الجمعة، 27 يوليو 2018

مصدر قصة خيانة يهوذا الاسخريوطي ليسوع بثلاثين من الفضة ونهايته

الفصل الثالث: مصادر الأناجيل وطريقة تأليفها وكتابتها

القسم الرابعالنصوص المنسوبة مباشرة للعهد القديم
في هذا القسم سنطلع على النصوص المنسوبة للعهد القديم مباشرة وقول كتبة الأناجيل أنها لم تتم وتكتمل وتحدث إلا في يسوع وزمنه وجيله، لنرى حقيقتها ومدى صدق ما قاله الكتبة عنها.
ملاحظة: هذه التدوينة تتضمن طريقة إعلان يسوع عن خيانة يهوذا له وبعد ذلك سيتم الحديث عن خيانة يهوذا الاسخريوطي ونهايته في الأناجيل وفي أعمال الرسل.
19 - مصدر قصة كيفية إعلان يسوع تسليم يهوذا الاسخريوطي له
وفيما هم يأكلون قال الحق أقول لكم إن واحداً منكم يسلّمني،
فحزنوا جداً، وابتدأ كل واحد منهم يقول له هل أنا هو يا رب،
فأجاب وقال الذي يغمس يده معي في الصحفة هو يُسلمني،
إن ابن الانسان ماض كما هو مكتوب عنه،
ولكن ويل لذلك الرجل الذي به يُسلّم ابن الانسان، كان خيراً لذلك الرجل لو لم يُولد،
فأجاب يهوذا مسلّمه وقال هل أنا هو يا سيدي،
قال له أنت قلت. (متّى 26: 21-25)
- ولما كان المساء جاء مع الاثني عشر، وفيما هم متكئون يأكلون قال يسوع الحق أقول لكم إن واحداً منكم يُسلمني، الآكل معي،
فابتدأوا يحزنون ويقولون له واحداً فواحداً هل أنا، وآخر هل أنا،
فأجاب وقال لهم هو واحد من الاثني عشر الذي يغمس معي في الصحفة،
إن ابن الإنسان ماض كما هو مكتوب عنه، ولكن ويل لذلك الرجل الذي به يُسلم ابن الانسان كان خيراً لذلك الرجل لو لم يُولد. (مرقس 14: 17-21)
- ولكن هو ذا يد الذي يُسلمني هي معي على المائدة،
وابن الانسان ماض كما هو محتوم، ولكن ويل لذلك الانسان الذي يُسلمه،
فابتدأوا يتساءلون فيما بينهم من ترى منهم هو المُزمع أن يفعل هذا. (لوقا 22: 21-23)
- الحق الحق أقول لكم إنه ليس عبد أعظم من سيده ولا رسول أعظم من مرسله، إن علمتم هذا فطوباكم إن عملتموه، لست أقول عن جميعكم أنا أعلم الذين اخترتهم،
لكن ليتم الكتاب، الذي يأكل معي الخبز رفع عليّ عَقِبَهُ،
أقول لكم الآن قبل أن يكون حتى متى كان تؤمنون أني أنا هو،
الحق الحق أقول لكم الذي يقبل من أُرسله يقبلني، والذي يقبلني يقبل الذي أرسلني،
لما قال يسوع هذا اضطرب بالروح وشهد وقال الحق الحق أقول لكم ان واحداً من سيُسلمني،
فكان التلاميذ ينظرون بعضهم الى بعض وهم محتارون في من قال عنه،
وكان متكئاً في حضن يسوع واحد من تلاميذه كان يسوع يحبه،
فأومأ إليه سمعان بطرس أن يسأل من عسى أن يكون الذي قال عنه،
فاتكأ ذاك على صدر يسوع وقال له يا سيد من هو،
أجاب يسوع هو ذاك الذي أغمس أنا اللقمة وأُعطيه،
فغمس اللقمة وأعطاها ليهوذا الاسخريوطي،
فبعد اللقمة دخله الشيطان،
فقال له يسوع ما أنت تعمله فاعمله بأكثر سرعة،
وأما هذا فلم يفهم أحد من المتكئين لماذا كلمه به،
لأن قوماً إذ كان الصندوق مع يهوذا ظنوا أن يسوع قال له اشتر ما نحتاج إليه للعيد، أو أن يُعطي شيئاً للفقراء،
فذاك لما أخذ اللقمة خرج للوقت، وكان ليلاً. (يوحنا 13: 16-30)
هذه النصوص تتحدث عن إعلان يسوع عن خيانة يهوذا الاسخريوطي وتسليمه لليهود، ونلاحظ فيها عدة اختلافات.
الاختلاف الأول وهو الطريقة التي أعلن فيها يسوع عن شخصية الذي سيسلمه، فمتّى كتب: فأجاب وقال الذي يغمس يده معي في الصحفة هو يسلمني، ومرقس كتب الآكل معي، الذي يغمس معي في الصحفة، ولوقا كتب ولكن هو ذا يد الذي يسلمني هي معي على المائدة، وأما يوحنا فكتب قصة مختلفة عنهم الثلاثة بكل تفاصيلها كما هو ظاهر في نصه، فهذه الطريقة والاختلاف في تفاصيلها تثير الشكوك في صحة النصوص كلها، إذ ما الذي منع يسوع من الإعلان عن يهوذا بالاسم لو كان ما كتبوه صحيحا، وكذلك الحال بالنسبة لكلامه عن يهوذا فهو يقول الذي يغمس يده في الصحفة والآكل معي ويد الذي يسلمني معي على المائدة، ويتبادر الى ذهن الإنسان انه كان يوجد آلاف الناس يأكلون معه حتى أنه لا يستطيع أن يشير إليه مباشرة أو أن يذكر اسمه، مع أن الأناجيل كتبت انه لم يكن معه سوى تلاميذه الاثني عشر وجميعهم كانوا يأكلون معه على المائدة ويغمسون أيديهم في الصحفة، فلماذا لم يقل لهم ان يهوذا سيسلمه لو كانت القصة صحيحة؟!
وأما يوحنا فكتب قصة أُخرى لا علاقة لها بما كتبه الثلاثة وهذا يدل على أن ما كتبوه لم يكن بسوق من الروح المقدس وإلا لما اختلفوا بهذه الطريقة.
الاختلاف الثاني بينهم وهو في سبب تسليم يهوذا ليسوع، فمتّى يقول ان ابن الانسان ماض كما هو مكتوب عنه، ومرقس كتب إن ابن الانسان ماض كما هو مكتوب عنه، ولوقا كتب وابن الانسان ماض كما هو محتوم، وأما يوحنا فبين السبب وذلك بقوله لكن ليتم الكتاب، الذي يأكل معي الخبز رفع عليّ عَقِبَهُ، من هذه الاقوال نلاحظ ان متّى ومرقس اتفقا على القول ان ابن الإنسان ماض كما هو مكتوب عنه، وأنا أتساءل ما هو المكتوب عن ابن الإنسان هذا، ولا يوجد نص يتكلم عنه سوى ما كتبه دانيال في كتابه وهو كما يلي:
- كنتُ أرى في رؤى الليل وإذا مع سحب السماء مثل ابن إنسان،
أتى وجاء إلى القديم الأيام فقرّبوه قدّامه،
فأُعطي سلطاناً ومجداً ومملكة لتتعبد له كل الشعوب والأُمم والألسنة، سلطانه سلطانٌ أبديّ ما لن يزول، ومملكته ما لا تنقرض. (دانيال 7: 13-14)
فأين يوجد في هذا النص حديث عن تسليم يهوذا ليسوع ومن ثم جلده وضربه والاستهزاء به وأخيراً صلبه؟! لهذا كتب لوقا كما هو محتوم وليس كما هو مكتوب لأنه لا يوجد نص يتحدث عن ابن الإنسان هذا سوى هذا النص، مع أنه توجد عدة نصوص تتحدث عن ابن الإنسان في العهد القديم ولكنها لا تقصد الشخص المذكور في نص دانيال، وأما يوحنا فحدد سبب تسليم يهوذا بقوله لكي يتم الكتاب، وفي فيما يلي سنقرأ ما هو مكتوب في الكتاب الذي تحدث عن الذي أكل الخبز ورفع عقبه لنرى ان كان قد تم في زمن يسوع وذلك بتسليم يهوذا له أم لا. وهو مذكور في المزمور الحادي والأربعين وهو كما يلي:
طوبى للذي ينظر إلى المسكين،
في يوم الشر يُنجيه الرب، الرب يحفظه ويُحييه،
يغتبط في الأرض ولا يُسلمه إلى مرام أعدائه،
الرب يعضده وهو على فراش الضعف،
مهّدت مضجعه كله في مرضه.
يبدأ المزمور بالدعاء بالطوبى للذي ينظر إلى المسكين، وهذا المسكين بمفهوم يوحنا والكنائس هو يسوع لأنه اقتبس تلك الفقرة من هذا المزمور، وهو مفهوم غير صحيح، لأن نهاية يسوع كما كتبتها الاناجيل تتناقض مع نهاية هذا المسكين، لأنه لو كان المزمور يتحدث عن يسوع لكان الرب قد حفظه وأنجاه في يوم الشر من الموت كما تقول الفقرات السابقة ولم يُصلب كما تقول الأناجيل.
- أنا قلتُ يا رب ارحمني،
اشف نفسي لأني قد أخطأت إليك.
في هذه الفقرة نقرأ أن ذلك المسكين يطلب الرحمة من الرب كما انه يطلب شفاء نفسه لأنه أخطأ في حق الرب، وهذه الفقرة كانت كافية ليوحنا كي يعلم أن النصّ لا يتحدث عن يسوع، أحد الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد، لو كان حقاً يؤمن بيسوع كما تصفه قوانين إيمان الكنائس وكما وصفه هو في إنجيله!
فما هو الخطأ الذي ارتكبه يسوع في حق الرب حتى مرضت نفسه مما اضطره أن يطلب الرحمة والشفاء لنفسه مما أصابها؟
كما أن هذه الفقرة تنقض قوانين إيمان الكنائس المختلفة التي تقول ان الأقانيم الثلاثة متساوون في القدرة والصفات والجوهر، إذ نقرأ فيها أن هذا المسكين، الذي يعتبره يوحنا أنه يسوع، يطلب من الرب الرحمة والشفاء لأنه أخطأ، وهذا يدل على عدم المساواة، إلا إذا قلنا ان هذه الأقانيم الثلاثة الحالة والمتحدة في جسد يسوع لا علاقة لها بالرب خالق السموات والأرض وأنها ترتكب الأخطاء مما يستدعي طلبها الرحمة والشفاء من الرب.
- أعدائي يتقاولون عليّ بشرّ متى يموت ويبيد اسمه،
وإن دخل ليراني يتكلم بالكذب قلبه يجمع لنفسه إثماً يخرج في الخارج يتكلم،
كل مُبغضي يتناجون معاً عليّ، عليّ تفكروا بأذيتي،
يقولون أمر رديء قد انسكب عليه، حيث اضطجع لا يعود يقوم.
هذه الفقرات تتحدث عن أمور عامة وليس فيها أدنى إشارة إلى عملية تسليم يهوذا ليسوع أو الى صلب يسوع أو إلى أن يسوع أحد الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد.
فداوُد الذي هو صاحب هذا المزمور أمضى كثيراً من أيام حياته وهو يحارب أعداءه، ومرّ بضيقات كثيرة ونجّاه الرب منها وكان أعداءه يتمنون هلاكه ويتقاولون عليه بشرّ ويتمنون هلاك اسمه ويتناجون عليه ويقولون حيث اضطجع لا يعود يقوم.
فهذا النص منطبق على داوُد بشكل كامل، إذ أن الرب أنجاه من كل ضيقاته وعضده حتى انتصر على جميع أعداءه، وأما إذا قلنا إن هذا النصّ يتحدث عن يسوع فكما رأينا سابقاً كم هو التناقض بين يسوع ومضمون النص.
- أيضاً رجل سلامتي الذي وثقت به آكل خبزي رفع عليّ عقبه.
نص يوحنا من نسخة الملك جيمس:
13:18 I speak not of you all: I know whom I have chosen: but that the scripture may be fulfilled, He that eateth bread with me hath lifted up his heel against me.
نص المزمور من نسخة الملك جيمس:
41:9 Yea, mine own familiar friend, in whom I trusted, which did eat of my bread, hath lifted up [his] heel against me.
نص المزمور من النسخة العبرانية:
41:10 Yea, mine own familiar friend, in whom I trusted, who did eat of my bread, {N} hath lifted up his heel against me.
نص المزمور من النسخة السبعينية:
41:9 For even the man of my peace, in whom I trusted, who ate my bread, lifted up his heel against me.
هذه هي الفقرة التي اقتبسها يوحنا ونلاحظ أن يوحنا قام بالتلاعب في النص الأصلي وتحريفه فهو يقول لكن ليتم الكتاب، الذي يأكل معي الخبز رفع عليّ عَقِبَهُ، في حين أن نص المزمور في جميع النسخ يقول الذي أكل خبزي وهذا التغيير والتحريف في النص قام به يوحنا ليخدم قصته والتي خالف فيها الأناجيل الأُخرى، وكما قلت سابقاً فإن كتبة الاناجيل كانوا يكتبون أناجيلهم استناداً لبعض نصوص العهد القديم لإضفاء حالة من المصداقية والقداسة عليها بغض النظر عن تناقضها معه، أو تناقضها مع بعضها البعض، أو تناقضها مع قوانين إيمان الكنائس.
- أما أنت يا رب فارحمني وأقمني فأُجازيهم،
بهذا علمت أنك سُررت بي أنه لم يهتف عليّ عدوّي،
أما أنا فبكمالي دعمتني وأقمتني قدّامك الى الأبد.
هذه الفقرات هي استمرار لتضرع ذلك المسكين، الذي قال يوحنا انه يسوع، فهذه التضرعات من ذلك المسكين تهدم على الكنائس قوانين إيمانها، إذ كيف يتضرع يسوع، الأُقنوم الثاني من الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر والمتساوون في الصفات والقدرات، إلا إذا قلنا إن هذه الأقانيم الثلاثة المتحدة والحالّة في جسد يسوع لا علاقة لها بالرب خالق السموات والأرض إلا علاقة العبودية والخضوع، لهذا فهي تتضرع للرب وترجو رحمته!
وأما قوله لم يهتف عليّ عدوي، فمما لا شكّ فيه انه لا يقصد يسوع، لأن أعداء يسوع لم يكتفوا بالهتاف عليه بل جلدوه ولطموه وضربوه وبصقوا عليه وفي نهاية الأمر صلبوه.
فإذا كان كل هذا قد حدث فعلاً مع يسوع، فهل لنا أن نقول ان الرب لم يكن مسروراً به لأنه لو كان مسروراً به لمنع هتاف الأعداء عليه؟
- مبارك الرب إله اسرائيل من الأزل والى الأبد. (مزمور 41: 1-13)
مبارك الرب إله اسرائيل من الأزل والى الأبد خالق السموات والأرض الذي لا تسعه السموات ولا سماء السموات، الذي لا يسكن على الارض ولا يقدر عليه الإنسان، وليس هو الذي سكن على الارض وفي بطن امرأة تسعة أشهر وقدر عليه شرذمة من الناس، وهذا كله يؤكد أن قانون لا تقبل خبراً كاذباً ينطبق على هذه القصة.
20 - مصدر قصة خيانة يهوذا الاسخريوطي ليسوع وتسليمه له بثلاثين من الفضة ونهايته
- حينئذ لمّا رأى يهوذا الذي أسلمه أنه قد دِينَ ندم وردّ الثلاثين من الفضة الى رؤساء الكهنة والشيوخ، قائلا قد أخطأت إذ سلّمتُ دماً بريئاً،
فقالوا ماذا علينا، أنت أبصر،
فطرح الفضة في الهيكل وانصرف، ثم مضى وخنق نفسه،
فأخذ رؤساء الكهنة الفضة وقالوا لا يحلّ أن نلقيها في الخزانة لأنها ثمن دم، فتشاوروا واشتروا بها حقل الفخاريّ مقبرة للغرباء،
لهذا سُمّي ذلك الحقل حقل الدم إلى هذا اليوم،
حينئذ تمّ ما قيل بإرميا النبي القائل وأخذوا الثلاثين من الفضة ثمن المثمن الذي ثمنوه من بني إسرائيل وأعطوها عن حقل الفخاري كما أمرني الرب. (متّى 27: 3-10)
هذا النص يمكن اعتباره نموذجاً لطريقة تعامل كتبة الاناجيل مع نصوص العهد القديم والسبب الحقيقي لكل الأخطاء والتناقضات الموجودة في الاناجيل، فمتّى نسب النص المقتبس لسِفر إرميا في حين أن النص موجود في سِفر زكريا! وهذا خطأ لا يمكن قبوله من الناحيتين اللاهوتية والعلمية، لأنه من الناحية اللاهوتية لا يمكن للوحي أو كلمة الرب أو الروح المقدس أن يخطئ هذا الخطأ الفاحش، ومن الناحية العلمية لا يمكن قبوله لأن الأمر لا يحتاج إلا لقليل من المعرفة بالعهد القديم ونقله بشكل دقيق، كما أنه أخطأ في القول أن النص يتحدث عن يهوذا وعن شراء اليهود للحقل بثلاثين من الفضة كما سيظهر بعد قليل، بالإضافة الى أن كتبة الاناجيل لم يوافقوه على قوله أن يهوذا قام بتسليم يسوع بثلاثين من الفضة، وأخيراً فهو خالف لوقا في الحديث عن نهاية يهوذا الذي استشهد على قصته بنص آخر من العهد القديم والذي لم يوفق فيه أيضاً بالقول ان ذلك النص يتحدث عن يهوذا!
أما قوله إن يهوذا قام بتسليم يسوع بثلاثين من الفضة فهذا الأمر لم يوافقه عليه أحد من كتبة الاناجيل الثلاثة كما في النصوص التالية:
- ثم إن يهوذا الاسخريوطي واحد من ألاثني عشر مضى إلى رؤساء الكهنة ليسلمه إليهم، ولما سمعوا فرحوا ووعدوه ان يعطوه فضة وكان يطلب كيف يُسلمه في فرصة موافقة. (مرقس 14: 10-11)
- وقرب عيد الفطير الذي يُقال له الفصح، وكان رؤساء الكهنة والكتبة يطلبون كيف يقتلونه لأنهم خافوا الشعب،
فدخل الشيطان في يهوذا الذي يُدعى الاسخريوطي وهو من جملة الاثني عشر، فمضى وتكلم مع رؤساء الكهنة وقوّاد الجند كيف يسلمه إليهم، ففرحوا وعاهدوه أن يُعطوه فضة. (لوقا 22: 1-5)
- فحين كان العشاء وقد ألقى الشيطان في قلب يهوذا الاسخريوطي أن يُسلمه. (يوحنا 13: 2)
فكما نقرأ فإن مرقس ولوقا تحدثا عن تسليم يهوذا ليسوع بفضة دون تحديد عدد لها، ولعلهما لم يحددا العدد نتيجة لكتابتهما القصة بناء على نص آخر في العهد القديم وهو كما يلي:
هكذا قال الرب من أجل ذنوب اسرائيل الثلاثة والاربعة لا أرجع عنه،
لأنهم باعوا البارّ بالفضة،
والبائس لأجل نعلين. (عاموس 2: 6)
فهذا النص يتحدث عن بيع البار، وعادة ما تقول الكنائس أن البار المذكور في العهد القديم هو يسوع، بفضة دون تحديد عدد لها، وأظن أن ما جعلهما يتجاهلان نسبة قصتهما للعهد القديم هو أنهما وجدا صعوبة في كتابة قصة أُخرى تتحدث عن بيع البائس المذكور في النص لأجل نعلين!
وأما يوحنا فلم يأت على ذكر الفضة سواء الثلاثين أو مطلق الفضة دون عدد، وكيف يكتب عن تسليم يهوذا ليسوع بفضة أو بثلاثين من الفضة وهو الذي كتب عن إحدى النساء أنها سكبت على قدمي يسوع عطراً يتجاوز ثمنه ثلاث مائة دينار، مما يعني أن يهوذا، الذي وصفه يوحنا بأنه حافظ صندوق الأموال وأنه سارق، كان باستطاعته أن يسرق أكثر من هذا المبلغ الزهيد دون الحاجة لتسليم يسوع بثلاثين من الفضة أو بفضة دون عدد! كما في النص التالي:
- فأخذت مريم مناً من طيب ناردين خالص كثير الثمن ودهنت قدمي يسوع ومسحت قدميه بشعرها، فامتلأ البيت من رائحة الطيب،
فقال واحد من تلاميذه وهو يهوذا سمعان الاسخريوطي المُزمع أن يُسلمه لماذا لم يُبع هذا الطيب بثلاثمئة دينار ويُعط للفقراء،
قال هذا ليس لأنه كان يُبالي بالفقراء بل لأنه كان سارقاً وكان الصندوق عنده وكان يحمل ما يُلقى فيه. (يوحنا 12: 3-6)
وأما خطأ متّى في القول أن النص يتحدث عن يهوذا الاسخريوطي فهذا سنطلع عليه من خلال قراءة النص كاملاً من سِفر زكريا الإصحاح الحادي عشر، وهو كما يلي:
هكذا قال الرب إلهي ارع غنم الذبح،
الذين يذبحهم مالكوهم ولا يأثمون وبائعوهم يقولون مبارك الرب قد استغنيت،
ورعاتهم لا يشفقون عليهم،
لأني لا أُشفق بعد على سكان الارض يقول الرب بل هاأنذا مسلّم الانسان كل رجل ليد قريبه وليد ملكه فيضربون الارض ولا أُنقذ من يدهم.
في هذه الفقرات يقول كاتب النص أن الرب طلب من انسان أن يرعى غنم الذبح، الذين يذبحهم مالِكوهم ولا يأثمون، ورعاتهم لا يشفقون عليهم، ثم يقول الرب إنه لن يُشفق على سكان الارض بعد، وأنه سيُسلم كل انسان ليد قريبه ومَلِكه فيضربونهم وأنه لن ينقذهم من أيديهم، ثم يتابع قائل تلك الفقرات كلامه فيقول:
- فرعيت غنم الذبح، لكنهم أذل الغنم،
وأخذت لنفسي عَصَوَين فسمّيتُ الواحدة نعمة وسمّيتُ الأُخرى حِبَالا ورعيت الغنم.
وهذا يعني أن قائل هذا النص هو راعي غنم الذبح، ويصفها بأنها أذل الغنم، ولكنه يقوم برعايتها ويتخذ له عصوين إحداهما سماها نعمة والأُخرى سماها حبالاً، وهذا الأمر لا ينطبق على يهوذا الذي قال متّى ان هذا النص تم عندما أخذ اليهود الثلاثين من الفضة منه واشتروا به حقل الفخاري، وكذلك لا ينطبق على يسوع الذي يصفه كتبة الأناجيل بأنه راعي، لأنه لم يكن لهما عصوان واحدة اسمها نعمة والأُخرى حبالا، ثم يكمل ذلك المتحدث كلامه فيقول:
- وأبَدْتُ الرعاة الثلاثة في شهر واحد،
وضاقت نفسي بهم وكرهتني أيضا نفسهم،
فقلت لا أرعاكم من يمت فليمت ومن يُبد فليُبد،
والبقية فليأكل بعضها لحم بعض،
هذه الفقرات تتحدث عن إبادة ذلك المتكلم لثلاثة رعاة في شهر واحد، وأنه ضاقت نفسه من أذل الغنم وأنها كرهته، فقال لها أنه لن يرعاها وأن من مات منها فلن يتأثر لأجله، ثم قال إنه لن يتأثر حتى لو أكل بعضهم لحم بعض، وهذه الفقرات لا تشير من قريب ولا من بعيد لا الى يسوع ولا الى يهوذا! لأن الاناجيل لم تذكر أي قصة عن ذبح يسوع أو يهوذا لثلاثة من الرعاة، سواء كان المقصود بالرعاة الملوك أو رعاة الغنم، ثم يقول كاتب النص:
- فأخذت عصاي نعمة وقصفتها لأنقض عهدي الذي قطعته مع كل الأسباط،
فنقض في ذلك اليوم.
في هذه الفقرات نقرأ ان ذلك الراعي قصف عصاه نعمة لينقض العهد مع الأسباط في ذلك اليوم! وهي بالتأكيد لا تشير الى يهوذا أو يسوع لأن الأناجيل لم تقل أن أيّاً منهما كانت له عصى اسمها نعمة وأنه قصفها لينقض العهد مع كل الأسباط.
- وهكذا علم أذل الغنم المنتظرون لي إنها كلمة الرب،
فقلت لهم إن حسن في أعينكم فأعطوني أُجرتي وإلا فامتنعوا،
فوزنوا أُجرتي ثلاثين من الفضة،
فقال لي الرب ألقها إلى الفخاري الثمن الكريم الذي ثمنوني به،
فأخذت الثلاثين من الفضة وألقيتها إلى الفخاري في بيت الرب.
نص متّى من نسخة الملك جيمس:
27:9 Then was fulfilled that which was spoken by Jeremy the prophet, saying, And they took the thirty pieces of silver, the price of him that was valued, whom they of the children of Israel did value;
نص زكريا من نسخة الملك جيمس:
11:12 And I said unto them, If ye think good, give [me] my price; and if not, forbear. So they weighed for my price thirty [pieces] of silver.
11:13 And the LORD said unto me, Cast it unto the potter: a goodly price that I was prised at of them. And I took the thirty [pieces] of silver, and cast them to the potter in the house of the LORD.
نص زكريا من النسخة العبرانية:
11:12 And I said unto them: 'If ye think good, give me my hire; and if not, forbear.' So they weighed for my hire thirty pieces of silver.
11:13 And the LORD said unto me: 'Cast it into the treasury, the goodly price that I was prized at of them.' And I took the thirty pieces of silver, and cast them into the treasury, in the house of the LORD.
هذه هي الفقرات التي استشهد بها متّى في قصة الثلاثين من الفضة، وهو كما هي عادته، قام بتغيير ألفاظها ومعانيها كما نقرأ في النسخ المختلفة، لأن هذه الفقرات تقول ان الثلاثين من الفضة هي أُجرة الراعي مقابل نقضه للعهد مع الأسباط، ولا يوجد فيها أدنى اشارة لعملية خيانة يهوذا، كما أنها لا تتحدث عن شراء حقل الفخاري، كما كتب متّى بل عن إلقاء الفضة الى الفخاري في بيت الرب، فهذه الفقرات لا تبين أنها لا تتحدث عن يهوذا فقط، بل وتظهر تلاعب متّى بها وتغييره للكلمات والمعاني لكي يخدم ما يريد توصيله من قصته، ولو كان الأمر غير هذا أو لو كان يكتب بسوق من الروح المقدس لعلم أن هذه الفقرات في زكريا وليست في إرميا كما كتب!
ثم يتابع المتحدث كلامه فيقول:
- ثم قصفت عصاي الأُخرى حبالا لأنقض الإخاء بين يهوذا وإسرائيل.
وهذه الفقرة تزيد الأمر وضوحاً، إذ أنها تقول أن ذلك الشخص قام بقصف العصا الأخرى والتي سماها حبالا لينقض الإخاء بين يهوذا واسرائيل، وزكريا في هذه الفقرة يقصد بها سبط يهوذا أو دولة يهوذا وليس التلميذ المسمى يهوذا الاسخريوطي، ومتّى يقول ان يهوذا الاسخريوطي بعد ان ألقى الفضة ذهب وخنق نفسه، فأين عصاه حبال التي قصف بها لينقض الإخاء بين دولة يهوذا ودولة اسرائيل؟!
ثم نقرأ الفقرة التالية:
- فقال لي الرب خذ لنفسك بعد أدوات راع أحمق.
وهذه الفقرة تؤكد أن النص لا يتحدث عن يهوذا ولا عن زمن يسوع لأنها تشير الى أن ذلك المتكلم الذي وزنوا له أُجرته ثلاثين من الفضة يتلقى الوحي من الرب، وأن الرب طلب منه أن يتخذ لنفسه أدوات راع أحمق وأنه سيبقى حياً الى زمن تولي راع آخر صفاته مذكورة في الفقرات التالية، وهو ما تجاهله متّى، فهو كتب أن يهوذا خنق نفسه مباشرة بعد تسليمه ليسوع كما أنه لا يقول ان يهوذا تلقى الوحي من الرب وهو يقوم بخيانة يسوع.
ثم يختم المتكلم حديثه بذكر صفات الراعي الجديد فيقول:
- لأني هاأنذا مُقيم راعياً في الأرض لا يفتقد المنقطعين ولا يطلب المنساق ولا يجبر المنكسر ولا يُربي القائم،
ولكن يأكل لحم السّمان وينزع أظلافها،
ويل للراعي الباطل التارك الغنم،
السيف على ذراعه وعلى عينه اليمنى،
ذراعه تيبس يبساً وعينه اليمنى تكلّ كلولاً. (زكريا 11: 4-17)
وبداية النص ووسطه ونهايته تؤكد أن متّى كتب قصته بعيداً عن الوحي وعن الروح المقدس لا بل وحتى عن المصداقية العلمية في نقل النصوص.
وأما مخالفة متّى للوقا في كتابة قصة نهاية يهوذا الاسخريوطي فهذا نقرأه في كتاب أعمال الرسل وهو كما يلي:
- وفي تلك الأيام قام بطرس في وسط التلاميذ وكان عدة أسماء معاً نحو مئة وعشرين فقال، أيها الرجال الإخوة كان ينبغي أن يتم هذا المكتوب الذي سبق الروح المقدس فقال بفم داوُد عن يهوذا الذي صار دليلاً للذين قبضوا على يسوع،
إذ كان معدوداً بيننا وصار له نصيب في هذه الخدمة،
فإن هذا اقتنى حقلاً من أجرة الظلم وإذ سقط على وجهه انشق من الوسط فانسكبت أحشاؤه كلها،
وصار ذلك معلوماً عند جميع سكان أُورشليم حتى دُعي ذلك الحقل في لغتهم حقل دما، أي حقل دم،
لأنه مكتوب في سِفر المزامير لتصر داره خراباً ولا يكن فيها ساكن وليأخذ وظيفته آخر. (أعمال الرسل 1: 15-20)
في هذا النص يكتب لوقا قصة لنهاية يهوذا الاسخريوطي تخالف ما كتبه متّى في النص السابق، فهو يقول ان يهوذا هو من اشترى الحقل وليس رؤساء الكهنة وأن نهايته كانت نتيجة لسقوطه في ذلك الحقل على وجهه وانشقاق وسطه وانسكاب أحشائه كلها!
وللتدليل على صدقه أشهد على ذلك جميع سكان أُورشليم، ومن ثم استشهد بما هو مكتوب في المزامير، فهذا التناقض بين متّى ولوقا يمكن إرجاعه لاختلاف المصادر التي اعتمد عليها كل منهما في كتابته لقصته بعيداً عن الروح المقدس وكذلك بعيداً عن سكان أُورشليم كلهم!
فمتّى كما قرأنا سابقاً أخطأ في نسبته للكتاب الموجود فيه فقال انه في إرميا مع أنه مذكور في زكريا، وأما لوقا فقد نسب النص الذي اعتمد عليه الى المزامير فهل كان موفقاً في هذه النسبة وهل كان النص الذي استشهد به يتحدث عن يهوذا؟
21 - مصدر قصة نهاية يهوذا الاسخريوطي في كتاب أعمال الرسل
استشهد لوقا في قصته على صدق ما كتب عن نهاية يهوذا الاسخريوطي بقوله:
لأنه مكتوب في سِفر المزامير لتصِر داره خراباً ولا يكن فيها ساكن وليأخذ وظيفته آخر. (أعمال الرسل 1: 20)
في هذا النص ينسب لوقا للمزامير فقرة لتصِر داره خراباً ولا يكن فيها ساكن وليأخذ وظيفته آخر، وأول ما يتبادر الى الذهن أن هذه الفقرة مكتوبة في موضع واحد من أحد المزامير، ولكن الحقيقة أنها مجموعة من مزمورين مختلفين، وهذه طريقة جديدة في الاقتباس من العهد القديم!
فالانسان قد يصدق أن جملة ما، أو فقرة معينة، تتحدث أو تتنبأ عن موضوع ما، أما أن يتم تجميع فقرة من هنا وفقرة من هناك ثم يقال أنهما تتحدثان عن موضوع واحد فهذا بحاجة الى دليل واضح جداً لتصديق مثل هذا القول، ولا يوجد دليل أقوى من قراءة المواضع التي ذكرت فيها تلك الفقرات، وفي هذه الحالة فان لوقا أخذ فقرة من المزمور التاسع والستين وضمها الى فقرة من المزمور التاسع بعد المائة وقال لأنه مكتوب في المزامير، فما هو المكتوب في المزامير؟
كنت قد شرحت المزمورالتاسع والستين سابقاً وأظهرت هناك أنه لا يتحدث عن يسوع ولا عن زمانه فأغنى عن إعادته كاملاً، وسأكتفي بذكر الفقرات التي استشهد بها لوقا وهي كما يلي:
لتصر مائدتهم قدّامهم فخّاً وللآمنين شَرَكَاً،
لتُظلِم عيونهم عن البصر،
وقلقل متونهم دائماً،
صُبّ عليهم سخَطك وليدركهم حُمُوّ غضبك،
لتصر دارهم خراباً وفي خيامهم لا يكن ساكن،
لأن الذي ضربته أنت هم طردوه وبوجع الذين جرحتهم يتحدثون،
اجعل إثماً على إثمهم ولا يدخلون في بِرّك،
ليُمْحَوا من سِفر الأحياء ومع الصديقين لا يُكتبوا،
أما أنا فمسكين وكئيب، خلاصك يا إله فليرفعني. (مزمور 69: 22-29)
نص أعمال الرسل من نسخة الملك جيمس:
1:20 For it is written in the book of Psalms, Let his habitation be desolateand let no man dwell therein: and his bishoprick let another take.
نص المزامير من نسخة الملك جيمس:
69:24 Pour out thine indignation upon them, and let thy wrathful anger take hold of them.
69:25 Let their habitation be desolate; [and] let none dwell in their tents. 69:26 For they persecute [him] whom thou hast smitten; and they talk to the grief of those whom thou hast wounded.
نص المزامير من النسخة العبرانية:
69:24 Let their eyes be darkened, that they see not; and make their loins continually to totter.
69:25 Pour out Thine indignation upon them, and let the fierceness of Thine anger overtake them.
69:26 Let their encampment be desolate; let none dwell in their tents.
69:27 For they persecute him whom Thou hast smitten; and they tell of the pain of those whom Thou hast wounded.
نص المزامير من النسخة السبعينية:
69:24 Pour out thy wrath upon them, and let the fury of thine anger take hold on them.
69:25 Let their habitation be made desolate; and let there be no inhabitant in their tents:
69:26 Because they persecuted him whom thou hast smitten; and they have added to the grief of my wounds.
كما هو ظاهر من الفقرات في النسخ المختلفة فإنها لا تتحدث عن شخص واحد، بل عن مجموعة من الناس، وهذه الصيغة كان يجب على لوقا أن ينتبه لها لو أنه كان يكتب بأي طريقة ليس من طرق الوحي فحسب بل من طرق النزاهة العلمية، فالفرق واضح بين ما تتحدث عنه الفقرات وما كتبه لوقا وأشهد عليه سكان أُورشليم وخالف فيه متّى! فتغيير معنى الفقرات من الحديث عن مجموعة الى الحديث عن شخص واحد لا يدل على نزاهة علمية في نقل النصوص، فضلاً عن كتابته لأعمال الرسل بسوق من الروح المقدس، هذا بخصوص الجزء الأول من الفقرة المستشهد بها، فماذا عن الجزء الثاني؟
الجزء الثاني من الفقرة المستشهد بها مكتوب في المزمور التاسع بعد المائة وفيما يلي استعراض له.
يا إله تسبيحي لا تسكت،
لأنه قد انفتح عليّ فم الشرير وفم الغشّ،
تكلموا معي بلسان كذب.
يبدأ المتحدث في المزمور بدعوة إلهه الذي يسبحه إلى عدم السكوت، ومن المفترض أنه يسوع لأن لوقا اقتبس منه فقرة وليأخذ وظيفته آخر، مع أن هذا يتعارض مع قوانين إيمان الكنائس إذ أنها تقول ان يسوع أحد الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد، وهذا المتكلم يدعو إلهه! ولو وافقنا قوانين الكنائس على ما تقول من أن يسوع تجسد في هيئة بشرية فهي لن تستطيع التخلص من تناقض هذا النص مع قوانينها التي تقول أنهم، أي الأقانيم الثلاثة، متساوون في المكانة والقدرة والجوهر، فهنا المتكلم يدعو إلهه أن لا يسكت مما يدل على أن قدرة المدعو أكبر من قدرة الداعي فهما على أقل تقدير غير متساويين وهذا ليس بالأمر البسيط حتى تتجاهله قوانين إيمان الكنائس المختلفة!
- بكلام بغض أحاطوا بي وقاتلوني بلا سبب،
بدل محبتي يُخاصمونني،
أمّا أنا فصلاةٌ، وضعوا عليّ شرّاً بدل خير وبُغضاً بدل حبي.
في هذه الفقرات يقول المتحدث ان الناس أحاطوا به بكلام بغض وقاتلوه بلا سبب، ولم تذكر الأناجيل أن اليهود أو الرومان قاتلوا يسوع، وإن كتب يوحنا أن اليهود أحاطوا بيسوع، وأظن انه اقتبس الفكرة من هذه الفقرة، كما في النص التالي:
فاحتاط به اليهود وقالوا له الى متى تعلق أنفسنا،
إن كنت أنت المسيح فقل لنا جهراً. (يوحنا 10: 24)
والفرق كبير بين ما كتب يوحنا وما هو مكتوب في المزمور فيوحنا كتب أنهم أحاطوا بيسوع ليسألوه إن كان هو المسيح أم لا، والمزمور يتحدث عن إحاطة للمقاتلة، كما ان الأناجيل لم تكتب أن اليهود قاوموا يسوع بلا سبب، بل ذكرت السبب الذي من أجله قبضوا على يسوع وهو قوله عن نفسه أنه إله وابن إله، كما في النصوص التالية:
- فمن أجل هذا كان اليهود يطلبون أكثر أن يقتلوه، لأنه لم ينقض السبت فقط، بل قال أيضاً أن الإله أبوه معادلاً نفسه بالإله. (يوحنا 5: 18)
- أجابه اليهود قائلين لسنا نرجمك لأجل عمل حسن، بل لأجل تجديف، فإنك وأنت إنسان تجعل نفسك إلهاً. (يوحنا 10: 33)
- أجابه اليهود لنا ناموس وحسب ناموسنا يجب أن يموت لأنه جعل نفسه ابن الإله. (يوحنا 19: 7)
- فأقم أنت عليه شريراً وليقف شيطان عن يمينه،
إذا حُوكم فليخرج مذنباً، وصلاته فلتكن خطية،
لتكن أيامه قليلة،
ووظيفته ليأخذها آخر.
الفقرة الأخيرة هي التي دمجها لوقا مع الفقرة الموجودة في المزمور الآخر ليجد مبرراً لاختيار تلميذاً آخر بدلاً من يهوذا وأشهد على ذلك جميع سكان أُورشليم!
وكما نلاحظ فإن هذه الفقرات لا تنطبق على يهوذا بأي شكل من الأشكال، ولا أُريد القول أنها تنطبق على يسوع نفسه أكثر من يهوذا!
فيسوع حوكم وخرج مذنباً، وصلاته لم تقبل لا في الليلة التي سبقت الصلب عندما كان تلاميذه يغطون في نوم عميق، ولا وهو ينادي ويصرخ إلى إلهه فيقول إلهي إلهي لماذا تركتني، وكانت أيام يسوع قليلة، ولم يكمل رسالته، وأمّا وظيفته فقد أوكلها للمعزي!
ومع كل هذا التشابه بين هذه الفقرات ويسوع إلا أنني لا أقول أنها تنطبق عليه، ولكنها بالتأكيد لا تنطبق على يهوذا وخاصة أننا نقرأ الاختلاف بين ما كتبه لوقا وما كتبه متّى عن نهاية يهوذا.
وأظن أن لوقا لو كتب قصة عن محاكمة تمت ليهوذا بعد تسليمه ليسوع وأنه خرج منها مذنباً وقُتل نتيجة للمحاكمة وأشهد على ذلك جميع سكان أُورشليم لكان أقرب للتصديق، بدلاً من أن يكتب عن سقطة يهوذا التي سقطها على وجهه فانشق وسطه وانسكبت أحشاؤه كلها! وقام بدمج فقرتين من مزمورين مختلفين، مع أن ما كتبه يتناقض مع ما كتبه متّى الذي كتب إنجيله وهو مسوق بالروح المقدس أيضاً كما تقول الكنائس.
- ليكن بنوه أيتاماً وامرأته أرملة،
لِيَتُه بنوه تيهاناً ويستعطوا ويلتمسوا خبزاً من خِرَبهم،
ليصطد المرابي كل ماله ولينهب الغرباء تعبه،
لا يكن له باسط رحمة ولا يكن مُترأف على يتاماه،
لتنقرض ذريته، في الجيل القادم ليُمح اسمهم،
ليُذكر إثم آبائه لدى الرب ولا تمح خطية أُمه،
لتكن أمام الرب دائماً وليقرض من الأرض ذكرهم.
وأما هذه الفقرات فهي على غرابتها إلا أن الأناجيل وباقي رسائل العهد الجديد لم تذكر أي قصة عنها وخاصة أخذ المرابي لأموال يهوذا، أو نهب الغرباء تعبه!
وكذلك الفقرات الكثيرة المليئة بالدعوات واللعنات على ذلك الشخص فهي تتناقض مع ما كتبه لوقا في إنجيله عن يسوع وأنه غفر لليهود قائلاً:
- يا أبتاه اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون. (لوقا 23: 34)
- من أجل أنه لم يذكر أن يصنع رحمة بل طرد إنسانا مسكيناً وفقيراً والمنسحق القلب ليُميته.
في هذه الفقرة يقول الرجل المتكلم في المزمور أن ذلك الرجل الشرير الذي دعا عليه، بأن تلك الدعوات قالها لأنه لم يذكر أن يصنع رحمة بل طرد إنساناً مسكيناً وفقيراً ومنسحق القلب!
لماذا دعا الرجل المتكلم على ذلك الإنسان، هل ليسلم يسوع لليهود مقابل ثلاثين من الفضة؟
الجواب واضح وهو كلا، لم يلعن الرجل المتكلم ذلك الشرير من أجل تسليم يسوع، بل لأنه طرد إنساناً مسكيناً وفقيراً ومنسحق القلب.
فأين هذا مما تقوله الكنائس عن يهوذا من أنه قام بالإبلاغ عن مكان يسوع وتسهيل عملية إلقاء القبض عليه؟
إن كتبة الأناجيل والكنائس من كثرة ما يقولون أن المزامير تتحدث عن يسوع ينسون أن هذه المزامير هي في أكثرها لداوُد، والعهد القديم يذكر أن شاول قام بطرد داوُد وحاول قتله عدة مرات، فهذه الفقرات تنطبق على داوُد وشاول أكثر من يسوع ويهوذا، وهذه الفقرة تنطبق على داوُد بشكل خاص لما فيها من صفات تتناقض مع قوانين إيمان الكنائس المختلفة، لأنني لا أظن أن الكنائس تقول ان من صفات الأقانيم الثلاثة الحالة في جسد يسوع هي الفقر والذل وانسحاق القلب!
- وأحب اللعنة فأتته ولم يُسرّ بالبركة فتباعدت عنه،
ولبس اللعنة مثل ثوبه فدخلت كمياه في حشاه، وكزيت في عظامه،
لتكن له كثوب يتعطف به وكمنطقة يتنطق بها دائماً.
في هذه الفقرات يعود المتكلم إلى لعن ذلك الشرير وهو ما لم تكتبه الأناجيل عن لعن يسوع ليهوذا.
- هذه أُجرة مُبغضيّ من عند الرب وأُجرة المتكلمين شرّاً على نفسي،
أما أنت يا رب السيد فاصنع معي من أجل اسمك،
لأن رحمتك طيبة نجّني.
في هذه الفقرات يبدأ المتكلم بالحديث عن نفسه فنجده يقول إن رحمة ربه طيبة ويطلب منه أن يُنَجّيه، والأناجيل كتبت ان يسوع ظل طوال الليل يدعو ولم يُستجب له حتى صرخ وهو مُعلق على الخشبة إلهي إلهي لماذا تركتني.
- فإني فقير ومسكين أنا وقلبي مجروح في داخلي،
كظل عند ميله ذهبتُ،
انتفضت كجرادة،
وهذه الفقرات أتركها دون تعليق حتى يتأملها أتباع الكنائس الطيبين ويُقارنوها بما كتبته قوانين إيمانها عن يسوع، وخاصة وصف المتكلم نفسه أنه جرادة!
- رُكبتاي ارتعشتا من الصوم ولحمي هزل عن سمن،
وأنا صرت عاراً عندهم، ينظرون إليّ وينغضون رؤوسهم،
أعني يا رب إلهي،
خلصني حسب رحمتك.
وهذه الفقرات كسابقاتها ولكن هنا لا بد من طرح سؤال وهو لماذا لم يُعن إله يسوع وهو يصرخ إلهي إلهي لماذا تركتني؟
هذا إذا كان يسوع إنساناً، فكيف إذا كان هو الأقنوم الثاني من الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر كما تقول الكنائس المختلفة؟!
- وليعلموا أن هذه هي يدك،
أنت يا رب فعلت هذا،
أما هم فيلعنون،
وأما أنت فتبارك،
قاموا وخزوا،
أما عبدك فيفرح.
في هذه الفقرات أُريد التوقف عند الفقرة الأخيرة فهي تظهر بشكل واضح أن المتكلم هو عبد للرب وليس كما تقول الكنائس عن يسوع أنه إله وابن إله والأقنوم الثاني من الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر.
فإذا كان المتكلم عبد للرب فكيف يستشهد لوقا بهذا المزمور  ويقول إنه يتحدث عن يسوع ويهوذا مع أن متّى كتب قصة تخالف قصته؟!
ونهاية المزمور تنتهي بالصراخ بأعلى صوت أنها لا تتكلم عن يهوذا، ولا يسوع لأن المتكلم يقول إن ربه يخلصه من محاولة القاضين عليه، في حين أن الأناجيل تقول ان إله يسوع تركه على الصليب كي يُصبح لعنة كما قال بولس، وكما تقول كل قوانين إيمان الكنائس!
ليلبس خُصمائي خجلاً وليتعطفوا بخزيهم كالرداء،
أحمد الرب جداً بفمي وفي وسط كثيرين أُسبّحه،
لأنه يقوم عن يمين المسكين ليُخلصه من القاضين على نفسه. (مزمور 109: 1-31)
من هذا الشرح للمزمورين نجد أنهما لا يتحدثان عن يسوع ولا عن يهوذا الاسخريوطي، بل نجد ان كتبة الأناجيل كانوا يأخذون نصوصاً من أسفار العهد القديم ويُعيدون صياغتها في قصصهم ليقولوا ان العهد القديم ذكر يسوع حتى لو اضطرهم الأمر الى أن يزيدوا فقرات أو يدمجوها من مزامير مختلفة حتى تتوافق مع القصص التي يكتبونها على الرغم من أن هذه النصوص تتعارض مع الأناجيل الأُخرى، وهذا ما أوقعهم في جميع التناقضات والأخطاء التي نقرأها في الأناجيل.
ويبقى سؤال يطرح نفسه وهو من أين اقتبس لوقا فكرة السقطة التي تشق وسط الانسان وتنسكب أحشاؤه كلها وأشهد على ذلك جميع سكان أُورشليم؟!
لنقرأ النص التالي:
- وأتت إليه كتابة من إيليا النبي تقول، هكذا قال الرب إله داوُد أبيك من أجل أنك لم تسلك في طرق يهوشافاط أبيك وطرق آسا ملك يهوذا، بل سلكت في طرق ملوك اسرائيل، وجعلت يهوذا وسكان أُورشليم يزنون كزنا بيت أخآب وقتلت إخوتك من بيت أبيك الذين هم أفضل منك،
هو ذا يضرب الرب شعبك وبنيك ونساءك وكل مالك ضربة عظيمة،
وإياك بأمراض كثيرة بداء أمعائك حتى تخرج أمعاؤك بسبب المرض يوماً فيوماً. (الايام الثاني 21: 12-15)
في هذا النص يتوعد الرب يهورام ملك يهوذا بضربات عظيمة لأنه لم يلتزم بالشريعة، ومنها الأمراض التي تصيب أمعائه حتى تخرج من بطنه، وهو يشبه ما كتبه لوقا عن سقطة يهوذا مع فارق كبير وهو ان وعود الرب متحققة، وأما ما كتبه لوقا فهو مليء بالتناقضات والأخطاء كما قرأنا سابقاً.
من خلال هذا الاستعراض لنصوص الاناجيل المقتبسة من العهد القديم مباشرة بالقول ليتم هذا أو تم هذا أو كما هو مكتوب وغيرها من طرق الاقتباس، وهي نصوص تغطي مساحة الاناجيل كلها تقريباً، فمن النص المقتبس عن عمانوئيل مروراً بنص الحمارة والجحش اللذين ركبهما يسوع عند دخوله أُورشليم وصولاً الى النصوص التي تتحدث عن بعض أحداث الصلب وانتهاء بالنصوص التي تتحدث عن يهوذا الاسخريوطي، نجد أنفسنا أمام حقيقة لا يمكن تجاهلها وهي أن القانون الذي نحكم به على النصوص وهو لا تقبل خبراً كاذباً لم يفشل في أي واحد منها، وهذا يدل على أن كتبة الأناجيل كانوا يسعون لتوظيف نصوص العهد القديم لخدمة ما يؤمنون به من خلال استخدامهم لنصوص الوحي الذي كانوا يفتقدونه لإضفاء حالة من المصداقية والقداسة على ما يكتبونه بعيداً عن كلمة الرب والوحي، وبعيداً عن السوق من الروح المقدس، وكذلك بعيداً عن الواقع والتاريخ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق