختومة الى وقت النهاية،
كثيرون يتطهرون ويُبيّضون ويُمحّصون،
أما الأشرار فيفعلون شرّاً ولا يفهم أحد الأشرار ولكن الفاهمون يفهمون،
ومن وقت إزالة المحرقة الدائمة وإقامة رجس المُخرَّب ألف ومئتان وتسعون يوماً،
طوبى لمن ينتظر ويبلغ إلى الألف والثلاث مئة والخمسة والثلاثين يوماً،
أما أنت فاذهب الى النهاية فتستريح وتقوم لقرعتك في نهاية الأيام. (دانيال 12: 7-13)
من خلال هذه القراءة لنصوص الاناجيل ونص دانيال نخرج بذات النتيجة وهي أن كتبة الاناجيل كانوا يقتبسون نصوصاً من العهد القديم، بغض النظر عن مناقضتها للواقع أو مناقضتها لنصوص العهد القديم، لإضفاء حالة من القداسة والمصداقية على ما كتبوه من خلال تشابه النصوص أو الاقتباسات، وهو ما ينطبق عليه قانون لا تقبل خبراً كاذباً.
مصدر قول يسوع أن الهيكل بيته وبيت أبيه
- ولما دخل أُورشليم ارتجّت المدينة كلها قائلة من هذا،
فقالت الجموع هذا يسوع النبي الذي من ناصرة الجليل،
ودخل يسوع إلى هيكل الإله وأخرج جميع الذين كانوا يبيعون ويشترون في الهيكل، وقلب موائد الصيارفة وكراسي باعة الحمام،
وقال لهم مكتوب بيتي بيت الصلاة يُدعى،
وأنتم جعلتموه مغارة لصوص. (متّى 21: 10-13)
- وجاءوا إلى أُورشليم، ولما دخل يسوع الهيكل ابتدأ يُخرج الذين كانوا يبيعون ويشترون في الهيكل وقلب موائد الصيارفة وكراسي باعة الحمام، ولم يدع أحداً يجتاز الهيكل بمتاع،
وكان يُعلم قائلاً لهم أليس مكتوباً بيتي بيت صلاة يُدعى لجميع الأمم، وأنتم جعلتموه مغارة لصوص. (مرقس 11: 15-17)
- ولما دخل الهيكل ابتدأ يُخرج الذين كانوا يبيعون ويشترون فيه، قائلاً لهم مكتوب أن بيتي بيت الصلاة، وأنتم جعلتموه مغارة لصوص. (لوقا 19: 45-46)
- وكان فصح اليهود قريباً فصعد يسوع إلى أُورشليم،
ووجد في الهيكل الذين كانوا يبيعون بقراً وغنماً وحماماً والصيارف جلوساً، فصنع سوطاً من حبال وطرد الجميع من الهيكل،
الغنم والبقر وكبّ دراهم الصيارف وقلب موائدهم، وقال لباعة الحمام ارفعوا هذه من ههنا،
لا تجعلوا بيت ابي بيت تجارة،
فتذكر تلاميذه أنه مكتوب غيرة بيتك أكلتني. (يوحنا 2: 13-17)
هذه النصوص تمثل حواراً آخر بين يسوع واليهود، وهي محاولة أُخرى من الكتبة للقول ان يسوع ابن الإله، إلا انها تحمل في طياتها نقض لهذا القول، فمتّى يقول ان الجموع كانت تقول عنه انه نبي وهذه الجموع هم تلاميذه وأتباعه، والفرق كبير جداً، لا بل انه لا مجال للمقارنة، بين الإله والنبي.
وأما طريقة كتابتها والاستشهاد بنصوص العهد القديم فهي تؤكد خطأ هذا القول، كما تشير في ذات الوقت الى طريقة كتابة الاناجيل ومصادرها، وأنها عبارة عن أخذ فقرات من العهد القديم ووضعها في قالب قصصي لخدمة ما يؤمن به كتبة الأناجيل من أقوال وصفات ليسوع، وهذا يظهر في أمرين، الأول وهو طريقة كتابة النصوص، والثاني مدى مطابقة نصوص العهد القديم مع واقع حال يسوع كما هو مكتوب في الاناجيل، أما بالنسبة لطريقة كتابة النصوص فمتّى ولوقا وضعاها ضمن كلام يسوع المباشر، ومرقس وضعها ضمن تعليم يسوع لهم، أي انه لم يقل لهم القول مباشرة وإنما خلال تذكيرهم بما هو مكتوب في العهد القديم، وأما يوحنا فقد وضعها ضمن قصة أُخرى قال انها حدثت أول كرازة يسوع ومن ثم استشهد بنص آخر ووضعه في إطار كلام التلاميذ بعد رفع يسوع!
وأما مدى مطابقة النصوص المستشهد بها مع ما هو مكتوب في الاناجيل عن يسوع فهذا سنطلع عليه من خلال قراءة تلك النصوص وهي كما يلي:
هكذا قال الرب احفظوا الحق وأجروا العدل،
لأنه قريب مجيء خلاصي واستعلان برّي،
طوبى للانسان الذي يعمل هذا،
ولابن الانسان الذي يتمسك به الحافظ السبت لئلا يُنجسه،
والحافظ يده من كل عمل شرّ،
فلا يتكلم ابن الغريب الذي اقترن بالرب قائلاً إفرازاً أفرَزني الربُّ من شعبه، ولا يقل الخصي ها أنا شجرة يابسة،
لأنه هكذا قال الرب للخصيان الذين يحفظون سبوتي ويختارون ما يسُرُّني ويتمسكون بعهدي،
إني أُعطيهم في بيتي وفي أسواري نُصباً واسماً أفضل من البنين والبنات، أُعطيهم اسماً أبدياً لا ينقطع،
وأبناء الغريب الذين يقترنون بالرب ليخدموه وليُحبوا اسم الرب ليكونوا له عبيداً كل الذين يحفظون السبت لئلا يُنجسوه ويتمسكون بعهدي،
آتي بهم الى جبل قدسي وأُفرّحهم في بيت صلاتي وتكون مُحرقاتهم وذبائحهم مقبولة على مذبحي،
لأن بيتي بيت الصلاة يُدعى لكل الشعوب. (إشعياء 56: 1-7)
في هذا النص نقرأ كلاماً عن حفظ السبت وهو ما لم يلتزم به كتبة الاناجيل ولا الكنائس المختلفة مما يدل على نقضهم له، وأما الفقرة الاخيرة التي اقتبسها متّى ومرقس ولوقا فنجد أن مرقس قد التزم بحرفية النص تقريباً في حين أن الآخرين قاما بحذف فقرة، يدعى لكل الشعوب، وأما قوله وانتم جعلتموه مغارة لصوص فمع أنه لا ينطبق على ما كان يفعله الصيارفة والباعة، إلا أنه بعد البحث في العهد القديم وجدت نصاً يتحدث عن البيت كمغارة للصوص وهذا يثبت أن الاناجيل كتبت في مجملها من نصوص العهد القديم لإضفاء حالة من القداسة عليها من خلال إحداث التشابه بينها وبين العهد القديم، والنص الذي تحدث عن البيت كمغارة للصوص في ما يلي نصه:
- أتسرقون وتقتلون وتزنون وتحلفون كذباً،
وتبخرون للبعل،
وتسيرون وراء آلهة أخرى لم تعرفوها،
ثم تأتون وتقفون أمامي في هذا البيت الذي دُعي باسمي عليه وتقولون قد أُنقذنا، حتى تعملوا كل هذه الرجاسات،
هل صار هذا البيت الذي دُعي باسمي عليه مغارة لصوص في أعينكم،
هاأنذا أيضاً قد رأيتُ، يقول الرب. (إرميا 7: 9-11)
في هذا النص نقرأ كلاماً عن آلهة أُخرى سار وراءها بنو اسرائيل ولم يعرفوها من قبل، وهذا القول ينطبق على الآلهة الثلاث التي يعبدها كتبة الأناجيل والكنائس المختلفة، فهذه الآلهة لم يأمر الرب بعبادتها في العهد القديم، ولم يعبدها أحد من أنبياء بني إسرائيل أو يدعو لعبادتها.
وأما يوحنا فقد استشهد بنص آخر، وهو كما يلي:
يا إله أنت عرفت حماقتي وذنوبي عنك لم تخفَ،
لا يخز بي منتظروك يا سيد رب الجنود،
لا يخجل بي ملتمسوك يا إله اسرائيل،
لأني من أجلك احتملت العار، غطى الخجل وجهي،
صرتُ أجنبياً عند إخوتي وغريباً عند بني أُمي،
لأن غيرة بيتك أكلتني،
وتعييرات مُعيّريك وقعت عليّ. (مزمور 69: 5-9)
هذه الفقرات جزء من المزمور الذي ناقشته سابقاً وأظهرت أنه لا يتحدث عن يسوع، وهذه الفقرات تتحدث عن حماقة المتكلم وارتكابه للذنوب التي لا تخفى على الرب، مما يؤكد أن هذا النص لا يتحدث عن يسوع، لأنه بحسب الاناجيل وقوانين إيمان الكنائس هو الأُقنوم الثاني من الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر، كما أنها تقول انه لم يرتكب أي ذنب، وأما قول المتكلم عن حماقته فهذا لا أظن أن أحداً من الكتبة أو الكنائس يقول عن يسوع أنه أحمق!
من كل ما سبق يظهر لنا أن كتبة الاناجيل لم ينجحوا في صياغة القصة بطريقة تتوافق مع حياة يسوع كما هي مكتوبة في الاناجيل كما أنها لا تتوافق مع نصوص العهد القديم، وبالتالي ينطبق عليها قانون لا تقبل خبراً كاذباً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق