الجمعة، 27 يوليو 2018

طريقة كتابة وتأليف الأناجيل

الفصل الثالث: مصادر الأناجيل وطريقة تأليفها وكتابتها

علاقة كتبة الأناجيل بالعهد القديم
الحقيقة الرابعة التي أغفلتها المدارس التي بحثت عن مصادر الأناجيل هي الدراسة الموضوعية لنصوص العهد القديم التي تم الاستشهاد بها في الأناجيل لمعرفة صحة الاستشهاد، ومدى دقة اقتباس كتبة الأناجيل لها، وكذلك دراسة القصص التي وُضعت في سياقها تلك النصوص، لمعرفة المصداقية التاريخية  لها.
إن دراسة نصوص الأناجيل بهذه الطريقة سترشدنا بكل وضوح الى المصادر التي اعتمد عليها كتبة الأناجيل، وطريقة كتابتها وتأليفها، وهل كانت بناءاً على أحداث تاريخية تمت مشاهدتها أو سماعها من مصادر موثوقة وبسوْق من الروح المقدس، أم لا؟
أول ما يلفت نظر الباحث في العهد الجديد عامة والأناجيل خاصة هو كثرة النصوص المستشهد بها من العهد القديم، وهذا الأمر تعتبره الكنائس المختلفة نبوءات تحدثت عن يسوع، ودليل على ارتباطهما ببعض وأن العهد الجديد هو امتداد للعهد القديم، وأن كتبتها تلقوها من ذات المصدر الذي تلقى منه كتبة العهد القديم وهو الوحي أو الروح، ولكن بعد إظهار تناقض أُصول الأناجيل مع أُصول العهد القديم، وما ظهر لنا من أنها لم تكتب بأي طريقة من طرق الوحي يجب علينا التوقف عند هذه الظاهرة، ودراستها بالتفصيل لنعرف الأسباب التي جعلت كتبة الأناجيل يستخدمون هذه النصوص للحديث عن حياة يسوع والمعتقدات التي يؤمنون بها، وكذلك لنعرف صحة وحقيقة هذه النصوص المستشهد بها.
إن نشوء كتبة الأناجيل والكنائس الأُولى في بيئة يهودية جعلهم يحاولون إقناع اليهود خاصة، وباقي الأُمم عامة، بالأفكار والمعتقدات التي يؤمنون بها من خلال نصوص العهد القديم الذي يؤمن به اليهود، لأنه يمثل المصدر الإلهي لما يؤمنون به، فأي محاولة لدعوتهم لشيء جديد يجب أن تكون مستندة الى مصدر إلهي مماثل لمصدرهم، وفي الوقت الذي لم يكن يمتلك كتبة الأناجيل والرسائل مثل هذا المصدر كما بينت ذلك سابقاً، اضطروا للاستدلال على اليهود بنصوص العهد القديم، وهذا الأمر يمكن ملاحظته بشكل واضح في رسالة أعمال الرسل إذ أنها بيّنت طريقة تبشير وكرازة التلاميذ في كثير من النصوص، وفيما يلي استعراض لبعضها.
- وفي تلك الأيام قام بطرس في وسط التلاميذ وكان عدة أسماء معاً نحو مئة وعشرين فقال، أيها الرجال الإخوة كان ينبغي أن يتم هذا المكتوب الذي سبق الروح المقدس فقال بفم داوُد عن يهوذا الذي صار دليلاً للذين قبضوا على يسوع،
إذ كان معدوداً بيننا وصار له نصيب في هذه الخدمة،
فإن هذا اقتنى حقلاً من أجرة الظلم وإذ سقط على وجهه انشق من الوسط فانسكبت أحشاؤه كلها،
وصار ذلك معلوماً عند جميع سكان أُورشليم حتى دُعي ذلك الحقل في لغتهم حقل دما، أي حقل دم،
لأنه مكتوب في سِفر المزامير لتصر داره خراباً ولا يكن فيها ساكن وليأخذ وظيفته آخر. (أعمال الرسل 1: 15-20)
في هذا النص يستدل بطرس، أو بمعنى أدق لوقا على لسان بطرس، على اختيار التلميذ البديل ليهوذا الاسخريوطي بما هو مكتوب في المزامير، ولم يستدل بقول ليسوع أو بالوحي لاختيار التلميذ البديل، فلو كان لوقا أو بطرس يتلقيان الوحي أو يسوقهما الروح المقدس لما كانا بحاجة للاستدلال بالمزامير، وهنا قد يجد بعض الطيبين من أتباع الكنائس العذر لهما فيما قالاه باعتبار أن المزامير وحي من السماء، ولكن هؤلاء الطيبين سيصابون بدهشة كبيرة إذا هم علموا أن بطرس ولوقا خالفا متّى في قصة نهاية يهوذا الاسخريوطي كما كتبها في إنجيله، وهذه القصة سأُناقشها فيما بعد، ولكن ما يهم هنا هو إثبات أن التلاميذ كانوا يعتمدون فيما يكتبونه ويقولونه على نصوص العهد القديم وليس على نصوص جديدة يتلقونها، حتى لو خالف بعضهم بعضاً كما هو الحال في هذا النص.
- وأما الإله فما سبق وأنبأ به بأفواه جميع أنبيائه أن يتألم المسيح قد تمّمه هكذا،
فتوبوا وارجعوا لتمحى خطاياكم لكي تأتي أوقات الفرج من وجه الرب،
ويُرسل يسوع المسيح المُبشر به لكم من قبل، الذي ينبغي أن السماء تقبله الى أزمنة رد كل شيء التي تكلم عنها الإله بفم جميع أنبيائه القديسين منذ الدهر،
فإن موسى قال للآباء إن نبياً مثلي سيقيم لكم الرب إلهكم من إخوتكم، له تسمعون في كل ما يُكلمكم به، ويكون أن كل نفس لا تسمع لذلك النبي تباد من الشعب،
وجميع الأنبياء أيضاً من صموئيل فما بعده جميع الذين تكلموا سبقوا وأنبأوا بهذه الأيام،
أنتم أبناء الأنبياء والعهد الذي عاهد به الإله آبائنا قائلاً لإبراهيم وبنسلك تتبارك جميع قبائل الأرض،
إليكم أولاً إذ أقام الإله فتاه يسوع أرسله يبارككم برد كل واحد عن شروره. (اعمال الرسل 3: 18-26)
هذا النص جزء من الخطبة التي كتبها لوقا على لسان بطرس يوم الخمسين، أو العنصرة، والتي انضم على إثرها نحو ثلاثة آلاف شخص للتلاميذ، ونلاحظ فيه استشهاده بأقوال أنبياء العهد القديم، ومنها قول موسى عن النبي الذي سيرسله الرب لبني إسرائيل من إخوتهم، ويعتبر أن هذا القول نبوءة عن يسوع، وهذا الأمر من الصعب قبوله في ضوء قوانين إيمان الكنائس التي تتحدث عن يسوع باعتباره إله وابن إله، فالفرق شاسع بين الإله والنبي! ولكن نخلص الى نتيجة مهمة وهي عدم وجود وحي خاص بالتلاميذ مما استدعى الأمر اعتمادهم على نصوص العهد القديم.
وأما فصل الكتاب الذي كان يقرأه فكان هذا، مثل شاة سيق الى الذبح ومثل خروف صامت أمام الذي يجُزّه هكذا لم يفتح فاه،
في تواضعه انتزع قضاؤه وجيله من يُخبر به لأن حياته تنتزع من الأرض،
فأجاب الخصي فيلبس وقال أطلب إليك عن من يقول النبي هذا، عن نفسه أم عن واحد آخر،
ففتح فيلبس فاه وابتدأ من هذا الكتاب فبشره بيسوع. (أعمال الرسل 8: 32-35)
هذا النص جزء من قصة الوزير الحبشي الذي دعاه فيلبس، ونلاحظ فيه أن فيلبس لم يُبشر الوزير بالأناجيل أو بأقوال يسوع أو حتى بأقوال الروح المقدس الذي يقول لوقا انه حمل فيلبس بعد هذا الكلام ونقله الى مدينة اشدود بلمح البصر! بل بشر بيسوع من خلال تفسير نصوص العهد القديم.
- وبعدما سكتا أجاب يعقوب قائلاً أيها الرجال الإخوة اسمعوني، سمعان قد أخبر كيف افتقد الإله أولاً الأُمم ليأخذ منهم شعباً على اسمه،
وهذا توافقه أقوال الأنبياء كما هو مكتوب، سأرجع بعد هذا وأبني أيضاً خيمة داوُد الساقطة وأبني أيضاً ردمها وأُقيمها ثانية، لكي يطلب الباقون من الناس الرب وجميع الأُمم الذين دُعي اسمي عليهم، يقول الرب هذا كله. (أعمال الرسل 15: 13-17)
هذا النص جزء من قصة الخلاف الذي حدث بين التلاميذ حول الختان وقبول الأُمم من غير اليهود في الدعوة، ونقرأ فيه موقف يعقوب وقبوله لدعوة الأُمم وعدم إلزامهم بالختان وبغيره من الشرائع باستثناء الامتناع عن نجاسات الأصنام والزنا والمخنوق والدم، كما هو مكتوب في الفقرات التالية لهذا النص، وما يهم هنا هو الدليل الذي اعتمد عليه يعقوب لإثبات وجهة نظره.
فكما نقرأ فإن يعقوب، أو بمعنى أدق لوقا، استدل على صحة قراره بنص من العهد القديم بقوله وهذا توافقه أقوال الأنبياء كما هو مكتوب، وفي هذا أكبر دليل على أنه لم يكن عنده وحي خاص به ولم يكن يسوقه الروح، لأن هذا الأمر لو كان صحيحاً لاستدل بكلام للرب، أو بكلام للروح أو بوحي تلقاه من السماء، أو حتى بكلام ليسوع.
- وأما شاول فكان يزداد قوة ويُحيّر اليهود الساكنين في دمشق محققاً أن هذا هو المسيح. (أعمال الرسل 9: 22)
في هذا النص يقول لوقا أن شاول، أي بولس، كان يُحيّر اليهود في كرازته ومناظراته لهم محققاً أن يسوع هو المسيح، فما هي الأدلة التي كان يعتمد عليها بولس في كرازته ومناظرته لهم، هل هي من الأناجيل الاربعة، أم من إنجيل خاص به تلقاه عن طريق الوحي، أم من فهمه وتفسيره لنصوص العهد القديم؟!
لنقرأ النص التالي:
- فقام بولس وأشار بيده وقال،
أيها الرجال الإسرائيليون والذين يتقون الإله اسمعوا،
إله شعب إسرائيل هذا اختار آباءنا ورفع الشعب في الغربة في أرض مصر، وبذراع مرتفعة أخرجهم منها، ونحو أربعين سنة احتمل عوائدهم في البرية، ثم أهلك سبع أُمم في أرض كنعان وقسم لهم أرضهم بالقرعة،
وبعد ذلك في نحو أربعمئة وخمسين سنة أعطاهم قضاة حتى صموئيل النبي،
ومن ثم طلبوا ملكاً فأعطاهم الإله شاول بن قيس رجلاً من سبط بنيامين أربعين سنة، ثم عزله وأقام لهم داوُد ملكاً الذي شهد له أيضاً إذ قال وجدت داوُد بن يسّى رجلاً حسب قلبي الذي سيصنع كل مشيئتي،
من نسل هذا حسب الوعد أقام الإله لإسرائيل مخلصاً يسوع. (أعمال الرسل 13: 16-23)
هذا النص يبين طريقة بولس في تبشيره بيسوع باعتباره المسيح الموعود من نسل داوُد، ونلاحظ فيه أن بولس استشهد على ذلك بنصوص العهد القديم ولم يستشهد بأي نص من الأناجيل الأربعة، كما أنه لم يستشهد بأي قول ليسوع، أو للروح المقدس الذي كان قد امتلأ به قبل هذا الوقت كما قال لوقا في أعمال الرسل، وكذلك لم يذكر أي قول يدل على تلقيه لوحي جديد كما كان يفعل أنبياء بني إسرائيل، وهنا قد يجد أتباع الكنائس الطيبين أيضاً له عذراً باعتبار أنه يستشهد بأقوال الوحي القديم، ولكن أعذارهم هذه ستتلاشى إذا علموا أنه أخطأ في نقل نصوص العهد القديم، فهو يقول ان المدة الزمنية للقضاة نحو أربع مائة وخمسين سنة وأن مدة حكم شاول أربعين سنة، وهذا خطأ لأنه مكتوب في كتاب الملوك الأول النص التالي:
- وكان في سنة الاربع مائة والثمانين لخروج بني إسرائيل من أرض مصر، في السنة الرابعة لمُلك سليمان على إسرائيل في شهر زيو، وهو الشهر الثاني، أنه بنى البيت للرب. (الملوك الاول 6: 1)
هذا النص يحدد الفترة الزمنية لبني إسرائيل من خروجهم من مصر الى الانتهاء من بناء بيت الرب، وإذا قمنا بتقسيم هذه المدة على تاريخ بني إسرائيل، فنجد أن بني إسرائيل أمضوا أربعين سنة قبل دخول الأرض المقدسة كما قال بولس في هذا النص، ثم بعد دخولهم الأرض المقدسة قادهم يشوع بن نون عدة سنين، ولم أجد تحديداً دقيقاً لها، ثم حكمهم القضاة، وبعد ذلك حكمهم شاول مدة أربعين سنة كما قال بولس مع أنه مكتوب عنه في صموئيل الأول أنه حكم سنتين كما في النص التالي:
- كان شاول ابن سنة في ملكه وملك سنتين على إسرائيل. (صموئيل الاول 13: 1)
ولكن لنقل الآن أن ما قاله بولس هو الصحيح، ثم بعد شاول حكم داوُد أربعين سنة كما في النص التالي:
- وكان داوُد ابن ثلاثين سنة حين مَلك، وملك أربعين سنة. (صموئيل الثاني 5: 4)
ثم بعد ذلك أربع سنين من حكم سليمان للبدء في بناء بيت الرب، فإذا جمعنا هذه الفترات الزمنية فسنخرج بما مجموعه مائة وأربع وأربعون سنة غير مدة حكم يشوع وهذا يعني أن زمن القضاة أقل من ثلاث مائة وأربعين سنة، فهل خطأ بولس في تحديد مدة حكم القضاة مرجعه الى الروح المقدس الذي امتلأ به، أم لأنه كان يعتمد على ذاكرته في نقل نصوص العهد القديم؟!
- أيها الرجال الإخوة بني جنس إبراهيم والذين بينكم يتقون الإله إليكم أُرسلت كلمة هذا الخلاص، لأن الساكنين في أُورشليم ورؤساءهم لم يعرفوا هذا،
وأقوال الأنبياء التي تقرأ كل سبت تمّموها إذ حكموا عليه، ومع أنهم لم يجدوا علة واحدة للموت طلبوا من بيلاطس أن يُقتل،
ولما تمّموا كل ما كتب عنه أنزلوه عن الخشبة ووضعوه في قبر، ولكن الإله أقامه من الأموات،
وظهر أياماً كثيرة للذين صعدوا معه من الجليل الى أورشليم الذين هم شهوده عند الشعب،
ونحن نبشركم بالموعد الذي صار لآبائنا،
إن الإله قد أكمل هذا لنا نحن أولادهم،
إذ أقام يسوع كما هو مكتوب أيضاً في المزمور الثاني أنت ابني أنا اليوم ولدتك،
إنه أقامه من الأموات غير عتيد أن يعود أيضاً إلى فساد فهكذا قال سأُعطيكم مراحم داوُد الصادقة،
ولذلك قال أيضاً في مزمور آخر لن تدع قدوسك يرى فساداً،
لأن داوُد بعدما خدم جيله بمشورة الإله رَقدَ وانضمَ الى آبائه ورأى فساداً،
وأما الذي أقامه الإله فلم ير فساداً،
فليكن معلوماً عندكم أيها الإخوة أنه بهذا يُنادى لكم بغفران الخطايا،
وبهذا يتبرر كل من يؤمن من كل ما لم تقدروا أن تتبرروا منه بناموس موسى،
فانظروا لئلا يأتي عليكم ما قيل في الأنبياء، انظروا أيها المتهاونون وتعجبوا واهلكوا لأنني أعمل في أيامكم عملاً لا تصدقون إن أخبركم أحد به. (أعمال الرسل 13: 26-41)
في هذا النص يكتب لوقا على لسان بولس قوله ان اليهود تمّموا نصوص العهد القديم التي تتحدث عن يسوع، وهذا يبين أن ما كان يقوله بولس ويكتبه في رسائله إنما هو محاولة منه لتفسير نصوص العهد القديم للقول أنها تتحدث أو تتنبأ عن يسوع بما يتوافق مع ما يؤمن به، ولهذا نجده هنا يستشهد بما هو مكتوب في المزمور الثاني وليس بأقوال من الأناجيل أو بأقوال ليسوع تلقاها منه مباشرة أو عن طريق الوحي.
من هنا أستطيع القول إن ما هو مكتوب في الأناجيل والرسائل إنما هو محاولة من الكتبة للاستدلال والاحتجاج بما في الكتب النبوية على اليهود لافتقادهم لمصادر الوحي الخاص بهم وهذا ما نلحظه في النص التالي:
- فدخل بولس إليهم حسب عادته،
وكان يحاجهم ثلاثة سبوت من الكتب،
موضحاً ومبيناً أنه كان ينبغي أن المسيح يتألم ويقوم من الأموات،
وأن هذا هو المسيح يسوع، الذي أنا أُنادي لكم به. (أعمال الرسل 17: 2-3)
هذا النص يبين أن بولس كان يناظر اليهود بنصوص العهد القديم ويُبين لهم من خلالها ما كان يؤمن به، فهذه الطريقة هي التي كان يعتمد عليها بولس وهي التي أطلق عليها اسم انجيله كما بينت ذلك سابقاً، وما يزيد الأمر بياناً النص التالي:
- وأما الإخوة فللوقت أرسلوا بولس وسيلا الى بيريّة وهما لمّا وصلا مضيا الى مجمع اليهود،
وكان هؤلاء أشرف من الذين في تسالونيكي فقبلوا الكلمة بكل نشاط،
فاحصين الكتب كل يوم هل هذه الأمور هكذا. (أعمال الرسل 17: 10-11)
في هذا النص نقرأ أن أهل بيريّة قبلوا تبشير بولس بناء على فحصهم لأسفار العهد القديم، وأن ما تكلم به بولس كان موافقاً لتلك النصوص، فإيمان أهل بيريّة لم يكن بناء على كتاب خاص أو إنجيل، بل جاء من خلال فهمهم أن نصوص العهد القديم تثبت ما كان يدعو إليه بولس، وهذا الأمر يزداد وضوحاً كذلك في النصين التاليين:
- ثم أقبل الى أفسس يهودي اسمه أبلوس إسكندري الجنس رجل فصيح مقتدر في الكتب،
كان هذا خبيراً في طريق الرب وكان وهو حار بالروح يتكلم ويُعلم بتدقيق ما يختص بالرب عارفاً معمودية يوحنا فقط. (أعمال الرسل 18: 24-25)
- لأنه كان باشتداد يُفحم اليهود جهراً مبيناً بالكتب أن يسوع هو المسيح. (أعمال الرسل 18: 28)
في هذين النصين حديث عن إفحام أبولس لليهود من خلال استدلاله بنصوص العهد القديم على أن يسوع هو المسيح، فهو لم يكن يفحمهم بالأناجيل الأربعة أو بوحي تلقاه التلاميذ أو بكلام للروح المقدس الذي حلّ فيهم ولا حتى بمعجزات يسوع ومنها إحياء الموتى!
ثم نقرأ نصاً آخر عن ذات الطريقة وهو كما يلي:
ثم دخل المجمع وكان يجاهر مدة ثلاثة أشهر محاجاً ومقنعاً فيما يختص بمملكة الإله. (أعمال الرسل 19: 8)
في هذا النص نقرأ أن بولس ظل يُجادل اليهود في مجمعهم مدة ثلاثة أشهر وهو يُحاول إقناعهم بما يخص مملكة الإله ويسوع باعتباره المسيح المذكور في العهد القديم، فعلى ماذا كان يعتمد بولس في مجادلاته تلك؟
هل كان يعتمد على وحي من الرب أو كلام مباشر منه كما كان يحدث مع موسى وأنبياء العهد القديم، أو حتى على كلام ليسوع أو على معجزاته؟
لنقرأ النص التالي:
- فإذ حصلتُ على معونة من الإله بقيتُ الى هذا اليوم شاهداً للصغير والكبير،
وأنا لا أقول شيئاً غير ما تكلم الأنبياء وموسى أنه عتيد أن يكون،
إن يؤلم المسيح يكن هو أول قيامة الأموات مزمعاً أن يُناديَ بنور للشعب وللأُمم. (أعمال الرسل 26: 22-23)
هذا النص يُظهر بكل وضوح أن ما كان يبشر به بولس وما يدعو إليه إنما كان من خلال نصوص العهد القديم وفهمه لها، فهذا النص يبين المصادر التي كان يعتمد عليها بولس سواء في إنجيله المفقود أو في رسائله المطبوعة باعتبارها جزءاً من العهد الجديد، فنحن نقرأ له عشرات لا بل مئات النصوص التي يستشهد بها من العهد القديم في حين أنه لم يكتب سوى بضعة نصوص تحدث فيها عن يسوع بما يتوافق مع ما هو مكتوب في الأناجيل الأربعة، ولا أقول من الأناجيل الأربعة لأنها لم تكن قد كتبت بعد، والنص التالي يؤكد ذلك بكل وضوح.
- فعيّنوا له يوماً فجاء إليه كثيرون الى المنزل،
فطفق يشرح لهم شاهداً بمملكة الإله ومقنعاً إياهم من ناموس موسى والأنبياء بأمر يسوع من الصباح الى المساء،
فاقتنع بعضهم بما قيل وبعضهم لم يؤمنوا،
فانصرفوا غير متفقين بعضهم مع بعض لما قال بولس كلمة واحدة إنه حسناً كلم الروح المقدس آباءنا بإشعياء النبي،
قائلاً اذهب الى هذا الشعب وقل ستسمعون سمعاً ولا تفهمون وستنظرون نظراً ولا تبصرون،
لأن قلب هذا الشعب قد غلظ وبآذانهم سمعوا ثقيلاً وأعينهم أغمضوها، لئلا يبصروا بأعينهم ويسمعوا بآذانهم ويفهموا بقلوبهم ويرجعوا فأشفيهم،
فليكن معلوماً عندكم أن خلاص الإله قد أُرسل الى الأُمم وهم سيسمعون،
ولما قال هذا مضى اليهود ولهم مباحثة كثيرة فيما بينهم. (أعمال الرسل 28: 23-29)
في هذا النص نقرأ أن بولس كان يحتج على اليهود في محاولاته لإقناعهم بمملكة الإله وأن يسوع هو المسيح بنصوص العهد القديم، ولم يكن يستشهد عليهم بوحي تلقاه من الرب أو بنصوص الأناجيل أو بما قام به يسوع من معجزات أو غيرها من الأعمال والأقوال، حتى أنه استشهد عليهم بنص من سِفر إشعياء عندما رفضوه، وأعلن توجهه بالدعوة الى الأُمم.
وهذه الطريقة في التبشير بيّنها بولس في رسائله كما في النص التالي:
- لأن كل ما سبق فكتب، كتب لأجل تعليمنا، حتى بالصبر والتعزية بما في الكتب يكون لنا رجاء. (رومية 15: 4)
في هذا النص يقول بولس ان ما كتب في العهد القديم كتب من أجلهم، ولست أدري أين قرأ في الكتب النبوية الحديث عن الآلهة الثلاث التي تُعبد من دون الرب حتى تكون الكتب تعزية له ورجاء؟!
- فهذه الأمور جميعها أصابتهم مثالاً، وكتبت لإنذارنا نحن الذين انتهت إلينا أواخر الدهور. (1كورنثوس 10: 11)
في هذا النص يقول بولس ان ما كتب في العهد القديم كان لإنذاره ومن تبعه الذين كانوا في آخر الزمان، وهذا القول نابع من فكرته التي بينتها سابقاً أنه كان يظن ان زمانه هو آخر الأزمنة وأنه لن يموت حتى تنتهي الحياة ويجيء يسوع على السحاب فيأخذهم الى مملكته في السماء.
ويؤكد بولس على أهمية العهد القديم للتبشير بيسوع في رسالته الثانية الى تلميذه تيموثاوس على الرغم من موقفه من الناموس والعهود مع بني إسرائيل الذي اطلعنا عليه سابقاً، كما في النص التالي:
وأنك منذ الطفولية تعرف الكتب المقدسة القادرة أن تُحكمك للخلاص بالإيمان الذي في المسيح يسوع،
كل الكتاب هو موحىً به من الإله ونافع للتعليم والتوبيخ للتقويم والتأديب الذي في البرّ،
لكي يكون انسان الإله كاملاً متأهباً لكل عمل صالح. (2تيموثاوس 3: 15-17)
في هذا النص يقول بولس عن كتب العهد القديم أنها توصل الإنسان للخلاص بالايمان الذي في المسيح يسوع، وهذا يدل على أن المصادر التي كان يعتمد عليها في تبشيره بيسوع هي كتب العهد القديم، وليس على الأناجيل الأربعة أو الوحي أو أقوال وأعمال  يسوع، ولهذا نجده حريصاً على الاحتفاظ بتلك الكتب قريبة منه كما في النص التالي:
- الرداء الذي تركته في تراوس عند كاربس أحضره متى جئت،
والكتب أيضاً ولاسيما الرقوق. (2تيموثاوس 4: 13)
فهو يطلب في رسالته من تيموثاوس إحضار كتب ورقوق العهد القديم لأنه يحتاجها في مناظراته وتبشيره ولو كان يتلقى الوحي أو يُساق من الروح المقدس لما كانت هناك حاجة لهذه الكتب.
وهذه هي ذات الطريقة التي كان يبشر بها بطرس أيضاً، كما في النص التالي:
الخلاص الذي فتش وبحث عنه أنبياء،
الذين تنبأوا عن النعمة التي لأجلكم،
باحثين أي وقت أو ما الوقت الذي كان يدل عليه روح المسيح الذي فيهم إذ سبق فشهد بالآلام التي للمسيح والأمجاد التي بعدها،
الذين أُعلن لهم أنهم ليس لأنفسهم بل لنا كانوا يخدمون بهذه الأمور التي أُخبرتم بها أنتم بواسطة الذين بشروكم في الروح المقدس المُرسل من السماء،
التي تشتهي الملائكة أن تطلع عليها. (1بطرس 1: 10-12)
في هذا النص يقول بطرس ان الكتب النبوية كانت تتنبأ عن يسوع وهو ما يثبت أن تبشيره بيسوع كان يعتمد على نصوص العهد القديم وتفسيره لها، وليس عن طريق وحي خاص كان يتلقاه، ولعل الكنائس لم تحتفظ بإنجيله الذي ذكره بولس وسماه إنجيل الغرلة بسبب علمها أنه كتبه من خلال فهمه لنصوص العهد القديم وليس عن طريق الوحي أو بسوق من الروح المقدس، وأما حقيقة تلك النصوص أو النبوءات فهذا ما سنطلع عليه بعد قليل لنرى إن كانت تلك النصوص تتنبأ عن يسوع أم أنها اقتبست من تلك الكتب ووضعت في قالب قصصي للقول أنها نبوءات عن يسوع.
ويؤكد بطرس على هذه الطريقة في رسالته الثانية كما في النص التالي:
- وعندنا الكلمة النبوية وهي أثبت التي تفعلون حسناً إن انتبهتم إليها كما الى سراج منير في موضع مظلم الى أن ينفجر النهار ويطلع كوكب الصبح في قلوبكم،
عالمين هذا أولاً أن كل نبوة الكتاب ليست من تفسير خاص،
لأنه لم تأت نبوة قط بمشيئة إنسان بل تكلم أُناس الإله القديسون مسوقين من الروح المقدس. (2بطرس 1: 19-21)
النص من نسخة كتاب الحياة مع ترجمتها الانجليزية:
- وهكذا صارت الكلمة النبوية أكثر ثباتاً عندنا، فحسناً تفعلون إن انتبهتم الى هذه الكلمة في قلوبكم، إذ أنها أشبه بمصباح يضيء في مكان مظلم، الى أن يطلع النهار ويظهر كوكب الصبح، ولكن قبل كل شيء، اعلموا أن كل نبوءة واردة في الكتاب لا تفسر باجتهاد خاص، إذ لم تأت نبوءة قط بإرادة بشرية، بل تكلم يالنبوآت جميعاً رجال الإله (القديسون) مدفوعين بوحي الروح المقدس. (2بطرس 1: 19-21)
- And we have the word of the prophets made more certain, and you will do well to pay attention to it, as to a light shining in a dark place, until the day dawns and the morning star rises in your hearts.
Above all, you must understand that no prophecy of Scripture came about by the prophet's own interpretation.
For prophecy never had its origin in the will man, but men spoke from God as they were carried along by the Holy Spirit. (2Peter 1: 19-21)
في هذا النص يقول بطرس أن نبوءات العهد القديم ليست من تفسير خاص بل تكلم الأنبياء عن طريق الروح المقدس، وهذا الأمر واضح وقد بينته سابقاً، ولكن استخدام كتبة الأناجيل والرسائل لتلك النبوءات هل هو من تفسير خاص أم من الروح المقدس؟ هذا ما سنطلع عليه قريباً، وأما قوله أنه عنده الكلمة النبوية فهو يقصد العهد القديم وليس الأناجيل الأربعة لأنها لم تكن قد كتبت في ذلك الوقت، كما أنه كان له إنجيله الخاص به، والذي لم تحتفظ به الكنائس، فما هي حاجته للحديث عن أناجيل غير إنجيله لو كان يقصد في كلامه الاناجيل؟!
من هذا كله نخلص للقول أن تبشير التلاميذ لم يكن بكتاب أو كتب تلقوها عن طريق الوحي أو بسوق من الروح المقدس وإنما كان من خلال تفسيرهم لنصوص العهد القديم والقول أنها نبوءات عن يسوع.
وهذه الطريقة لم تكن بعيدة عن كتبة الاناجيل الأربعة، بل هي التطبيق العملي لها، وذلك بتجميع أكبر عدد من نصوص العهد القديم وإعادة صياغتها بطريقة قصصية والقول ان حياة يسوع كانت تطبيقاً وتكميلاً وتتميماً لتلك النصوص! وقال الكتبة والكنائس ان تلك النصوص هي نبوءات تتحدث عن يسوع ولم يقولوا أن الأناجيل كتبت من خلال فهمهم وتفسيرهم لتلك النصوص، كما في النصوص التالية:
فكيف تكمل الكتب أنه هكذا ينبغي أن يكون. (متّى 26: 54)
وأما هذا كله فقد كان لكي تُكمل كتب الأنبياء. (متّى 26: 56)
ولكن لكي تكمل الكتب. (مرقس 14: 49)
هذا هو الذي كتب عنه هاأنا أُرسل أمام وجهك ملاكي الذي يُهيئ طريقك قدامك. (لوقا 7: 27)
النص من نسخة كتاب الحياة مع ترجمتها الانجليزية:
فهذا هو الذي كتب عنه إني مرسل قدامك رسولي الذي يمهد لك طريقك. (لوقا 7: 27)
This is the one about whom it is written: ''I will send my messenger ahead of you, who will prepare your way before you''. (Luke 7: 27)
كما هو مكتوب. (يوحنا 12: 14)
ليتم قول إشعياء النبيّ الذي قاله يا ربّ من صدّق خبرنا ولمن استعلنت ذراع الربّ. (يوحنا 12: 38)
- أنا أعلم الذين اخترتهم لكن ليتم الكتاب الذي يأكل معي الخبز رفع عليّ عقبه. (يوحنا 13: 18)
- ولم يهلك منهم أحد إلا ابن الهلاك ليتم الكتاب. (يوحنا 17: 12)
- ليتم الكتاب القائل اقتسموا ثيابي بينهم وعلى لباسي ألقوا قرعة. (يوحنا 19: 24)
فلكي يتم الكتاب قال أنا عطشان. (يوحنا 19: 28)
ليتم الكتاب القائل عظم لا يكسر منه. (يوحنا 19: 36)
ويوجد كذلك في الأناجيل عدة نصوص تشير الى الطريقة التي كان يعتمدها بولس وغيره من التلاميذ ومنها النصوص التالية:
فتشوا الكتب لأنكم تظنون أن لكم فيها حياة أبدية،
وهي التي تشهد لي. (يوحنا 5: 39)
في هذا النص يكتب يوحنا على لسان يسوع الطلب من اليهود التفتيش في كتب العهد القديم ليعلموا صدق ما يقوله عن نفسه! وهذا الطلب يشير الى أنه كان يعتمد على نصوص العهد القديم في إثبات ما يقال عنه من صفات وليس على كلام الرب أو وحي منه.
ثم نقرأ نصاً في إنجيل لوقا يشير الى هذه الطريقة في إثبات ما تقوله الكنائس عن يسوع، وهو كما يلي:
 - وإذا اثنان منهم كانا منطلقين الى قرية بعيدة عن أُورشليم ستين غلوة اسمها عمواس،
وكانا يتكلمان مع بعض عن جميع هذه الحوادث،
وفيما هما يتكلمان ويتحاوران اقترب إليهما يسوع نفسه وكان يمشي معهما،
ولكن أُمسكت أعينهما عن معرفته،
فقال لهما ما هذا الكلام الذي تتطارحان به وأنتما ماشيان عابسين،
فأجاب احدهما الذي اسمه كليوباس وقال له هل أنت متغرّب وحدك في أُورشليم ولم تعلم الأُمور التي حدثت فيها في هذه الأيام،
فقال لهما وما هي،
فقالا المختصة بيسوع الناصري الذي كان إنساناً، نبياً مقتدراً في الفعل والقول أمام الإله وجميع الشعب،
ونحن كنا نرجو أنه هو المزمع أن يفدي اسرائيل ولكن مع هذا كله اليوم له ثلاثة أيام منذ حدث ذلك،
بل بعض النساء منّا حيّرننا إذ كن باكراً عند القبر،
ولما لم يجدن جسده أتين قائلات إنهن رأين منظر ملائكة قالوا إنه حي،
ومضى قوم من الذين معنا الى القبر فوجدوا هكذا كما قالت أيضاً النساء وأما هو فلم يروه،
فقال لهما أيها الغبيان،
والبطيئا القلوب في الإيمان بجميع ما تكلم به الأنبياء،
أما كان ينبغي أن المسيح يتألم بهذا ويدخل إلى مجده،
ثم ابتدأ من موسى ومن جميع الأنبياء يُفسِّر لهما الأُمور المختصة به في جميع الكتب،
ثم اقتربوا إلى القرية التي كانا منطلقين إليها وهو تظاهر كأنه مُنطلق إلى مكان أبعد،
فألزماه قائلين امكث معنا لأنه نحو المساء وقد مال النهار فدخل ليمكث معهما،
فلما اتكأ معهما أخذ خبزاً وبارك وكسّر وناولهما،
فانفتحت أعينهما وعرفاه ثم اختفى عنهما،
فقال بعضهما لبعض ألم يكن قلبنا ملتهباً فينا إذ كان يُكلمنا في الطريق ويوضح لنا الكتب. (لوقا 24: 13-32)
في هذا النص يقول لوقا أن يسوع فسّر للتلميذين كل ما تحدثت أسفار العهد القديم عنه! وهذا النص يبين أن ما كان يعتمد عليه كتبة الأناجيل في إثبات أن يسوع هو المسيح إنما هو نصوص العهد القديم وتفسيرهم لها، وإلا لو كان ما كتبوه من قصص عن صلبه وموته وقيامته صحيحاً ووحياً من السماء لكان في هذا كفاية، ولكنهم كانوا يشعرون أن ما يقولونه لن يكفي دون الاستشهاد بنصوص من وحي السماء، وهم كانوا يفتقدون لمثل هذا الوحي، لهذا لم يجدوا كتباً موحى بها سوى العهد القديم فقاموا بصياغة قصصهم عن يسوع بناءاً على نصوص العهد القديم.
ثم نقرأ نصاً في إنجيل لوقا يوضح هذا الأمر وهو كما يلي:
- وقال لهم هذا هو الكلام الذي كلمتكم به وأنا بعد معكم،
أنه لا بد أن يتم جميع ما هو مكتوب عني في ناموس موسى والأنبياء والمزامير،
حينئذ فتح ذهنهم ليفهموا الكتب،
وقال لهم هكذا هو مكتوب وهكذا كان ينبغي أن المسيح يتألم ويقوم من الأموات في اليوم الثالث. (لوقا 24: 44-46)
في هذا النص نجد أن يسوع استشهد بنصوص العهد القديم في إثبات انه هو المسيح ولم يستشهد على ذلك بأعماله ومعجزاته ولا بكلام من الرب ولا بوحي، وهذا الأمر يشير إلى طريقة معتمدة كانت قائمة للتبشير والكرازة بيسوع وهي السعي لاستحضار نصوص من العهد القديم وتفسيرها والقول أنها نبوءات تتحدث عن يسوع!
لأنهم لم يكونوا بعد يعرفون الكتاب أنه ينبغي أن يقوم من الأموات. (يوحنا 20: 9)
في هذا النص يقول يوحنا إن التلاميذ لم يكونوا يعرفون أن العهد القديم تحدث عن قيامة يسوع من الأموات! وهذا النص يُظهر أن ما كتبه هو وباقي الكتبة إنما هو شرح وتفسير لنصوص العهد القديم، وهو ما يؤكد أيضاً أنهم لم يكتبوا الأناجيل عن طريق الوحي ولا بسوق من الروح المقدس وإلا فما هي الحاجة للاستدلال على قيامة يسوع من الأموات بنصوص من العهد القديم، لو أنه قام حقاً؟!
- لا تظنوا أني أشكوكم إلى الأب،
يوجد الذي يشكوكم وهو موسى الذي عليه رجاؤكم،
لأنكم لو كنتم تصدقون موسى لكنتم تصدقونني،
لأنه هو كتب عني،
فإن كنتم لستم تصدقون كتب ذاك فكيف تصدقون كلامي. (يوحنا 5: 45-47)
في هذا النص يكتب يوحنا على لسان يسوع قوله ان موسى سيشكو اليهود لأنه كتب عنه وهم لا يصدقون، ويقول أنهم إذا لم يصدقوا موسى فلن يصدقوه! وهنا لا بد من طرح سؤالين الأول وهو ماذا كتب موسى عن يسوع؟ والثاني وهو إذا كان يسوع، بحسب ما تصفه الكنائس، إله وابن إله فلماذا لم يُعاقب اليهود مباشرة على تكذيبهم له، ولماذا ينتظر موسى حتى يشكو اليهود لأبيه؟!
فهذه الطريقة في الاستدلال بنصوص العهد القديم توجب علينا طريقة جديدة لدراسة الأناجيل لمعرفة مصادقيتها التاريخية والعلمية والطريقة التي تمت كتابتها فيها، وذلك بدراسة كل نصوص وقصص الأناجيل مع مقارنتها بنصوص العهد القديم المنسوبة له سواء مباشرة أو غير مباشرة.
وهنا لا بد من إيجاد ميزان وقانون يكون الحكم في تقييم تلك النصوص، فلا يكفي القول أن الأناجيل تتناقض مع الأُصول والأُسس التي قام عليها العهد القديم للقول أن هذه النصوص والقصص لا مصداقية لها سواء في الجانب التاريخي أو العلمي، وأقصد بالجانب العلمي هو طريقة اقتباس نصوص العهد القديم ومدى دقتها وانطباقها على قصص الأناجيل، وهذا الميزان أو القانون لا بد أن يكون مقبولاً عند جميع الناس والعقول، وقد وجدته في نص من العهد القديم وهو كما يلي:
لا تقبل خبراً كاذباً. (خروج 23: 1)
فهذا القول سيكون هو الفيصل في دراسة نصوص وقصص الأناجيل المقتبسة من العهد القديم، وهو مقبول من جميع الناس ومحكوم على صحته من العقل البشري، فمن يقبل الكذب أو يكتبه إلا وهو يُواجَه بالنقد من الجميع لا بل ومن ضميره أيضاً!
كما أن هذا القول أو القانون يتفق مع صفات الرب خالق السموات والأرض كما في النص التالي:
ليس الرب إنساناً فيكذب ولا ابن إنسان فيندم،
هل يقول ولا يفعل،
أو يتكلم ولا يفي. (عدد 23: 19)
فالرب خالق السموات والأرض ليس إنساناً ولا هو يكذب، فكل قول يُنسب له أو للوحي ويظهر كذبه وخطأه فالرب بالتأكيد لم يقله ولم يُوح به، ونحن في نهاية هذا الفصل سنرى كم سيبقى من قصص وأقوال الأناجيل التي لا ينطبق عليها هذا القانون، ومن ثم سنعرف مصادر الأناجيل ومصداقيتها، وإن كانت كلمة الرب ووحي منه أم أنها مجرد قصص وأقوال اقتبست من العهد القديم وتمت إعادة صياغتها في قالب قصصي بعيداً عن الرب وكلمته ووحيه وروحه، وكذلك بعيداً عن الأحداث التاريخية.
إن النصوص المقتبسة في الأناجيل الأربعة والرسائل من الكثرة بحيث تصيب الباحث بالحيرة في كيفية دراستها وتقسيمها، فهي بأعداد يصعب حصرها وبصيغ يصعب ضبطها، ويقول بعض الباحثين أن عددها يقارب 200 نصاً وبعضهم يقول هي قرابة 300 نصاً وبعضهم يقول أكثر من ذلك، وذلك لاختلاف طرق الاقتباس وتنوعها، فنجد أن بعض النصوص تقول ليتم الأمر كذا، وبعضها يقول ليكمل الأمر كذا، وبعضها يتم الاستشهاد فيه ببعض الأقوال في مجادلات وحوارات بين شخصيات الأناجيل، كما حدث عند تجربة الشيطان ليسوع، وعند مجادلات وحوارات يسوع مع اليهود، وبعضها صيغ بطريقة معينة ودون نسبتها مباشرة للعهد القديم كما هي النصوص المذكورة عن المحاكمة والصلب، وغيرها من طرق الاستشهاد، فهذه الكثرة سواء في النصوص أو في طرق الاستشهاد تجعل الباحث حائراً من أين يبدأ! وبعد دراسة متأنية استقر بي المقام على طريقة أرجو أن أكون قد وُفقت إليها، وهي تقسيم النصوص الى عدة أقسام، وهي كما يلي:
القسم الأول النصوص التي نسبت الى العهد القديم وليست مذكورة فيه!
القسم الثاني النصوص المنسوبة لبعض أسفار العهد القديم وهي موجودة في أسفار أُخرى.
القسم الثالث النصوص التي ذكرت بعض الأسماء والأرقام وهي تخالف ما هو مكتوب في العهد القديم.
القسم الرابع النصوص المنسوبة مباشرة للعهد القديم ومقارنتها مع العهد القديم لمعرفة حقيقة تلك النصوص ومدى تطابقها مع يسوع وزمانه وجيله.
القسم الخامس النصوص المستشهد بها من العهد القديم خلال بعض الحوارات والمجادلات بين شخصيات العهد الجديد سواء يسوع أو اليهود أو الشيطان.
القسم السادس النصوص غير المنسوبة مباشرة للعهد القديم وإن كانت مقتبسة منه، ودراستها ومقارنتها مع نصوص العهد القديم لمعرفة إن كانت تتحدث عن يسوع وتتنبأ عنه أم لا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق