الثلاثاء، 24 يوليو 2018

مصدر لقب او اسم المعزي او البارقليط ومصدر قول الأناجيل عن اعطاء الروح المقدس لتلاميذ يسوع

الفصل الثالث: مصادر الأناجيل وطريقة تأليفها وكتابتها

القسم السادس: النصوص المقتبسة من العهد القديم دون نسبتها له مباشرة
في هذا القسم سأقوم بدراسة النصوص المقتبسة من العهد القديم والتي لم تُنسب إليه مباشرة، كما هو الحال في الأقسام السابقة، أو ما أُطلق عليه الحبكة القصصية والحوارية، وفيه سنطلع على معظم الأحداث والقصص والأقوال المذكورة في الأناجيل ومقارنتها بالعهد القديم وبواقع حال يسوع كما تصفه قوانين إيمان الكنائس، وأبدأ ببعض أسماء وألقاب يسوع.
40 - مصدر اسم المعزّي أو البارقليط
المعزّي أو الباركليتوس أو البارقليط، اسم أطلقه يوحنا على الروح المقدس، فمن أين أخذ هذا الاسم للروح المقدس؟
هل أخذه من الروح المقدس نفسه، الذي تقول الكنائس انه كان يسوق كتبة الأناجيل، أم أخذه من العهد القديم كما هي طريقة كتبة الاناجيل بأخذ نصوص من العهد القديم وإعادة صياغتها في قصصهم كما ظهر لنا ذلك فيما سبق؟
قبل الحديث عن مصدر الاسم لا بد من قراءة النصوص التي ذكر فيها يوحنا اسم المعزّي، وهي كما يلي:
1- إن كنتم تحبونني فاحفظوا وصاياي،
وأنا أطلب من الأب فيُعطيكم مُعزّياً آخر ليمكث معكم إلى الأبد،
روح الحق الذي لا يستطيع العالم أن يقبله لأنه لا يراه ولا يعرفه،
وأما أنتم فتعرفونه لأنه ماكث معكم ويكون فيكم،
لا أترككم يتامى، إني آتي إليكم،
بعد قليل لا يراني العالم وأما أنتم فترونني، إني أنا حيّ فأنتم ستحيون، في ذلك اليوم تعلمون إني أنا في الأب وأنتم فيّ وأنا فيكم،
الذي عنده وصاياي ويحفظها فهو الذي يُحبُّني، والذي يُحبُّني يُحبُّه أبي وأنا أُحبُّه ، وأُظهر له ذاتي. (يوحنا 14: 15-21)
هذا أول نص جاء فيه ذكر اسم المعزّي ونجد فيه عدة مسائل بحاجة للمناقشة.
المسألة الأولى وهي قول يسوع إن كنتم تحبونني فاحفظوا وصاياي، فهل حفظ التلاميذ والكنائس وصاياه؟!
إننا نجد ان التلاميذ والكنائس قد قاموا بمخالفة الكثير من وصاياه، ومن أشهرها عدم دعوة غير اليهود، فهو قال انه لم يُرسل إلا الى خراف بيت إسرائيل الضالة، وطلب منهم ان لا يمضوا في طريق الأمم، فخالفوا وصيته وتوجهوا لدعوة الأمم من غير اليهود إتباعاً لحلم رآه بطرس ولرأي بولس بالتوجه لغير اليهود، كما هو مذكور في أعمال الرسل ورسائل بولس! واستباحوا كل النجاسات التي حرمتها الشريعة، استناداً لحلم بطرس ولرأي بولس أيضاً، مع ان يسوع طلب منهم الالتزام بما في الشريعة من أحكام ووصايا، كما أنهم خالفوا وصاياه بعدم اكتناز الذهب والفضة وغيرها من الوصايا التي بينتها في كتاب يسوع بن يوسف النجار أسئلة حائرة.
- هؤلاء الاثنا عشر أرسلهم يسوع وأوصاهم قائلاً،
إلى طريق أمم لا تمضوا والى مدينة للسامريين لا تدخلوا،
بل اذهبوا بالحري إلى خراف بيت إسرائيل الضالة. (متّى 10: 5-6)
- ثم خرج يسوع من هناك وانصرف إلى نواحي صور وصيداء،
وإذا امرأة كنعانية خارجة من تلك التخوم صرخت إليه قائلة،
ارحمني يا سيد  يا ابن داوُد، ابنتي مجنونة جداً،
فلم يجبها بكلمة،
فتقدم تلاميذه وطلبوا إليه قائلين اصرفها لأنها تصيح وراءنا،
فأجاب وقال لم أُرسل الا الى خراف بيت اسرائيل الضالة،
فأتت وسجدت له قائلة يا سيد أعني،
فأجاب وقال ليس حسنا أن يؤخذ خبز البنين ويطرح للكلاب،
فقالت نعم يا سيد، والكلاب أيضاً تأكل من الفتات الذي يسقط من مائدة أربابها،
حينئذ أجاب يسوع وقال لها يا امرأة عظيم إيمانك،
ليكن لك كما تريدين. فشفيت ابنتها من تلك الساعة. (متّى 15: 21-28)
- حينئذ خاطب يسوع الجموع وتلاميذه، قائلاً على كرسي موسى جلس الكتبة والفريسيون،
فكل ما قالوا لكم أن تحفظوه فاحفظوه وافعلوه، ولكن حسب أعمالهم لا تعملوا لأنهم يقولون ولا يفعلون. (متّى 23: 1-3)
- وفيما أنتم ذاهبون اكرزوا قائلين انه قد اقتربت مملكة السماء،
اشفوا مرضى،
طهّروا برصاً،
أقيموا موتى،
أخرجوا شياطين،
مجاناً أخذتم مجاناً أعطوا،
لا تقتنوا ذهباً ولا فضة ولا نحاساً في مناطقكم،
ولا مزوداً للطريق،
ولا ثوبين، ولا أحذية ولا عصاً. (متّى 10: 7-10)
المسألة الثانية وهي قوله عن المعزي انه سيمكث معهم الى الأبد، وما نراه من خلافات بين الكنائس المختلفة وصراعات دموية يدل على ان المعزي ليس ماكثاً معهم! لأنه لو كان ماكثاً معهم لما سمح بتلك الاختلافات والصراعات، وقد ظهرت الخلافات بينهم في كل المجالات حتى وصلت الى الكتاب المقدس نفسه، فنجد ان الكنيسة البروتستنتية  تقول ان سبعة أسفار من الكتاب المقدس منحولة وليست صحيحة، في حين ان الكنيستين الكاثوليكية والأرثوذكسية تقولان انها من الكتاب المقدس، فلو كان ماكثاً معهم لبين لهم الحق، كما انه يوجد اختلافاً بين الكنائس في صفة يسوع ذاته فمنهم من يقول ان الذي صلب هو الناسوت فقط، أي يسوع الانسان، في حين ان الكنيسة الأُرثوذكسية تقول ان الناسوت واللاهوت هي التي صلبت، أي الأقانيم الثلاثة هي التي صُلبت، فلو كان المعزي ماكثاً معهم لبين لهم من الذي صُلب على الخشبة، هذا إذا كان هناك أحد قد صلب!
المسألة الثالثة وهي انه بعد كل هذه الاختلافات التي حدثت بين الكنائس يأتي النص ليقول ان يسوع سيأتي إليهم وأنهم سيرونه ويظهر لهم نفسه، ولو أظهر لهم نفسه لانتهت كل تلك المشاكل والاختلافات التي وقعت وتقع بين الكنائس المختلفة!
2- وأما المُعزي الروح المقدس الذي سيُرسله الأب باسمي فهو يُعلمكم كل شيء ويُذكركم بكل ما قلته لكم. (يوحنا 14: 26)
هذا النص من غرائب النصوص التي يمكن للانسان ان يقرأها في الاناجيل، إذ انه مع وجود هذا النص لم يُخبرنا أحد، سواء كتبة الاناجيل أو من جاء بعدهم، عن أي قول قاله يسوع ونسوه وجاء المعزي الروح المقدس وأخبرهم به! لا بل إن يوحنا كتب في انجيله انه يعلم الكثير من أمور يسوع ولكنه لم يكتبها كما في النصين التاليين:
وآيات أُخر كثيرة صنع يسوع قدّام تلاميذه لم تكتب في هذا الكتاب،
وأما هذه فقد كتبت لتؤمنوا أن يسوع هو المسيح ابن الإله،
ولكي تكون لكم إذا آمنتم حياة باسمه. (يوحنا 20: 30-31)
وأشياء أُخر كثيرة صنعها يسوع إن كتبت واحدة واحدة فلست أظن أن العالم نفسه يسع الكتب. (يوحنا 21: 25)
فإذا كان عند كتبة الاناجيل معلومات تتعلق بيسوع وأخفوها! فكيف يقول في هذا النص ان المعزي سيُعلمهم كل شيء ويُذّكِرَهم بكل ما قاله، أم إن المعزي اخبرهم بكل شيء وذكرهم بكل ما قاله يسوع ولكن يوحنا وكتبة الاناجيل الآخرين لم يكتبوها؟!
3- لو لم أكن قد جئت وكلمتهم لم تكن لهم خطية،
وأما الآن فليس لهم عذر في خطيتهم، الذي يُبغضني يُبغض أبي أيضاً،
لو لم أكن قد عملت أعمالاً لم يعملها أحد غيري لم تكن لهم خطية،
وأما الآن فقد رأوا وأبغضوني أنا وأبي،
لكن لكي تتم الكلمة المكتوبة في ناموسهم أنهم أبغضوني بلا سبب،
ومتى جاء المعزي الذي سأُرسله أنا إليكم من الأب روح الحق الذي من الأب ينبثق فهو يشهد لي. (يوحنا 15: 22-26)
هذا هو النص الثالث الذي يذكر المعزي، ونجد فيه عدة معلومات لا تفرح بها الكنائس، أولها انه يتحدث عن الخطيئة، وكما نقرأ فان يسوع يقول انه لو لم يكن قد جاء الى اليهود لما كانت لهم خطيئة وأما الآن فليس لهم عذر، أي إن اليهود قبل مجيء يسوع لم تكن لهم خطيئة، وأما بعد أن جاءهم وابغضوه فقد حدثت لهم الخطيئة، أي إن بُغض يسوع هو الخطيئة التي وقع بها اليهود بعدما جاءهم وأما قبل مجيئه فلم تكن لهم خطيئة.
إن هذه الفقرات تنقض كل قوانين إيمان الكنائس والطقوس التي أسستها وتتعلق بالخطيئة الأصلية التي قالوا إن البشرية حملتها جيلاً بعد جيل من جراء أكل آدم وزوجه من الشجرة مع أنهم، أي ذرية آدم، لم يشهدوا حادثة الأكل من الشجرة ولا رضوا بها، حتى أصبحت تلك الثمرة كالجينات تتوارثها البشرية، مع أن يسوع يقول هنا بكل بساطة وسهولة إن سبب خطيئة اليهود بدأت بعد مجيئه، وليس بعد مجيئه فقط بل بعد أن رأوا المعجزات التي عملها ولم يؤمنوا به وأبغضوه، والكنائس كتبت قانون خطيئة البشرية بالوراثة دون مشاركتها، أي البشرية، في الأكل أو رضاها بها أو حتى عدم الإيمان بصحة تلك القصة!
وثاني تلك المعلومات هي قوله انه لو لم يعمل أعمالاً لم يعملها أحد غيره لم تكن لهم خطيئة، وهذا القول غير صحيح لأنه ما من معجزة عملها يسوع مكتوبة في الاناجيل إلا وعمل مثلها أو أعظم منها أنبياء العهد القديم، من إحياء الموتى الى تطهير البرص، كما بينته في كتاب يسوع ابن يوسف النجار أسئلة حائرة، وكما هو مكتوب في العهد القديم.
وثالث المعلومات التي توجد في النص ولا تفرح بها الكنائس وهي قوله ان المعزي يشهد له، ولم يخبرنا كتبة الاناجيل أو من جاء بعدهم ان المعزي جاء وشهد ليسوع!
وما نشهده من خلافات بين الكنائس ومخالفات لأقوال يسوع تؤكد ان المعزي لم يشهد ليسوع، لأنه لو شهد له لما حدثت هذه الاختلافات والخلافات بين الكنائس المختلفة بدءاً من زمن التلاميذ الأوائل كما كتب لوقا في أعمال الرسل وبولس في رسائله وغيرهما من كتبة الرسائل، مروراً بالعصور الوسطى وظهور البروتستانت الى زمننا هذا وظهور عشرات الكنائس الجديدة التي لم تُظهر قولاً واحداً تقول فيه ان المعزي شهد ليسوع!
4- سيُخرجونكم من المجامع بل تأتي ساعة فيها يظن كل من يقتلكم أنه يُقدّم خدمة للإله،
وسيفعلون هذا بكم لأنهم لم يعرفوا الأب ولا عرفوني،
لكني قد كلمتكم بهذا حتى إذا جاءت الساعة تذكرون أني أنا قلته لكم،
ولم أقل لكم من البداية لأني كنت معكم،
وأما الآن فأنا ماض إلى الذي أرسلني وليس أحد منكم يسألني أين تمضي، لكن لأني قلت لكم هذا قد ملأ الحزن قلوبكم،
لكني أقول لكم الحق إنه خير لكم أن أنطلق لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المُعزي، ولكن إن ذهبتُ أُرسله إليكم،
ومتى جاء ذاك يُبكت العالم على خطيّة وعلى برّ وعلى دينونة،
أما على خطيّة فلأنهم لا يؤمنون بي،
وأما على برّ فلأني ذاهب إلى أبي ولا ترونني أيضاً،
وأما على دينونة فلأن رئيس هذا العالم قد دِين. (يوحنا 16: 2-11)
في هذا النص يكتب يوحنا عدة أُمور كنت قد ناقشتها سابقاً، منها أن أب يسوع لم يتحدث عنه أحد من أنبياء بني إسرائيل، وأنه ليس الرب لأنه لو كان هو لعرفه بنو إسرائيل لانهم يعرفون الرب من خلال ما هو مكتوب عنه في العهد القديم، أما وقد كتب يوحنا ان بني إسرائيل لم يعرفوا الأب فهذا يثبت أن أب يسوع ليس هو الرب الإله الحق الواحد خالق السموات والأرض.
الأمر الثاني وهو قوله ان لم أنطلق لا يأتيكم المعزي، فمع أنه انطلق إلا ان المعزي لم يأت.
الأمر الثالث وهو قوله عن المعزي انه سيُبَكّت العالم على خطية لأنهم لا يؤمنون به، فهو بهذا القول يثبت ان الخطيئة لحقت باليهود نتيجة لعدم إيمانهم به وليس نتيجة لوراثتهم لخطيئة آدم قبل آلاف السنين، وأخيراً فإن قوله ولا ترونني أيضاً يتناقض مع قوله في النص الأول لا أترككم يتامى، إني آتي إليكم، بعد قليل لا يراني العالم وأما انتم فترونني، وأُظهر له ذاتي، فكيف ستوفق الكنائس المختلفة بين هذه الأقوال المتناقضة والتي يقول يسوع فيها أنهم سيرونه وأنهم لن يروه ؟!
5- إن لي أُموراً كثيرة أيضاً لأقول لكم،
ولكن لا تستطيعون أن تحتملوا الآن،
وأما متى جاء ذاك روح الحق فهو يُرشدكم إلى جميع الحق لأنه لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به ويُخبركم بأُمور آتية،
ذاك يُمجّدني لأنه يأخذ مما لي ويُخبركم،
كل ما للأب هو لي، لهذا قلت إنه يأخذ مما لي ويُخبركم،
بعد قليل لا تبصرونني ثم بعد قليل أيضاً ترونني لأني ذاهب إلى الأب،
فقال قوم من تلاميذه بعضهم لبعض ما هو هذا الذي يقوله لنا بعد قليل لا تبصرونني ثم بعد قليل أيضاً ترونني ولأني ذاهب الى الأب،
فقالوا ما هو هذا القليل الذي يقول عنه،
لسنا نعلم بماذا يتكلم،
فعلم يسوع أنهم كانوا يُريدون أن يسألوه فقال لهم أعن هذا تتساءلون فيما بينكم لأني قلتُ بعد قليل لا تبصرونني ثم بعد قليل أيضاً ترونني،
الحق الحق أقول لكم إنكم ستبكون وتنوحون والعالم يفرح أنتم ستحزنون ولكن حُزنكم يتحول إلى فرح، المرأة وهي تلد تحزن لأن ساعتها قد جاءت ولكن متى ولدت الطفل لا تعود تذكر الشدّة لسبب الفرح لأنه قد وُلد إنسان في العالم، فأنتم كذلك عندكم الآن حزن ولكني سأراكم أيضاً فتفرح قلوبكم ولا ينزع أحد فرحكم منكم،
وفي ذلك اليوم لا تسألونني شيئاً،
الحق الحق أقول لكم إن كل ما طلبتم من الأب باسمي يُعطيكم،
إلى الآن لم تطلبوا شيئاً باسمي،
اطلبوا تأخذوا وليكون فرحكم كاملاً،
قد كلمتكم بهذا بأمثال،
ولكن تأتي ساعة حين لا أُكلمكم أيضاً بأمثال بل أُخبركم عن الأب علانية،
في ذلك اليوم تطلبون باسمي،
ولست أقول لكم إني أنا أسأل الأب من أجلكم،
لأن الأب نفسه يُحبّكم لأنكم قد أحببتموني،
وآمنتم أني من عند الإله خرجت،
خرجت من عند الأب وقد أتيت إلى العالم وأيضاً أترك العالم واذهب الى الأب،
قال له تلاميذه هو ذا الآن تتكلم علانية ولست تقول مثلاً واحداً،
الآن نعلم أنك عالم بكل شيء ولست تحتاج أن يسألك أحد،
لهذا نؤمن أنك من الإله خرجت،
أجابهم يسوع آلآن تؤمنون،
هو ذا تأتي ساعة وقد أتت الآن تتفرقون فيها كل واحد الى خاصته،
وتتركوني وحدي،
وأنا لست وحدي لأن الأب معي،
قد كلمتكم بهذا ليكون لكم فيّ سلام،
في العالم سيكون لكم ضيق،
ولكن ثقوا، أنا قد غلبت العالم. (يوحنا 16: 12-33)
هذا النص الطويل يجمع كل ما حوته النصوص السابقة عن المعزي، وهو بحاجة الى مناقشة كل جملة وكل كلمة فيه لما يحتويه من معلومات كثيرة، والتي تلقي الضوء بشكل ساطع على حقيقة إن كان المعزّي روح الحق الروح المقدس يسوق يوحنا عند كتابتها، أم انه اقتبسها من العهد القديم، كما هو منهج كتبة الاناجيل.
يبدأ النص بقول يسوع ان لي أُموراً كثيرة أيضاً لأقول لكم، ولكن لا تستطيعون أن تحتملوا الآن، وهذا القول يطرح سؤالاً وهو ما هي الأمور التي أخفاها يسوع حتى ذلك الوقت وهو سيلقى القبض عليه بعد قوله هذا الكلام ببضع ساعات، لأنه قال هذا الكلام في آخر ليلة قبل إلقاء القبض عليه، وهو، كما كتب يوحنا في انجيله وغيره من كتبة الأناجيل، قال لهم انه إله وابن إله وانه خرج من الأب وانه يعود الى الأب وقال لهم كل تعاليمه وأمثاله وعمل كل المعجزات ومنها إحياء الموتى، فأيّة أمور ليسوع بعد هذه الأمور لا يستطيع التلاميذ احتمالها؟
أم إن الأقوال المنسوبة الى يسوع والتي قال فيها انه إله وابن إله وانه خرج من الأب وسيعود الى الأب لم تكن معروفة ولا محتملة عند التلاميذ وأنهم عرفوها فيما بعد؟!
وإذا كانت هذه الأمور غير معروفة ولا محتملة من قبل تلاميذ يسوع فهل عرفتها الكنائس واحتملتها بعد قيامة يسوع، بحيث نستطيع القول ان ما لم يحتمله بطرس ويوحنا وغيرهما من التلاميذ احتمله أتباع الكنائس من غير اليهود الذين لم يُرسل يسوع إليهم أصلاً، كما قال هو نفسه انه لم يُرسل إلا الى خراف بيت اسرائيل الضالة؟!
وأما قوله متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم الى جميع الحق لأنه لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به ويخبركم بأمور آتية، فهذا القول ليسوع يطرح سؤالاً آخر على كتبة الاناجيل والكنائس المختلفة، وهو هل حقاً ان يسوع لم يرشد التلاميذ الى جميع الحق؟!
وإذا كان يسوع لم يرشد تلاميذه الى جميع الحق، فهذا يدل على أن رسالته ناقصة وليست كاملة وأنها بحاجة لمن يكملها مما يعني انها لا تصلح لأن تكون آخر رسالة للبشرية، وخاصة أننا نجد كل هذه الاختلافات والتناقضات بين الكنائس المختلفة، مما يؤكد أن المعزي لم يرشدهم الى جميع الحق، لأنه لو أرشدهم الى جميع الحق لما ظهرت كل هذه الاختلافات والتناقضات لان الحق لا يختلف ولا يتناقض.
وأما قول يسوع عن المعزي انه سيُخبر تلاميذه والكنائس بأمور آتية، فأين هي النبوءات التي ذكرها المعزي؟!
وأما قوله ذاك يمجدني لأنه يأخذ مما لي ويخبركم، كل ما للأب هو لي، لهذا قلت انه يأخذ مما لي ويخبركم، فهذا القول يثير الشجن والحزن في النفس لأنه في اليوم التالي يقف يسوع أمام رؤساء اليهود وبيلاطس وهو لا يستطيع ان يرد عن وجهه الصفعات ولا عن ظهره السياط ثم ينتهي به المطاف معلقاً على الخشبة صارخاً الى إلهه إلهي إلهي لماذا تركتني، فما هي الأشياء التي يملكها أب يسوع وهذه هي نهايته؟!
ثم يقول بعد قليل لا تبصرونني ثم بعد قليل أيضاً ترونني لأني ذاهب الى الأب، وهو ذات القول الذي قاله في النصوص السابقة أنهم لن يروه وإنهم سيرونه!
فما هي ردة فعل التلاميذ على هذه الأقوال؟
فقال قوم من تلاميذه بعضهم لبعض ما هو هذا الذي يقوله لنا بعد قليل لا تبصرونني ثم بعد قليل أيضاً ترونني ولأني ذاهب الى الأب، فقالوا ما هو هذا القليل الذي يقول عنه، لسنا نعلم بماذا يتكلم!
فإذا كان التلاميذ الرسل الذين أعطاهم يسوع الروح المقدس يقولون هذا القول لسنا نعلم بماذا يتكلم فمن هو الذي يعلم أكثر منهم بماذا تكلم يسوع؟!
ولكن ماذا كان جواب يسوع لتلاميذه الرسل على هذا الاستهجان لقوله؟
لا جواب عنده، أو بمعنى أدق لا جواب عند يوحنا! فقد أخذنا يوحنا الى حديث آخر لا علاقة له باستهجان التلاميذ، وهو أيضاً يثير في النفس التساؤلات لما يحويه من تناقضات، فقال في ذلك اليوم لا تسألونني شيئاً، الحق الحق أقول لكم ان كل ما طلبتم من الأب باسمي يعطيكم، الى الآن لم تطلبوا شيئاً باسمي، اطلبوا تأخذوا وليكون فرحكم كاملاً، في هذه الفقرات يقول يسوع، أو يوحنا على لسان يسوع، ان كل ما يطلبه التلاميذ من الأب باسمه فانه سيعطيه لهم، وأنا أتساءل لماذا لم يطلب التلاميذ من أب يسوع ان لا يصلبه؟!
وأما قوله أن التلاميذ لم يطلبوا شيئاً باسمه فهو كلام غير صحيح ويتناقض مع ما ذكرته الاناجيل الأُخرى من طلب يوحنا نفسه وأخوه يعقوب من يسوع ان يجلسا واحداً عن يمينه والآخر عن شماله في مملكته عندما يأتي! ومع أنهما طلبا منه هذا الطلب إلا أن يسوع لم يعطهما ما طلباه فقال لهما إن الجلوس عن يمينه وشماله لا يستطيع أن يعدهما به لأنه ليس بيده أن يعطيه لمن يشاء!
- وتقدم إليه يعقوب ويوحنا ابنا زبدي قائلين يا معلم نريد أن تفعل لنا كل ما طلبنا،
فقال لهما ماذا تريدان أن أفعل لكما،
فقالا له أعطنا أن نجلس واحد عن يمينك والآخر عن يسارك في مجدك،
فقال لهما يسوع لستما تعلمان ما تطلبان،
أتستطيعان أن تشربا الكأس التي أشربها أنا وأن تصطبغا بالصبغة التي أصطبغ بها أنا،
فقالا له نستطيع،
فقال لهما يسوع أما الكأس التي أشربها أنا فتشربانها وبالصبغة التي أصطبغ بها أنا تصطبغان،
وأما الجلوس عن يميني وعن يساري فليس لي أن أُعطيه إلا للذين أُعدّ لهم. (مرقس 10: 35-40)
ثم يكمل النص فيقول قد كلمتكم بهذا بأمثال، ولكن تأتي ساعة حين لا أُكلمكم أيضاً بأمثال بل أُخبركم عن الأب علانية، وهذه الفقرة على قصرها تحمل تناقضاً وخطأ، أما التناقض فهو قوله انه كلمهم بأمثال وفي نصوص أخرى قال فيها انه لا يتكلم معهم بأمثال لأنه أُعطي لهم معرفة أسرار مملكة السماء وانه يُكلم الآخرين بالأمثال لأنهم مبصرون ولا يبصرون كما في النصوص التالية:
- فتقدم التلاميذ وقالوا له لماذا تكلمهم بأمثال،
فأجاب وقال لهم لأنه قد أُعطي لكم أن تعرفوا أسرار مملكة السماء وأما لأُولئك فلم يعط، فإن من له سيُعطى ويُزاد، وأما من ليس له فالذي عنده سيُؤخذ منه، من أجل هذا أُكلمهم بأمثال لأنهم مبصرين لا يُبصرون وسامعين لا يسمعون ولا يفهمون. (متّى 13: 10-13)
- ولما كان وحده سأله الذين حوله مع ألاثني عشر عن المثل،
فقال لهم قد أُعطي لكم أن تعرفوا سرّ مملكة الإله،
وأما الذين هم من الخارج فبالأمثال يكون لهم كل شيء،
لكي يُبصروا مُبصرين ولا ينظروا ويسمعوا سامعين ولا يفهموا لئلا يرجعوا فأغفر خطاياهم،
ثم قال لهم أما تعلمون هذا المثل، فكيف تعلمون جميع الأمثال. (مرقس 4: 10-13)
- فسأله تلاميذه ما عسى أن يكون هذا المثل،
فقال لكم قد أُعطي أن تعرفوا أسرار مملكة الإله،
وأما للباقين فبأمثال حتى إنهم مُبصرين لا يُبصرون وسامعين لا يفهمون. (لوقا 8: 9-10)
وأما الخطأ فهو قوله انه تأتي ساعة حين يخبرهم عن الأب علانية، ومن يقرأ الاناجيل يعلم ان يسوع بعد هذا القول يُلقى القبض عليه، ومن ثم تجري محاكمته في النهار التالي ويُعلق على الخشبة، وبعد ذلك يدفن في قبر بعد تكفينه حسب شريعة اليهود!
وإذا استعرضنا أقواله خلال هذه المدة سنجدها كما يلي: صلاته الأخيرة وطلبه أن لا يُصلب، كما انه طلب من تلاميذه السهر معه والصلاة كي لا يُصلب ولكن التلاميذ خالفوا أمره وأمضوا الليلة وهم نيام، ثم في المحاكمة يقول ان مملكته ليست من هذا العالم ولا يجيب عن أسئلة بيلاطس ولا هيرودس ولا عن أسئلة رؤساء كهنة اليهود عندما كانوا يسألونه أنت ابن الإله أو أنت ابن المبارك أو أنت المسيح سوى بجواب واحد انتم تقولون، حتى تعجب منه الجميع، ثم بعد ذلك وهو معلق على الصليب صرخ الى إلهه قائلاً إلهي إلهي لماذا تركتني، فهل في هذه الأقوال أي شيء أخبر فيها عن الأب سوى إخباره لنا أن إلهه قد تركه ولم يستجب له؟!
وبعد قيامته من الأموات قال عدة أقوال منها انه سيلتقي بالتلاميذ في الجليل ومع هذا كتبت الاناجيل انه التقى بهم في أُورشليم وليس في الجليل!
- فقال لهما يسوع لا تخافا ، اذهبا قولا لإخوتي أن يذهبوا إلى الجليل وهناك يرونني. (متّى 28: 10)
- فقاما في تلك الساعة ورجعا الى أُورشليم ووجدا الأحد عشر مجتمعين هم والذين معهم،
وهم يقولون إن الرب قام بالحقيقة وظهر لسمعان وأما هما فكانا يُخبران بما حدث في الطريق وكيف عرفاه عند كسر الخبز،
وفيما هم يتكلمون وقف يسوع نفسه في وسطهم وقال لهم سلام لكم، فجزعوا وخافوا وظنوا أنهم نظروا روحاً. (لوقا 24: 33-37)
ومنها قوله للتلاميذ أنهم قليلو الإيمان إذ أنهم لم يصدقوا الذين أخبروهم أنه قام من الأموات!
- ورجعن من القبر وأخبرن الأحد عشر وجميع الباقين بهذا كله،
وكانت مريم المجدلية ويونا ومريم أُم يعقوب والباقيات معهن اللواتي قلن هذا للرسل،
فتراءى كلامهن لهم كالهذيان، ولم يصدقوهن. (لوقا 24: 9-11)
- أخيراً ظهر للأحد عشر وهم متكئون ووبخ عدم إيمانهم وقساوة قلوبهم لأنهم لم يُصدقوا الذين نظروه قد قام. (مرقس 16: 14)
كما انه وصف التلميذين اللذين التقى بهما في الطريق الى عمواس بأنهما غبيان وبطيئا الفهم، وكذلك وصف توما بأنه قليل الإيمان!
- فقال لهما أيها الغبيان والبطيئا القلوب في الإيمان بجميع ما تكلم به الأنبياء. (لوقا 24: 25)
فأين هي أقواله عن الأب التي قالها علانية بعد قوله ذلك القول؟!
وبعد ذلك كتب يوحنا ان التلاميذ قالوا له هو ذا الآن تتكلم علانية ولست تقول مثلاً واحداً، الآن نعلم انك عالم بكل شيء ولست تحتاج أن يسألك احد، لهذا نؤمن انك من الإله خرجت!
فهل صدّق يسوع ما قاله التلاميذ عن أنفسهم؟
أجابهم يسوع آلآن تؤمنون، هو ذا تأتي ساعة وقد أتت الآن تتفرقون فيها كل واحد الى خاصته، وتتركوني وحدي.
آلآن تؤمنون! إن للإيمان مظاهر ودلالات لا تُقبل ممن يدعيه إذا لم تتوفر فيه.
آلآن تؤمنون! وانتم تستعدون للتفرق عنه وتركه وحيداً كي يلقى مصيره معلقاً على الخشبة بين لصين، وانتم كل واحد منكم يعيش مع خاصته بكل راحة وهدوء.
آلآن تؤمنون!
من هذه القراءة للنصوص التي تحدثت عن المعزي وما ظهر فيها من أخطاء وتناقضات يظهر لنا أن قانون لا تقبل خبراً كاذباً ينطبق عليها جميعاً، وأن النصوص السابقة ليست وحياً، مما يعني أن يوحنا اقتبسها من مصادر أُخرى ولم تُكتب بسوق من الروح المقدس، فمن أين اقتبس يوحنا اسم المعزي واطلقه على الروح المقدس؟
أنا أنا هو معزّيكم،
من أنتِ حتى تخافي من إنسان يموت،
ومن ابن الإنسان الذي يُجعل كالعشب،
وتنسى الرب صانعك، باسط السموات ومؤسس الارض،
وتفزعُ دائماً كل يوم من غضب المُضايق عندما هيّأ للإهلاك،
وأين غضب المُضايق،
سريعاً يُطلق المنحني ولا يموت في الجبِّ ولا يُعدم خبزه،
وأنا الرب إلهك مُزعج البحر فتعجُّ لججه،
ربُّ الجنود اسمه،
وقد جعلت أقوالي في فمك،
وبظل يدي سترتك لغرس السموات وتأسيس الارض ولتقول لصهيون أنت شعبي. (إشعياء 51: 12-16)
هذا النص يتحدث عن الرب وأنه هو المعزّي الحق، لأنه باسط السموات ومؤسس الأرض، ومزعج البحر فتعج لججه، وهذا الأمر لا تختلف عليه عقول وضمائر البشر، لأنه متناسق مع الكون المادي ونصوص العهد القديم، وأما ما كتبه يوحنا عن المعزي وأنه الروح المقدس فقد ظهر لنا ما تحمله من أخطاء وتناقضات، مما يدل على انه اقتبسها من هذا النص أو غيره من النصوص التي تتحدث عن خالق السموات والارض وما فيهن من مخلوقات، ولا وجه للشبه بين الخالق والمخلوق، كما بينت ذلك سابقاً، فأخذ نص يتحدث عن الخالق وإلصاقه بأحد المخلوقات لا يجعل هذا المخلوق يحمل صفات إلهية أو يجعل الحديث عن تعدد الآلهة صحيحاً، وخاصة أن الحديث عن تعدد الآلهة يتناقض مع كل أُصول ومبادئ ونصوص العهد القديم.
41 - مصدر قصة إعطاء الروح المقدس لتلاميذ يسوع
- وفي اليوم الأخير العظيم من العيد وقف يسوع ونادى قائلاً إن عطش أحد فليُقبل إليّ ويشرب،
من آمن بي كما قال الكتاب تجري من بطنه أنهار ماء حي،
قال هذا عن الروح الذي كان المؤمنون به مُزمعين أن يقبلوه،
لأن الروح المقدس لم يكن قد أُعطي بعد،
لأن يسوع لم يكن قد مُجّد بَعدُ.(يوحنا 7: 37-39)
- فقال لهم يسوع سلام لكم،
كما أرسلني الأب أُرسلكم أنا،
ولما قال هذا نفخ وقال لهم اقبلوا الروح المقدس،
من غفرتم خطاياه تُغفر له ومن أمسكتم خطاياه أُمسكت. (يوحنا 20: 21-23)
في هذين النصين يكتب يوحنا عن إعطاء الروح المقدس للتلاميذ، وكما قلت سابقاً إن أي نص يحمل في طياته أخطاء وتناقضات لا يمكن أن يكون وحياً بل يكون مأخوذاً من مصادر أخرى، وفي حالتنا هذه عادة ما يأخذ كتبة الاناجيل قصصهم من أسفار العهد القديم، وقبل إحضار النصوص التي اقتبس منها يوحنا هذه الفكرة لا بد من الإشارة لبعض الأخطاء والتناقضات في هذين النصين.
الخطأ الأول وهو قوله من آمن بي كما قال الكتاب تجري من بطنه أنهار ماء حيّ، فأين قرأ يوحنا أو يسوع هذا النص في العهد القديم، ثم هل حقاً ان من يؤمن بيسوع تجري من بطنه انهار ماء حيّ، ويسوع نفسه مات على الصليب عطشاناً كما تقول الأناجيل؟!
الخطأ الثاني وهو قوله لأن الروح المقدس لم يكن قد أُعطي بعد، هل حقاً ان التلاميذ حتى هذا الوقت لم يكونوا قد أُعطوا الروح المقدس؟!
ان يوحنا يحدد زمن هذا القول بأنه في اليوم الأخير العظيم من عيد الفصح بعد أن مضت أكثر من سنتين على يسوع وهو يكرز، فهل يريد يوحنا القول ان التلاميذ بقوا سنتين بدون الروح المقدس، وهو الذي كتب في انجيله أن تلاميذ يسوع كانوا يُعمّدون قبل هذا الوقت بزمن طويل؟!
- فلما علم الرب إن الفريسيين سمعوا أن يسوع يُصيّر ويُعمّد تلاميذ أكثر من يوحنا،
مع إن يسوع نفسه لم يكن يُعمّد بل تلاميذه ترك اليهودية ومضى أيضاً إلى الجليل. (يوحنا 4: 1-3)
فإذا لم يكن الروح المقدس قد أُعطي لهم فبأي شيء كانوا يُعمّدون، والكنائس تقول إن التعميد يكون بالروح المقدس؟
وقبل هذا ألم يُعمّدهم يسوع في عين نون بقرب ساليم حيث كان يُعمّد، أم انه عمّد الجميع، كما قال يوحنا نفسه، إلا تلاميذه؟!
- وبعد هذا جاء يسوع وتلاميذه إلى أرض اليهودية ومكث معهم هناك وكان يُعمّد،
وكان يوحنا أيضاً يُعمّد في عين نون بقرب ساليم لأنه كان هناك مياه كثيرة،
وكانوا يأتون إليه ويعتمدون لأنه لم يكن يوحنا قد أُلقي بعد في السجن،
وحدثت مباحثة من تلاميذ يوحنا مع يهود من جهة التطهير،
فجاءوا إلى يوحنا وقالوا له يا معلم هو ذا الذي كان معك في عبر الأردن الذي أنت شهدت له هو يُعمّد والجميع يأتون إليه. (يوحنا 3: 22-26)
الخطأ الثالث وهو قول يوحنا لأن يسوع لم يكن قد مُجّد بعد، كيف يكتب يوحنا ان يسوع لم يكن قد مُجّد بعد، أي إن يسوع أمضى تقريباً سنتين من كرازته وهو غير مُمجّد؟ مع انه كتب في انجيله قبل هذا الكلام ما يلي:
- والكلمة صار جسداً وحل بيننا ورأينا مجده. (يوحنا 1: 14)
يوحنا يقول في الاصحاح الاول أنهم رأوا مجد يسوع وفي الإصحاح السابع، وبعد سنتين من بدء تبشير يسوع، يقول إن يسوع لم يكن قد مُجّد بعد!
ثم إن يوحنا كتب في الإصحاح الثاني أن يسوع عمل أول معجزاته وهي تحويل الماء الى خمر، ثم يُعَقّب يوحنا على هذه المعجزة فيقول: وأظهر مجده فآمن به تلاميذه. (يوحنا 2: 11)
فكيف نسي يوحنا هذه الجملة التي تقول ان يسوع اظهر مجده لتلاميذه؟
وأخيراً فإن يوحنا قال إن يسوع نفخ وقال للتلاميذ اقبلوا الروح المقدس، ولكنه لم يقل لنا إن كان التلاميذ قد قبلوا الروح المقدس أم لا!
من هنا نرى ان النصين السابقين يشوبهما الكثير من الكلام البشري الحافل بالتناقضات والأخطاء فمن أين اقتبس يوحنا هذه القصة؟
لنقرأ النصوص التالية:
- فأنزل أنا وأتكلم معك هناك وآخذ من الروح الذي عليك وأضع عليهم. (عدد 11: 17)
- فنزل الرب في سحابة وتكلم معه وأخذ من الروح الذي عليه وجعل على السبعين رجلاً الشيوخ، فلما حلت عليهم الروح تنبئوا ولكنهم لم يزيدوا. (عدد 11: 25)
هذان النصان هما جزء من قصة موسى مع قومه عندما طلبوا منه ان يأكلوا طعاماً غير المنّ وهم في سيناء، وفيها ان موسى طلب من الرب ان يُعينه على حكم بني اسرائيل فقال الرب انه سيأخذ من الروح التي على موسى ويعطيها لسبعين رجلاً اختارهم موسى لمساعدته، وهذا ما حصل كما هو مكتوب في سِفر العدد.
- وأعطيتهم روحك الصالح لتعليمهم، ولم تمنع منّك عن أفواههم، وأعطيتهم ماء لعطشهم، وعلتهم أربعين سنة في البرية فلم يحتاجوا، لم تبل ثيابهم ولم تتورم أرجلهم. (نحميا 9: 20-21)
كلمة منّك من المنّ الطعام الذي أكله بنو إسرائيل في سيناء، في هذا النص تأكيد على إعطاء الرب الروح لبني إسرائيل في برية سيناء لتعليمهم، كما في النص السابق، ويوحنا عندما قرأ هذه القصة وهي تحدث مع موسى وقومه وجد أنه من المناسب ان يكتب قصة مشابهة، فكتب أن يسوع نفخ وأعطى تلاميذه الروح المقدس، ولم يراعِ ما كتبه قبل ذلك وبعد ذلك عن التلاميذ من أمور تخالف أخذهم للروح المقدس، المهم أن لا تكون حادثة مهمة وقعت مع نبي من أنبياء العهد القديم إلا ويكون شبيهاً لها في الاناجيل تتحدث عن يسوع وتلاميذه! وهذا يدل على أن قانون لا تقبل خبراً كاذباً ينطبق على هذه القصة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق