الثلاثاء، 24 يوليو 2018

مصدر قصة العشاء الأخير

الفصل الثالث: مصادر الأناجيل وطريقة تأليفها وكتابتها

القسم السادس: النصوص المقتبسة من العهد القديم دون نسبتها له مباشرة
في هذا القسم سأقوم بدراسة النصوص المقتبسة من العهد القديم والتي لم تُنسب إليه مباشرة، كما هو الحال في الأقسام السابقة، أو ما أُطلق عليه الحبكة القصصية والحوارية، وفيه سنطلع على معظم الأحداث والقصص والأقوال المذكورة في الأناجيل ومقارنتها بالعهد القديم وبواقع حال يسوع كما تصفه قوانين إيمان الكنائس، وأبدأ ببعض أسماء وألقاب يسوع.
15 - مصدر قصة العشاء الأخير
ذكرت الأناجيل الأربعة قصة العشاء الأخير كما في النصوص التالية:
وَفِي أَوَّلِ أَيَّامِ الْفَطِيرِ تَقَدَّمَ التَّلاَمِيذُ إِلَى يَسُوعَ قَائِلِينَ لَهُ:«أَيْنَ تُرِيدُ أَنْ نُعِدَّ لَكَ لِتَأْكُلَ الْفِصْحَ؟»
فَقَالَ:«اذْهَبُوا إِلَى الْمَدِينَةِ، إِلَى فُلاَنٍ وَقُولُوا لَهُ: الْمُعَلِّمُ يَقُولُ: إِنَّ وَقْتِي قَرِيبٌ. عِنْدَكَ أَصْنَعُ الْفِصْحَ مَعَ تَلاَمِيذِي».
فَفَعَلَ التَّلاَمِيذُ كَمَا أَمَرَهُمْ يَسُوعُ وَأَعَدُّوا الْفِصْحَ. (متّى 26: 17-19)
- وَفِيمَا هُمْ يَأْكُلُونَ أَخَذَ يَسُوعُ الْخُبْزَ، وَبَارَكَ وَكَسَّرَ وَأَعْطَى التَّلاَمِيذَ وَقَالَ:«خُذُوا كُلُواهذَا هُوَ جَسَدِي».
وَأَخَذَ الْكَأْسَ وَشَكَرَ وَأَعْطَاهُمْ قَائِلاً:«اشْرَبُوا مِنْهَا كُلُّكُمْ،
لأَنَّ هذَا هُوَ دَمِي الَّذِي لِلْعَهْدِ الْجَدِيدِ الَّذِي يُسْفَكُ مِنْ أَجْلِ كَثِيرِينَ لِمَغْفِرَةِ الْخَطَايَا.
وَأَقُولُ لَكُمْ: إِنِّي مِنَ الآنَ لاَ أَشْرَبُ مِنْ نِتَاجِ الْكَرْمَةِ هذَا إِلَى ذلِكَ الْيَوْمِ حِينَمَا أَشْرَبُهُ مَعَكُمْ جَدِيدًا فِي مملكة أَبِي». ثُمَّ سَبَّحُوا وَخَرَجُوا إِلَى جَبَلِ الزَّيْتُونِ. (متّى 26: 26-30)
وَفِي الْيَوْمِ الأَوَّلِ مِنَ الْفَطِيرِ. حِينَ كَانُوا يَذْبَحُونَ الْفِصْحَ، قَالَ لَهُ تَلاَمِيذُهُ:«أَيْنَ تُرِيدُ أَنْ نَمْضِيَ وَنُعِدَّ لِتَأْكُلَ الْفِصْحَ؟»
فَأَرْسَلَ اثْنَيْنِ مِنْ تَلاَمِيذِهِ وَقَالَ لَهُمَا:«اذْهَبَا إِلَى الْمَدِينَةِ، فَيُلاَقِيَكُمَا إِنْسَانٌ حَامِلٌ جَرَّةَ مَاءٍ. اِتْبَعَاهُ.
وَحَيْثُمَا يَدْخُلْ فَقُولاَ لِرَبِّ الْبَيْتِ: إِنَّ الْمُعَلِّمَ يَقُولُ: أَيْنَ الْمَنْزِلُ حَيْثُ آكُلُ الْفِصْحَ مَعَ تَلاَمِيذِي؟
فَهُوَ يُرِيكُمَا عِلِّيَّةً كَبِيرَةً مَفْرُوشَةً مُعَدَّةً. هُنَاكَ أَعِدَّا لَنَا». فَخَرَجَ تِلْمِيذَاهُ وَأَتَيَا إِلَى الْمَدِينَةِ، وَوَجَدَا كَمَا قَالَ لَهُمَا. فَأَعَدَّا الْفِصْحَ. (مرقس 14: 12-16)
- وَفِيمَا هُمْ يَأْكُلُونَ، أَخَذَ يَسُوعُ خُبْزاً وَبَارَكَ وَكَسَّرَ، وَأَعْطَاهُمْ وَقَالَ:«خُذُوا كُلُوا، هذَا هُوَ جَسَدِي».
ثُمَّ أَخَذَ الْكَأْسَ وَشَكَرَ وَأَعْطَاهُمْ، فَشَرِبُوا مِنْهَا كُلُّهُمْ.
وَقَالَ لَهُمْ:«هذَا هُوَ دَمِي الَّذِي لِلْعَهْدِ الْجَدِيدِ، الَّذِي يُسْفَكُ مِنْ أَجْلِ كَثِيرِينَ.
اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنِّي لاَ أَشْرَبُ بَعْدُ مِنْ نِتَاجِ الْكَرْمَةِ إِلَى ذلِكَ الْيَوْمِ حِينَمَا أَشْرَبُهُ جَدِيدًا فِي مملكة الإله». (مرقس 14: 22-25)
- وَجَاءَ يَوْمُ الْفَطِيرِ الَّذِي كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُذْبَحَ فِيهِ الْفِصْحُ.
فَأَرْسَلَ بُطْرُسَ وَيُوحَنَّا قَائِلاً:«اذْهَبَا وَأَعِدَّا لَنَا الْفِصْحَ لِنَأْكُلَ».
فَقَالاَ لَهُ:«أَيْنَ تُرِيدُ أَنْ نُعِدَّ؟».
فَقَالَ لَهُمَا:«إِذَا دَخَلْتُمَا الْمَدِينَةَ يَسْتَقْبِلُكُمَا إِنْسَانٌ حَامِلٌ جَرَّةَ مَاءٍ. اِتْبَعَاهُ إِلَى الْبَيْتِ حَيْثُ يَدْخُلُ،
وَقُولاَ لِرَبِّ الْبَيْتِ: يَقُولُ لَكَ الْمُعَلِّمُ: أَيْنَ الْمَنْزِلُ حَيْثُ آكُلُ الْفِصْحَ مَعَ تَلاَمِيذِي؟
فَذَاكَ يُرِيكُمَا عِلِّيَّةً كَبِيرَةً مَفْرُوشَةً. هُنَاكَ أَعِدَّا».
فَانْطَلَقَا وَوَجَدَا كَمَا قَالَ لَهُمَا، فَأَعَدَّا الْفِصْحَ.
وَلَمَّا كَانَتِ السَّاعَةُ اتَّكَأَ وَالاثْنَا عَشَرَ رَسُولاً مَعَهُ،
وَقَالَ لَهُمْ:«شَهْوَةً اشْتَهَيْتُ أَنْ آكُلَ هذَا الْفِصْحَ مَعَكُمْ قَبْلَ أَنْ أَتَأَلَّمَ،
لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنِّي لاَ آكُلُ مِنْهُ بَعْدُ حَتَّى يُكْمَلَ فِي مملكة الإله».
ثُمَّ تَنَاوَلَ كَأْسًا وَشَكَرَ وَقَالَ:«خُذُوا هذِهِ وَاقْتَسِمُوهَا بَيْنَكُمْ،
لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنِّي لاَ أَشْرَبُ مِنْ نِتَاجِ الْكَرْمَةِ حَتَّى تأْتِيَ مَملكة الإله».
وَأَخَذَ خُبْزًا وَشَكَرَ وَكَسَّرَ وَأَعْطَاهُمْ قَائِلاً: «هذَا هُوَ جَسَدِي الَّذِي يُبْذَلُ عَنْكُمْ. اِصْنَعُوا هذَا لِذِكْرِي».
وَكَذلِكَ الْكَأْسَ أَيْضًا بَعْدَ الْعَشَاءِ قَائِلاً:«هذِهِ الْكَأْسُ هِيَ الْعَهْدُ الْجَدِيدُ بِدَمِي الَّذِي يُسْفَكُ عَنْكُمْ.
وَلكِنْ هُوَذَا يَدُ الَّذِي يُسَلِّمُنِي هِيَ مَعِي عَلَى الْمَائِدَةِ.
وَابْنُ الإِنْسَانِ مَاضٍ كَمَا هُوَ مَحْتُومٌ، وَلكِنْ وَيْلٌ لِذلِكَ الإِنْسَانِ الَّذِي يُسَلِّمُهُ!». فَابْتَدَأُوا يَتَسَاءَلُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ:«مَنْ تَرَى مِنْهُمْ هُوَ الْمُزْمِعُ أَنْ يَفْعَلَ هذَا؟». (لوقا 22: 7-23)
أَمَّا يَسُوعُ قَبْلَ عِيدِ الْفِصْحِ، وَهُوَ عَالِمٌ أَنَّ سَاعَتَهُ قَدْ جَاءَتْ لِيَنْتَقِلَ مِنْ هذَا الْعَالَمِ إِلَى الأبِ، إِذْ كَانَ قَدْ أَحَبَّ خَاصَّتَهُ الَّذِينَ فِي الْعَالَمِ، أَحَبَّهُمْ إِلَى الْمُنْتَهَى.
فَحِينَ كَانَ الْعَشَاءُ، وَقَدْ أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي قَلْبِ يَهُوذَا سِمْعَانَ الإِسْخَرْيُوطِيِّ أَنْ يُسَلِّمَهُ،
يَسُوعُ وَهُوَ عَالِمٌ أَنَّ الأبَ قَدْ دَفَعَ كُلَّ شَيْءٍ إِلَى يَدَيْهِ، وَأَنَّهُ مِنْ عِنْدِ الإله خَرَجَ، وَإِلَى الإله يَمْضِي،
قَامَ عَنِ الْعَشَاءِ، وَخَلَعَ ثِيَابَهُ، وَأَخَذَ مِنْشَفَةً وَاتَّزَرَ بِهَا،
ثُمَّ صَبَّ مَاءً فِي مِغْسَل، وَابْتَدَأَ يَغْسِلُ أَرْجُلَ التَّلاَمِيذِ وَيَمْسَحُهَا بِالْمِنْشَفَةِ الَّتِي كَانَ مُتَّزِرًا بِهَا.
فَجَاءَ إِلَى سِمْعَانَ بُطْرُسَ. فَقَالَ لَهُ ذَاكَ:«يَا سَيِّدُ، أَنْتَ تَغْسِلُ رِجْلَيَّ!»
أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ:«لَسْتَ تَعْلَمُ أَنْتَ الآنَ مَا أَنَا أَصْنَعُ، وَلكِنَّكَ سَتَفْهَمُ فِيمَا بَعْدُ».
قَالَ لَهُ بُطْرُسُلَنْ تَغْسِلَ رِجْلَيَّ أَبَدًا!» أَجَابَهُ يَسُوعُ:«إِنْ كُنْتُ لاَ أَغْسِلُكَ فَلَيْسَ لَكَ مَعِي نَصِيبٌ».
قَالَ لَهُ سِمْعَانُ بُطْرُسُ:«يَا سَيِّدُ، لَيْسَ رِجْلَيَّ فَقَطْ بَلْ أَيْضًا يَدَيَّ وَرَأْسِي».
قَالَ لَهُ يَسُوعُ:«الَّذِي قَدِ اغْتَسَلَ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ إِلاَّ إِلَى غَسْلِ رِجْلَيْهِ، بَلْ هُوَ طَاهِرٌ كُلُّهُ. وَأَنْتُمْ طَاهِرُونَ وَلكِنْ لَيْسَ كُلُّكُمْ». لأَنَّهُ عَرَفَ مُسَلِّمَهُ، لِذلِكَ قَالَ: «لَسْتُمْ كُلُّكُمْ طَاهِرِينَ».
فَلَمَّا كَانَ قَدْ غَسَلَ أَرْجُلَهُمْ وَأَخَذَ ثِيَابَهُ وَاتَّكَأَ أَيْضاً، قَالَ لَهُمْ:«أَتَفْهَمُونَ مَا قَدْ صَنَعْتُ بِكُمْ؟ أَنْتُمْ تَدْعُونَنِي مُعَلِّمًا وَسَيِّدًا، وَحَسَنًا تَقُولُونَ، لأَنِّي أَنَا كَذلِكَ. فَإِنْ كُنْتُ وَأَنَا السَّيِّدُ وَالْمُعَلِّمُ قَدْ غَسَلْتُ أَرْجُلَكُمْ، فَأَنْتُمْ يَجِبُ عَلَيْكُمْ أَنْ يَغْسِلَ بَعْضُكُمْ أَرْجُلَ بَعْضٍ، لأَنِّي أَعْطَيْتُكُمْ مِثَالاً، حَتَّى كَمَا صَنَعْتُ أَنَا بِكُمْ تَصْنَعُونَ أَنْتُمْ أَيْضًا. اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ لَيْسَ عَبْدٌ أَعْظَمَ مِنْ سَيِّدِهِ، وَلاَ رَسُولٌ أَعْظَمَ مِنْ مُرْسِلِهِ. إِنْ عَلِمْتُمْ هذَا فَطُوبَاكُمْ إِنْ عَمِلْتُمُوهُ. «لَسْتُ أَقُولُ عَنْ جَمِيعِكُمْ. أَنَا أَعْلَمُ الَّذِينَ اخْتَرْتُهُمْ. لكِنْ لِيَتِمَّ الْكِتَابُ: اَلَّذِي يَأْكُلُ مَعِي الْخُبْزَ رَفَعَ عَلَيَّ عَقِبَهُ. أَقُولُ لَكُمُ الآنَ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ، حَتَّى مَتَى كَانَ تُؤْمِنُونَ أَنِّي أَنَا هُوَ. اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمُ: الَّذِي يَقْبَلُ مَنْ أُرْسِلُهُ يَقْبَلُنِي، وَالَّذِي يَقْبَلُنِي يَقْبَلُ الَّذِي أَرْسَلَنِي». (يوحنا 13: 1-20)
الملاحظه الأُولى على هذه النصوص هو أن متّى ومرقس ولوقا قد اتفقوا على كتابة أحداث القصة بطريقة متشابه بشكل عام، في حين أن يوحنا كتب قصة مختلفة كلياً عما كتبه الثلاثة كما هو ظاهر في النصوص!
الملاحظة الثانية هي أنهم جميعاً لم يذكروا ما إذا كان قد تم أكل خروف الفصح أم لا!
الملاحظة الثالثة وهي أن الثلاثة قد اتفقوا على أن هذه القصة وقعت في يوم الفصح أو يوم الفطير، في حين أن يوحنا لم يُحدد موعد العشاء ولا إن كان هو يوم الفصح أم لا، على الرغم من أنه في نصوص ثانية بيّن أن هذه القصة وقعت قبل الفصح من خلال إظهار أنه تم تسليم يسوع الى بيلاطس يوم الفصح كما في النص التالي:
- ثُمَّ جَاءُوا بِيَسُوعَ مِنْ عِنْدِ قَيَافَا إِلَى دَارِ الْوِلاَيَةِ، وَكَانَ صُبْحٌ. وَلَمْ يَدْخُلُوا هُمْ إِلَى دَارِ الْوِلاَيَةِ لِكَيْ لاَ يَتَنَجَّسُوا، فَيَأْكُلُونَ الْفِصْحَ. (يوحنا 18: 28)
وهذا الأمر أثار ويثير الكثير من الجدل والنقاش في الغرب، وذلك بسبب اختلاف كتبة الأناجيل في تحديد زمن محاكمة وصلب يسوع! ونحن في هذا الكتاب تجاوزنا مثل هذا الجدل والنقاش إذ أثبتنا أن الأناجيل لم تكتب وفقاً لأحداث تاريخية مشاهدة أو مسموعة من مصادر موثوقة وإنما كتبت من خلال اقتباس نصوص وقصص من العهد القديم وإعادة صياغتها بطريقة قصصية في أناجيلهم لإضفاء حالة من القداسة والمصداقية على ما يكتبونه، فهذا الاختلاف وغيره حدث نتيجة لاختلاف المصادر التي اعتمد عليها كل واحد منهم.
الملاحظة الرابعة وهي على قول يوحنا أن يسوع خَلَعَ ثِيَابَهُ، وَأَخَذَ مِنْشَفَةً وَاتَّزَرَ بِهَا، وأنا أتساءل أي منشفة ستحيط بيسوع وأبيه والروح المقدس إذا كان يسوع كما تقول الكنائس عنه أنه الجسد الذي حلت فيه الأقانيم الثلاثة، هذا إذا كانت هذه الأقانيم موجودة، وهي ليست بموجودة، أو إذا كان كما قال هو عن نفسه أنه في أبيه وأن أباه فيه؟!
- أَلَسْتَ تُؤْمِنُ أَنِّي أَنَا فِي الأبِ وَالأبَ فِيَّ؟ الْكَلاَمُ الَّذِي أُكَلِّمُكُمْ بِهِ لَسْتُ أَتَكَلَّمُ بِهِ مِنْ نَفْسِي، لكِنَّ الأبَ الْحَالَّ فِيَّ هُوَ يَعْمَلُ الأَعْمَالَ. صَدِّقُونِي أَنِّي فِي الأبِ وَالأبَ فِيَّ، وَإِلاَّ فَصَدِّقُونِي لِسَبَبِ الأَعْمَالِ نَفْسِهَا. (يوحنا 10: 11: 12)
أَنَا وَالآبُ وَاحِدٌ. (يوحنا 10: 30)
 - وَلكِنْ إِنْ كُنْتُ أَعْمَلُ، فَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا بِي فَآمِنُوا بِالأَعْمَالِ، لِكَيْ تَعْرِفُوا وَتُؤْمِنُوا أَنَّ الأبَ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ». (يوحنا 10: 38)
الملاحظة الخامسة وهي على قول يوحنا عن يسوع وَابْتَدَأَ يَغْسِلُ أَرْجُلَ التَّلاَمِيذِ وَيَمْسَحُهَا بِالْمِنْشَفَةِ الَّتِي كَانَ مُتَّزِرًا بِهَا. إن كل حرف في هذه الكلمات يؤكد أنه لا علاقة ليسوع ولا لأبيه بالرب خالق السموات والأرض الإله الحق الذي لا تسعه السموات ولا سماء السموات، سبحانه وتعالى عما يصفون ويشركون.
ولكن على الرغم من أن هذه القصة تثبت أن يسوع وأباه لا علاقة لهما بالرب خالق السموات والأرض، لماذا يغسل يسوع أرجل التلاميذ وهم الذين بعد عدة ساعات سينكرونه ويهربون عنه ويتركونه وحيداً ولا يؤمنون أنه قام من الأموات؟!
- حينئذ تركه التلاميذ كلهم وهربوا. (متّى 26: 56)
فتركه الجميع وهربوا، وتبعه شاب لابساً ازاراً على عُيريِّه فأمسكه الشبان، فترك الإزار وهرب منهم عرياناً. (مرقس 14: 50-52)
وأخيراً ظهر للأحد عشر وهم متكئون،
ووبخ عدم ايمانهم وقساوة قلوبهم،
لأنهم لم يصدقوا الذين نظروه قد قام. (مرقس 16: 14)
- ورجعن من القبر وأخبرن الأحد عشر وجميع الباقين بهذا كله،
وكانت مريم المجدلية ويونا ومريم أُم يعقوب والباقيات معهن اللواتي قلن هذا للرسل،
فتراءى كلامهن لهم كالهذيان، ولم يصدقوهن. (لوقا 24: 9-11)
ولماذا يغسل يسوع رِجلي بطرس الذي وصفه يسوع بأنه شيطان، والذي بعد ساعات من هذا الغسل سيلعن يسوع وينكره ولا يصدق أن يسوع قام من الأموات؟!
- من ذلك الوقت ابتدأ يسوع يُظهر لتلاميذه أنه ينبغي أن يذهب إلى أُورشليم ويتألم كثيراً من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة ويُقتل، وفي اليوم الثالث يقوم،
فأخذه بطرس إليه وابتدأ ينتهره قائلاً حاشاك يا رب، لا يكون لك هذا،
فالتفت وقال لبطرس اذهب عني يا شيطان،
أنت معثرة لي، لأنك لا تهتم بما للإله لكن بما للناس. (متّى 16: 21-23)
- وابتدأ يُعلمهم أن ابن الإنسان ينبغي أن يتألم كثيرا ويُرفض من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة،
ويُقتل وبعد ثلاثة أيام يقوم،
وقال القول علانية،
فأخذه بطرس إليه وابتدأ ينتهره،
فالتفت وأبصر تلاميذه، فانتهر بطرس قائلاً، اذهب عني يا شيطان،
لأنك لا تهتم بما للإله لكن بما للناس. (مرقس 8: 31-33)
- وبعد قليل جاء القيام وقالوا لبطرس حقاً أنت أيضاً منهم فان لغتك تظهرك،
فابتدأ حينئذ يلعن ويحلف اني لا أعرف الرجل،
وللوقت صاح الديك، فتذكر بطرس كلام يسوع الذي قال له انك قبل أن يصيح الديك تنكرني ثلاث مرات فخرج الى خارج وبكى بكاء مرّاً. (متّى 26: 73-75)
- وبعد قليل أيضاً قال الحاضرون لبطرس حقاً أنت منهم لأنك جليلي أيضاً ولغتك تشبه لغتهم،
فابتدأ يلعن ويحلف أني لا أعرف هذا الرجل الذي تقولون عنه،
وصاح الديك ثانية، فتذكر بطرس القول الذي قاله له يسوع انك قبل أن يصيح الديك مرتين تنكرني ثلاث مرات، فلما تفكر به بكى. (مرقس 14: 70-71)
ولماذا يغسل يسوع رِجلي توما التلميذ الشكاك الذي لم يؤمن أن يسوع قام من الأموات إلا بعد أن وضع أصابعه في جراح يسوع كما كتب يوحنا في إنجيله؟
- أَمَّا تُومَا، أَحَدُ الاثْنَيْ عَشَرَ، الَّذِي يُقَالُ لَهُ التَّوْأَمُ، فَلَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ حِينَ جَاءَ يَسُوعُ. فَقَالَ لَهُ التَّلاَمِيذُ الآخَرُونَ:«قَدْ رَأَيْنَا الرَّبَّ!». فَقَالَ لَهُمْإِنْ لَمْ أُبْصِرْ فِي يَدَيْهِ أَثَرَ الْمَسَامِيرِ، وَأَضَعْ إِصْبِعِي فِي أَثَرِ الْمَسَامِيرِ، وَأَضَعْ يَدِي فِي جَنْبِهِ، لاَ أُومِنْ».
وَبَعْدَ ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ كَانَ تَلاَمِيذُهُ أَيْضًا دَاخِلاً وَتُومَا مَعَهُمْ. فَجَاءَ يَسُوعُ وَالأَبْوَابُ مُغَلَّقَةٌ، وَوَقَفَ فِي الْوَسْطِ وَقَالَ:«سَلاَمٌ لَكُمْ!». ثُمَّ قَالَ لِتُومَاهَاتِ إِصْبِعَكَ إِلَى هُنَا وَأَبْصِرْ يَدَيَّ، وَهَاتِ يَدَكَ وَضَعْهَا فِي جَنْبِي، وَلاَ تَكُنْ غَيْرَ مُؤْمِنٍ بَلْ مُؤْمِنًا». (يوحنا 20: 24-27)
الملاحظة السادسة وهي على قوله إِنِّي مِنَ الآنَ لاَ أَشْرَبُ مِنْ نِتَاجِ الْكَرْمَةِ هذَا إِلَى ذلِكَ الْيَوْمِ حِينَمَا أَشْرَبُهُ مَعَكُمْ جَدِيدًا فِي مملكة أَبِي كما كتب متّى، وإِنِّي لاَ أَشْرَبُ بَعْدُ مِنْ نِتَاجِ الْكَرْمَةِ إِلَى ذلِكَ الْيَوْمِ حِينَمَا أَشْرَبُهُ جَدِيدًا فِي مملكة الإله كما كتب مرقس، وإِنِّي لاَ أَشْرَبُ مِنْ نِتَاجِ الْكَرْمَةِ حَتَّى تأْتِيَ مَملكة الإله كما كتب لوقا، فهذه الأقوال تنقض كل كلام الكنائس عن أنه لا يوجد أكل وشرب في مملكة السماء!
الملاحظة السابعة وهي على حقيقة وفاعلية أكل جسد يسوع وشرب دمه! لقد بيّن يوحنا في إنجيله حقيقة هذا الأمر، على الرغم من أنه لم يتحدث عن العشاء الأخير بطريقة مشابهة لما كتبه متّى ومرقس ولوقا، كما في النص التالي:
- الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فله حياة أبدية،
أنا هو خبز الحياة،
آباؤكم أكلوا المنّ في البرية وماتوا،
هذا هو الخبز النازل من السماء لكي يأكل منه الانسان ولا يموت،
أنا هو الخبز الحي الذي نزل من السماء،
إن أكل أحد من هذا الخبز يحيا الى الأبد،
والخبز الذي أنا أُعطي هو جسدي الذي أبذله من أجل حياة العالم،
فخاصم اليهود بعضهم بعضاً قائلين كيف يقدر هذا أن يُعطينا جسده لنأكل،
فقال لهم يسوع الحق الحق أقول لكم إن لم تأكلوا جسد ابن الإنسان وتشربوا دمه فليس لكم حياة فيكم،
من يأكل جسدي ويشرب دمي فله حياة أبدية وأنا أُقيمه في اليوم الأخير،
لأن جسدي مأكل حق ودمي مشرب حق،
من يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت فيّ وأنا فيه،
كما أرسلني الأب الحيّ وأنا حيّ بالأب فمن يأكلني فهو يحيا بي،
هذا هو الخبز الذي نزل من السماء،
ليس كما أكل آباؤكم المنّ وماتوا،
من يأكل هذا الخبز فإنه يحيا إلى الأبد. (يوحنا 6: 47-58)
في هذا النص يقول يسوع أن من يأكل جسده ويشرب دمه فإنه لا يموت ويحيا الى الأبد! وسواء قلنا أنه يقصد المعنى الحقيقي أو المجازي فهو لم يتحقق، فعلى المعنى الحقيقي فقد مات جميع التلاميذ ومن جاء بعدهم! وعلى المعنى المجازي، أي الإيمان، فإن التلاميذ ماتوا وهلكوا ولم يحيوا الى الأبد، لأنهم بعد ساعات من تناولهم جسد يسوع وشربهم لدمه هربوا وتركوا الجند يلقون القبض على يسوع ومن ثم أنكروه جميعاً وزاد عليهم بطرس بأن لعن يسوع! وأخيراً فهم جميعاً لم يؤمنوا أن يسوع قام من الأموات! وهذا يدل على عدم صدق أقوال يسوع عن الخبز والخمر.
من كل ما سبق يتبين لنا أن هذه القصة غير حقيقية وينطبق عليها قانون لا تقبل خبراً كاذباً، فما هي مصادرها؟
كما لاحظنا سابقاً أن كتبة الأناجيل لم يذكروا ما إذا كان يسوع قد أكل خروف الفصح أم لا، وهو الشيء الوحيد الذي يجعل للقصة معنى في عيد الفصح! وركز متّى ومرقس ولوقا على الخبز والخمر في حين ركز يوحنا على غسل يسوع لأرجل التلاميذ، فمن أين اقتبسوا هذين الأمرين؟
لنقرأ النصوص التالية:
- وقسم على جميع الشعب على كل جمهور اسرائيل رجالاً ونساء على كل واحد رغيف خبز،
وكأس خمر وقرص زبيب. (صموئيل الثاني 6: 19)
في هذا النص نقرأ أن داوُد أعطى كل واحد من بني اسرائيل رغيفاً من الخبز وكأساً من الخمر وقرص زبيب، وهو عين ما كتبته الاناجيل الثلاثة عن يسوع في العشاء الأخير مع بعض التعديلات، فداوُد كان يُعطي كل واحد رغيف خبز في حين أن يسوع قسّم الخبز على التلاميذ، وكذلك بالنسبة للخمر فداوُد أعطى كل واحد كأس خمر في حين أن يسوع وزع كأس الخمر على التلاميذ، وداوُد أعطى كل واحد منهم قرص زبيب في حين أن كتبة الاناجيل لم يكتبوا عن إعطاء يسوع لتلاميذه زبيباً، ولعلهم لم يجدوا وظيفة للزبيب بعد أن قالوا أن التلاميذ أكلوا جسده وشربوا دمه كي يحيوا الى الأبد ولا يذوقون الموت، ومع هذا فقد مات التلاميذ ومن جاء بعدهم.
هذا بالنسبة لمصدر ما كتبه متّى ومرقس ولوقا، فما هو مصدر يوحنا في الحديث عن غسل يسوع لأرجل تلاميذه؟
لنقرأ النصوص التالية:
- وَظَهَرَ لَهُ الرَّبُّ عِنْدَ بَلُّوطَاتِ مَمْرَا وَهُوَ جَالِسٌ فِي بَابِ الْخَيْمَةِ وَقْتَ حَرِّ النَّهَارِ، فَرَفَعَ عَيْنَيْهِ وَنَظَرَ وَإِذَا ثَلاَثَةُ رِجَال وَاقِفُونَ لَدَيْهِ. فَلَمَّا نَظَرَ رَكَضَ لاسْتِقْبَالِهِمْ مِنْ بَابِ الْخَيْمَةِ وَسَجَدَ إِلَى الأَرْضِ، وَقَالَ: «يَا سَيِّدُ، إِنْ كُنْتُ قَدْ وَجَدْتُ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْكَ فَلاَ تَتَجَاوَزْ عَبْدَكَ. لِيُؤْخَذْ قَلِيلُ مَاءٍ وَاغْسِلُوا أَرْجُلَكُمْ وَاتَّكِئُوا تَحْتَ الشَّجَرَةِ. (تكوين 18: 1-4)
- فَجَاءَ الْمَلاَكَانِ إِلَى سَدُومَ مَسَاءً، وَكَانَ لُوطٌ جَالِسًا فِي بَابِ سَدُومَ. فَلَمَّا رَآهُمَا لُوطٌ قَامَ لاسْتِقْبَالِهِمَا، وَسَجَدَ بِوَجْهِهِ إِلَى الأَرْضِ. وَقَالَ: «يَا سَيِّدَيَّ، مِيلاَ إِلَى بَيْتِ عَبْدِكُمَا وَبِيتَا وَاغْسِلاَ أَرْجُلَكُمَا، ثُمَّ تُبَكِّرَانِ وَتَذْهَبَانِ فِي طَرِيقِكُمَا». (تكوين 19: 1-2)
- دَخَلَ الرَّجُلُ إِلَى الْبَيْتِ وَحَلَّ عَنِ الْجِمَالِ، فَأَعْطَى تِبْنًا وَعَلَفًا لِلْجِمَالِ، وَمَاءً لِغَسْلِ رِجْلَيْهِ وَأَرْجُلِ الرِّجَالِ الَّذِينَ مَعَهُ. (تكوين 24: 32)
- وَأَدْخَلَ الرَّجُلُ الرِّجَالَ إِلَى بَيْتِ يُوسُفَ وَأَعْطَاهُمْ مَاءً لِيَغْسِلُوا أَرْجُلَهُمْ، وَأَعْطَى عَلِيقًا لِحَمِيرِهِمْ. (تكوين 43: 24)
هذه بعض نصوص العهد القديم التي تتحدث عن عادة غسل أرجل الضيوف، وهو أمر طبيعي وليس بمستغرب، ولكن أن يتحول الأمر الى أن يغسل يسوع، الأُقنوم الثاني من الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر، أرجل تلاميذه الذين أنكروه وشكوا فيه ولعنوه ولم يؤمنوا أنه قام من الأموات في قصة لم يتحدث عنها إلا يوحنا واختلف مع باقي الأناجيل في زمان القصة فهذا شيء عجاب ولا يحتاج الى تعليق!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق