الجمعة، 27 يوليو 2018

مصدر قصة ولادة يسوع في بيت لحم وتناقضاتها

الفصل الثالث: مصادر الأناجيل وطريقة تأليفها وكتابتها

القسم الرابعالنصوص المنسوبة مباشرة للعهد القديم
في هذا القسم سنطلع على النصوص المنسوبة للعهد القديم مباشرة وقول كتبة الأناجيل أنها لم تتم وتكتمل وتحدث إلا في يسوع وزمنه وجيله، لنرى حقيقتها ومدى صدق ما قاله الكتبة عنها.
- مصدر قصة ولادة يسوع في بيت لحم
- فلما سمع هيرودس الملك اضطرب وجميع أُورشليم معه،
فجمع كل رؤساء الكهنة وكتبة الشّعب وسألهم أين يولد المسيح،
فقالوا له في بيت لحم اليهودية،
لأنه هكذا مكتوب بالنبي،
وأنت يا بيت لحم ارض يهوذا لست الصغرى بين رؤساء يهوذا،
لان منك يخرج مدبّر يرعى شعبي إسرائيل. (متّى 2: 3-6)
النص من نسخة الملك جيمس:
2:3 When Herod the king had heard [these things,] he was troubled, and all Jerusalem with him.
2:4 And when he had gathered all the chief priests and scribes of the people together, he demanded of them where Christ should be born.
2:5 And they said unto him, In Bethlehem of Judaea: for thus it is written by the prophet,
2:6 And thou Bethlehem, in the land of Juda, art not the least among the princes of Juda: for out of thee shall come a Governor, that shall rule my people Israel.
في هذا النص يقول متّى ان ولادة يسوع كانت في بيت لحم، لأنه مكتوب بالنبي وأنت يا بيت لحم أرض يهوذا لست الصغرى بين رؤساء يهوذا لأن منك يخرج مدبر يرعى شعبي إسرائيل، فهل هذا النص ينطبق على يسوع أو على بيت لحم كما قال متّى أم لا؟
لنقرأ النص كما هو مكتوب في العهد القديم لنعرف حقيقة هذا الأمر، وهو مذكور في سفر ميخا الإصحاح الخامس، وهو كما يلي:
- الآن تتجيشين يا بنت الجيوش قد أقام علينا مترسة،
يضربون قاضي إسرائيل بقضيب على خده،
وأما أنت يا بيت لحم أفراتة وأنت صغيرة أن تكوني بين ألوف يهوذا فمنك يخرج لي الذي يكون متسلطاً على إسرائيل ومخارجه منذ القديم منذ أيام الأزل،
لذلك يُسلمهم إلى حينما تكون قد ولدت والدة،
ثم ترجع بقية إخوته إلى بني إسرائيل،
ويقف ويرعى بقدرة الرب بعظمة اسم الرب إلهه ويثبتون،
لأنه الآن يتعظم إلى أقاصي الأرض،
ويكون هذا سلاماً،
إذا دخل أشور في أرضنا وإذا داس في قصورنا نقيم عليه سبعة رعاة وثمانية من أمراء الناس،
فيرعون أرض أشور بالسيف وأرض نمرود في أبوابها فينفذ من أشور إذا دخل أرضنا وإذا داس تخومنا،
وتكون بقيّة يعقوب في وسط شعوب كثيرين كالندى من عند الرب، كالوابل على العشب الذي لا ينتظر انساناً ولا يصبر لبني البشر،
وتكون بقيّة يعقوب بين الأمم في وسط شعوب كثيرين كالأسد بين وحوش الوعر كشبل الأسد بين قطعان الغنم، الذي إذا عبر يدوس وليس من يُنقذ،
لترتفع يدك على مبغضيك وينقرض كل أعدائك،
ويكون في ذلك اليوم يقول الرب أني أقطع خيلك من وسطك وأُبيد مركباتك،
وأقطع مدن أرضك وأهدم كل حصونك،
وأقطع السحر من يدك ولا يكون لك عائفون،
وأقطع تماثيلك المنحوتة وأنصابك من وسطك فلا تسجد لعمل يديك في ما بعد،
وأقلع سواريك من وسطك وأُبيد مدنك،
وبغضب وغيظ أنتقم من الأُمم الذين لم يسمعوا. (ميخا 5: 1-15)
نص ميخا من نسخة الملك جيمس:
5:1 Now gather thyself in troops, O daughter of troops: he hath laid siege against us: they shall smite the judge of Israel with a rod upon the cheek.
5:2 But thou, Bethlehem Ephratah, [though] thou be little among the thousands of Judah, [yet] out of thee shall he come forth unto me [that is] to be ruler in Israel; whose goings forth [have been] from of old, from everlasting.
نص ميخا من النسخة السبعينية:
5:1 Now shall the daughter of Sion be completely hedged in: he has laid siege against us: they shall smite the tribes of Israel with a rod upon the cheek.
2 And thou, Bethleem, house of Ephratha, art few in number to be reckoned among the thousands of Juda; yet out of thee shall one come forth to me, to be a ruler of Israel; and his goings forth were from the beginning, even from eternity.
نص ميخا من النسخة العبرانية:
1 But thou, Beth-lehem Ephrathah, which art little to be among the thousands of Judah, out of thee shall one come forth unto Me that is to be ruler in Israel; whose goings forth are from of old, from ancient days.
ان أول ما يواجهنا به النص المكتوب في انجيل متّى هو التغيير الكبير لألفاظ النص المكتوب في سفر ميخا، فمتّى يقول وأنت يا بيت لحم أرض يهوذا لست الصغرى بين رؤساء يهوذا لان منك يخرج مدبر يرعى شعبي إسرائيل، وميخا يقول وأما أنت يا بيت لحم افراتة وأنت صغيرة أن تكوني بين ألوف يهوذا فمنك يخرج لي الذي يكون متسلطا على إسرائيل ومخارجه منذ القديم منذ أيام الأزل.
فالفرق واضح بين النصين وهذا يُشير إلى أن متّى لم يكن يلتزم بنصوص العهد القديم حتى بما هو مكتوب في النسخة السبعينية، وهو أمر مُثير للإهتمام إذ لو كان يكتب بسوق من الروح المقدس الذي كان عند أنبياء العهد القديم لالتزم بما هو مكتوب لأننا قرأنا سابقاً النصوص التي تحذر من الزيادة على النصوص أو الإنقاص منها، كما أن اقتباس النصوص بالمعنى أو من الذاكرة قد يؤثر في النتائج التي يتم التوصل لها، فهل أثرت هذه الطريقة في الاقتباس على النتائج التي فهمها متّى أو التي أراد أن يفهمها أتباع الكنائس الطيبين منها؟
فهو في هذا النص يقول أن يسوع هو المسيح الذي سيدبر شعب إسرائيل، فهل حقاً كان يسوع يدبر أو يرعى أو يحكم شعب إسرائيل كما هو مكتوب في النسخ المختلفة؟
إن من يقرأ الأناجيل يعلم ان يسوع لم يكن في يوم من الأيام طوال حياته حتى قيامته وارتفاعه مدبراً لشعب الرب إسرائيل أو متسلّطاً عليه، لا بل إن الأناجيل كتبت انه كان خاضعاً لسلطان قيصر، دافعاً الجزية لولاته، وآمراً اليهود بإعطاء قيصر كل ما يريده بقوله أعطوا ما لقيصر لقيصر، كما في النصين التاليين:
- ولما جاءوا إلى كفر ناحوم تقدم الذين يأخذون الدرهمين إلى بطرس وقالوا أما يوفي معلمكم الدرهمين،
قال بلى،
فلما دخل البيت سبقه يسوع قائلاً ماذا تظن يا سمعان ممن يأخذ ملوك الأرض الجباية أو الجزية، أمن بنيهم أم من الأجانب،
قال له بطرس من الأجانب،
قال له يسوع فإذاً البنون أحرار،
ولكن لئلا نعثرهم اذهب إلى البحر وألق صنارة والسمكة التي تطلع أولاً خذها ومتى فتحت فاها تجد إستاراً فخذه وأعطهم عني وعنك. (متّى 17: 24-27)
- فقال لهم لمن هذه الصورة والكتابة،
قالوا له لقيصر فقال لهم أعطوا إذاً ما لقيصر لقيصر وما للإله للإله. (متّى 22: 20-21)
كما ان والي قيصر قام في نهاية الأمر بمحاكمة يسوع وصلبه كما تقول الأناجيل الأربعة!
واما تدبيره لليهود ورعايتهم فحدّث عنه ولا حرج! فيسوع كان طوال حياته خائفاً من اليهود وكان يشعر أنهم يَسْعَوْنَ الى قتله.
- وكان يسوع يتردد بعد هذا في الجليل،
لأنه لم يُرد أن يتردد في اليهودية لأن اليهود كانوا يطلبون أن يقتلوه. (يوحنا 7: 1)
فكيف يدبّرهم ويرعاهم وهذا حاله، لا بل ان يسوع هرب منهم عندما حاولوا ان يجعلوه ملكاً عليهم تنفيذاً لهذا النص أو غيره؟!
- وأما يسوع فإذ علم أنهم مزمعون أن يأتوا ويختطفوه ليجعلوه ملكاً انصرف أيضاً إلى الجبل وحده. (يوحنا 6: 15)
وكان حريصاً على ان يُظهر نفسه خاضعاً لسلطان الكهنة وعدم إظهار نفسه كرسول أو نبي جديد إليهم من مهماته ان يدبرهم ويرعاهم.
- فقال له يسوع انظر أن لا تقول لأحد،
بل اذهب أرِ نفسك للكاهن وقدِّم القربان الذي أمر به موسى شهادة لها. (متّى 8: 4)
وكان يخفي صفته التي أُرسل بها كمسيح مهمته ان يرعى اليهود.
- ثم خرج يسوع وتلاميذه الى قرى قيصرية فيلبس،
وفي الطريق سأل تلاميذه قائلاً لهم من يقول الناس أني أنا،
فأجابوا يوحنا المعمدان،
وآخرون إيليا،
وآخرون واحد من الأنبياء،
فقال لهم وأنتم من تقولون أني أنا،
فأجاب بطرس وقال له أنت المسيح،
فانتهرهم كي لا يقولوا لأحد عنه. (مرقس 8: 27-30)
لا بل انه وزيادة في إخفاء نفسه، سواء خوفاً من الرومان أو من اليهود، رفض ان ينطق بحكم الرب في المرأة الزانية، فضلاً عن ان يقيمه، وتعلل في ذلك بقوله من كان منكم بلا خطيئة فليرمها أولاً بحجر.
- ثم حضر أيضاً إلى الهيكل في الصبح وجاء إليه جميع الشعب فجلس يُعلّمُهُم،
وقدّم إليه الكتبة والفريسيون امرأة أُمسكت في زنا، ولما أقاموها في الوسط،
قالوا له يا معلم هذه المرأة أُمسكت وهي تزني في ذات الفعل،
وموسى في الناموس أوصانا أن مثل هذه تُرجم فماذا تقول أنت،
قالوا هذا ليُجربوه لكي يكون لهم ما يشتكون به عليه،
وأما يسوع فانحنى الى أسفل وكان يكتب بإصبعه على الأرض،
ولما استمروا يسألونه انتصب وقال لهم من كان منكم بلا خطية فليرمها أولاً بحجر،
ثم انحنى أيضاً إلى أسفل وكان يكتب على الأرض. (يوحنا 8: 1-8)
والكنائس المختلفة تقول ان يسوع كان بلا خطيئة فلماذا لم يقم هو بتنفيذ حكم الرب اذا كان هدفه ووظيفته هي رعاية وتدبير شعب الرب اسرائيل؟!
وأخيراً فهو يُعلن بكل وضوح أن مملكته ليست من هذا العالم كما في النص التالي:
- ثم دخل بيلاطس أيضاً إلى دار الولاية ودعا يسوع وقال له أنت ملك اليهود.
أجابه يسوع أمِنْ ذاتك تقول هذا أم آخرون قالوا لك عني.
أجابه بيلاطس ألعلي أنا يهودي،
أُمّتك ورؤساء الكهنة أسلموك إليّ، ماذا فعلت.
أجاب يسوع مملكتي ليست من هذا العالم،
لو كانت مملكتي من هذا العالم لكان خدّامي يُجاهدون لكي لا أُسلم الى اليهود،
ولكن الآن ليست مملكتي من هنا. (يوحنا 18: 33-36)
فإذا كانت مملكته ليست من هذا العالم فمعنى هذا أنه ليس هو المقصود من النص، لأن النص يتحدث عن إنسان يرعى أو يحكم شعب إسرائيل وليس عن إنسان مملكته ليست من هذا العالم.
من هذا الشرح نعلم ان يسوع لم يكن في يوم من الأيام مدبراً لشعب الرب إسرائيل ولا متسلطاً عليهم.
أعود الآن لاستكمال قراءة النص كما كتبه ميخا.
- لذلك يسلمهم إلي حينما تكون قد ولدت والدة،
وهذه الفقرة مكتوبة في نسخة كتاب الحياة الانجليزية وترجمتها العربية كما يلي:
- لذلك يسلم الرب شعبه الى أعدائهم الى أن تلد من تقاسي من المخاض. (ميخا 5: 3)
النص من نسخة كتاب الحياة الترجمة الانجليزية:
- Therefore Israel will be abandoned until the time when she who is in labor gives birth. (Micah 5: 3)
في هذه الفقرة نقرأ ان الرب سيقوم بتسليم إسرائيل لأعدائهم الى أن تكون قد ولدت والدة، وهذه الفترة تشير الى عملية السبي سواء الى أشور أو الى بابل ومن ثم عودتهم من هناك الى الأرض المقدسة، كما يظهر من الفقرات التالية، وما يؤكد أن النص لا يتحدث عن يسوع هو أن اليهود في ذلك الوقت كانوا خاضعين لحكم الرومان ولم يحررهم يسوع من الحكم الروماني، فهذا النص يتحدث عن مواعيد هي بالتأكيد لم تكن في زمن يسوع، ثم يقول:
- ثم ترجع بقية أخوته إلى بني إسرائيل،
وهنا من حق القارئ ان يسأل هل رجع إخوة يسوع في زمانه، أي الأسباط الذين تشتتوا خلال عمليات السبي، إلى إسرائيل؟
والجواب على هذا السؤال هو بالنفي، لأن الأناجيل وغيرها من المصادر لم تخبرنا أن أحداً من بني إسرائيل عاد الى الأرض المقدسة نتيجة لظهور يسوع أو أثناء كرازته، أو حتى بعد صعوده.
- ويقف ويرعى بقدرة الرب بعظمة اسم الرب إلهه ويثبتون، لأنه الآن يتعظم إلى أقاصي الأرض، ويكون هذا سلاماً،
وهذه الفقرات التي تتحدث عن رعاية ذلك المُدبّر لبني اسرائيل  بينت قبل قليل ان يسوع لم يكن راعياً لاسرائيل في يوم من الايام طوال حياته فأغنى عن إعادة الكلام.
- وإذا دخل أشور في أرضنا وإذا داس في قصورنا نقيم عليه سبعة رعاة وثمانية من أمراء الناس، فيرعون أرض أشور بالسيف وأرض نمرود في أبوابها فينفذ من آشور إذا دخل أرضنا وإذا داس تخومنا،
وهذه الفقرة تتحدث عن أشور وعن دخولهم إلى الأرض المقدسة وان الرب سيعاقبهم بالسيف ويدمرهم ويجعل نمرود وشعبه يقتحمون أرض أشور، وهذه الحوادث وقعت قبل يسوع بمئات السنين، فكيف لم ينتبه متّى الى هذه الحقائق، إلا إذا كان هذا منهجاً في تأليف الأناجيل، وهو يجتزئ من النص تلك الفقرة التي تتحدث عن المُدبّر الذي يرعى إسرائيل ليقول لنا ان تلك الفقرة تتحدث عن مكان ولادة يسوع؟
- وتكون بقية يعقوب في وسط شعوب كثيرين كالندى من عند الرب، كالوابل على العشب الذي لا ينتظر إنسانا ولا يصبر لبني البشر، وتكون بقية يعقوب بين الأمم في وسط شعوب كثيرين كالأسد بين وحوش الوعر كشبل الأسد بين قطعان الغنم، الذي إذا عبر يدوس وليس من ينقذ، لترتفع يدك على مبغضيك وينقرض كل أعدائك،
وهذه الفقرات تتحدث عن صفات بني إسرائيل، ولا أظن أن أحداً يخالفني الرأي أنها لم تكن من صفات اليهود في زمن يسوع، فهم كانوا تحت سيطرة الرومان وخاضعين لسلطانهم، كما أن يسوع نفسه كان يدفع الجزية لقيصر!
- ويكون في ذلك اليوم يقول الرب أني أقطع خيلك من وسطك وأُبيد مركباتك، وأقطع مدن أرضك وأهدم كل حصونك،
وهذه الفقرة كسابقتها تتحدث عن أمور سابقة لميلاد يسوع بمئات السنين.
- وأقطع السحر من يدك ولا يكون لك عائفون،
وأقطع تماثيلك المنحوتة،
وأنصابك من وسطك،
فلا تسجد لعمل يديك في ما بعد.
وهذه الفقرة اترك الحديث عنها ليتأملها الانسان ويتفكر في واقع  الكنائس المختلفة التي ملأت الدنيا بالتماثيل والأنصاب والصور! وأسأل متى ستنتهي الكنائس المختلفة عن السجود لعمل يديها؟
من هذا كله نجد أن متّى استخدم نص ميخا لكتابة قصته عن مولد يسوع في بيت لحم باعتباره المدبر الذي سيرعى بني إسرائيل، على الرغم من مناقضة نص ميخا للواقع التاريخي لبيت لحم في زمن يسوع، وكذلك عجز الأناجيل عن إظهار يسوع كمدبر لبني إسرائيل كما في النصوص السابقة، وهذا يدل على أن قانون لا تقبل خبراً كاذباً ينطبق على قصة متّى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق