الجمعة، 27 يوليو 2018

مصدر قصة اقتسام ثياب يسوع

الفصل الثالث: مصادر الأناجيل وطريقة تأليفها وكتابتها

القسم الرابعالنصوص المنسوبة مباشرة للعهد القديم
في هذا القسم سنطلع على النصوص المنسوبة للعهد القديم مباشرة وقول كتبة الأناجيل أنها لم تتم وتكتمل وتحدث إلا في يسوع وزمنه وجيله، لنرى حقيقتها ومدى صدق ما قاله الكتبة عنها.
11 - مصدر قصة اقتسام ثياب يسوع
- ولما صلبوه اقتسموا ثيابه مقترعين عليها،
لكي يتم ما قيل بالنبي اقتسموا ثيابي بينهم وعلى لباسي ألقوْا قرعة. (متّى 27: 35)
- ولما صلبوه اقتسموا ثيابه مقترعين عليها ماذا يأخذ كل واحد. (مرقس 15: 24)
- فقال يسوع يا أبتاه اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون،
وإذ اقتسموا ثيابه اقترعوا عليها. (لوقا 23: 34)
- ثم ان العسكر لما كانوا قد صلبوا يسوع أخذوا ثيابه وجعلوها أربعة أقسام لكل عسكري قسماً،
وأخذوا القميص أيضاً،
وكان القميص بغير خياطة منسوجاً كله من فوق،
فقال بعضهم لبعض لا نشقه بل نقترع عليه لمن يكون،
ليتم الكتاب القائل اقتسموا ثيابي بينهم وعلى لباسي ألقوْا قرعة، هذا فعله العسكر. (يوحنا 19: 23-24)
في هذه النصوص نقرأ قصة اقتسام العسكر لثياب يسوع، الأُقنوم الثاني من الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر! وكما هو ملاحظ فان متّى ويوحنا نسباها مباشرة الى العهد القديم وأما مرقس ولوقا فاكتفيا بذكرها دون نسبتها، والنص المقتبس مكتوب في المزمور الثاني والعشرين وهو كما يلي:
إلهي إلهي لماذا تركتني بعيداً عن خلاصي عن كلام زفيري،
إلهي في النهار أدعو فلا تستجيب في الليل أدعو فلا هُدُوّ لي.
هذه بداية المزمور وفيها يظهر انسان يدعو إلهه، وهو يسوع كما يقول كتبة الاناجيل والكنائس، ويتساءل عن سبب تركه له، والفقرة الأُولى كتبها  متّى ومرقس على لسان يسوع وقالا انها آخر كلمات قالها وهو مُعلق على الصليب، وهذا سأناقشه فيما بعد، ولهذا يجب قراءة المزمور كاملاً لنرى إن كان يتحدث عن يسوع أم لا، وما يهم في هذه الفقرات هو ان الرب ترك هذا القائل، وانه سواء دعا في النهار أو في الليل فإن الرب لن يستجيب له!
وهذا الأمر يطرح أسئلة عن قدرة يسوع وعن دوره بين الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر كما تقول قوانين إيمان الكنائس المختلفة، وهل هو احدهم، هذا إذا كانوا موجودين أصلاً، وهم ليسوا بموجودين؟!
وإذا كان احدهم فلماذا نراه لا حول له ولا قوة حتى انه يضطر الى دعاء احدهم، وهو هنا يقول عنه انه إلهه، بكل خضوع في النهار والليل فلا يستجيب له بل يتركه لمصيره؟!
أم نقول ان الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر الحالون في جسد يسوع لهم إلهاً يدعونه في الليل والنهار كي يستجيب لمطالبهم، والنص يقول انه لم يستجب لتلك المطالب!
وإذا كان ليسوع إلهاً يدعوه ويطلب منه المساعدة، أليس من الأفضل  لأتباع الكنائس الطيبين ان يعبدوا إله يسوع القادر على فعل كل شيء، ويتركوا عبادة يسوع الذي لا يستطيع ان يخلص نفسه فضلاً عن تخليص غيره؟
- وأنت القدوس الجالس بين تسبيحات اسرائيل،
عليك اتكل آباؤنا، اتكلوا فنجّيتهم، إليك صرخوا فنجوا، عليك اتكلوا فلم يخزوا.
في هذه الفقرات يقول المتكلم في المزمور أن إلهه نجّى بني اسرائيل عندما اتكلوا على الرب.
- أمّا أنا فدودة لا إنسان،
عار عند البشر ومحتقر الشعب.
إن وجود هذه الفقرة في المزمور كان يجب أن يعطي كتبة الاناجيل أعظم الإشارات الى عدم الاقتباس منه والبحث في مزامير أُخرى، أو غيرها من كتب الأنبياء، ليقتبسوا منها نصوصاً تتحدث عن اقتسام ثياب يسوع والاقتراع على لباسه، ويكتبوها في أناجيلهم ليقولوا أن العهد القديم كان يتنبأ عن يسوع وأن قصص العهد القديم لم تحدث ولم تتم ولم تكتمل إلا في يسوع وحياته وزمانه، وأما هذا المزمور فمن الصعب تقبل أنه يتحدث عن يسوع، لأن وصف المتحدث نفسه بأنه دودة لا يمكن تقبله إذا كان المتحدث هو يسوع كما يقول كتبة الأناجيل والكنائس، ولست ادري إن كان كتبة الأناجيل قد قرؤوا هذه الفقرة أم لا، وإذا قرؤوها، فلماذا لم يكتبوا قصة تظهر أن يسوع كان دودة كما قالوا ان الجند اقتسموا ثيابه ليتم الكتاب؟
- كل الذين يرونني يستهزئون بي،
يفغرون الشفاه ويُنغِضون الرأس قائلين، اتكل على الرب فليُنجِّه،
ليُنقذه لأنه سُرّ به،
لأنك أنت جذبتني من البطن،
جعلتني مطمئنا على ثديي أُمي،
عليك أٌلقيت من الرحم،
من بطن أُمي أنت إلهي،
لا تتباعد عنّي لأن الضيق قريب،
لأنه لا مُعين.
هذه الفقرات اقتبس كتبة الأناجيل منها بعض الأحداث التي كتبوها ولكن دون نسبتها له مباشرة، كقول من حضر عملية الصلب قد اتكل على الرب فلينقذه الآن إن أراده، (متّى 27: 43)، ولكن وصف المتكلم نفسه بالدودة في الفقرة السابقة تثبت خطأ هذه الاقتباسات.
- أحاطت بي ثيران كثيرة،
أقوياء باشان اكتنفتني،
فغروا عليّ أفواههم كأسد مُفترس مُزمجر.
وأما هذه الفقرات فلم يكتب كتبة الاناجيل قصصاً تتحدث عما فيها، فلم يكتبوا عن إحاطة الثيران بيسوع، أو عن اكتنافه من قبل أقوياء باشان وفغرهم أفواههم عليه كأسد مفترس مزمجر، لو كان المزمور يتحدث عن يسوع!
- كالماء انسكبتُ، انفصلت كل عظامي، صار قلبي كالشمع، قد ذاب في وسط أمعائي، يبستْ مثل شقفة قوتي ولصق لساني بحنكي.
وهذه الفقرات أيضاً لم يكتب كتبة الاناجيل قصصاً تحوي مضمونها كما هي عادتهم في الاقتباس من نصوص العهد القديم، فهم لم يذكروا ان عظام يسوع كلها قد انفصلت وان قلبه صار كالشمع وان لسانه لصق بحنكه!
- والى تراب الموت تضعُني،
لأنه قد أحاطت بي كلابٌ، جماعة من الأشرار اكتنفتني،
ثقبوا يديّ ورجليّ،
أُحصي كل عظامي.
من هذه الفقرات اقتبس كتبة الأناجيل قصة ثقب يدي ورجلي يسوع، ولكنهم لم يكتبوا عن إحصاء عظامه! وأما قول المتكلم ان الرب سيضعه في تراب الموت فهو يدل على أن المتكلم لا علاقة له بالرب الخالق سوى الخضوع لمشيئته، وأنه لا يحمل أي صفات إلهية لأن الرب الخالق حي الى الأبد وهذا المتكلم يتحدث عن موت نفسه.
- وهم ينظرون ويتفرّسون فيّ،
يقسمون ثيابي بينهم وعلى لباسي يقترعون.
هذه الفقرة هي التي اقتبسها كتبة الاناجيل للقول ان الجند اقتسموا ثياب يسوع وألقوا قرعة على لباسه، ولكنهم تناسوا ان هذه الفقرة جزء من المزمور الذي يقول المتكلم فيه أنه دودة لا إنسان، كما انني أتساءل أين قرأ كتبة الأناجيل عن صلب الجسد الذي حلت فيه الأقانيم الثلاثة أو أحدها في المزمور، وهو كما نقرأ مناجاة من المتكلم للرب خالق السموات والأرض؟!
- أما أنت يا رب فلا تبعُد،
يا قوتي أسرع الى نصرتي،
أنقذ من السيف نفسي.
هذه الفقرات أيضاً لم يكتب كتبة الاناجيل قصة تظهر ان يسوع أُنقذ من السيف حتى  يمكن القول ان هذا المزمور يتحدث عن يسوع!
- من يد الكلب وحيدتي،
خلصني من فم الأسد ومن قرون بقر الوحش، استجب لي.
وهذه الفقرات كسابقاتها لم تذكر الأناجيل قصصاً تقول ان يسوع أُنقض من الكلاب، أو انه تم تخليصه من فم أسد، أو تمّت نجاته من قرون بقر الوحش، كما كتبوا عن اقتسام ثيابه واقتراعهم على لباسه استناداً على هذا المزمور.
- أُخبر باسمك إخوتي.
وهذه الفقرة أظنها أيضاً من ضمن المصادر التي اعتمد عليها كتبة الأناجيل في الحديث عن وجود إخوة وأخوات ليسوع، وأعجب من ذكر هؤلاء الإخوة هو ان يوحنا قال عنهم انهم لم يكونوا مؤمنين بيسوع! وباقي المزمور دعوة متجددة لعبادة الإله الواحد الحق الذي له المُلك، وهو ما فعله ذلك الانسان، سواء يسوع أو غيره، بتسبيحه الرب في كل وقت وفي وسط كل جماعة، في حين أن كتبة الأناجيل والكنائس لم يلتزموا به.
- في وسط الجماعة أُسبحك،
يا خائفي الرب سبحوه، ومجّدوه يا معشر ذريّة يعقوب، واخشوْه يا زرع اسرائيل جميعاً،
لأنه لم يحتقر ولم يُرذِل مسكنة المسكين، ولم يحجب وجهه عنه بل عند صراخه إليه استمع، من قِبلك تسبيحي في الجماعة العظيمة،
أُوفي بنذوري قدّام خائفيه، يأكل الودعاء ويشبعون،
يُسبح الرب طالبوه،
تحيا قلوبكم الى الأبد،
تذكرُ وترجعُ الى الرب كل أقاصي الأرض وتسجد قدامه كل قبائل الأُمم،
لأن للرب المُلك وهو المتسلط على الأُمم،
أكل وسجد كل سميني الأرض،
قدّامه يجثوا كل من ينحدر الى التراب ومن لم يُحي نفسه،
الذرية تتعبد له،
يُخبّر عن الرب الجيل الآتي،
يأتون ويخبرون ببرّه شعباً سيُولد بأنه قد فعل. (مزمور 22: 1-31)
من خلال هذه القراءة للمزمور الذي اقتطع منه كتبة الاناجيل فقرة اقتسام الثياب والاقتراع عليها نجد أنه لا يتحدث عن يسوع من قريب ولا بعيد، وهو يظهر طريقة كتبة الاناجيل في كتابة قصصهم من خلال الاقتباس من نصوص العهد القديم سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة لإضفاء حالة من المصداقية والقداسة على كتبهم، بغض النظر عن مدى مطابقة ما يكتبونه مع حقيقة ما تتحدث عنه تلك النصوص، وهذا يشير الى أن قانون لا تقبل خبراً كاذباً ينطبق على هذه القصة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق