الجمعة، 27 يوليو 2018

مصدر قول الأناجيل عن سبب تكلم يسوع بالأمثال ومصدر مثل حبة الخردل ومثل الوليمة

الفصل الثالث: مصادر الأناجيل وطريقة تأليفها وكتابتها

القسم الرابعالنصوص المنسوبة مباشرة للعهد القديم
في هذا القسم سنطلع على النصوص المنسوبة للعهد القديم مباشرة وقول كتبة الأناجيل أنها لم تتم وتكتمل وتحدث إلا في يسوع وزمنه وجيله، لنرى حقيقتها ومدى صدق ما قاله الكتبة عنها.
15 - مصدر سبب تكلم يسوع بالأمثال
1 - فتقدّم التلاميذ وقالوا له لماذا تكلمهم بأمثال،
فأجاب وقال لهم لأنه قد أُعطي لكم أن تعرفوا أسرار مملكة السماء وأما لأُولئك فلم يُعط،
فإن من له سيُعطى ويُزاد، وأما من ليس له فالذي عنده سيُؤخذ منه،
من أجل هذا أُكلمهم بأمثال لأنهم مُبصرين لا يُبصرون وسامعين لا يسمعون ولا يفهمون،
فقد تمت فيهم نبوءة إشعياء القائلة تسمعون سمعاً ولا تفهمون ومُبصرين تبصرون ولا تنظرون،
لأن قلب هذا الشعب قد غلظ وآذانهم قد ثقل سماعها وغمّضوا عيونهم لئلا يُبصروا بعيونهم ويسمعوا بآذانهم ويفهموا بقلوبهم ويرجعوا فأشفيهم،
ولكن طوبى لعيونكم لأنها تبصر، ولآذانكم لأنها تسمع. (متّى 13: 10-16)
2 - هذا كله كلم به يسوع الجموع بأمثال، وبدون مثل لم يكن يُكلمهم، لكي يتم ما قيل بالنبي القائل سأفتح بأمثال فمي وأنطق بمكتومات منذ تأسيس العالم. (متّى 13: 34-35)
3 - ولما كان وحده سأله الذين حوله مع الاثني عشر عن المثل،
فقال لهم قد أُعطي لكم أن تعرفوا سرّ مملكة الإله،
وأما الذين هم من خارج فبالأمثال يكون لهم كل شيء،
لكي يُبصروا مبصرين ولا ينظروا ويسمعوا سامعين ولا يفهموا لئلا يرجعوا فتغفر لهم خطاياهم،
ثم قال لهم أما تعلمون هذا المثل، فكيف تعرفون جميع الأمثال. (مرقس 4: 10-13)
4 - فسأله تلاميذه قائلين ما عسى أن يكون هذا المثل،
فقال لكم قد أُعطي أن تعرفوا أسرار مملكة الإله، وأما للباقين فبأمثال، حتى إنهم مبصرين لا يبصرون وسامعين لا يفهمون. (لوقا 8: 9-10)
في هذه النصوص يُبين متّى ومرقس ولوقا سبب تكلم يسوع مع اليهود بالأمثال، وهو قول يسوع أنه قد أُعطي للتلاميذ معرفة أسرار مملكة السماء كما كتب متّى، ومعرفة أسرار مملكة الإله كما كتب مرقس ولوقا، وأما اليهود فلم يُعطوا معرفة ذلك!
وكما نلاحظ فإن متّى قد اعتمد على نصين من العهد القديم، الأول من كتاب إشعياء وكتبه على لسان يسوع مباشرة بقوله فقد تمت فيهم نبوءة إشعياء ثم ذكر النبوءة، والثاني من كتاب المزامير وقد ذكره كإستنتاج له لسبب تكلم يسوع بالأمثال، وهنا قبل استعراض النصين من العهد القديم لمعرفة ما إذا كانا نبوءتين لم تتما وتتحققا إلا في اليهود زمن يسوع، أم إن متّى استخدمهما لكتابة سبب تكلم يسوع بالأمثال وفقاً لمنهج وطريقة كتابة الأناجيل الذي بينته في هذا الكتاب، وهو اقتباس نصوص من العهد القديم وإعادة صياغتها في الأناجيل، بغض النظر عن المعنى الحقيقي لتلك النصوص، أو مدى توافق تلك النصوص مع حياة يسوع كما هي مكتوبة في الأناجيل، أو توافقها مع الأحداث التاريخية للقرن الأول الميلادي كما دونها مؤرخوا ذلك القرن مثل يسيفوس فلافيوس أو فيلو السكندري، أو مدى توافقها مع قوانين إيمان الكنائس والصفات التي نسبوها ليسوع فيها، لإضفاء حالة من المصداقية والقدسية عليها وذلك لعدم توفر مصدر من الوحي  أو من كلمة الرب لديهم! لا بد من تسجيل بعض الملاحظات.
الملاحظة الأُولى وهي أن مرقس ولوقا كتبا مضمون نص إشعياء ولم يذكرا أن يسوع قال أن هذه نبوءة تمت وتحققت في اليهود المعاصرين له، وهذا أمر مستغرب فلو كانت نبوءة عن اليهود المعاصرين ليسوع لكتبا ذلك على لسان يسوع كما كتب متّى! على الرغم من أن لوقا كتب نص إشعياء على لسان بولس كنبوءة عن اليهود المعاصرين له كما في النص التالي:
- فعينوا له يوماً فجاء إليه كثيرون الى المنزل فطفق يشرح لهم شاهداً بمملكة الإله ومقنعاً إياهم من ناموس موسى والأنبياء بأمر يسوع من الصباح الى المساء،
فاقتنع بعضهم بما قيل وبعضهم لم يؤمنوا،
فانصرفوا وهم غير متفقين بعضهم مع بعض لما قال بولس كلمة واحدة أنه حسناً كلم الروح المقدس آباءنا يإشعياء النبي،
 قائلاً اذهب الى هذا الشعب وقل ستسمعون سمعاً ولا تفهمون وستنظرون نظراً ولا تبصرون،
لأن قلب هذا الشعب قد غلظ وبآذانهم سمعوا ثقيلاً وأعينهم أغمضوها، لئلا يُبصروا بأعينهم ويسمعوا بآذانهم ويفهموا بقلوبهم ويرجعوا فأشفيهم،
فليكن معلوماً عندكم أن خلاص الإله قد أُرسل الى الأُمم وهم سيسمعون. (أعمال الرسل 28: 23-28)
الملاحظة الثانية وهي أن يوحنا كان قد استشهد بنص إشعياء في إنجيله ولكن في مناسبة إُخرى على الرغم من أنه لم يذكر أي مثل ليسوع! كما في النص التالي:
- ومع أنه كان قد صنع أمامهم آيات هذا عددها لم يُؤمنوا به، ليتم قول إشعياء النبي الذي قاله يا رب من صدّق خبرنا ولمن استعلنت ذراع الربّ،
لهذا لم يقدروا أن يؤمنوا، لأن إشعياء قال أيضاً، قد أعمى عيونهم وأغلظ قلوبهم لئلا يُبصروا بعيونهم ويشعروا بقلوبهم ويرجعوا فاشفيهم، قال إشعياء هذا حين رأى مجده وتكلم عنه،
ولكن مع ذلك آمن به كثيرون من الرؤساء أيضاً غير أنهم لسبب الفريسيين لم يعترفوا به لئلا يصيروا خارج المجمع، لأنهم أحبوا مجد الناس أكثر من مجد الإله. (يوحنا 12: 37-43)
فلو كان نص إشعياء نبوءة حقيقية عن سبب تكلم يسوع مع اليهود بالأمثال لكتب بعض الأمثال ليسوع.
الملاحظة الثالثة وهي عن حقيقة قول يسوع أنه لا يتكلم مع اليهود إلا بالأمثال، فهذا القول غير صحيح لأن يسوع كما هو مكتوب في الأناجيل كان قد تكلم مع اليهود بدون أمثال في مواضع كثيرة وخاصة في موعظة الجبل!
الملاحظة الرابعة وهي حقيقة قول يسوع للتلاميذ أنه قد أُعطي لهم معرفة أسرار مملكة السماء، أو أسرار مملكة الإله لهذا فهو يكلم اليهود بالأمثال، فهذا القول أيضاً غير صحيح لأنه كان يكلم التلاميذ بالأمثال والتلاميذ كانوا لا يفهمون معناها أيضاً! كما في النصوص التالية:
- ثم دعا الجمع وقال لهم اسمعوا وافهموا،
ليس ما يدخل الفم يُنجس الإنسان بل ما يخرج من الفم هذا ينجس الإنسان، حينئذ تقدم تلاميذه وقالوا له أتعلم أن الفريسيين لما سمعوا القول نفروا،
فأجاب وقال كل غرس لم يغرسه أبي السماوي يُقلع، اتركوهم هم عميان قادة عميان، وإن كان أعمى يقود أعمى يسقطان كلاهما في حفرة،
فأجاب بطرس وقال له فسّر لنا هذا المثل،
فقال لهم يسوع هل أنتم أيضا حتى الآن غير فاهمين،
ألا تفهمون بعد أن كل ما يدخل الفم يمضي إلى الجوف ويندفع إلى المخرج، وأما ما يخرج من الفم فمن القلب يصدر، وذاك يُنجس الإنسان، لأن من القلب تخرج أفكار شريرة قتل زنى فسق سرقة شهادة زور تجديف، هذه هي التي تنجس الإنسان، وأما الأكل بأيد غير مغسولة فلا يُنجس الإنسان. (متّى 15: 10-20) 
- ولما جاء تلاميذه إلى العَبَر نسوا أن يأخذوا خبزاً،
وقال لهم يسوع انظروا وتحرزوا من خمير الفريسيين والصدوقيين،
ففكروا في أنفسهم قائلين إننا لم نأخذ خبزاً،
فعلم يسوع وقال لهم لماذا تفكرون في أنفسكم يا قليلي الأيمان أنكم لم تأخذوا خبزاً،
أحتى الآن لا تفهمون ولا تذكرون خمس خبزات الخمسة الآلاف وكم قفة أخذتم،
ولا سبع خبزات الأربعة الآلاف وكم سلاً أخذتم،
كيف لا تفهمون أني ليس عن الخبز قلت لكم أن تتحرزوا من خمير الفريسيين والصدوقيين،
حينئذ فهموا أنه لم يقل أن يتحرّزوا من خمير الخبز بل من تعليم الفريسيين والصدوقيين. (متّى 16: 5-12) 
- ولما كان وحده سأله الذين حوله مع ألاثني عشر عن المثل،
فقال لهم قد أُعطي لكم أن تعرفوا سرّ مملكة الإله،
وأما الذين هم من الخارج فبالأمثال يكون لهم كل شيء،
ثم قال لهم أما تعلمون هذا المثل،
فكيف تعلمون جميع الأمثال. (مرقس 4: 10-13)
- وبأمثال كثيرة مثل هذه كان يُكلمهم حسبما كانوا يستطيعون أن يسمعوا، وبدون مثل لم يكن يكلمهم وأما على انفراد فكان يُفسر لتلاميذه كل شيء. (مرقس 4: 33-34)
- ونسوا أن يأخذوا خبزاً ولم يكن معهم في السفينة إلا رغيف واحد،
وأوصاهم قائلاً انظروا وتحرّزوا من خمير الفريسيين وخمير هيرودس،
ففكروا قائلين بعضهم لبعض ليس عندنا خبز،
فعلم يسوع وقال لهم لماذا تفكرون أن ليس عندكم خبز،
ألا تشعرون بعد ولا تفهمون،
أحتى الآن قلوبكم غليظة،
ألكم أعين ولا تبصرون،
ولكم أذان ولا تسمعون ولا تذكرون،
حين كسّرت الأرغفة الخمسة للخمسة الآلاف كم قفة مملوءة كِسَراً رفعتم، قالوا له اثنتي عشرة، وحين السبعة للأربعة الآلاف كم سلّ كِسَر مملوءاً رفعتم، قالوا سبعة،
فقال لهم كيف لا تفهمون. (مرقس 8: 14-21)
في هذه النصوص نقرأ أن التلاميذ كانوا لا يفهمون أمثال يسوع ويصفهم بذات الأوصاف التي وصف بها اليهود! فهل هذا يدل على إعطائهم معرفة أسرار مملكة السماء، أو على الأقل هل هم قبلوها؟!
نأتي الآن لاستعراض النص الأول الذي استشهد به متّى من كتاب إشعياء، وهو مذكور في الإصحاح السادس، وهو كما يلي:
ثم سمعت صوت السيد قائلاً من أُرسل ومن يذهب من أجلنا،
فقلت هاأنذا أرسلني.
في هذه الفقرات يقول إشعياء ان السيد الرب قال انه يريد أحداً أن يذهب من أجله ليبلغ أمراً منه، وهو الذي قال متّى عنه أنه النبوءة، للشعب، فقال إشعياء انه مستعد للذهاب، وهنا أقول انه كان يجب على متّى ان يكتب قصة عن ظهور إشعياء زمن يسوع لتبليغ الشعب أمر السيد الرب، أي النبوءة، حتى نقتنع ان كلام إشعياء هو نبوءة عن اليهود زمن يسوع! وقد يقول قائل وما الفرق بين ظهوره في زمن يسوع وظهوره في زمن سابق؟
أقول لهذا القائل ان الفرق هو في الأمر الذي حمله إشعياء، والناس الذين كُلف إشعياء ان يُبلغهم، فإذا كان الأمر الذي كلف إشعياء ان يُبلغه لأُناس ليسوا موجودين في زمن يسوع، فكيف يقول متّى ان هذا الأمر هو لأُناس في زمن يسوع. وأما إن كان تبليغ الأمر للناس في زمن يسوع فكان يجب أن يكتب قصة تقول إن إشعياء ظهر في زمن يسوع، وهذا الأمر ليس صعباً على من يقولون عن يسوع انه إله وابن الإله وأحد الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد، وخصوصاً متّى الذي كتب في إنجيله ان يوحنا المعمدان هو النبي إيليا الذي مات قبل مئات السنين من مولد يوحنا المعمدان! كما في النصين التاليين:
- ومن أيام يوحنا المعمدان الى الآن مملكة السماء تغتصَب والغاصبون يختطفونها، لأن جميع الأنبياء والناموس الى يوحنا تنبأوا،
وإن أردتم أن تقبلوا فهذا هو إيليا المُزمع أن يأتي،
من له أُذنان للسمع فليسمع. (متّى 11: 12-15)
- وسأله تلاميذه قائلين فلماذا يقول الكتبة إن إيليا ينبغي أن يأتي أولاً،
فأجاب يسوع وقال لهم إن إيليا يأتي أولاً ويردّ كل شيء،
ولكني أقول لكم إن إيليا قد جاء ولم يعرفوه بل عملوا به كل ما أرادوا، كذلك ابن الانسان أيضاً سوف يتألم منهم،
حينئذ فهم التلاميذ أنه قال لهم عن يوحنا المعمدان. (متّى 17: 10-13)
- فقال اذهب وقل لهذا الشعب اسمعوا سمعاً ولا تفهموا وأبصروا إبصارا ولا تعرفوا.
وهذه الفقرة تأكيد لما قلته من ان الرب خاطب إشعياء وقال له اذهب وقل لهذا الشعب، فلو كان النص يقصد الشعب في زمن يسوع لوجب على إشعياء ان يظهر في ذلك الزمن ويخاطب الشعب بأمر الرب الذي أمره ان يبلغه لهم.
- غلّظ قلب هذا الشعب وثقّل أُذنيه واطمس عينيه لئلا يُبصر بعينيه ويسمع بأُذنيه ويفهم بقلبه ويرجع فيشفى.
هذا هو النص الذي استشهد به متّى كنبوءة تمت في اليهود زمن يسوع، وهذا النص إذا اعتبرنا انه يتحدث حقيقة عن اليهود في زمن يسوع، فإن تلاميذ يسوع واقعون تحته، أي انهم كانوا غليظي القلوب وثقيلي الآذان ومطموسي العيون والقلوب، ومن الغريب أن يسوع وصف التلاميذ بهذه الأوصاف كما في النصوص السابقة!
- فقلت الى متى أيها السيد،
فقال الى أن تصير المدن خربة بلا ساكن والبيوت بلا إنسان وتخرب الارض وتقفر.
وهذه الفقرات تؤكد ان النص لا يتحدث عن زمن يسوع، لأنها حددت زمناً معيناً لبقاء هذا الامر أو النبوءة، وهو الزمن الذي تصير فيه المدن خربة بلا ساكن والبيوت بلا انسان وتخرب الارض وتقفر، وهذه الأمور لم يخبرنا متّى ولا غيره من كتبة الاناجيل انها وقعت في زمن يسوع ولا بعده، وهذا يدل على ان استشهاد متّى بهذا النص كان لمساعدته في كتابة سبب تكلم يسوع بالأمثال وليس لأنه نبوءة تمت وتحققت زمن يسوع.
- ويُبعد الرب الانسان ويكثر الخراب في وسط الارض،
وإن بقي فيها عُشرٌ بَعد فيعود ويصير للخراب،
ولكن كالبطمة والبلوطة التي وإن قطعت فلها ساق،
يكون ساقه زرعا مقدساً. (إشعياء 6: 8-13)
في هذه الفقرات، بعد أن قرأنا عن خراب الارض والمدن، حديث عن إبعاد الرب لليهود من الارض المقدسة، وانه إذا بقي منهم العُشر فان الارض والمدن ستعود للخراب، وهذا الأمر حدث مع بني اسرائيل قبل ولادة يسوع بمئات السنين، إلا أن الفقرات الأخيرة تستدرك الأمر وتتحدث عن بقاء بني اسرائيل كشعب للرب، ويصفهم بأنهم كساق البطمة أو البلوطة فعندما تُقطع تنمو من جديد لأنهم شعب مقدس، وهذا ما ترفضه الكنائس، كما قرأنا سابقاً عن موقفها من العهد مع بني اسرائيل، وهذا يؤكد أن النص لا يُقصد به الحديث عن اليهود في زمن يسوع، مما يشير الى أن متّى استخدم النص لكي يكتب سبب تكلم يسوع بغض النظر عن حقيقة إتمامه في زمن يسوع، لإضفاء حالة من القداسة والمصداقية على ما كتبه من خلال الاستشهاد بنصوص الوحي المذكورة في العهد القديم.
النص الثاني الذي استشهد به متّى عن سبب تكلم يسوع بالأمثال مذكور في المزمور الثامن والسبعين وهو قصيدة لآساف وليس لداوُد، وهو كما يلي:
اصغ يا شعبي إلى شريعتي،
أميلوا آذانكم إلى كلام فمي،
أفتح بمثل فمي،
أُذيع ألغازاً منذ القدم،
التي سمعناها وعرفناها وآباؤنا أخبرونا،
لا تخفي عن بنيهم الى الجيل الآخر.
يبدأ المزمور بدعوة شخص لشعبه ان يصغوا الى شريعته وان يُميلوا آذانهم الى كلامه لأنه سيُذيع ألغازاً منذ القدم، والتي كان آباؤهم قد أخبروهم بها، وأول ما يظهر من مقارنة هذه الفقرات بنصّ متّى هو الاختلاف الكبير بينهما، فمتّى قال سأفتح بأمثال فمي وانطق بمكتومات منذ تأسيس العالم، والمزمور يقول افتح بمثل فمي، أُذيع ألغازاً منذ القدم، التي سمعناها وعرفناها وآباؤنا اخبرونا،
نص متّى من نسخة الملك جيمس:
13:34 All these things spake Jesus unto the multitude in parables; and without a parable spake he not unto them:
13:35 That it might be fulfilled which was spoken by the prophet, saying, I will open my mouth in parables; I will utter things which have been kept secret from the foundation of the world.
نص المزامير من نسخة الملك جيمس:
78:1 Give earO my people, [to] my law: incline your ears to the words of my mouth.
78:2 I will open my mouth in a parable: I will utter dark sayings of old:
78:3 Which we have heard and known, and our fathers have told us.
78:4 We will not hide [them] from their children, shewing to the generation to come the praises of the LORD, and his strength, and his wonderful works that he hath done.
نص المزامير من النسخة العبرانية:
78:1 Maschil of Asaph. {N} Give earO my peopleto my teaching; incline your ears to the words of my mouth.
78:2 I will open my mouth with a parable; I will utter dark sayings concerning days of old;
78:3 That which we have heard and known, and our fathers have told us,
78:4 We will not hide from their children, telling to the generation to come the praises of the LORD, {N}
and His strength, and His wondrous works that He hath done.
نص المزامير من النسخة السبعينية:
78:1 Give heedO my people, to my law: incline your ear to the words of my mouth.
78:2 I will open my mouth in parables: I will utter dark sayings which have been from the beginning.
78:3 All which we have heard and known, and our fathers have declared to us.
78:4 They were not hid from their children to a second generations; the fathers declaring the praises of the Lord, and his mighty acts, and his wonders which he wrought.
ولست ادري ما هو السبب في تغيير كتبة الاناجيل لنصوص العهد القديم لو كانوا يكتبون عن طريق الوحي أو بسوق من الروح المقدس كما تقول الكنائس المختلفة، أو حتى لو كانت عندهم نزاهة علمية أو أدبية، فالذي ينقل عن غيره يجب أن ينقله بدقة لتظهر حقيقة النص المقتبس، أما أن يتم تغيير نصوص العهد القديم بهذه الطريقة فهو يدل على منهج متبع وليس سهواً، وخصوصاً ان ما يتم تغييره هو نصوص الوحي الذي تلقاه أنبياء بني إسرائيل؟!
- مُخبرين بتسابيح الرب وقوته وعجائبه التي صنع،
أقام شهادة في يعقوب،
ووضع شريعة في اسرائيل،
التي أوصى آباءنا أن يُعرّفوا بها أبناءهم، لكي يعلم الجيل الآخر،
بنون يُولدون فيقومون ويُخبرون أبناءهم،
فيجعلون على الإله اعتمادهم ولا ينسون أعمال الإله بل يحفظون وصاياه،
ولا يكونون مثل آبائهم جيلاً زائغاً ومارداً جيلاً لم يُثبّت قلبه ولم تكن روحه أمينة للإله.
هذه الفقرات تتحدث عن تسبيح الرب وعن شريعته وأمر الرب لبني اسرائيل بحفظ تلك الوصايا وتبليغها للأجيال التالية، وهذا الأمر لم يعمل به كتبة الأناجيل ولا الكنائس المختلفة، بل ما زالوا ينقضون الوصايا الموجودة في العهد القديم! كما بينت ذلك في فصل تعاليم يسوع في كتاب يسوع ابن يوسف النجار .... أسئلة حائرة.
فلا يقول أحد ان هذا النص يتحدث عن يسوع إلا إذا قال إن كتبة الأناجيل والكنائس المختلفة خالفت هذا النصّ بعينه، لأنهم لم يلتزموا بالشريعة ولا حفظوا وصايا الرب كما أمرهم في هذا النصّ، كعبادة الرب وحده والختان وتحريم السبت وغيرها، ولم يلتزموا حتى بقول يسوع نفسه بعدم دعوة غير اليهود لأنه لم يُرسل إلا الى خراف بيت إسرائيل الضالة!
- بنو أفرايم النازعون في القوس الرّامون انقلبوا في يوم الحرب،
لم يحفظوا عهد الإله وأبَوْا السلوك في شريعته،
ونسوا أفعاله وعجائبه التي أراهم،
قدّام آبائهم صنع أعجوبة في أرض مصر بلاد صوعن. (مزمور 78: 1-12)
هذه الفقرات تتحدث عن بني أفرايم وكيف أنهم لم يحفظوا عهد الرب وأبَوْا السلوك في الشريعة وأنهم نسوْا أفعال الرب، ولم يخبرنا متّى ولا غيره من كتبة الأناجيل ان بني أفرايم انقلبوا في يوم حرب كانت زمن يسوع، ولا ان يسوع دعا بني أفرايم  ولم يستجيبوا له وأبَوْا السلوك في الشريعة لو كان هذا النص يتحدث عن يسوع!
بعد ذلك يبدأ الحديث عن بني إسرائيل ونظراً لطوله سأذكر بعض الفقرات.
وجربوا الإله في قلوبهم بسؤالهم طعاما لشهوتهم،
فوقعوا في الإله،
قالوا هل يقدر الإله أن يُرتب مائدة في البرية،
هو ذا ضرب الصخرة فجرت المياه وفاضت الأودية هل يقدر أيضاً أن يُعطي خبزاً أو يُهيئ لحماً لشعبه،
لذلك سمع الرب فغضب واشتعلت نار في يعقوب وسخط أيضاً صعد على إسرائيل،
لأنهم لم يؤمنوا بالإله ولم يتكلوا على خلاصه،
فأمر السحاب من فوق وفتح مصاريع السموات،
وأمطر عليهم منّاً للأكل وبُرّ السماء أعطاهم،
أكل الانسان خبز الملائكة، أرسل عليهم زاداً للشبع،
أهاج شرقية في السماء وساق بقوته جنوبية،
وأمطر عليهم لحماً مثل التراب وكرمل البحر طيوراً ذوات أجنحة،
وأسقطها في وسط محلتهم حوالي مساكنهم، فأكلوا وشبعوا جداً وأتاهم بشهوتهم،
لم يزوغوا عن شهوتهم طعامهم بعد في أفواههم،
فصعد عليهم غضب الإله وقتل من أسمنهم وصرع مُختاري إسرائيل،
في هذا كله اخطأوا بعد ولم يؤمنوا بعجائبه. (مزمور 78: 18-32)
هذه الفقرات تتحدث عن بني اسرائيل في التيه وكيف أن الرب أنزل المنّ وأجرى المياه وأرسل طيوراً لهم ومع هذا لم يؤمنوا فحلّ عليهم غضب الرب، وهذه الأُمور حدثت قبل يسوع بمئات السنين.
ثم تتوالى الفقرات بالحديث عن بني اسرائيل في التيه حتى تصل الى الفقرات التالية:
فجرّبوا وعصوا الإله العلي،
وشهاداته لم يحفظوا، بل ارتدوا وغدروا مثل آبائهم،
انحرفوا كقوس مخطئة،
أغاظوه بمرتفعاتهم وأغاروه بتماثيلهم،
سمع الإله فغضب ورذل إسرائيل جداً،
ورفضَ مسكن شيلو الخيمة التي نصبها بين الناس،
وسلّم للسبي عِزّه وجلاله ليد العدو،
ودفع الى السيف شعبه وغضب على ميراثه،
مختاروه أكلتهم النار وعذاراه لم يُحمدن،
كهنته سقطوا بالسيف وأرامله لم يبكين.
هذه الفقرات تقول ان الرب غضب على شعبه، بني اسرائيل، وأسلمهم للسبي والسيف سواء منهم العامة او الكهنة والسبب في ذلك هو إغاظتهم إياه بالمرتفعات والتماثيل، أي إن الرب يغتاظ من التماثيل ومن الذي يصنعها، فماذا ستقول الكنائس للرب وهم يملؤون الأرض بتماثيل وصور من كل صنف ونوع؟
وهل الرب الذي غضب على شعبه لأنهم عملوا التماثيل وأسلمهم للسبي والسيف ولم يرحمهم سيفرح بعمل الكنائس لهذه التماثيل والصور ويورثهم الحياة الأبدية ومملكة السماء مُقابل عملهم هذا؟!
- فضرب أعداءه الى الوراء، جعلهم عاراً أبديا،
ورفض خيمة يوسف ولم يختر سبط أفرايم،
بل اختار سبط يهوذا جبل صهيون الذي أحبه،
وبنى مثل مرتفعات مقدسة كالارض التي أسسها الى الأبد،
واختار داوُد عبده وأخذه من حظائر الغنم،
من خلف المرضعات أتى به ليرعى يعقوب شعبه واسرائيل ميراثه،
فرعاهم حسب كمال قلبه وبمهارة يديه هداهم. (مزمور 78: 56-72)
هذه الفقرات تتحدث عن رفض الرب لنسل يوسف المتمثل بسبط أفرايم وأعطاء العهد لسبط يهوذا واختياره لداوُد ليرعى شعبه بمهارة وكمال قلب.
وبعد، هل تستطيع الكنائس المختلفة ان تقول لنا أين وجدوا يسوع في هذا النص الطويل، حتى في الفقرة التي قال متّى أنها تتحدث عن يسوع، فقد وجدنا انه قام بتغيير معناها ومضمونها، وهي مع هذا غير متحققة في الأقوال التي نُسبت ليسوع وقالوا انه تحدث بمكتومات منذ تأسيس العالم كما بينت ذلك في فصلي النبوءات والأمثال من كتاب يسوع بن يوسف النجار .... أسئلة حائرة؟
من كل ما سبق يتبين لنا كيف استخدم متّى نصوص العهد القديم وقام بتغيير كلمات المزمور ليكتب سبب تكلم يسوع بالأمثال، وذلك لإضفاء حالة من المصداقية والقداسة على ما يكتبه، وهذا يدل على أن قانون لا تقبل خبراً كاذباً ينطبق ما كتبه كتبة الأناجيل عن سبب تكلم يسوع بالأمثال.
مصدر مثل حبة الخردل
- قدّم لهم مثلاً آخر قائلاً تشبه مملكة السماء حبّة خردل أخذها الانسان وزرعها في حقله،
وهي أصغر جميع البزور،
ولكن متى نَمَتْ فهي أكبر البقول وتصير شجرة حتى إن طيور السماء تأتي وتتآوى في أغصانها. (متّى 13: 31-32)
- وقال بماذا نشبه مملكة الإله أو بأي مثل نمثله، مثل حبة خردل متى زُرعت في الأرض فهي أصغر جميع البزور التي على الأرض، ولكن متى زرعت تطلع وتصير أكبر جميع البقول وتصنع أغصاناً كبيرة حتى تستطيع طيور السماء أن تتآوى تحت ظلها. (مرقس 4: 30-32)
- فقال ماذا تشبه مملكة الإله، وبماذا أُشبهها، تشبه حبة خردل أخذها إنسان وألقاها في بستانه فنمت وصارت شجرة كبيرة، وتآوت طيور السماء في أغصانها. (لوقا 13: 18-19)
في هذه النصوص يُشبّه يسوع مملكة السماء أو مملكة الإله بحبة الخردل التي تنمو وتكبر حتى تصبح شجرة كبيرة تأوي إليها طيور السماء، وهذا المثل يشير الى أن قائله، سواء كان يسوع أو الكتبة، لا يعلم شيئاً عن نبات الخردل! لأن نبات الخردل في أقصى حالات نموه لا يكون أكبر من شجيرة لا يزيد ارتفاعها عن متر واحد، فكتابة هذا المثل في الأناجيل يدل على أنها ليست وحياً من السماء، لأنها لو كانت وحياً لما وقعوا في هذا الخطأ، فمن أين اقتبسوا هذا المثل؟
لنقرأ النص التالي:
- فرؤى رأسي على فراشي هي أني كنت أرى فإذا بشجرة في وسط الأرض وطولها عظيم،
فكبرت الشجرة وقويت فبلغ علوّها الى السماء ومنظرها الى أقصى كل الارض،
وأوراقها جميلة وثمرها كثير وفيها طعام للجميع وتحتها استظل حيوان البر وفي أغصانها سكنت طيور السماء وطَعِمَ منها كل البشر. (دانيال 4: 10-12)
هذا النص يتحدث عن حلم لنبوخذ نصّر وفيه انه رأى شجرة في وسط الارض وطولها عظيم فكبرت تلك الشجرة وقويت حتى بلغ علوها الى السماء وغطت أغصانها وأوراقها كل الارض، وتحتها استظل حيوان البر وفي أغصانها سكنت طيور السماء وأكل منها كل البشر، ولا مجال لمناقشة هذا الحلم أو غيره من الأحلام بناء على الواقع المادي والعلمي، لان أي إنسان يستطيع أن يحلم كما شاءت له نفسه ولا يستطيع أحد أن يكذبه في حلمه، لان الأحلام خارج الواقع المادي والعلمي، ولكن بالرجوع الى ما كتبه متّى ومرقس ولوقا في أناجيلهم نجد أن الأمر مختلف فهم اقتبسوا أصل الحلم الذي تحدث عن شجرة عظيمة دون أن يسمي نوع تلك الشجرة وأسقطوها على نبتة الخردل وبذرتها في واقع الحياة، وهذا ما أوقعهم في الخطأ، فهنا نجد أن المناقشة العلمية واجبة، ولو تحدثوا عن حلم رآه يسوع أو إحدى شخصيات الاناجيل وقال فيه انه رأى بذرة الخردل تنمو وتكبر حتى أصبحت شجرة عظيمة تأوي إليها طيور السماء لما تجرأ احد على مناقشة القصة لأنه حلم، ولكن عندما تكلموا عن نبتة الخردل وكيف تحولت الى شجرة عظيمة في الواقع المادي فهذا بحاجة الى إثبات علمي.
كما أنه يوجد نص آخر في العهد القديم تحدث عن قصة شبيهة بمَثل حبة الخردل وهو كما يلي:
- هكذا قال السيد الرب وآخذ أنا من فرع الأرز العالي وأغرسه وأقطف من رأس خراعيبه غصناً وأغرسه على جبل عال شامخ، في جبل إسرائيل العالي أغرسه فيُنبت أغصاناً ويحمل ثمراً ويكون أرزاً واسعاً فيسكن تحته كل طائر كل ذي جناح يسكن في ظل أغصانه،
فتعلم جميع أشجار الحقل أني أنا الرب وضعت الشجرة الرفيعة ورفعت الشجرة الوضيعة،
ويبّست الشجرة الخضراء،
وأفرخت الشجرة اليابسة، أنا الرب تكلمت وفعلت. (حزقيال 17: 22-24)
في هذا النص نقرأ حديثاً عن شجرة الأرز، وهي من فصيلة الأشجار الصنوبرية، وهي أشجار تكبر بشكل عظيم، وهي بالفعل تكون مأوى لجميع أصناف الطيور، لهذا ختم حزقيال نصه بالقول أن الرب هو الذي تكلم وفعل، فكلام الرب حق وقدرته عظيمة، أما ما نقرأه في الاناجيل على لسان يسوع فهو يتناقض مع نبات الخردل، ولو كان يسوع يحمل الصفات التي تقولها عنه الكنائس من أنه إله وابن إله لوجب على نبات الخردل أن يصير كما قال شجرة تأوي إليها طيور السماء، فعدم تحول نبات الخردل الى شجرة دليل على أنه لا علاقة له بالرب خالق السموات والأرض الإله الحق الذي إذا تكلم فعل، وهي دليل على هذا المثل ليس وحياً وينطبق عليه قانون لا تقبل خبراً كاذباً.
مصدر مثل الوليمة
ليست جميع أمثال يسوع كالمثل السابق تتناقض مع الطبيعة فهناك عدد من الأمثال تحمل معان جيدة وإن كانت عند البحث والتدقيق في العهد القديم نجد أن أُصولها مكتوبة فيه، ولأنها لا تحمل أخطاء وتناقضات مهمة سأكتفي بذكر مثل الوليمة، وهو كما يلي:
- وقال للمدعوين مثلاً وهو يُلاحظ كيف اختاروا المتكآت الأُولى قائلاً لهم،
متى دُعيتَ من أحد الى عرس فلا تتكئ في المُتكأ الاول، لعل أكرم منك يكون قد دُعي منه،
فيأتي الذي دعاك وإيّاه ويقول لك أعط مكاناً لهذا، فحينئذ تبتدئ بخجل تأخذ الموضع الأخير،
بل متى دُعيت فاذهب واتكئ في الموضع الأخير حتى إذا جاء الذي دعاك يقول لك يا صديق ارتفع الى فوق، حينئذ يكون لك مجد أمام المتكئين معك،
لأن كل من يرفع نفسه يتضع ومن يضع نفسه يرتفع. (لوقا 14: 7-11)
كما نقرأ فإن لوقا كتب على لسان يسوع دعوته الناس لعدم الجلوس في الأماكن الأُولى كي لا يتم الطلب منهم فيما بعد الجلوس في أماكن أُخرى مما يسبب الحرج لهم، وهذا الكلام يكاد يكون نفس ما كتب في النص التالي:
- لا تتفاخر أمام الملك ولا تقف في مكان العظماء، لأنه خير أن يُقال لك ارتفع إلى هنا من أن تحط في حضرة الرئيس الذي رأته عيناك. (أمثال 25: 6-7)
فهذا النص يثبت أن معظم ما كتب في الأناجيل سواء النصوص المليئة بالأخطاء والتناقضات أو النصوص التي تتضمن معان جيدة مقتبس من العهد القديم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق