الخميس، 26 يوليو 2018

مصدر قصة تجربة الشيطان ليسوع

الفصل الثالث: مصادر الأناجيل وطريقة تأليفها وكتابتها

القسم الخامس: النصوص المستشهد بها في الحوارات والمجادلات
في هذا القسم سنطلع على بعض الحوارات والمُجادلات التي كتبت في الأناجيل وتم الاستشهاد فيها بنصوص من العهد القديم لنرى إن كان كتبة الأناجيل قد نجحوا في كتابة تلك الحوارات والمُجادلات بما يتوافق مع نصوص الأناجيل ونصوص العهد القديم أم أنهم كتبوا حوارات ومجادلات تتناقض مع نصوص الأناجيل ونصوص العهد القديم كما ظهر لنا في القسم السابق.
ملاحظة: التدوينة التالية تتضمن موضوعين في الكتاب، الاول وهو يختص باقتباس الشيطان من العهد القديم، وهو في هذا القسم من الكتاب، والثاني وهو البحث عن مصادر أحداث قصة التجربة وهو في القسم السادس من هذا الفصل، ولكن نظراً لارتباطهما ببعض أحببت أن أضعهما في تدوينة واحدة، لذا اقتضى التنويه.
5 - الشيطان يستشهد بالعهد القديم
- ثم أُصعد يسوع إلى البرية من الروح ليُجرّب من إبليس،
فبعدما صام أربعين نهاراً وأربعين ليلة جاع أخيراً، فتقدم إليه المجرِّب وقال له إن كنت ابن الإله فقل أن تصير هذه الحجارة خبزاً،
فأجاب وقال مكتوب ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فم الإله،
ثم أخذه إبليس إلى المدينة المقدسة وأوقفه على جناح الهيكل،
وقال له إن كنت ابن الإله فاطرح نفسك إلى أسفل،
لأنه مكتوب أنه يُوصي ملائكته بك فعلى أياديهم يحملونك لكي لا تصدم بحجرٍ رجلك،
قال له يسوع مكتوب أيضاً لا تجرب الرب إلهك،
ثم أخذه أيضاً إبليس إلى جبل عالٍ جداً وأراه جميع ممالك العالم ومجدها، وقال له أُعطيك هذه جميعها إن خررت وسجدت لي،
حينئذ قال له يسوع اذهب يا شيطان، لأنه مكتوب للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد،
ثم تركه إبليس وإذا ملائكة قد جاءت فصارت تخدمه. (متّى 4: 1-11)
- وأما يسوع فرجع من الأُردن ممتلئ من الروح المقدس،
وكان يُقتاد بالروح في البرية أربعين يوما يُجرَّب من إبليس،
ولم يأكل شيئاً في تلك الأيام ولما تمّت جاع أخيراً،
وقال له إبليس إن كنت ابن الإله فقل لهذا الحجر أن يصير خبزاً،
فأجابه يسوع قائلا مكتوب أن ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل بكل كلمة من الإله،
ثم أصعده إبليس إلى جبل عال وأراه جميع ممالك المسكونة في لحظة من الزمان،
وقال له إبليس لك أُعطي هذا السلطان كله ومجدهن لأنه إليّ قد دُفع وأنا أُعطيه لمن أُريد فإن سجدت أمامي يكون لك الجميع،
فأجابه يسوع وقال اذهب يا شيطان إنه مكتوب للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد،
ثم جاء به إلى أُورشليم وأقامه على جناح الهيكل،
وقال له إن كنت ابن الإله فاطرح نفسك من هنا إلى أسفل،
لأنه مكتوب أنه يُوصي ملائكته بك لكي يحفظوك،
وأنهم على أياديهم يحملونك لكي لا تصدم بحجر رجلك،
فأجاب يسوع وقال له إنه قيل لا تجرب الرب إلهك،
ولما أكمل إبليس كل تجربة فارقه إلى حين. (لوقا 4: 1-13)
إن من اغرب ما كتب في الاناجيل هو استشهاد الشيطان بأقوال من أسفار العهد القديم في حواره مع يسوع خلال تجريبه له في القصة التي كتبها متّى ولوقا في إنجيليهما، وكنت قد بينت ما تحمله من أخطاء وتناقضات في كتاب يسوع بن يوسف النجار أسئلة حائرة، وخصوصاً الحديث عن الجبل الذي يستطيع الإنسان إذا صعد على قمته رؤية ممالك العالم كلها، مع العلم أن جبل التجربة كما تحدد مكانه الكنائس يقع تحت مستوى البحر! وكذلك التناقض بين متّى ولوقا في كتابة أحداثها القصصية إذ قال متّى إن الشيطان أخذ يسوع الى المدينة المقدسة أولاً ثم أصعده الى الجبل، في حين أن لوقا قال إن الشيطان أصعد يسوع الى الجبل أولاً ثم أخذه الى المدينة المقدسة وهذه الأمور لا تدل على كتابتهم لها عن طريق المشاهدة أو السماع فضلاً عن كتابتها عن طريق الوحي أو بسوق من الروح المقدس، وما يهم هنا هو حقيقة النصوص التي استشهد بها الشيطان ومدى تطابقها مع صفات يسوع كما كتبتها قوانين إيمان الكنائس المختلفة.
- ثم أُصعد يسوع الى البرية من الروح ليُجرب من إبليس،
فبعدما صام أربعين نهاراً وأربعين ليلة جاع أخيراً،
فتقدم إليه المجّرب وقال له إن كنت ابن الإله فقل أن تصير هذه الحجارة خبزاً،
فأجاب وقال مكتوب ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فم الإله. (متّى 4:1-4)
- أما يسوع فرجع من الأُردن ممتلئاً من الروح المقدس،
وكان يُقتاد بالروح في البرّية أربعين يوماً يُجرّب من إبليس،
ولم يأكل شيئاً في تلك الأيام ولما تمّت جاع أخيراً،
وقال له إبليس إن كنت ابن الإله فقل لهذا الحجر أن يصير خبزاً،
فأجابه يسوع قائلاً مكتوب أن ليس بالخبز وحده يحيا الانسان بل بكل كلمة من الإله. (لوقا 4: 1-4)
هذا القول المستشهد به مذكور في سفر التثنية وهو كما يلي:
- وتتذكر كل الطريق التي فيها سار بك الرب إلهك هذه الأربعين سنة في القفر لكي يُذلّك ويُجرّبك ليعرف ما في قلبك أتحفظ وصاياه أم لا،
فأذلك وأجاعك وأطعمك المنّ الذي لم تكن تعرفه ولا عرفه آباؤك لكي يُعلّمك أنه ليس بالخبز وحده يحيا الانسان بل بكل ما يخرج من فم الرب يحيا الانسان،
ثيابك لم تبل عليك ورجلك لم تتورّم هذه الاربعين سنة،
فاعلم في قلبك أنه كما يُؤدبُ الانسان ابنه قد أدّبك الرب إلهك. (تثنية 8: 2-5)
هذا النص يتحدث عن إطعام الرب لبني اسرائيل ورعايته لهم في كل شؤونهم مدة أربعين سنة دون الحاجة لبذل أي مجهود في سبيل الحصول على الطعام أو الشراب، وإنما كان المطلوب منهم أن يحفظوا الوصايا ويعملوا بها، ولهذا قال لهم ان الانسان لا يحيا بالأعمال الدنيوية، وعبّر عنه بالخبز، بل بالالتزام بوصايا الرب، لأن الرب خالق كل شيء وهو قادر على كل شيء، فمن يعبده وحده ويعمل بوصاياه فإنه سوف يوفر له سبل معاشه دون أي مشقة، فهذه قدرة الرب خالق كل شيء، فأين هذه القدرة العظيمة من قدرة يسوع الذي رفض في هذه القصة أن يحول حجراً الى خبز واستشهد بالنص السابق الذي يُظهر عظمة وقدرة الرب الخالق؟! فلو كان ما كتبته الاناجيل عن يسوع من أنه ابن الإله صحيحاً لقام بتحويل الحجر الى خبز، ولأثبت للشيطان أنه ابن الإله بدلاً من إجبار الشيطان على إكمال تجريبه كي يتأكد مما تقوله عنه الاناجيل، والذي في نهاية الأمر لم يُثبت ما قالته عنه الاناجيل.
وبعد ان نجح يسوع في تجنب تحويل الحجر الى خبز كي يثبت للشيطان انه ابن الإله بالاستشهاد بالنص التوراتي، نجد ان الشيطان لم ييأس من المحاولة مرة ثانية كي يُظهر حقيقة ما يدّعيه يسوع من انه ابن الإله كما كتب متّى ولوقا، فكتبا ان الشيطان أخذ يسوع الى المدينة المقدسة وهناك حاول ان يُظهر حقيقة ما يدعيه يسوع ولكن في هذه المرة نقرأ ان الشيطان هو من استشهد بنصّ من العهد القديم كما في النصين التاليين:
- ثم أخذه إبليس الى المدينة المقدسة وأوقفه على جناح الهيكل،
وقال له إن كنت ابن الإله فاطرح نفسك الى أسفل،
لأنه مكتوب أنه يُوصي ملائكته بك،
فعلى أياديهم يحملونك لكي لا تصدم بحجر رجلك.(متّى 4: 5-6)
- ثم جاء به الى أُورشليم وأقامه على جناح الهيكل وقال له إن كنت ابن الإله فاطرح نفسك من هنا الى أسفل،
لأنه مكتوب أنه يُوصي ملائكته بك لكي يحفظوك،
وأنهم على أياديهم يحملونك لكي لا تصدم بحجرٍ رجلك. (لوقا 4: 9-11)
والنص المستشهد به مذكور في المزمور الحادي والتسعين وهو كما يلي:
لأنك قلت أنت يا رب ملجأي،
جعلتَ العليّ مسكنك، لا يُلاقيك شرّ ولا تدنوا ضربة من خيمتك،
لأنه يُوصي ملائكته بك لكي يحفظوك في كل طرقك،
على الأيدي يحملونك لئلا تصدم بحجر،
على الأسد والصّلّ تطأ الشبل والثعبان تدوس،
لأنه تعلق بي أُنجيهِ،
أُرفعه لأنه عرف اسمي،
يدعوني فأستجيب له،
معه أنا في الضيق أُنقذه وأُمجّده،
من طول الأيام أُشبعه، وأُريه خلاصي. (مزمور 91: 9-16)
هذا هو النص الذي استشهد به الشيطان على يسوع لإثبات إن كان ما يدعيه يسوع من انه ابن الإله صحيحاً أم لا.
وأول ما يلفت الانتباه هو حذف متّى لفقرة لكي يحفظوك في كل طرقك، وحذف لوقا لفقرة في كل طرقك!
نص متّى من نسخة الملك جيمس:
4:6 And saith unto him, If thou be the Son of God, cast thyself down: for it is written, He shall give his angels charge concerning thee: and in [their] hands they shall bear thee up, lest at any time thou dash thy foot against a stone.
نص لوقا من نسخة الملك جيمس:
4:10 For it is written, He shall give his angels charge over thee, to keep thee:
4:11 And in [their] hands they shall bear thee up, lest at any time thou dash thy foot against a stone.
نص المزامير من نسخة الملك جيمس:
91:11 For he shall give his angels charge over thee, to keep thee in
all thy ways.
91:12 They shall bear thee up in [their] hands, lest thou dash thy foot against a stone.
نص المزامير من النسخة العبرانية:
91:11 For He will give His angels charge over thee, to keep thee in all thy ways.
91:12 They shall bear thee upon their hands, lest thou dash thy foot against a stone.
نص المزامير من النسخة السبعينية:
91:11 For he shall give his angels charge concerning thee, to keep thee in all thy ways.
91:12 They shall bear thee up on their hands, lest at any time thou dash thy foot against a stone.
وهذا الحذف والتغيير لبعض الجُمل في النصوص يمكن ملاحظته في كثير من قصص الأناجيل، وهو يشير الى أن كتبتها لم يتلقوها بأية طريقة من طرق الوحي، وإنما كانوا يكتبونها من خلال طريقة خاصة كانت تستوجب في بعض الأحيان حذف وتغيير بعض النصوص لخدمة ما يؤمنون به!
وبإلقاء نظرة فاحصة على هذا النص نجد انه يتحدث عن انسان جعل الرب ملجأً له في حياته كلها وليس عن ابن للرب، ثم يكمل الحديث عن ذلك الانسان الذي جعل الرب ملجأه، فيقول انه لا يلاقيه الشر ولا يدنو من مسكنه الأعداء فيضربونه بأي شيء لان الرب يوصي الملائكة بحفظه من الاعداء وحمله على أياديهم حتى لا يصطدم بحجر، وكل من يقرأ الاناجيل يعلم ان هذه الحالة لا تنطبق على يسوع خلال حياته على الارض، فهو ما زال خائفاً من اليهود لأنه كان يظن أنهم يسعون الى قتله حتى تم لهم ذلك في نهاية الأمر بصلبه على الخشبة، وقبل ذلك قاموا بضربه وجلده ولطمه والبصق عليه والاستهزاء به طبعا هذا بحسب ما هو مكتوب في الأناجيل! ومع كل هذا الألم والشر لم نجد أن الملائكة قد قامت بحفظه في كل طرقه وخاصة طريقه الاخيرة وهو ذاهب للصلب بلا حول ولا قوة، وأما حمل الملائكة له على أياديهم فلو كان كتبة الاناجيل يؤمنون أن هذا النص يتحدث عن يسوع لما أغفلوا أن يكتبوا قصة تقول ان الملائكة قاموا بحمله على أياديهم، وخاصة أنهم كتبوا قصة دخوله الى أُورشليم وهو راكب على حمارة وجحش أو على جحش فقط بحسب رواية كل إنجيل.
وأما قول المزمور انه يطأ على الأسود ويدوس الثعابين فهذا أيضا مما أغفله كتبة الاناجيل فلم يكتبوا قصصاً تتحدث عنه، لو كان النص يتحدث عن يسوع.
ثم يكمل النص القول بان الرب ينجي ذلك الانسان لأنه تعلق به وهذا لا ينطبق على يسوع مطلقاً، لأن الرب لم ينجيه من الصلب، مع أن يسوع ظل طوال الليل يُصلي ويدعو ويطلب ان ينجيه من تلك الساعة ولكن الرب لم يُنجيه مما أضطره للصراخ وهو معلق على الصليب إلهي إلهي لماذا تركتني كما كتب متّى ومرقس في إنجيليهما.
- ونحو الساعة التاسعة صرخ يسوع بصوت عظيم قائلاً ايلي ايلي لما شبقتني، أي إلهي إلهي لماذا تركتني. (متّى 27: 46)
- وفي الساعة التاسعة صرخ يسوع بصوت عظيم قائلاً إلوي إلوي لما شبقتني الذي تفسيره إلهي إلهي لماذا تركتني. (مرقس 15: 34)
ثم يقول النص ان ذلك الانسان يدعو الرب فيستجيب له، وهذه الصفة لا تنطبق على يسوع كما قال كتبة الاناجيل لأن يسوع صرخ وهو معلق على الصليب إلهي إلهي لماذا تركتني، وهذا يعني أن الرب لم يستجب له كما هو مذكور في هذا النص من استجابة الرب لذلك الانسان، فلو كان هذا النص يتحدث عن يسوع لما تركه إلهه بعد ان بقي طوال الليل يدعوه.
وأما القول إن الرب يكون معه في الضيق وينقذه منه، فصراخ يسوع السابق ان الرب تركه خير دليل على انه ليس المقصود في النص.
وأعجب ما في المزمور وأكثره دلالة على أنه لا يتحدث عن يسوع هو قوله من طول الأيام أُشبعه وهذا بالتأكيد ليس المقصود به يسوع، لأنه كما كتبت الاناجيل ارتفع أو قام من الأموات عن عمر يناهز ثلاث وثلاثون سنة، فأي أيام شبع منها يسوع وهذا العمر يعتبر بداية الشباب!
هذا بخصوص النص الذي قال متّى ولوقا أن الشيطان استشهد به على يسوع، فماذا كتبا عن ردة فعل يسوع على هذا القول؟
- قال له يسوع مكتوب أيضاً لا تجرب الرب إلهك. (متّى 4: 7)
- فأجاب يسوع وقال له إنه قيل لا تجرّب الرب إلهك. (لوقا 4: 12)
هذا هو رد يسوع على الشيطان، فبدلاً من ان يرمي نفسه من جناح الهيكل ليثبت انه ابن الإله أو أن يقول له إن هذا النص لا يتحدث عنه، نجد أن متّى ولوقا كتبا أن يسوع استشهد بنص من العهد القديم للرد على الشيطان! وهذا النص مكتوب في سِفر التثنية وهو كما يلي:
- الرب إلهك تتقي وإيّاه تعبد وباسمه تحلف،
لا تسيروا وراء آلهة أُخرى من آلهة الأُمم التي حولكم،
لأن الرب إلهكم إلهٌ غيور في وسطكم لئلا يحمى غضب الرب إلهكم عليكم فيُبيدكم عن وجه الأرض،
لا تجربوا الرب إلهكم كما جرّبتموه في مسّة،
احفظوا وصايا الرب إلهكم وشهاداته وفرائضه التي أوصاكم بها،
واعمل الصالح والحسن في عيني الرب لكي يكون لك خير وتدخل وتمتلك الأرض الجيدة التي حلف الرب لآبائك. (التثنية 6: 13-18)
هذا هو النص الذي استشهد به يسوع كما كتب متّى ولوقا ونقرأ فيه الأمر بالحلف باسم الرب، في حين أن متّى كتب على لسان يسوع قولاً مناقضاً له وهو كما يلي:
- أيضاً سمعتم أنه قيل للقدماء لا تحنث بل أوف للرب أقسامك،
وأما أنا فأقول لكم لا تحلفوا البتة بل ليكن كلامكم نعم نعم لا لا،
وما زاد على ذلك فهو من الشرير. (متّى 5: 33-37)
فيسوع في هذا النص يمنع الحلف ويعتبر ان الحلف من الشرير! والرب في العهد القديم يقول ان الانسان يجب ان يحلف باسمه فقط، وهذا الأمر يُثبت أن كتبة الاناجيل كانوا يستخدمون نصوص العهد القديم لإثبات ما كانوا يؤمنون به بغض النظر عما تحويه تلك النصوص من تناقضات مع ما كتبوه في أماكن أُخرى، وما يؤكد هذا الأمر هو تحذير الرب في هذا النص من عبادة آلهة أُخرى من دون الرب في حين أن كتبة الاناجيل أقاموا كتبهم على عبادة ثلاث آلهة من دون الرب.
كما نقرأ أيضاً رفض يسوع القفز من جناح الهيكل الى أسفل واستشهد على ذلك بالقول السابق وهذا يدل على أن يسوع لا يتمتع بالصفات التي قيلت عنه في الاناجيل وقوانين إيمان الكنائس، لأن تلك الصفات لو كانت حقيقة لما امتنع عن تنفيذ هذا الطلب وخاصة أن هذا العمل ليس بالشيء الكبير بالنسبة لتلك الصفات.
ثم بعد ذلك يكتب متّى ولوقا أن الشيطان طلب من يسوع أن يسجد له! فيجيبه يسوع بالاستشهاد بنص من العهد القديم وهو كما يلي:
- قال له يسوع اذهب يا شيطان،
لأنه مكتوب للرب إلهك تسجد وإيّاه وحده تعبد. (متّى 4: 10)
- فأجابه يسوع وقال اذهب يا شيطان إنه مكتوب للرب إلهك تسجد وإيّاه وحده تعبد. (لوقا 4: 8)
وهذا الأمر قام عليه العهد القديم كله كما بينت ذلك سابقاً، ولكن ما يثير الاستغراب هو عدم التزام كتبة الاناجيل والكنائس المختلفة بهذا النص وهو ما يؤكد أن الاناجيل لم تكتب عن طريق الوحي وأن ما يوجد فيها من نصوص العهد القديم إنما هو محاولة لإضفاء حالة من المصداقية والقداسة عليها، فمع الاستشهاد بهذا القول إلا أن الاناجيل قامت على عبادة ثلاث آلهة والسجود لها من دون الرب، وهذا يدل على أن قانون لا تقبل خبراً كاذباً ينطبق على قصة تجريب الشيطان ليسوع!
7 - مصدر قصة تجريب الشيطان ليسوع
بعد التعميد يكتب متّى ومرقس ولوقا عن تجريب الشيطان ليسوع في قصة تخلو من الواقع والمنطق والعلم وفيما يلي ما كتبه هؤلاء.
- ثم أُصعد يسوع إلى البرية من الروح ليُجَرّب من إبليس،
فبعدما صام أربعين نهاراً وأربعين ليلة جاع أخيراً، فتقدم إليه المجرِّب وقال له إن كنت ابن الإله فقل أن تصير هذه الحجارة خبزاً،
فأجاب وقال مكتوب ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فم الإله،
ثم أخذه إبليس إلى المدينة المقدسة وأوقفه على جناح الهيكل،
وقال له إن كنت ابن الإله فاطرح نفسك إلى أسفل،
لأنه مكتوب أنه يُوصي ملائكته بك فعلى أياديهم يحملونك لكي لا تصدم بحجرٍ رجلك،
قال له يسوع مكتوب أيضاً لا تجَرّب الرب إلهك،
ثم أخذه أيضاً إبليس إلى جبل عالٍ جداً وأراه جميع ممالك العالم ومجدها، وقال له أُعطيك هذه جميعها إن خررت وسجدت لي،
حينئذ قال له يسوع اذهب يا شيطان، لأنه مكتوب للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد،
ثم تركه إبليس وإذا ملائكة قد جاءت فصارت تخدمه. (متّى 4: 1-11)
- وأما يسوع فرجع من الأُردن ممتلئ من الروح المقدس،
وكان يُقتاد بالروح في البرية أربعين يوما يُجرَّب من إبليس،
ولم يأكل شيئاً في تلك الأيام ولما تمّت جاع أخيراً،
وقال له إبليس إن كنت ابن الإله فقل لهذا الحجر أن يصير خبزاً،
فأجابه يسوع قائلا مكتوب أن ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل بكل كلمة من الإله،
ثم أصعده إبليس إلى جبل عال وأراه جميع ممالك المسكونة في لحظة من الزمان،
وقال له إبليس لك أعطي هذا السلطان كله ومجدهن لأنه إليّ قد دُفع وأنا أُعطيه لمن أُريد،
فإن سجدت أمامي يكون لك الجميع،
فأجابه يسوع وقال اذهب يا شيطان إنه مكتوب للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد،
ثم جاء به إلى أُورشليم وأقامه على جناح الهيكل،
وقال له إن كنت ابن الإله فاطرح نفسك من هنا إلى أسفل،
لأنه مكتوب أنه يُوصي ملائكته بك لكي يحفظوك،
وإنهم على أياديهم يحملونك لكي لا تصدم بحجر رجلك،
فأجاب يسوع وقال له إنه قيل لا تجرب الرب إلهك،
ولما أكمل إبليس كل تجربة فارقه إلى حين. (لوقا 4: 1-13)
وأما مرقس فلم يتعرض لتفاصيل التجربة وإن أشار لها كما في النص التالي:
- وللوقت أخرجه الروح الى البرية،
وكان هناك في البرية أربعين يوماً يُجَرّب من الشيطان،
وكان مع الوحوش، وصارت الملائكة تخدمه. (مرقس 1: 12-13)
هذه القصة تحمل في ثناياها الدليل على أنها ليست وحياً ولا هي حقيقية، فكما أظهرت في القسم السابق أن النصوص المقتبسة فيها من العهد القديم هي اقتباسات خاطئة، كذلك فإن التأمل فيما هو مكتوب هنا يبين الأمر بكل وضوح، فمرقس لم يتحدث عنها إلا بالإشارة إليها دون التعرض لمضمونها، وكأنه لم يقتنع بنصوص العهد القديم التي تتحدث عن تفاصيلها، أو أنه لم يستطع أن يجمع نصوصاً من العهد القديم بحيث يستطيع صياغة قصة مترابطة الأحداث، لهذا قام بالإشارة إليها دون كتابة تفاصيلها، وذلك لوجود نصوص تتحدث عن تجريب بني اسرائيل للرب مثل تجريبه في مسة!
- إن جميع الرجال الذين رأوا مجدي وآياتي التي عملتها في مصر وفي البرية وجَرّبوني الآن عشرات المرات ولم يسمعوا لقولي. (عدد 14: 22)
لماذا تجربون الرب. (خروج 17: 2)
لا تجربوا الرب إلهكم كما جَرّبتموني في مسّة. (تثنية 6: 16)
مع أن هذه النصوص لا تتحدث عن تجريب ذاتي! بل هي حالة من الشك أصابت بني اسرائيل في قدرة الرب، لذلك لم يؤمنوا بأقوال موسى لهم بأن الرب سيحول الماء المالح الى ماء عذب، ولم يؤمنوا في قدرة الرب على إطعامهم لحماً في سيناء.
وأما متّى ولوقا فقد قاما بكتابة قصتيهما استناداً لبعض النصوص التي ناقشتها سابقاً، ومع هذا فقد تناقضا ولم يتفقا فيما كتباه عن أحداثها على الرغم من اعتمادهما على ذات النصوص، فمتّى يقول ان الشيطان أخذ يسوع الى المدينة المقدسة أولاً ثم بعد ذلك الى الجبل، في حين أن لوقا كتب ان الشيطان أخذ يسوع الى الجبل أولاً ومن ثم أخذه الى المدينة المقدسة، مع انهما يتحدثان عن قصة واحدة!
كما أنهما اتفقا على كتابة خطأ علمي واضح وهو قولهما ان الشيطان أصعد يسوع على جبل عال جداً وأراه جميع ممالك العالم، فهذا القول خطأ لأنه لا يوجد جبل على سطح الارض يستطيع الانسان من قمته أن يرى جميع ممالك العالم، ولو وجد مثل هذا الجبل فإنه لا يمكن رؤية جميع الممالك من قمته لأن الارض كروية لذلك فهي تحجب نصف الارض المقابل لها، وهذا ما دفع الكنائس لسجن عشرات العلماء الذين قالوا ان الارض كروية لأنها اعتبرت انهم يشككون في أصل هذه القصة وحاولت إخفاء هذه الحقيقة، ومع هذه الأحكام إلا أن الحقيقة ظهرت، وظهرت كروية الارض، وفي نفس الوقت ظهر خطأ هذه القصة، فمن أين أخذ متّى ولوقا فكرة هذه القصة؟
القصة تتضمن تجربة الشيطان ليسوع، وحديث عن صيامه لمدة أربعين يوماً، والجبل العالي، بالإضافة للنصوص المقتبسة من العهد القديم والتي ناقشتها في القسم السابق، وفيما يلي سأستعرض النصوص التي اقتبسها متّى ولوقا ليكتبا هذه القصة بما تتضمنه من أُمور تؤكد على عدم صدقها وعدم حدوثها.
أما بالنسبة لتجريب الشيطان ليسوع فهي مأخوذة من قصة تجريب الشيطان لأيوب كما في النص التالي:
- كان رجل في أرض عَوْص اسمه أيوب وكان هذا الرجل كاملاً ومُستقيماً يتقي الإله ويحيد عن الشرّ. (أيوب 1: 1)
- وكان ذات يوم انه جاء بنو الإله ليمثلوا أمام الرب وجاء الشيطان أيضاً في وسطهم،
فقال الرب للشيطان من أين جئت، فأجاب الشيطانُ الربَّ وقال من الجَوَلانِ في الارض ومن التمشي فيها،
فقال الرب للشيطان هل جعلت قلبك على عبدي أيوب، لأنه ليس مثله في الارض، رجل كامل ومُستقيم يتقي الإله ويحيد عن الشرّ،
فأجاب الشيطانُ الربَّ وقال هل مجّاناً يتقي أيوب الإله،
أليس أنك سيّجت حوله وحول بيته وحول كل ماله من كل ناحية باركت أعمال يديه فانتشرت مواشيه في الأرض،
ولكن ابسط يدك الآن ومسّ كل ما له فانه في وجهك يجدّف عليك،
فقال الربُّ للشيطان هو ذا كل ماله في يدك، وإنما إليه لا تمدّ يدك،
ثم خرج الشيطان من أمام وجه الربّ. (أيوب 1: 6-12)
هذا النص يتحدث عن تجريب الشيطان لأيوب مباشرة بأمر من الرب، وهو يشبه تجريب الشيطان ليسوع، ولكن مع فارق كبير وعظيم وهو ان الشيطان في تجريبه لأيوب كان يُجرب بشراً عادياً وان كان تقياً وكاملاً إلا انه يبقى إنساناً، وأما قصة تجريب الشيطان ليسوع فكانت تجريباً لما تقول عنه الاناجيل والكنائس انه إله وابن إله وأحد الاقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر، أي إن الشيطان قام بتجريب الرب ذاته! سبحانه وتعالى عما يقولون.
الحدث الثاني في القصة هو صيام يسوع أربعين يوماً وهذا الحدث مُقتبس من قصة موسى عندما ذهب الى جبل حوريب في سيناء لتلقي الوصايا كما في النص التالي:
- حين صعدتُ الى الجبل لكي آخذ لوحي الحجر، لوحي العهد الذي قطعه الرب معكم، أقمتُ في الجبل أربعين نهاراً وأربعين ليلة لا آكل خبزاً ولا أشرب ماء، وأعطاني الرب لوحي الحجر المكتوبين بأصبع الإله وعليهما مثل جميع الكلمات التي كلمكم بها الربّ في الجبل من وسط النار في يوم الاجتماع. (التثنية 9: 9-10)
كما نلاحظ فإن موسى بقي أربعين يوماً لا يأكل ولا يشرب كما كتب متّى ولوقا عن يسوع انه بقي أربعين يوماً لا يأكل ولما تمت تلك الأيام جاع، ولكن أن يكتب العهد القديم عن موسى أنه جاع فهذا الأمر معقول، وأما أن يجوع يسوع ابن الإله وأحد الاقانيم الثلاثة الذين هم واحد كما تقول الكنائس فهذا الأمر لا يُعقل!
الحدث الثالث وهو إصعاد الشيطان ليسوع على جبل عال جداً ورؤيته جميع ممالك العالم، هذا الحدث مقتبس من عدة قصص في العهد القديم وفيما يلي أحدها:
- وصعد موسى من عربات موآب الى جبل نَبُو الى رأس الفسجة الذي قبالة أريحا، فأراه الرب جميع الارض من جلعاد الى دان. (التثنية 34: 1)
هذا هو الحق الذي لا شك فيه، ان الرب أمر موسى بالصعود الى جبل نبو، وهناك أراه جميع الاراضي التي وعد بها أسباط اسرائيل، هكذا بكل بساطة، لأن كل من عاش في تلك الارض يعلم ان كل من يصعد الى جبل نبو وينظر حوله فانه يرى كل الارض التي تحدث عنها النص، وأما الجبل الذي قال متّى ولوقا ان إبليس أصعد يسوع عليه فلو كان هذا الجبل أعلى من قمة افرست بعشرات المرات فانه لن يستطيع ان يرى جميع ممالك الارض وحتى لو صعد على القمر، لأنه بكل بساطة لن يستطيع ان يرى سوى نصف الكرة الأرضية كما هو معلوم لكل انسان في هذا العصر!
وهذا الأمر كما قلت سابقاً هو ما جعل الكنائس تحكم بسجن عشرات العلماء الذين قالوا ان الارض كروية، لأنهم بهذا القول كانوا يزيلون هذا النص من واقع حال الاناجيل، والكنائس تقول ان كلام يسوع لا يزول، لأنه قال السماء والارض تزولان ولكن كلامي لا يزول، ولكن العلم أثبت ان الارض كروية وانه لا يوجد انسان يمكنه رؤية جميع ممالك الارض اذا صعد على قمة جبل حتى لو كان الشيطان هو من أصعده!
كما يوجد عدة نصوص تتحدث عن بعض البشر الذين صعدوا على بعض الجبال ليروا منها بعض الأماكن المعينة، ومنها النصان التاليان:
- فأرسلهم موسى ليتجسسوا أرض كنعان وقال لهم اصعدوا من هنا الى الجنوب واطلعوا الى الجبل،
وانظروا الارض ما هي والشعب الساكن فيها أقوي هو أم ضعيف قليل أم كثير. (عدد 13: 17-18)
- وفي الصباح اخذ بالاق بلعام واصعده الى مرتفعات بعل فرأى من هناك أقصى الشعب. (عدد 22: 41)
النص الأول يتحدث عن يشوع بن نون وكالب بن يفنة ومن معهما عندما ذهبوا ليستكشفوا الارض المقدسة، والثاني يتحدث عن بلعام عندما اقترب بنو اسرائيل من أرض موآب، وهما داخلان ضمن الواقع والمنطق والجغرافيا، لان الصعود على بعض الجبال في الارض المقدسة يُمكّن الانسان من رؤية مساحات شاسعة ولكن ليس جميع ممالك الارض كما كتب متّى ولوقا.
كما أنه توجد ملاحظة على صفة الجبل الذي أصعد الشيطان يسوع عليه فمتّى يقول انه جبل عال جدا في حين أن لوقا قال جبل عال فقط، فهل هذا الاختلاف في صفة الجبل هو من باب الاختلاف في طريقة الكتابة أم أنه يستند الى نص من العهد القديم؟
لنقرأ النص التالي:
- كانت عليّ يد الرب وأتى بي الى هناك، في رؤى الإله أتى بي الى أرض اسرائيل ووضعني على جبل عال جداً عليه كبناء مدينة من جهة الجنوب. (حزقيال 40: 1-2)
أظن أن متّى اقتبس صفة الجبل في قصته من هذا النص في حين أن لوقا اكتفى بالصفة الطبيعية للجبال وهي العلو، مع العلم أن الجبل الذي تقول الأناجيل والكنائس أنه جبل التجربة يقع تحت مستوى البحر في غور الأردن! وهو ما يؤكد أن كتبة الأناجيل كانوا يكتبون كل فقرة من أناجيلهم استناداً لنصوص العهد القديم للقول ان الأناجيل تشبه العهد القديم حتى في الكلمات التي تستخدم في قصصه، وذلك لإضفاء حالة من القداسة والمصداقية عليها، مع أنه ظهر لنا، سواء في هذه القصة أو فيما سبق، أنها تتناقض مع العهد القديم في الأُصول والأُسس، وهذا يشير الى أن قانون لا تقبل خبراً كاذباً ينطبق على قصة تجريب الشيطان ليسوع.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق