السبت، 28 يوليو 2018

معنى كلمة إنجيل، وعلاقة الأناجيل بالوحي، والهدف من كتابة الأناجيل الأربعة

الفصل الثاني كلمة أو مصطلح إنجيل في العهد الجديد

ان التناقض بين أُصول الأناجيل وأُصول العهد القديم، كما ظهر لنا في الفصل السابق، ليس كافياً وحده في إثبات أنها دعوة جديدة أو دين جديد، لا علاقة لها بدعوة ودين الأنبياء السابقين، وأنها ليست وحياً ولم تكتب بسوق من الروح المقدس، من وجهة نظر الكنائس وكتبة الأناجيل والرسائل، وبصفة خاصة بولس الذي كان يدرك هذا التناقض، أو بمعنى أدق هو الذي أسس هذا التناقض، لهذا سعى في رسائله لتبرير هذا التناقض، واعتبر ان هذا التناقض ليس من باب اختلاف المصادر بل لأن أُصول دعوته ودينه كانت سراً مخفياً عن جميع الأنبياء وظهرت له ولمن معه من الكتبة والأتباع! كما في النصوص التالية:
- وبالإجماع عظيم هو سرّ التقوى الإله ظهر في الجسد تبرر في الروح تراءى لملائكة كرز به بين الأُمم أُومن به في العالم رُفع في المجد. (تيموثاوس الأُولى 3: 16)
- بل نتكلم بحكمة الإله في سرّ الحكمة المكتومة التي سبق الإله فعينها قبل الدهور لمجدنا، التي لم يعلمها أحد من عظماء هذا الدهر، لأنهم لو عرفوا لما صلبوا رب المجد، بل كما هو مكتوب ما لم تر عين ولم تسمع أُذن ولم يخطر على بال إنسان ما أعدّه الإله للذين يُحبونه. (1كورنثوس 2: 7-9)
- بسبب هذا أنا بولس أسير المسيح يسوع لأجلكم أيها الأُمم،
إن كنتم قد سمعتم بتدبير نعمة الإله المعطاة لي لأجلكم،
أنه بإعلان عرّفني بالسرّ، كما سبقتُ فكتبت بالإيجاز،
الذي بحسبه حينما تقرأونه تقدرون أن تفهموا درايتي بسرّ المسيح،
الذي في أجيال أُخر لم يُعرّف به بنو البشر، كما قد أُعلن الآن لرُسُلِه القديسين وأنبيائه بالروح،
أن الأُمم شركاء في الميراث والجسد ونوال موعده في المسيح بالانجيل،
الذي صرتُ أنا خادماً له حسب موهبة نعمة الإله المعطاة لي حسب فِعْل قوّته،
لي أنا أصغر جميع القديسين أُعطيت هذه النعمة أن أُبشر بين الأُمم بغنى المسيح الذي لا يُستقصى،
وأُنير الجميع في ما هو شركة السرّ المكتوم منذ الدهور في الإله خالق الجميع بيسوع المسيح،
لكي يُعرّف الآن عند الرؤساء والسلاطين في السماويات بواسطة الكنيسة بحكمة الإله المتنوعة، حسب قصد الدهور الذي صنعه في المسيح يسوع ربنا. (افسس 3: 1-11)
- وللقادر أن يُثبّتكم حسب إنجيلي، والكرازة بيسوع المسيح حسب إعلان السرّ الذي كان مكتوماً في الأزمنة الأزلية،
ولكن ظهر الآن وأُعلم به جميع الأُمم بالكتب النبوية حسب أمر الإله الأزلي لإطاعة الإيمان، للإله الحكيم وحده بيسوع المسيح له المجد إلى الأبد. (رومية 16: 25-27)
في هذه النصوص يقول بولس ان أصول دعوته القائمة على عبادة ثلاث آلهة تجسدت في جسد بشري أو على الاقل أحدها، بحسب إيمان كل كنيسة من الكنائس المختلفة، وأنها جُلدت وبُصق عليها وصُلبت ومن ثم ماتت كانت سراً مخفياً عن جميع الأنبياء السابقين، وان هذا السر لم يُكشف إلا له وللتلاميذ القديسين!
وهذا الأمر صحيح من هذه الناحية فقط، لأنه لم يتكلم أحد من الأنبياء السابقين عن هكذا تصور للرب خالق السموات والأرض، ولكن ما صحة هذا السر الذي يتكلم عنه بولس؟
إن صحة هذا السر نستطيع معرفتها من خلال مقارنته مع سرّ ثان أعلنه بولس لأتباعه، كما في النص التالي:
- هوذا سرّ أقوله لكم لا نرقد كلنا ولكننا كلنا نتغير. (كورنثوس الاولى 15: 51)
في هذا النص يكشف بولس عن سرٍّ آخر لم يعلمه أحد قبله، ولم يظهر لأحد بعده، وهو أنه هو وأتباعه لن يموتوا كلهم حتى مجيء يسوع مرة ثانية، وهو ما صرح به بشكل أوضح في نص ثان، وهو كما يلي:
- ثم لا أُريد أن تجهلوا أيها الإخوة من جهة الراقدين لكي لا تحزنوا كالباقين الذين لا رجاء لهم،
لأنه إن كنا نؤمن أن يسوع مات وقام فكذلك الراقدون بيسوع سيُحضرهم الإله أيضاً معه،
فإننا نقول لكم هذا بكلمة الرب،
إننا نحن الأحياء الباقين الى مجيء الرب لا نسبق الراقدين،
لأن الرب نفسه بهتافٍ بصوت رئيس ملائكة وبوق الإله سوف ينزل من السماء، والأموات في المسيح سيقومون أولاً،
ثم نحن الأحياء الباقين سنُخطف جميعاً معهم في السحب لمُلاقاة الرب في الهواء، وهكذا نكون كل حين مع الربّ، لذلك عَزوا بعضكم بعضاً بهذا الكلام. (1تسالونيكي 4: 13-18)
ولكن الواقع أظهر خطأ هذا السر، ورقد هو وأتباعه وبعدهم عشرات الأجيال! إن خطأ هذا السر يبين أن السر السابق ليس صحيحاً وأنه ليس وحياً، لأنه لو كان وحياً لما تناقض مع نصوص الوحي في العهد القديم التي تؤكد على أعظم حقيقة في الكون وهي وحدانية الخالق وعدم وجود آلهة حقيقية أُخرى معه أو دونه ووجوب عبادته وحده، ومع وضوح هذه الحقيقة إلا أنني سأذكر نصاً من العهد القديم يدحض كل أقوال بولس وغيره عن إخفاء الرب خالق السموات والأرض لبعض الأسرار عن الأنبياء السابقين، وهو كما يلي:
- إن السيد الرب لا يصنع أمراً إلا وهو يُعلن سرّه لعبيده الأنبياء. (عاموس 3: 7)
فالرب الخالق لا يصنع أمراً ولا يقول قولاً إلا ويكون واضحاً ومعلناً وغير خاف عن أحد من الأنبياء وخصوصاً وحدانيته وعدم وجود آلهة معه أو دونه شاركته في خلق السموات والأرض أو في استحقاقها للعبادة معه أو دونه، فهذا النص ينقض كل أقوال بولس وغيره عن إخفاء سرّ التثليث وإعلان التوحيد في العهد القديم.
فإصرار كتبة العهد الجديد والكنائس على اعتبار أن العهد الجديد وما يؤمنون به إنما هو امتداد للعهد القديم وأُصوله يتطلب منا أن ندرس الأناجيل في العهد الجديد من ناحية ذاتية، أي دراسة معنى كلمة إنجيل والمواضع التي ذكرت فيها، والهدف من كتابة الاناجيل، وطريقة كتابتها، والاناجيل غير الأربعة التي تحدثت عنها رسائل العهد الجديد، وكذلك دراسة نصوص الأناجيل المقتبسة من العهد القديم، فهذا سوف يُعطينا فكرة واضحة عن حقيقة الأناجيل وإن كانت مكتوبة بسوق من الروح المقدس أم لا، وعن المصادر التي اعتمد عليها كتبة الأناجيل، وأبدأ بمعنى كلمة إنجيل.
معنى كلمة إنجيل
كلمة إنجيل يونانية الأصل Euangelion (وتلفظ افانجليون) وتعني البشارة السارة، وقد ذُكرت كلمة إنجيل أو البشارة بجذورها اللغوية المختلفة، الفعل والاسم والمصطلح، في الأناجيل الأربعة وباقي رسائل العهد الجديد مرات كثيرة، ومن هذا المعنى قالت الكنائس المختلفة ان الإنجيل، أو الأناجيل، هو التبشير بيسوع من خلال ذِكر بعض أجزاء من حياته وأقواله ومعجزاته، وأنها حيث تذكر في العهد الجديد كمصطلح فإنها تعني الأناجيل الأربعة، وهذا القول يحمل الكثير من التبسيط لمعنى البشارة السارة أو الإنجيل لسببين.
الأول أن ما نقرأه من تناقضات واختلافات بين الأناجيل نفسها، سواء في التسلسل التاريخي للأحداث أو في الأقوال المنسوبة ليسوع ولغيره من شخصيات الأناجيل تدل على أن كتبتها لم يكونوا يكتبون سيرة ذاتية ليسوع تمت مشاهدتها أو سماعها من مصادر موثوقة، لأنه لو كان الأمر كذلك لما حدث هذا الأمر، خاصة وأن الكنائس تقول ان كتبتها كانوا من تلاميذ يسوع المباشرين أو من أتباعهم، فهم يتحدثون عن شخصية واحدة وفي زمن معين وهم كانوا شهودا عليه أو سامعين من الذين عاشوا في ذلك الزمان.
والسبب الثاني أن كلمة إنجيل لا تطلق على السير الذاتية للأشخاص سواء كانوا أنبياء أو قادة أو أشخاص عاديين، فمعنى البشارة السارة أو الانجيل يشير الى حالة غيبية تبشر بشيء ما، سواء شخص أو حادثة، عن طريق الوحي، سواء الوحي المباشر أو تفسير وحي سابق، أو غيرها من الطرق كإستقراء الأحداث التاريخية أو الطبيعية والخروج منها بنتائج يتم التبشير بها لخدمة أغراض معينة تهم المُبَشِرَ بها.
فما هو المعنى المقصود لمصطلح الإنجيل أو البشارة السارة في الأناجيل الأربعة ورسائل العهد الجديد؟
هل هو كتاب، أو كتب، خاص أمر بكتابته يسوع؟
أم هو كتاب، أو كتب، أُوحيَ به للكتبة عن طريق الوحي أو الروح أو كلمة الرب كما كان يحدث مع أنبياء العهد القديم؟
أم هو كتاب، أو كتب، كُتب بطريقة قصصية تم الحديث فيه عن أجزاء من حياة يسوع وأقواله وأفعاله من خلال اقتباس نصوص وقصص من أسفار العهد القديم وإعادة صياغتها بطريقة قصصية والقول أن هذه هي قصة حياة المسيح الذي جاء ليتمم ويحقق ويكمل نبوءات العهد القديم؟!
أم هو كتاب، أو كتب، كُتب لتسجيل أجزاء من حياة يسوع كما حدثت في الواقع كسيرة ذاتية ليسوع؟
هذه الأسئلة وغيرها ستتم الإجابة عنها في الصفحات التالية.
الأناجيل الاربعة والوحي
إن من أكثر الحقائق غرابة في الأناجيل الأربعة، والتي قد تفاجئ قارئ الأناجيل، هي خلوها من أي إشارة لكتابتها عن طريق الوحي أو بأمر من يسوع أو بسوق من الروح المقدس! فلا يوجد أي نص يشير الى ذلك، كما هو الحال مع أسفار العهد القديم سواء التوراة التي يوجد فيها عشرات النصوص التي تقول ان موسى تلقاها من الرب عن طريق الكلام المباشر أو عن طريق الكتابة على اللوحين، أو باقي الأسفار التي تبين أن قائليها تلقوها عن طريق الوحي أو الروح أو كلمة الرب كما في النصوص التالية:
- فهذه كلمات داوُد الأخيرة،
وحي داوُد بن يسّى ووحي الرجل القائم في العلا مسيح إله يعقوب ومُرنم إسرائيل الحلو،
روح الرب تكلم بي وكلمته على لساني،
قال إله إسرائيل إليّ تكلم صخرة اسرائيل إذا تسلط على الناس بارّ يتسلط بخوف الإله. (صموئيل الثاني 23: 1-3)
- وحي من جهة بابل رآه إشعياء بن آموص. (إشعياء 13: 1)
- وحي من جهة موآب. (إشعياء 15: 1)
- وحي من جهة دمشق. (إشعياء 17: 1)
- وحي من جهة مصر. (إشعياء 19: 1)
- ثم صارت كلمة الرب إليّ قائلاً. (إرميا 1: 11)
- ثم صارت إليّ كلمة الربّ قائلاً. (إرميا 2: 1)
- وكان إليّ كلام الربّ قائلاً. (حزقيال 7: 1)
- قول الرب الذي صار الى هوشع بن بئيري. (هوشع 1: 1)
- قول الرب الذي صار الى يوئيل بن فثوئيل. (يوئيل 1: 1)
- أقوال عاموس الذي كان بين الرعاة من تقوع التي رآها عن اسرائيل في أيام عُزِّيّا ملك يهوذا وفي أيام يربعام بن يوآش ملك إسرائيل قبل الزلزلة بسنتين. (عاموس 1: 1)
- هكذا قال الرب من أجل ذنوب دمشق الثلاثة والأربعة لا أرجع عنه لأنهم داسوا جلعاد بنوارج من حديد. (عاموس 1: 3)
- وصار قول الربّ إلى يونان بن أمِتاي قائلاً. (يونان 1: 1)
- قول الرب الذي صار الى ميخا المورشتي في أيام يوثام وآحاز وحزقيّا ملوك يهوذا الذي رآه على السامرة وأُورشليم. (ميخا 1: 1)
- وحي على نينوى سِفر رؤيا ناحوم الألقوشي. (ناحوم 1: 1)
- الوحي الذي رآه حبقوق النبي. (حبقوق 1: 1)
- كلمة الربّ التي صارت إلى صفنيا بن كوشي بن جدليا بن أمريا بن حزقيا في أيام يوشيّا بن آمون ملك يهوذا. (صفنيا 1: 1)
- فكانت كلمة الربّ عن يد حجي النبي قائلاً. (حجي 1: 1)
- في الشهر الثامن في السنة الثانية لداريوس كانت كلمة الرب إلى زكريا بن برخيا بن عِدُّو قائلاً. (زكريا 1: 1)
- وحي كلمة الرب لإسرائيل عن يد ملاخي. (ملاخي 1: 1)
فخلو الأناجيل الأربعة من أي إشارة الى تلقي كاتبيها لها بأمر من يسوع أو عن طريق الوحي أو الروح أو كلمة الرب، يطرح الكثير من التساؤلات عن الهدف من كتابتها بهذه الطريقة والمصادر التي اعتمد عليها الكتبة، والنصين اللذين تستشهد بهما الكنائس المختلفة على هذا الأمر، أي كتابتها عن طريق الوحي وبسوق من الروح المقدس، لا يُقصد بهما الأناجيل الاربعة، وهما كما يلي:
- وأما أنت فاثبت على ما تعلمت وأيقنت عارفاً ممن تعلمت، وأنك منذ الطفولية تعرف الكتب المقدسة القادرة أن تحكمك للخلاص بالإيمان الذي في المسيح يسوع،
كل الكتاب هو موحى به من الإله ونافع للتعليم والتوبيخ للتقويم والتأديب الذي في البرّ،
لكي يكون إنسان الإله كاملاً متأهباً لكل عمل صالح. (2تيموثاوس 3: 14-17)
في هذا النص يأمر بولس تلميذه تيموثاوس بالتمسك بالكتب المقدسة ويقول إنها كلها موحى بها من الرب، والمقصود بالكتب المقدسة هنا هي أسفار العهد القديم وليست الأناجيل الأربعة، لأن هذه الأناجيل لم تكتب إلا بعد كتابة بولس لرسائله بعشرات السنين، كما أنه يتحدث عن كتب كان يعرفها تلميذه في فترة طفولته أي على أقل تقدير قبل كتابة هذه الرسالة بعشر سنين وفي هذه الفترة بالتأكيد لم تكن قد كتبت الأناجيل الأربعة، وأخيراً فإن بولس كما سيتبين لنا لاحقاً كان لا يبشر بالأناجيل الأربعة بل كان له إنجيله الخاص الذي يُبشر به، لهذا كله فهو في هذا النص لا يتحدث عن الأناجيل الأربعة.
وعندنا الكلمة النبوية وهي أثبت التي تفعلون حسناً إن انتبهتم إليها كما إلى سراج مُنير في موضع مُظلم إلى أن ينفجر النهار ويطلع كوكب الصبح في قلوبكم،
عالمين هذا أولاً أن كل نبوة الكتاب ليست من تفسير خاص،
لأنه لم تأت نبوّة قط بمشيئة إنسان بل تكلم أُناس الإله القديسون مسوقين من الروح المقدس. (2بطرس 1: 19-21)
في هذا النص يتحدث بطرس عن وجود الكلمة النبوية عندهم، وهو هنا يقصد العهد القديم ولا يقصد الأناجيل الأربعة لسببين، الأول أنه كتب رسالتيه قبل كتابة الأناجيل الأربعة، الثاني أنه كان لديه إنجيله الخاص الذي كان يُبشر به، كما سيتبين لنا بعد قليل، فلو قلنا انه كان يقصد بالكلمة النبوية الوحي الذي معه أو إنجيله وليس العهد القديم، فنحن نسأل الكنائس لماذا لم تحتفظ بالوحي أو بالإنجيل الذي كان عند بطرس؟!
ومما يزيد الأمر وضوحاً أن بطرس في رسالته هذه أوصى أتباعه بالالتزام برسائل بولس ولم يُوصهم بالالتزام بالاناجيل الأربعة كما في النص التالي:
- واحسبوا أناة ربنا خلاصاً كما كتب إليكم أخونا الحبيب بولس أيضاً بحسب الحكمة المعطاة له، كما في الرسائل كلها. (2بطرس 3: 15-16)
فهذا النص دليل آخر على أن الأناجيل الأربعة لم تكن مكتوبة في ذلك الوقت، أو أنه كان لا يعتبرها ذات قيمة خاصة يجب الالتزام بها، وهذا يدل على أنها ليست المقصودة بالكلمة النبوية.
وخلاصة القول أنه لا يوجد أي نص يُشير إلى أن الأناجيل الأربعة مكتوبة بأمر من يسوع أو عن طريق الوحي أو بكلمة الرب أو بسوق من الروح المقدس، وأن محاولات الكنائس في إثبات هذا الأمر لم تكن موفقة.
الهدف من تأليف وكتابة الأناجيل
إن عدم كتابة الأناجيل الأربعة عن طريق الوحي أو بكلمة الرب أو بسوق من الروح المقدس تظهر بشكل أوضح إذا عرفنا الهدف من تأليفها وكتابتها، والذي بينه لوقا ويوحنا في إنجيليهما كما في النصوص التالية:
- إذ كان كثيرون قد أخذوا بتأليف قصة في الأُمور المتيقنة عندنا،
كما سلمها إلينا الذين كانوا منذ البدء معاينين وخداماً للكلمة،
رأيت أنا أيضاً إذ قد تتبعت كل شيء من الأول بتدقيق أن أكتب على التوالي إليك أيها العزيز ثاوفيلس، لتعرف صحة الكلام الذي عُلمت به. (لوقا 1: 1-4)
في هذا النص يقول لوقا انه عندما رأى الكثير من الناس يقومون بتأليف قصص عن يسوع، سعى هو الآخر لتأليف كتاب مثلهم يتحدث فيه عن يسوع، ولكنه يقول ليُظهر صحة كلامه عن يسوع أنه تتبع كل شيء بتدقيق كما تسلمها من التلاميذ، ولم يُشر الى تلقيه وحياً للكتابة أو كلمة من الرب أو سَوْق من الروح المقدس، وتظهر طريقته في الكتابة عند الحديث عن نسب يسوع وأنها تعتمد على الظنون وليس على الوحي! كما في النص التالي:
- ولما ابتدأ يسوع كان له نحو ثلاثين سنة وهو على ما كان يظن ابن يوسف بن هالي. (لوقا 3: 23)
في هذا النص نقرأ أن لوقا لم يكتب بأيّة طريقة تشير الى أنه تلقى أمراً من يسوع مباشرة أو عن طريق الوحي أو بكلمة الرب أو عن طريق الروح، بل هو يكتب من خلال ظنونه أو ظنون الذين كانوا معاينين وخداماً للكلمة، ولهذا نجده يرتكب خطأين كبيرين في هذا النص، الأول وهو نسبته يسوع الى يوسف النجار، فهذا يهدم كل كلام الأناجيل والكنائس عن ولادة يسوع من امرأة دون رجل، كما ويتناقض مع ما كتبه هو نفسه على لسان يسوع من ان المسيح ليس ابن داوُد، أي إن يسوع ليس ابن داوُد، إلا إذا كان النص يتحدث عن مسيح آخر ولا يقصد يسوع، كما في النص التالي:
- وقال لهم كيف يقولون إن المسيح ابن داوُد،
وداوُد نفسه يقول في كتاب المزامير قال الرب لربي اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئاً لقدميك،
فإذاً داوُد يدعوه رباً فكيف يكون ابنه. (لوقا 20: 41-44)
فكيف يقول لوقا أن يسوع ابن داوُد إذا كان هو المسيح، فالمسيح رب داوُد وليس ابنه؟!
والخطأ الثاني وهو مخالفته لمتّى في أسماء آباء يوسف النجار من الأب الأول الى داوُد، فهو يقول ان اسم أب يوسف هو هالي في حين ان متّى يقول ان اسمه يعقوب، وهكذا الأمر مع الآباء الآخرين الى أن يصل الى داوُد، وهذا كله بسبب الظن الذي ظنه لوقا، أو ظنون الذين كانوا معاينين وخداماً للكلمة، ولو كانا يكتبان، أي متّى ولوقا، ليس عن طريق الوحي أو بكلمة الرب أو الروح، بل عن علم دقيق أو سماع صحيح لتوافقا على اسماء أب يوسف النجار الأول والآباء الآخرين!
وأما يوحنا كاتب الإنجيل فيُبين هدفه من كتابة إنجيله، بالقول إن ما كتبه هو شهادته الخاصة ليسوع كي يؤمن أتباعه بأن يسوع هو المسيح ابن الإله، ولم يكتب أي كلمة تتعلق بتلقيه الإنجيل عن طريق الوحي أو بكلمة الرب أو بسوق من الروح، كما في النص التالي:
- وآيات أُخر كثيرة صنع يسوع قدّام تلاميذه لم تكتب في هذا الكتاب،
وأما هذه فقد كتبت لتؤمنوا أن يسوع هو المسيح ابن الإله،
ولكي تكون لكم إذا آمنتم حياة باسمه. (يوحنا 20: 30-31)
في هذا النص يقول يوحنا ان كتابه! ولم يقل إنجيله، لم يحتو على جميع معجزات يسوع وان ما كتبه فقط هو ليؤمن أتباعه بأن يسوع هو المسيح ابن الإله، وهذا الأمر لو كان موحى به إليه لبينه كما كان يفعل أنبياء بني اسرائيل في أسفارهم، كما بينت ذلك سابقاً، وللتأكيد على هدفه من كتابة إنجيله وأنه لم يكتبه عن طريق الوحي أو بسوق من الروح نجده يكتب في آخر كتابه النص التالي:
- هذا هو التلميذ الذي يشهد بهذا وكتب هذا،
ونعلم أن شهادته حق،
وأشياء أُخر كثيرة صنعها يسوع إن كتبت واحدة واحدة فلست أظن أن العالم نفسه يسع الكتب المكتوبة. (يوحنا 21: 24-25)
فما كتبه يوحنا هو عبارة عن شهادته الخاصة ليسوع وما أخفاه من معلومات هو الأكثر، وهذا يدل على أنه لم يكتبه بوحي ولا بكلمة الرب ولا بسوق من أي روح، كما أنه لم يُسمّ كتابه إنجيل مما يدل على أن تسمية ما كتبه بالإنجيل جاء في وقت متأخر ولم يكن بأمر من يسوع أو من الروح.
مما سبق نلاحظ أن الأناجيل الأربعة كُتبت لأهداف خاصة، سواء كانت لإظهار حقيقة حياة يسوع كما قال لوقا أو شهادة له كما قال يوحنا، ولم يُكتب أي واحد منها عن طريق الوحي أو بكلمة الرب أو بسوق من الروح المقدس كما تقول الكنائس المختلفة، وهذا يقودنا الى دراسة كلمة إنجيل في الأناجيل وباقي رسائل العهد الجديد لنرى حقيقة ما تعنيه، وإن كان المقصود بها الأناجيل الأربعة أم ان لها معاني أُخرى لا تتحدث عنها الكنائس.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق