الجمعة، 27 يوليو 2018

مصدر قول يسوع أبغضوني بلا سبب وتناقضاته

الفصل الثالث: مصادر الأناجيل وطريقة تأليفها وكتابتها

القسم الرابعالنصوص المنسوبة مباشرة للعهد القديم
في هذا القسم سنطلع على النصوص المنسوبة للعهد القديم مباشرة وقول كتبة الأناجيل أنها لم تتم وتكتمل وتحدث إلا في يسوع وزمنه وجيله، لنرى حقيقتها ومدى صدق ما قاله الكتبة عنها.
10 - مصدر قول يسوع أن اليهود أبغضوه بلا سبب
لو لم أكن جئت وكلمتهم لم تكن لهم خطيئة،
وأما الآن فليس لهم عذر في خطيئتهم،
الذي يُبغضني يُبغض أبي أيضا،
لو لم أكن قد عملت بينهم أعمالاً لم يعملها أحد غيري لم تكن لهم خطيئة،
وأما الآن فقد رأوا وأبغضوني أنا وأبي،
لكن لكي تتم الكلمة المكتوبة في ناموسهم إنهم أبغضوني بلا سبب. (يوحنا 15: 22-25)
في هذا النص يكتب يوحنا على لسان يسوع ان سبب كره اليهود له هو لكي تتم الكلمة المكتوبة في ناموسهم أنهم أبغضوني بلا سبب، وهذه الفقرة مذكورة في مزمورين، وهنا يرتكب يسوع، أو بمعى أدق يوحنا، خطأ ظاهراً فهو يقول عن المزامير أنها ناموس، وهذا ليس صحيحاً لأن المزامير لا يُطلق عليها ناموس سواء في اللغة أو في تقسيم كتب اليهود، لأن كلمة ناموس تعني الشريعة أو التوراة ولا تعني مزامير، والناموس في تقسيم كتب اليهود يُطلق على الأسفار الخمسة الأُولى، وأما المزامير فقد وضعت في قسم الأسفار، أو كتبييم كما هو اللفظ في اللغة العبرية، فكيف لم يستطع يسوع أو يوحنا أن يميز بين الناموس والمزامير ليقول لكي تتم الكلمة المكتوبة في ناموسهم مع أن الكلمة مكتوبة في المزامير؟!
كما أن هذا النص يتناقض مع ما كتبه يوحنا نفسه في إنجيله عن سبب بغض اليهود ليسوع كما في النص التالي:
- فتناول اليهود حجارة ليرجموه،
أجابهم يسوع أعمالاً كثيرة حسنة أريتكم من عند أبي،
بسبب أي عمل منها ترجمونني،
أجابه اليهود قائلين لسنا نرجمك لأجل عمل حسن،
بل لأجل تجديف فإنك وأنت إنسان تجعل نفسك إلهاً. (يوحنا 10: 31-33)
فاليهود لم يبغضوا يسوع بلا سبب كما كتب في النص السابق بل أبغضوه لأنه جعل نفسه إلهاً!
بالإضافة الى أن هذا النص من النصوص المهمة التي تنقض ما تقوله الكنائس عن الخطيئة المتوارثة، أو الخطيئة الأصلية، التي يحملها الناس نتيجة لأكل آدم من الشجرة التي نُهي عنها، إذ أن يسوع يُقرر هنا وبكل بساطة ان الخطيئة هي عدم إيمان اليهود به، وانه لو لم يأت ويُكلمهم لم تكن لهم خطيئة، هكذا بكل بساطة العقل والمنطق، ان الخطيئة لحقت باليهود لعدم إيمانهم به، ولم يتحدث عن خطيئة أصلية أو سابقة أو موروثة، ومع هذا كله إلا أنني سأُقوم بقراءة المزمورين اللذين اقتبس يوحنا منهما الفقرة وقال إنهما في الناموس لنرى إن كان ما كتبه صحيحاً من أن تلك الكلمة لم تتم إلا في زمن يسوع أم لا، وهما كما يلي:
خلّصني يا إله لأن المياه قد دخلت إلى نفسي،
غرقت في حمأة عميقة وليس مقرّ دخلتُ إلى أعماق المياه والسيل غمرني،
تعبت من صراخي، يبس حلقي.
يبدأ المزمور بطلب المتكلم من الرب ان يخلصه، وهو هنا يسوع كما يقول يوحنا بما انه استشهد بفقرتين منه باعتبارهما تتحدثان عن يسوع، والسبب في طلبه الخلاص من الرب هو ان المياه دخلت الى نفسه وانه غرق في حمأة عميقة، الحمأة هي المياه الضحلة الساخنة، وانه تعب من صراخه حتى يبس حلقه، ويوحنا وهو يحاول ان يثبت ان العهد القديم تحدث أو تنبأ عن يسوع، أو بمعنى أدق وهو يحاول كتابة إنجيله بما يتوافق مع العهد القديم، أخذ من هذا المزمور أيضاً قوله ان غيرة بيتك أكلتني، ولكنه نسي أن يخبرنا قصة عن يسوع وهو يغرق في حمأة عميقة وان المياه دخلت في نفسه وهو يصرخ الى الرب حتى تعب من صراخه ويبس حلقه!
- كلّت عيناي من انتظار إلهي.
وهذه الفقرة أيضا لم يكتب يوحنا أو غيره من كتبة الأناجيل قصة تشبهها تتحدث عن كلول عينا يسوع وهو ينتظر إلهه!
والانسان الذي تكل عيناه ويضعف بصره، هل يدل على حمله صفات إلهية توجب عبادته من دون الرب خالق السموات والارض؟!
- أكثر من شعر رأسي الذين يبغضونني بلا سبب.
هذه هي الفقرة التي اقتبسها يوحنا مع أنه نقضها كما بينت ذلك سابقاً، إلا أنني سأُقر له بذلك حتى أنتهي من قراءة المزمور لنرى حقيقة ما يتحدث عنه.
- اعتز مُستهلكيّ أعدائي ظلماً،
حينئذ رددت الذي لم أخطفه،
يا إله أنت عرفت حماقتي وذنوبي عنك لم تخف.
هذه الفقرة ماذا يقول يوحنا والكنائس عنها، وعمن كانت تتحدث؟
هل تتحدث عن يسوع، أم ان الفقرة التي تتحدث عن يسوع هي أبغضوني بلا سبب فقط؟!
هل يوافق أتباع الكنائس الطيبين على أن الرب عرف حماقة يسوع وان ذنوب يسوع لم تخف عن الرب؟
وهل يمكن القول أن يسوع الأُقنوم الثاني من الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر أحمق وان ذنوبه لم تخفَ عن الرب؟
وإذا كان ليسوع إلهاً يدعوه ويقول له إن حماقته لم تخف عنه وانه يعرف ذنوبه فمن هو هذا الإله الذي يتوجه له يسوع بالدعاء والاعتراف؟
وإذا كان ليسوع إلهاً، أليس جديراً بأتباع الكنائس الطيبين ان يعبدوا إله يسوع الذي يعرف حماقة يسوع ولا تخفى ذنوب يسوع عنه، بدلاً من عبادة يسوع؟
- لا يخز بي منتظروك يا سيد رب الجنود،
لا يخجل بي ملتمسوك يا إله اسرائيل،
لأني من أجلك احتملت العار،
غطّى الخجل وجهي.
ما هو العار الذي يمكن ان يلحق بيسوع الأُقنوم الثاني من الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر كما تقول الكنائس؟
وأي خجل يمكن أن يغطي وجه يسوع، لو كان النصّ يتحدث عن يسوع؟
- صرت أجنبيا عند إخوتي وغريباً عند بني أُمي.
هل يمكن أن يصير احد الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر أجنبيا عند إخوته وغريباً عند بني أمه، وأنا اعتقد أن هذه الفقرة، مع فقرات أُخرى في العهد القديم، هي أحد المصادر التي اعتمد عليها كتبة الأناجيل ليكتبوا عن وجود إخوة ليسوع! ولكن ما هو أغرب من وجود إخوة ليسوع هو أنهم لم يكونوا مؤمنين به! كما كتب يوحنا في إنجيله:
- لأن إخوته أيضاً لم يكونوا يؤمنون به. (يوحنا 7: 5)
- لأن غيرة بيتك أكلتني.
هذه الفقرة اقتبسها يوحنا في إنجيله (يوحنا 2: 13-17) كدليل على أن أسفار العهد القديم تحدثت عن يسوع.
- وتعييرات مُعيّريك وقعت عليّ،
وأبكيت بصومٍ نفسي فصار ذلك عاراً عليّ.
إذا كان يسوع هو الأُقنوم الثاني من الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر فلمن يصوم، وهل الصوم عار؟
- جعلتُ لباسي مِسحاً وصرتُ لهم مثلاً، يتكلم فيّ الجالسون في الباب وأغانيُّ شرّابي المسكر،
أما أنا فلك صلاتي يا رب في وقت رضىً.
وهذه الصلاة هنا موجه لرب يسوع، الأقنوم الثاني من الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر، فإذا كان ليسوع رباً يتوجه له بالصلاة، أليس جديراً بأتباع الكنائس الطيبين أن يتوجهوا بالصلاة لرب يسوع بدلاً من التوجه بالصلاة ليسوع؟
- يا إله بكثرة رحمتك استجب لي بحق خلاصك.
في هذه الفقرة يطلب المتكلم من الرب ان يستجيب له، فلو كان المزمور يتحدث عن يسوع لاستجاب الرب له ولم يصرخ على الصليب إلهي إلهي لماذا تركتني.
- نجّني من الطين فلا أغرق، نجّني من مبغضيّ ومن أعماق المياه،
لا يغمرني سيل المياه ولا يبتلعني العُمق ولا تُطبق الهاوية عليّ فاها.
هذه الفقرات تشير بشكل واضح الى أن المزمور لا يتحدث عن يسوع من ناحيتين، الأُولى وهي عدم كتابة الأناجيل لقصص تتحدث عن نجاة يسوع من الغرق في الطين ومن أعماق المياه ومن عدم غمره في السَيل، والناحية الثانية أن الأناجيل كتبت أنه لم ينجو من مُبغضيه بل كتبت أن مُبغضيه جلدوه وضربوه وبصقوا عليه وصلبوه، وكذلك كتبت الأناجيل أن الهاوية أطبقت عليه فاها ودُفن في قبر!
- استجب لي يا رب لأن رحمتك صالحة،
ككثرة مراحمك التفت إليّ،
ولا تحجب وجهك عن عبدك.
هذه الفقرات أهم ما في هذا المزمور، إذ يُصرح المتكلم فيه أنه عبد للرب بقوله لا تحجب وجهك عن عبدك، فهذه الفقرات تؤكد ان المتحدث عبد للرب، وهذا يعني أن المزمور لا يتحدث عن يسوع، لأن الاناجيل والكنائس تقول عنه انه إله وابن إله وأحد الأقانيم الثلاثة، وهذا يتناقض مع صفة المتكلم في المزمور، فالكنائس أمام خيارين لا ثالث لهما، إما أن يقرّوا أن يسوع عبد للرب، وبالتالي فهو ليس إله ولا ابن إله، وإما أن يقولوا إن هذا المزمور لا يتحدث عن يسوع لأن المتكلم عبد للرب ويسوع إله وابن إله وأحد الاقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر، وبالتالي عليهم القول أن يوحنا كان مخطئاً باستشهاده بتلك الجملتين والقول انهما تتحدثان عن يسوع!
- لأن لي ضيقاً،
استجب لي سريعاً،
اقترب الى نفسي فكّها،
بسبب أعدائي افدني.
في هذه الفقرات نقرأ ان ذلك الإنسان، او العبد كما هو في النص او يسوع كما يقول يوحنا والكنائس، يطلب من إلهه ان ينجيه ويستجيب له سريعاً، فهل استجاب له ام تركه يصرخ على الصليب إلهي إلهي لماذا تركتني؟
- أنت عرفت عاري وخزيي وخجلي.
ما هو العار والخزي والخجل الذي لحق بيسوع، لو كان المزمور يتحدث عنه؟
- قدّامك جميع مضايقيّ، العار قد كسر قلبي فمرضت،
انتظرت رقّة فلم تكن ومُعزين فلم أجد،
ويجعلون في طعامي علقماً،
وفي عطشي يُسقونني خلاً.
هذه الفقرات اقتبس منها كتبة الاناجيل قصة إسقاء يسوع خلاً وهو معلق على الصليب ولكنهم تناسوا أن يكتبوا قصة تتحدث عن إطعام يسوع علقماً وهو معلق على الصليب كما هو مذكور في هذه الفقرات، مع انه لا يوجد فيها أي إشارة لعملية الصلب.
- لتصر مائدتهم قدّامهم فخّاً وللآمنين شَرَكَاً،
لتُظلِم عيونهم عن البصر،
وقلقل متونهم دائماً،
صُبّ عليهم سخطك وليُدركهم حُمُوّ غضبك،
لتصر دارهم خراباً وفي خيامهم لا يكن ساكن،
لأن الذي ضربته أنت هم طردوه وبوجع الذين جَرَحْتهم يتحدثون،
اجعل إثما على إثمهم ولا يدخلون في بِرّك.
هذه الدعوات لم يكتب كتبة الاناجيل قصصاً عن تحققها في اليهود، بل كتب لوقا قول يسوع اغفر لهم يا أبتاه فإنهم لا يعلمون ماذا يفعلون! وكان لوقا في أعمال الرسل قد اقتبس مضمونها عند حديثه عن نهاية يهوذا الاسخريوطي، وإن قام بالتلاعب بصيغتها كما سنقرأ ذلك لاحقاً.
- ليُمْحَوا من سِفر الأحياء ومع الصديقين لا يُكتبوا،
أما أنا فمسكين وكئيب،
خلاصك يا إله فليرفعني،
أسبح اسم الإله بتسبيح وأُعظمه بحمد،
فيستطاب عند الرب أكثر من ثور بقر ذي قرون وأظلاف،
يرى ذاك الودعاء فيفرحون وتحيا قلوبكم يا طالبي الإله.
في هذه الفقرات نجد ان ذلك العبد، أو يسوع كما يحاول يوحنا أن يقنع أتباع الكنائس الطيبين، يُعظّم ربه بالتسبيح والتعظيم والحمد، وهي أفعال تتناقض مع الصفات التي تقولها الكنائس المختلفة عن يسوع.
وباقي النصّ يتحدث عن صفات الرب خالق السموات والأرض.
- لأن الرب سامع للمساكين ولا يحتقر أسراه،
تسبحه السموات والارض البحار وكل ما يدبّ فيها،
لأن الإله يُخلص صهيون ويبني مدن يهوذا فيسكنون هناك ويرثونها،
ونسل عبيده يملكونها ومحبوا اسمه يسكنون فيها. (مزمور 69: 1-36)
والمزمور الثاني الذي فيه فقرة تقول الذين يبغضونني بلا سبب هو المزمور الخامس والثلاثون وهو كما يلي:
لا يشمت بي الذين هم أعدائي باطلاً ولا يتغامز بالعين،
الذين يبغضونني بلا سبب،
لأنهم لا يتكلمون بالسلام وعلى الهادئين في الأرض يتفكرون بكلام مكر،
فغروا عليّ أفواههم قالوا هه هه قد رأت أعيننا،
قد رأيت يا رب لا تسكت يا سيد لا تبتعد عني،
استيقظ وانتبه الى حكمي يا إلهي وسيدي الى دعواي،
اقض لي حسب عدلك يا رب إلهي فلا يشمتوا بي. (مزمور 35: 19-24)
هذه الفقرات جزء من مزمور لداوُد وهو يتحدث فيه عن صراعه مع شاول من خلال مناجاته للرب وطلبه للخلاص من أعدائه، ووددت لو أني كتبته كاملاً لنطلع على حقيقته بشكل أوضح ولكن يمكن للقارئ الوصول للحقيقة من خلال قراءته في العهد القديم.
كما نقرأ في هذه الفقرات فإن انساناً، او كما يظن يوحنا والكنائس المختلفة انه يسوع، يطلب من الرب إلهه ان لا يشمت به أعدائه ولا يتغامزوا عليه بعيونهم وأن لا يسكت عنهم وان لا يبتعد عنه وان يستجيب له في دعواه وان يقض له بحسب عدله، وهذه الصفات مع أنها تنقض صفات يسوع التي تقولها عنه قوانين إيمان الكنائس المختلفة إلا انها تتناقض كذلك مع ما كتبه يوحنا عن سبب بغض اليهود ليسوع كما بينت ذلك سابقاً، وهذا يعني ان استشهاده بالنص السابق لا يعني سوى منهج وطريقة دأب عليه هو والكتبة الآخرون من خلال الاقتباس من العهد القديم، وهو السعي لإضفاء حالة من القداسة والمصداقية على ما يكتبونه حتى لو نقضوها بعد ذلك بعدة صفحات! وهو ما يشير الى أن نص يوحنا ينطبق عليه قانون لا تقبل خبراً كاذباً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق