الخميس، 26 يوليو 2018

مصدر قول يسوع أن المسيح ليس ابن داوُد

الفصل الثالث: مصادر الأناجيل وطريقة تأليفها وكتابتها

القسم الخامس: النصوص المستشهد بها في الحوارات والمجادلات
في هذا القسم سنطلع على بعض الحوارات والمُجادلات التي كتبت في الأناجيل وتم الاستشهاد فيها بنصوص من العهد القديم لنرى إن كان كتبة الأناجيل قد نجحوا في كتابة تلك الحوارات والمُجادلات بما يتوافق مع نصوص الأناجيل ونصوص العهد القديم أم أنهم كتبوا حوارات ومجادلات تتناقض مع نصوص الأناجيل ونصوص العهد القديم كما ظهر لنا في القسم السابق.
1 - مصدر قول يسوع أن المسيح ليس ابن داوُد
- وفيما كان الفريسيون مجتمعين سألهم يسوع، قائلاً ماذا تظنون في المسيح ابن من هو،
قالوا له ابن داوُد،
قال لهم فكيف يدعوه داوُد بالروح رباً قائلاً، قال الرب لربي اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئا لقدميك،
فإن كان داوُد يدعوه رباً فكيف يكون ابنه،
فلم يستطع أحد أن يُجيبه بكلمة، ومن ذلك اليوم لم يجسر أحد أن يسأله بتة. (متّى 22: 41-46)
- ثم أجاب يسوع وقال وهو يُعلّم في الهيكل كيف يقول الكتبة إن المسيح ابن داوُد،
لأن داوُد نفسه قال بالروح المقدس قال الرب لربي اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئاً لقدميك،
فداوُد نفسه يدعوه رباً، فمن أين هو ابنه،
وكان الجمع الكثير يسمعه بسرور. (مرقس 12: 35-37)
- وقال لهم كيف يقولون إن المسيح ابن داوُد،
وداوُد نفسه يقول في كتاب المزامير قال الرب لربي اجلس عن يميني، حتى أضع أعداءك موطئاً لقدميك،
فإذاُ داوُد يدعوه رباً فكيف يكون ابنه. (لوقا 20: 41-44)
هذه النصوص تمثل نموذجا جيداً وواضحاً على طريقة كتبة الأناجيل في كتابتها والمصادر التي كانوا يعتمدون عليها، فهم في محاولاتهم المستميتة لإثبات تعدد الآلهة في العهد القديم كانوا يلجؤون لاقتباس أي نص يُستشف منه الحديث عن تعدد الآلهة ووضعه في إطار قصصي، بغض النظر عن معناه الحقيقي في النص وموافقة العهد القديم له، فهم لا يعيرون العهد القديم اهتماماً إلا بما يتفق مع ما يؤمنون به كما بينت ذلك عند الحديث عن موقفهم من أُصول العهد القديم، ولكنهم في هذه النصوص قد تجاوزوا كل حدّ وعقل ومنطق، فهم لم يكتفوا بإهمال نصوص العهد القديم التي تؤكد على وحدانية الرب خالق السموات والأرض، بل قاموا بتجاوز ما كتبوه في أناجيلهم نفسها بطريقة أقل ما يقال عنها أنها تثير الشفقة عليهم، لأنهم في سعيهم هذا قاموا بنقض عشرات النصوص في الاناجيل التي تقول ان يسوع هو المسيح ابن داوُد المبشر به في العهد القديم حتى أنهم كتبوا له نسبين لا علاقة له بهما لأنهما نسباه فيهما ليوسف النجار!
فهم بكتابتهم هذه النصوص أبطلوا ونقضوا كل ما كتبوه عن يسوع من أنه المسيح وأنه ابن داوُد، لان هذه النصوص تقول أن المسيح ربّ داوُد وليس ابن داوُد!
فإذا كانت هذه النصوص صحيحة وأنها تقصد أن يسوع هو المسيح، فهي تعني أن يسوع ليس ابن داوُد، كما كتبوا في نصوص أُخرى، وأما إذا كان ما كتبوه عنه من أنه ابن داوُد صحيحاً فهذا يعني أن يسوع ليس هو المسيح، لأن المسيح رب داوُد وليس ابنه، وأن الاستشهاد بهذه النصوص غير صحيح.
ومع وضوح هذا التناقض في اقتباس هذه الفقرة من المزامير إلا أنه لا بد من قراءة النص الذي جاءت في سياقه الفقرة المقتبسة لنرى إن كان يتحدث عن يسوع أم لا، وهذه الفقرة مذكورة في المزمور العاشر بعد المائة وفيما يلي نصه:
قال الرب لربي اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئا لقدميك،
يُرسلُ الربُّ قضيب عزك من صهيون،
 تسلّط في وسط أعدائك،
شعبك منتدب في يوم قوتك في زينة مقدسة من رحم الفجر لك طل حداثتك، أقسم الرب ولن يندم،
 أنت كاهن إلى الأبد على رتبة ملكي صادق،
الرب عن يمينك يُحطّم في يوم رجزه ملوكاً، يدين بين الأمم،
 ملأ جُثثاً أرضاً واسعة سحق رؤوسها،
 من النهر يشرب في الطريق لذلك يرفع الرأس. (مزمور 110: 1-7)
في الفقرة الأُولى نقرأ ما قاله كاتب هذا المزمور عن قول الرب لربه أن يجلس عن يمينه ليضع أعداءه موطئاً لقدميه، وليس فيها أيّة إشارة الى المسيح أو غيره، بل يفهم منها حديث عن تعدد الأرباب، وهذا ما يرفضه العهد القديم كله ويعتبره أكبر الخطايا، مما يعني أن هذه الفقرة لها معنى آخر غير ما فهمه كتبة الاناجيل، أو بمعنى أدق ما يحاولون أن يقنعوا به أتباع الكنائس الطيبين، وكتبوها على لسان يسوع! وما يزيد الأمر وضوحاً هو الفقرات التالية، فهي تبدأ بالحديث عن ذلك المدعو رباً بالقول ان الرب الخالق سيجعل قوة ذلك الرب وعزته في صهيون وأنه سيتسلط على أعدائه وأن شعبه سينتدب للحرب في يوم القوة، وهذا الأمور كما أنها لا تتحدث عن رب مساو للرب خالق السموات والأرض، فإنها كذلك لا تتحدث عن يسوع، لأنه كما كتبت الاناجيل لم يكن له سلطاناً أو قوة على أعدائه، ولا سارع اليهود لمساعدته في حروبه، لأنه لم يحارب أي عدو قط، لا بل إنه رفض أن يصبح ملكاً عندما حاول بعض اليهود أن يجعلوه ملكاً!
- وأما يسوع فإذ علم أنهم مزمعون أن يأتوا ويختطفوه ليجعلوه ملكاً انصرف أيضاً إلى الجبل وحده. (يوحنا 6: 15)
وبعد ذلك يبدأ الحديث عن تعيين الرب المذكور في أول المزمور كاهناً على مرتبة ملكي صادق، وهذا يؤكد أن معنى كلمة رب الثانية لا تعني أن المقصود بها إلهاً حقيقياً، ولا أنه مساوياً للرب الخالق، لأن من يُقيم الكهنة هو أعظم منهم بالتأكيد وليسوا مساوين له، وملكي صادق تحدثت عنه عند الحديث عن نقض بولس والكنائس للعهد مع اللاويين فأغنى عن إعادته.
ثم يختم المزمور بفقرات تتحدث عن حرب يقوم بها الكاهن على مرتبة ملكي صادق يكون الرب فيها معه كما كان مع بني اسرائيل في بعض حروبهم، وهذه الحرب لم يقم بها يسوع كما قالت الاناجيل، فأين نرى يسوع أو المسيح في هذا المزمور؟
لهذا أقول ان الطريقة التي كان يتبعها كتبة الاناجيل في كتابتها والمصادر التي كانوا يعتمدون عليها قد بدأت تتضح بصورة جلية وواضحة، وهي أخذ نصوص من العهد القديم ووضعها في إطار قصصي للقول أن ما يكتبونه إنما هو تعبير عن العهد القديم وتطبيق له بغض النظر عن مناقضة ما يكتبونه في موضع مع ما كتبوه في موضع آخر، أو مناقضته لأُصول ونصوص العهد القديم، وفي النصوص التالية ستتضح هذه الطريقة وتلك المصادر أكثر فأكثر، وهذا يشير الى أن قانون لا تقبل خبراً كاذباً ينطبق على هذه النصوص.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق