السبت، 28 يوليو 2018

مصطلح أو كلمة إنجيل في رسائل يعقوب وبطرس ويهوذا ويوحنا والرؤيا

الفصل الثاني كلمة أو مصطلح إنجيل في العهد الجديد

ان التناقض بين أُصول الأناجيل وأُصول العهد القديم، كما ظهر لنا في الفصل السابق، ليس كافياً وحده في إثبات أنها دعوة جديدة أو دين جديد، لا علاقة لها بدعوة ودين الأنبياء السابقين، وأنها ليست وحياً ولم تكتب بسوق من الروح المقدس، من وجهة نظر الكنائس وكتبة الأناجيل والرسائل، وبصفة خاصة بولس الذي كان يدرك هذا التناقض، أو بمعنى أدق هو الذي أسس هذا التناقض، لهذا سعى في رسائله لتبرير هذا التناقض، واعتبر ان هذا التناقض ليس من باب اختلاف المصادر بل لأن أُصول دعوته ودينه كانت سراً مخفياً عن جميع الأنبياء وظهرت له ولمن معه من الكتبة والأتباع! كما في النصوص التالية:
- وبالإجماع عظيم هو سرّ التقوى الإله ظهر في الجسد تبرر في الروح تراءى لملائكة كرز به بين الأُمم أُومن به في العالم رُفع في المجد. (تيموثاوس الأُولى 3: 16)
- بل نتكلم بحكمة الإله في سرّ الحكمة المكتومة التي سبق الإله فعينها قبل الدهور لمجدنا، التي لم يعلمها أحد من عظماء هذا الدهر، لأنهم لو عرفوا لما صلبوا رب المجد، بل كما هو مكتوب ما لم تر عين ولم تسمع أُذن ولم يخطر على بال إنسان ما أعدّه الإله للذين يُحبونه. (1كورنثوس 2: 7-9)
- بسبب هذا أنا بولس أسير المسيح يسوع لأجلكم أيها الأُمم،
إن كنتم قد سمعتم بتدبير نعمة الإله المعطاة لي لأجلكم،
أنه بإعلان عرّفني بالسرّ، كما سبقتُ فكتبت بالإيجاز،
الذي بحسبه حينما تقرأونه تقدرون أن تفهموا درايتي بسرّ المسيح،
الذي في أجيال أُخر لم يُعرّف به بنو البشر، كما قد أُعلن الآن لرُسُلِه القديسين وأنبيائه بالروح،
أن الأُمم شركاء في الميراث والجسد ونوال موعده في المسيح بالانجيل،
الذي صرتُ أنا خادماً له حسب موهبة نعمة الإله المعطاة لي حسب فِعْل قوّته،
لي أنا أصغر جميع القديسين أُعطيت هذه النعمة أن أُبشر بين الأُمم بغنى المسيح الذي لا يُستقصى،
وأُنير الجميع في ما هو شركة السرّ المكتوم منذ الدهور في الإله خالق الجميع بيسوع المسيح،
لكي يُعرّف الآن عند الرؤساء والسلاطين في السماويات بواسطة الكنيسة بحكمة الإله المتنوعة، حسب قصد الدهور الذي صنعه في المسيح يسوع ربنا. (افسس 3: 1-11)
- وللقادر أن يُثبّتكم حسب إنجيلي، والكرازة بيسوع المسيح حسب إعلان السرّ الذي كان مكتوماً في الأزمنة الأزلية،
ولكن ظهر الآن وأُعلم به جميع الأُمم بالكتب النبوية حسب أمر الإله الأزلي لإطاعة الإيمان، للإله الحكيم وحده بيسوع المسيح له المجد إلى الأبد. (رومية 16: 25-27)
في هذه النصوص يقول بولس ان أصول دعوته القائمة على عبادة ثلاث آلهة تجسدت في جسد بشري أو على الاقل أحدها، بحسب إيمان كل كنيسة من الكنائس المختلفة، وأنها جُلدت وبُصق عليها وصُلبت ومن ثم ماتت كانت سراً مخفياً عن جميع الأنبياء السابقين، وان هذا السر لم يُكشف إلا له وللتلاميذ القديسين!
وهذا الأمر صحيح من هذه الناحية فقط، لأنه لم يتكلم أحد من الأنبياء السابقين عن هكذا تصور للرب خالق السموات والأرض، ولكن ما صحة هذا السر الذي يتكلم عنه بولس؟
إن صحة هذا السر نستطيع معرفتها من خلال مقارنته مع سرّ ثان أعلنه بولس لأتباعه، كما في النص التالي:
- هوذا سرّ أقوله لكم لا نرقد كلنا ولكننا كلنا نتغير. (كورنثوس الاولى 15: 51)
في هذا النص يكشف بولس عن سرٍّ آخر لم يعلمه أحد قبله، ولم يظهر لأحد بعده، وهو أنه هو وأتباعه لن يموتوا كلهم حتى مجيء يسوع مرة ثانية، وهو ما صرح به بشكل أوضح في نص ثان، وهو كما يلي:
- ثم لا أُريد أن تجهلوا أيها الإخوة من جهة الراقدين لكي لا تحزنوا كالباقين الذين لا رجاء لهم،
لأنه إن كنا نؤمن أن يسوع مات وقام فكذلك الراقدون بيسوع سيُحضرهم الإله أيضاً معه،
فإننا نقول لكم هذا بكلمة الرب،
إننا نحن الأحياء الباقين الى مجيء الرب لا نسبق الراقدين،
لأن الرب نفسه بهتافٍ بصوت رئيس ملائكة وبوق الإله سوف ينزل من السماء، والأموات في المسيح سيقومون أولاً،
ثم نحن الأحياء الباقين سنُخطف جميعاً معهم في السحب لمُلاقاة الرب في الهواء، وهكذا نكون كل حين مع الربّ، لذلك عَزوا بعضكم بعضاً بهذا الكلام. (1تسالونيكي 4: 13-18)
ولكن الواقع أظهر خطأ هذا السر، ورقد هو وأتباعه وبعدهم عشرات الأجيال! إن خطأ هذا السر يبين أن السر السابق ليس صحيحاً وأنه ليس وحياً، لأنه لو كان وحياً لما تناقض مع نصوص الوحي في العهد القديم التي تؤكد على أعظم حقيقة في الكون وهي وحدانية الخالق وعدم وجود آلهة حقيقية أُخرى معه أو دونه ووجوب عبادته وحده، ومع وضوح هذه الحقيقة إلا أنني سأذكر نصاً من العهد القديم يدحض كل أقوال بولس وغيره عن إخفاء الرب خالق السموات والأرض لبعض الأسرار عن الأنبياء السابقين، وهو كما يلي:
- إن السيد الرب لا يصنع أمراً إلا وهو يُعلن سرّه لعبيده الأنبياء. (عاموس 3: 7)
فالرب الخالق لا يصنع أمراً ولا يقول قولاً إلا ويكون واضحاً ومعلناً وغير خاف عن أحد من الأنبياء وخصوصاً وحدانيته وعدم وجود آلهة معه أو دونه شاركته في خلق السموات والأرض أو في استحقاقها للعبادة معه أو دونه، فهذا النص ينقض كل أقوال بولس وغيره عن إخفاء سرّ التثليث وإعلان التوحيد في العهد القديم.
فإصرار كتبة العهد الجديد والكنائس على اعتبار أن العهد الجديد وما يؤمنون به إنما هو امتداد للعهد القديم وأُصوله يتطلب منا أن ندرس الأناجيل في العهد الجديد من ناحية ذاتية، أي دراسة معنى كلمة إنجيل والمواضع التي ذكرت فيها، والهدف من كتابة الاناجيل، وطريقة كتابتها، والاناجيل غير الأربعة التي تحدثت عنها رسائل العهد الجديد، وكذلك دراسة نصوص الأناجيل المقتبسة من العهد القديم، فهذا سوف يُعطينا فكرة واضحة عن حقيقة الأناجيل وإن كانت مكتوبة بسوق من الروح المقدس أم لا، وعن المصادر التي اعتمد عليها كتبة الأناجيل.
كلمة إنجيل في رسائل العهد الجديد
رسائل العهد الجديد هي مجموعة من الرسائل تتحدث عن التلاميذ بعد يسوع، سواء بالحديث عن حياتهم وأنشطتهم كما هو الحال في رسالة أعمال الرسل وبعض رسائل بولس، أو في العمل على حل المشكلات العملية أو النظرية والإيمانية التي كانت تعترض طريقهم، مثل التحذير من الخلافات والاختلافات التي كانت تحدث بين التلاميذ والأتباع، أو في إثبات أن يسوع هو المسيح وأنه هو المقصود بنبوءات العهد القديم، أو في إثبات أن الناموس لم يعد ملزماً لهم لا في الختان ولا في السبت ولا في باقي الأحكام، أو في تقرير أحكام وشرائع جديدة، وغيرها من المواضيع التي كانت مدار بحث وجدل في ذلك الزمان، والرسالة الأخيرة هي رؤيا يوحنا التي تحدث فيها عن علامات آخر الزمان ونهاية الحياة على الكرة الأرضية، فهذه الرسائل ستفيدنا كثيراً في بحثنا عن المعنى الحقيقي لكلمة إنجيل، لأنها تتحدث عن طريقة تبشير التلاميذ والمصادر التي كانوا يعتمدون عليها.
كلمة إنجيل في رسالة يعقوب
لا يوجد في هذه الرسالة أي إشارة للإنجيل سواء بالمعنى اللغوي أو الاصطلاحي!
وفي هذه الرسالة نص عن معنى الايمان اختلف فيه مع معنى الايمان عند بولس كما بينت ذلك سابقاً، كما أنه يوجد فيها نصاً يخالف المعلومات الواردة في العهد القديم وهو كما يلي:
- كان إيليا إنساناً تحت الآلام مثلنا، وصلى صلاة أن لا تمطر فلم تمطر على الارض ثلاث سنين وستة أشهر، ثم صلى أيضاً فأعطت السماء مطراً وأخرجت الارض ثمرها. (يعقوب 5: 17-18)
في هذا النص يقول يعقوب ان المطر انقطع لمدة ثلاثة سنين وستة أشهر، وهذا الكلام يتناقض مع ما هو مكتوب في العهد القديم كما في النصين التاليين:
- وقال إيليا التشبي من مستوطني جلعاد لأخآب حيّ هو الرب إله إسرائيل الذي وقفتُ أمامه إنه لا يكون طلّ ولا مطر في هذه السنين إلا عند قولي. (الملوك الاول 17: 1)
- وبعد أيام كثيرة كان كلام الرب إلى إيليا في السنة الثالثة قائلاً اذهب وتراء لأخآب فأُعطي مطراً على وجه الأرض. (الملوك الاول 18: 1)
فكما نقرأ فإن المطر جاء في السنة الثالثة وليس كما كتب يعقوب، وهذا الخطأ وقع فيه لوقا أيضاً في إنجيله كما سأُبين ذلك لاحقاً.
وأخيراً فهو اقتبس عدة نصوص من التوراة في حين أنه لم يقتبس إلا نص واحد يتوافق مع ما هو مكتوب في الأناجيل على لسان يسوع ولكن دون نسبته ليسوع، وهو كما يلي:
- ولكن قبل كل شيء يا إخوتي لا تحلفوا لا بالسماء ولا بالارض ولا بقسم آخر، بل لتكن نعمكم نعم ولاكم لا لئلا تقعوا تحت دينونة. (يعقوب 5: 12)
كلمة إنجيل في رسالتي بطرس
كلمة إنجيل ذكرت في رسالتي بطرس مرة واحدة، كما في النص التالي:
- لأنه الوقت لابتداء القضاء من بيت الإله،
فإن كان أولاً مِنّا فما هي نهاية الذين لا يُطيعون إنجيل الإله. (1بطرس 4: 17)
النص من نسخة كتاب الحياة مع ترجمتها الانجليزية:
- حقاً إن الوقت قد حان ليبتدئ القضاء بأهل بيت الإله، فإن كان القضاء يبدأ بنا أولاً، فما هو مصير الذين لا يؤمنون بإنجيل الإله. (1بطرس 4: 17)
- For it is time for judgment to begin with the family of God; and if it begins with us, what will the outcome be for those who do not obey the gospel of God? (1Peter 4: 17)
في هذا النص يتحدث بطرس عن إنجيل الإله، وهو لا يقصد الأناجيل الأربعة لأن رسالته هذه كتبت قبل الأناجيل الأربعة، وفي نص سابق تحدث بولس عن إنجيل بطرس أو إنجيل الختان، فلا إنجيل الإله موجود في العهد الجديد ولا إنجيل بطرس أو إنجيل الختان ولا حتى إنجيل بولس أو إنجيل الغرلة، فما هو السبب؟ هل لأنها ليست من كلمة الرب؟
وإذا كانت ليست من كلمة الرب فلماذا كان بطرس وبولس وأتباعهما يبشرون بها؟
إنّ بطرس يرفض ان يقول احد عن تبشيره أنه ليس من كلمة الرب كما في النص التالي:
- وأما كلمة الرب فتثبت الى الأبد،
وهذه الكلمة هي التي بُشرتم بها. (1بطرس 1: 25)
النص من نسخة كتاب الحياة مع ترجمتها الانجليزية:
- وأما كلمة الرب فتبقى ثابتة الى الأبد وهي الكلمة التي وصلت بشارتها إليكم. (1بطرس 1: 25)
- But the word of the Lord stands forever. "And this is the word that was preached to you. (Peter 1: 25)
كما كان يعتبر أن كلماته ووعظه وشهادته هي نعمة الإله الحقيقية التي فيها يثبت ويقوم أتباعه، كما في النص التالي:
- بيد سلوانس الأخ الأمين كما أظن كتبت إليكم بكلمات قليلة واعظاً وشاهداً أن هذه هي نعمة الإله الحقيقية التي فيها تقومون. (1بطرس 5: 12)
النص من نسخة كتاب الحياة مع ترجمتها الانجليزية:
- إني مرسل إليكم هذه الرسالة القصيرة بيد سلوانس الأخ الأمين، وغايتي أن أُحرضكم وأشهد لكم أن النعمة التي تتمتعون بها هي نعمة الإله الحقيقية التي أنتم فيها ثابتون. (1بطرس 5: 12)
- With the help of Silas, whom I regard as a faithful brother, I have written to you briefly, encouraging you and testifying that this is the true grace of God. Stand fast in it. (1Peter 5: 12)
فإذا كان بطرس يعتبر أن تبشيره هو كلمة الرب وأن وعظه هو نعمة الرب، فلماذا لم تحتفظ بهما الكنائس؟
وإذا كان ما قاله بطرس حقاً فعلى أي شيء كان يستند؟
هل كان يستند على وحي كان يتلقاه من السماء أم على نصوص العهد القديم؟
إن بطرس في رسالتيه لم يصرح أنه كان يتلقى وحياً من السماء، بل كان يعتمد فيما يبشر به على نصوص العهد القديم، كما في النص التالي:
- هذه أكتبها الآن إليكم رسالة ثانية أيها الأحباء فيهما أُنهض بالتذكرة ذهنكم النقي، لتذكروا الأقوال التي قالها سابقاً الأنبياء القديسون، ووصيتنا نحن الرسل وصية الرب والمخلص. (2بطرس 3: 1-2)
النص من نسخة كتاب الحياة مع ترجمتها الانجليزية:
- أيها الأحباء، أنا الآن أكتب إليكم رسالتي الثانية، وفي كلتا الرسالتين، أقصد أن أُنبه أذهانكم الصافية، مذكراً إياكم بحقائق تعرفونها، وغايتي أن تتذكروا الأقوال التي أعلنها الأنبياء القديسون قديماً، وكذلك وصية الرب والمخلص، تلك الوصية التي نقلها إليكم الرسل. (2بطرس 3: 1-2)
- Dear friends, this is now my second letter to you. I have written both of them as reminders to stimulate you to wholesome thinking.
I want you to recall the words spoken in the past by the holy prophets and command given by our Lord and Savior through your apostles. (2Peter 3: 1-2)
في هذا النص يقول بطرس انه يكتب رسائله ليُذكر أتباعه بما قاله الأنبياء السابقون ولم يقل انه تلقى وحياً من السماء، وهذا الأمر يتضح بشكل جلي في النص التالي:
- وعندنا الكلمة النبوية وهي أثبت التي تفعلون حسناً إن انتبهتم إليها كما الى سراج منير في موضع مظلم الى أن ينفجر النهار ويطلع كوكب الصبح في قلوبكم،
عالمين هذا أولاً أن كل نبوة الكتاب ليست من تفسير خاص،
لأنه لم تأت نبوة قط بمشيئة إنسان بل تكلم أُناس الإله القديسون مسوقين من الروح المقدس. (2بطرس 1: 19-21)
النص من نسخة كتاب الحياة مع ترجمتها الانجليزية:
- وهكذا صارت الكلمة النبوية أكثر ثباتاً عندنا، فحسناً تفعلون إن انتبهتم الى هذه الكلمة في قلوبكم، إذ أنها أشبه بمصباح يضيء في مكان مظلم، الى أن يطلع النهار ويظهر كوكب الصبح، ولكن قبل كل شيء، اعلموا أن كل نبوة واردة في الكتاب لا تفسر باجتهاد خاص، إذ لم تأت نبوءة قط بإرادة بشرية، بل تكلم بالنبوآت جميعاً رجال الإله (القديسون) مدفوعين بوحي الروح المقدس. (2بطرس 1: 19-21)
- And we have the word of the prophets made more certain, and you will do well to pay attention to it, as to a light shining in a dark place, until the day dawns and the morning star rises in your hearts.
Above all, you must understand that no prophecy of Scripture came about by the prophet's own interpretation.
For prophecy never had its origin in the will man, but men spoke from God as they were carried along by the Holy Spirit. (2Peter 1: 19-21)
في هذا النص يقول بطرس ان عنده الكلمة النبوية ويحث أتباعه على الإنتباه لها، لأنها لم تأت بمشيئة إنسان بل تكلم بها الأنبياء مسوقين بالروح المقدس، وكذلك تفسير نبوءات الكتاب ليست من تفسير خاص، وهنا نجد أن بطرس يتحدث عن نبوءات العهد القديم وليس عن الأناجيل الأربعة لأنها لم تكن قد كتبت عند كتابته لهذه الرسالة، ويعتبر أنها الأساس الذي يجب على أتباعه الانتباه له لتثبيت ما يؤمنون به.
كما انه قال ان ما في العهد القديم من نصوص ونبوءات كان يقصد بها التنبؤ لهم بيسوع كما في النص التالي:
الخلاص الذي فتش وبحث عنه أنبياء،
الذين تنبأوا عن النعمة التي لأجلكم،
باحثين أي وقت أو ما الوقت الذي كان يدل عليه روح المسيح الذي فيهم إذ سبق فشهد بالآلام التي للمسيح والأمجاد التي بعدها،
الذين أُعلن لهم أنهم ليس لأنفسهم بل لنا كانوا يخدمون بهذه الأمور التي أُخبرتم بها أنتم بواسطة الذين بشروكم في الروح المقدس المرسل من السماء،
التي تشتهي الملائكة أن تطلع عليها. (1بطرس 1: 10-12)
في هذا النص يقول بطرس ان الكتب النبوية كانت تتنبأ عن يسوع، وهو ما يثبت أن تبشيره بيسوع كان يعتمد على تفسير نصوص العهد القديم، وليس عن طريق وحي خاص كان يتلقاه، أو بالاناجيل الأربعة التي لم تكن قد كتبت في ذلك الوقت، والدليل على ذلك هو استشهاده بقرابة عشرين نصاً من العهد القديم في رسالتيه، في حين أنه لم يكتب سوى نصين بما يتوافق مع ما هو مكتوب في الأناجيل الاربعة، كما انه عندما كان يريد أن يوجه أتباعه لزيادة علمهم بحقيقة الأمور التي يبشرهم بها لم يكن يدعوهم لقراءة الأناجيل الأربعة، بل لقراءة رسائل بولس! كما في النص التالي:
- واحسبوا أناة ربنا خلاصاً،
كما كتب لكم أخونا الحبيب بولس أيضاً بحسب الحكمة المعطاة له،
كما في الرسائل كلها أيضاً متكلماً فيها عن هذه الأمور التي فيها أشياء عسرة الفهم، يُحرِّفها غير العلماء وغير الثابتين كباقي الكتب أيضاً لهلاك أنفسهم. (2بطرس 3: 15-16)
النص من نسخة كتاب الحياة مع ترجمتها الانجليزية:
- وتأكدوا أن تأني ربنا في رجوعه، هو فرصة للخلاص، إن أخانا الحبيب بولس قد كتب إليكم أيضاً عن هذه الأُمور عينها، بحسب الحكمة التي أعطاها إياه الرب، وما كتبه في رسالته إليكم يوافق ما كتبه في باقي رسائله،
وفي تلك الرسائل كلها أُمور صعبة الفهم، يُحرِّفها الجهال وغير الراسخين في الحق، كما يُحَرِّفون غيرها من الكتابات الموحى بها فيجلبون الهلاك على أنفسهم. (2بطرس 3: 15-16)
- Bear in mind that our Lord's patience means salvation, just as our dear brother Paul also wrote you with the wisdom that God gave him.
He writes the same way in all his letters, speaking in them of these matters. His letters contain some things that are hard to understand,
Which ignorant and unstable people distort, as they do the other Scriptures, to their own destruction. (2Peter 315-16)
فهذا النص يدل على أحد أمرين، إما أن الأناجيل الأربعة لم تكن مكتوبة في ذلك الوقت، أو أن بطرس لم يكن يعتبرها كتباً يستطيع الإنسان من خلالها معرفة حقيقة رجوع يسوع الثاني، وخاصة أنها مليئة بالأخطاء والتناقضات كما سيظهر لنا في الفصل القادم!
وأخيراً فإنه يوجد نصان في رسالته الأولى يُبينان أن معنى كلمة إنجيل هو التبشير وليس الأناجيل الأربعة كما يظن الكثير من أتباع الكنائس الطيبين، وهما كما يلي:
- فإنه لأجل هذا بُشَّر الموتى أيضاً لكي يُدانوا حسب الناس بالجسد ولكن ليحيوا حسب الإله بالروح. (1بطرس 4: 6)
النص من نسخة كتاب الحياة مع ترجمتها الانجليزية:
- ولهذا أُبلغت البشارة إلى الأموات أيضاً لكي يكونوا أحياء بالروح في نظر الإله مع أن حكم الموت قد نفذ بأجسادهم فماتوا كغيرهم من الناس. (1بطرس 4: 6)
- For this is the reason the gospel was preached even to those who are now dead, so that they might be judged according to men in regard to the body, but live according to God in regard to the spirit. (1Peter 4: 6)
- الذي فيه أيضاً ذهب فكرز للأرواح التي في السجن. (1بطرس 3: 19)
النص من نسخة كتاب الحياة مع ترجمتها الانجليزية:
- بهذا الروح نفسه ذهب قديماً وبشّر الناس الذين أصبحت أرواحهم الآن في السجن. (1بطرس 3: 19)
- through whom also he went and preached to the spirits in prison. (1Peter 3: 19)
هذان النصان يتحدثان عن ذهاب يسوع وتبشيره لأرواح الموتى، وفي النسخة الإنجليزية مكتوب أنه بشرهم بالإنجيل، وهنا بالتأكيد لا يقصد الأناجيل الأربعة لأنها لم تكن قد كتبت بعد، لأن هذه القصة كما تقول الكنائس حدثت بعد الصلب وقبل القيامة، كما أن هذه القصة ليست مذكورة في الأناجيل الأربعة، فما هو هذا الإنجيل الذي بشرهم به يسوع، لو أن المقصود بكلمة إنجيل كتاباً؟
كلمة إنجيل في رسالة يهوذا
في رسالة يهوذا لا يوجد أي ذكر لكلمة إنجيل سواء بالمعنى الاصطلاحي أو اللغوي، وإن كان قد دعا أتباعه فيها لتذكر كلام التلاميذ ولم يدعهم الى تذكر كلام يسوع! كما في النص التالي:
- وأما أنتم أيها الأحباء فاذكروا الأقوال التي قالها سابقاً رسل ربنا يسوع المسيح. (يهوذا 17)
النص من نسخة كتاب الحياة مع ترجمتها الانجليزية:
- وأما أنتم أيها الأحباء فاذكروا دائماً ما قاله رسل ربنا يسوع المسيح. (يهوذا 17)
- But, dear friends, remember what the apostles of our Lord Jesus Christ foretold. (Jude 17)
ويقول في رسالته أنه اضطر لكتابتها ولم يقل انه كتبها عن طريق الوحي أو بسوق من الروح، كما في النص التالي:
- أيها الأحباء إذ كنت أصنع كل الجهد لأكتب إليكم عن الخلاص المشترك،
اضطررت أن أكتب إليكم واعظاً أن تجتهدوا لأجل الإيمان المُسَّلم مَرَّة للقديسين،
لأنه دخل خلسة أُناس قد كتبوا منذ القديم لهذه الدينونة فجّار يُحوّلون نعمة إلهنا الى الدعارة ويُنكرون السيد الوحيد الإله وربنا يسوع المسيح. (يهوذا 3-4)
فحالة الاضطرار ليست من حالات الوحي أو الروح، لو كان يكتب عن طريقهما!
كما أنه كتب نصين عن ميخائيل وأخنوخ لم يذكرهما العهد القديم بل هما مقتبسان من الكتب المزورة (ابوكريفا) والمنسوبة للعهد القديم، وهما كما يلي:
- وأما ميخائيل رئيس الملائكة فلما خاصم إبليس محاجاً عن جسد موسى لم يجسر أن يورد حكم افتراء بل قال لينتهرك الرب. (يهوذا 9)
فهذا النص ليس مكتوباً في العهد القديم، وإن كان يوجد نص فيه بعض العبارات التي تشبه ما كتبه يهوذا إلا أن أصل القصة لا تتحدث عن موسى، كما في النص التالي:
- وأراني يهوشع الكاهن العظيم قائماً قدام ملاك الرب والشيطان قائم عن يمينه ليقاومه،
فقال الرب للشيطان لينتهرك الرب يا شيطان، لينتهرك الرب الذي اختار أُورشليم، أفليس هذا شعلة منتشلة من النار. (زكريا 3: 1-2) 
كما هو واضح فإن النص يتحدث عن يهوشع الكاهن الذي كان في زمن عودة اليهود من سبي بابل، ولا علاقة له بميخائيل أو بجسد موسى!
- وتنبأ عن هؤلاء أيضاً أخنوخ السابع من آدم قائلاً هوذا قد جاء الرب في ربوات قديسيه ليصنع دينونة على الجميع ويعاقب جميع فجَّارهم على جميع أعمال فجورهم التي فجروا بها وعلى جميع الكلمات الصعبة التي تكلم بها عليه خُطاة فجَّار. (يهوذا 14-15)
وهذا النص لا يوجد له أصل في العهد القديم، بل هو مقتبس من كتاب أخنوخ الذي هو من الكتب المزورة (ابوكريفا) والمنسوب للعهد القديم، ولا يوجد ذكر لأخنوخ في العهد القديم سوى نص واحد وهو كما يلي:
- وعاش أخنوخ خمساً وستين سنة وولد متوشالح، وسار أخنوخ مع الاله بعدما ولد متوشالح ثلاث مئة سنة وولد بنين وبنات، فكانت كل أيام أخنوخ ثلاث مئة وخمساً وستين سنة، وسار أخنوخ مه الاله ولم يوجد لأن الاله أخذه. (تكوين 5: 21-24)
وإن كانت توجد نصوص تتحدث عن مجيء الرب في ربوات، ولكن هذه النصوص لم تكن على لسان أخنوخ، فإذا كان يهوذا يقصد تلك النصوص ولكنه لم يستطع تذكر من قالها فنسبها الى أخنوخ فهذا يدل على قلة علمه بالعهد القديم، فضلاً عن أن يكون قد كتب رسالته بسوق من الروح!
كلمة إنجيل في رسائل يوحنا
كما في إنجيل يوحنا كذلك في رسائله الثلاث فلا يوجد أي ذكر لكلمة إنجيل بأيّة صيغة من الصيغ، وإن كانت توجد بعض الفقرات والتي تؤكد أنه لم يكتبها عن طريق الوحي أو بسوق من الروح، كما في النصين التاليين:
إذ كان لي كثير لأكتب إليكم لم أُرد أن يكون بوَرَق وحِبر لأني أرجوا أن آتي إليكم وأتكلم فماً لفم لكي يكون فرحنا كاملاً. (2يوحنا12)
وكان لي كثير لأكتبه لكنني لست أُريد أن أكتب إليك بحبر وقلم. (3يوحنا 13)
في هذين النصين يقول يوحنا ان عنده الكثير ليكتبه ولكنه لم يُرِد أن يكتب بورق وحبر، وهذا الكلام لم نسمعه من أحد من أنبياء العهد القديم، فما كانوا يتلقوه من الرب عن طريق الوحي أو الروح كانوا يتكلمون به، كما بينت ذلك سابقاً، وهذا يؤكد أن ما كتبه يوحنا لم يكن عن طريق الوحي ولا بسوق من الروح، كما أننا نقرأ نصاً في رسالته الأولى يتم إضافة فقرة فيه في بعض النسخ وحذفها في نسخ أُخرى، لأنه غير مكتوب في أقدم المخطوطات مثل السينائية والفاتيكانية وغيرهما، وهو كما يلي:
- فإن الذين يشهدون في السماء هم ثلاثة الأب والكلمة والروح المقدس وهؤلاء الثلاثة واحد،
والذين يشهدون في الارض هم ثلاثة الروح والماء والدم والثلاثة واحد. (1يوحنا 5: 7-8)
النص من نسخة كتاب الحياة مع ترجمتها الانجليزية:
- فإن هنالك ثلاثة شهود (في السماء الأب والكلمة والروح المقدس، وهؤلاء الثلاثة هم واحد)،
والذين يشهدون في الارض هم ثلاثة الروح والماء والدم، وهؤلاء الثلاثة هم واحد. (1يوحنا 5: 7-8)
- For there are three that testify; the spirit, the water and the blood; and the three are in agreement. (1John 5: 7-8)
هذا النص يُسمّى بالفاصلة اليوحناوية وقد أثار الكثير من الجدل بين الباحثين في الغرب وتمت مناقشة أسباب هذا الاختلاف في العديد من الكتب، وهذا الأمر ليس موضوعه في هذا الكتاب، ولكن ما أود الإشارة إليه هنا هو أنه كان لدى الناسخين القدماء، سواء عن قصد أو غير قصد أو لأي سبب كان، القدرة على حذف وإضافة نصوص العهد الجديد، مما يشير الى أنه لم يكتب عن طريق الوحي أو بسوق من الروح المقدس، لأنه لو كان الأمر كذلك لما تجرأ أحد على الإضافة عليه أو الحذف منه كما بينت ذلك سابقاً.
كلمة إنجيل في كتاب الرؤيا
كلمة إنجيل ذُكرت في كتاب الرؤيا مرة واحدة، وهي تشير الى المعنى الحقيقي لكلمة إنجيل، وهو الإخبار أو التبشير ببعض الأمور التي ستقع في المستقبل من خلال الإعتماد على بعض الامور الخاصة، سواء كان وحي مباشر، أو تفسير للوحي، أي كتب العهد القديم كما هو حال كتبة العهد الجديد مع يسوع، والنص الذي يحتوي كلمة إنجيل مكتوب بالترجمات الإنجليزية في حين كتب مترجمو النسخ العربية المعنى اللغوي أي بشارة، وهو كما يلي:
- ثم رأيت ملاكاً آخر طائراً في وسط السماء معه بشارة أبدية ليُبشر الساكنين على الأرض وكل أمة وقبيلة ولسان وشعب، قائلاً بصوت عظيم خافوا الإله وأعطوا مجداً لأنه قد جاءت ساعة دينونته، واسجدوا لصانع السماء والأرض والبحر وينابيع المياه. (الرؤيا 14: 6-7)
النص من نسخة كتاب الحياة مع ترجمتها الانجليزية:
- ثم رأيت ملاكاً آخر طائراً في وسط السماء معه بشارة أبدية يُبشر أهل الأرض وكل أمة وقبيلة ولغة وشعب، وهو ينادي عالياً "اتقوا الإله ومجدوه، فقد حانت ساعة دينونته، واسجدوا لمن خلق السماء والأرض والبحر والينابيع. (الرؤيا 14: 6-7)
- Then I saw another angel flying in midair, and he had the eternal gospel to proclaim to those who live on the earth-to every nation, tribe, language and people. (Revelation 14: 6)
في هذا النص نقرأ أن الملاك معه، أو لديه كما في الترجمة الانجليزية، بشارة أبدية، أو إنجيل أبدي كما في الترجمة الانجليزية، وأنه يريد أن يبشرها، أو يعلنه كما في الترجمة الانجليزية، الى الناس جميعاً، وهذه البشارة أو الإنجيل لا بد أن يكون مستند الى وحي تلقاه الملاك من الرب، وهو ما يبين أن معنى كلمة إنجيل أو بشارة هو التبشير بشيء سيحدث في المستقبل استناداً على وحي تم تلقيه من الرب، أو انها كما في حالة يسوع التبشير به استناداً على تفسير الوحي، أي نصوص العهد القديم، وهو ما سيظهر معنا بشكل مفصل في الفصل القادم.
بعد هذه الدراسة المطولة لكلمة إنجيل كما ذكرت في الأناجيل والرسائل والتي ظهر من خلالها عدم وجود أي ذكر للأناجيل الأربعة، وعدم وجود أي نص يشير الى كتابتها عن طريق الوحي أو بسوق من الروح المقدس، ووجود أناجيل أُخرى كان يبشر بها التلاميذ الأوائل، نخلص الى القول أن كلمة إنجيل تعني تبشير العهد القديم بيسوع كمسيح وابن إله وأنه صُلب ومات وقام.
فهل نجح كتبة الأناجيل في صياغة قصة حياة يسوع بالاعتماد على نصوص العهد القديم؟
هذا ما سنعرفه في الفصل التالي والتدوينات التالية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق