السبت، 28 يوليو 2018

أُصول التوراة: الأصل الثامن العهود مع بني اسرائيل: القسم الثاني عهد الكهانة مع اللاويين

الفصل الأولالأُصول والأُسس التي قام عليها العهد القديم وعلاقة كتبة الأناجيل بها

إن اعتماد كتبة الأناجيل والكنائس المختلفة على العهد القديم، واعتبار أنها امتداد له سواء بالاستشهاد بنصوصه أو بتاريخه، يستوجب علينا وقفة للمقارنة بين الاصول والأُسس التي قام عليها العهد القديم والأصول والأُسس التي قامت عليها الأناجيل لنرى صحة هذا الاعتماد وهذا الامتداد، لندرك حقيقة المصادر الذي اعتمد عليها كتبة الأناجيل، كما يستوجب علينا إظهار حقيقة العلاقة بين العهد القديم وكتبة الأناجيل وموقفهم من شرائعه وأحكامه بشكل عام.
لهذا سأقوم في الصفحات التالية باستعراض أهم الاصول والأسس التي قام عليها العهد القديم ومقارنتها بالأصول والأسس التي قامت عليها الأناجيل وتدعو لها، لنرى إن كانت تتوافق فيما بينها أم تختلف، لنفصل القول إن كانت مصادرهما واحدة أم مختلفة، وبالتالي علينا البحث عن المصدر الذي اعتمد عليه كتبة الأناجيل عند كتابتهم لها.
الأصل أو الأساس الثامن العهود مع بني إسرائيل
يُعتبر العهد مع بني إسرائيل من أهم الأصول والأسس التي قام عليها العهد القديم، وهو يتمثل في التزام بني إسرائيل بعبادة الرب وحده وعدم عبادة آلهة أُخرى من دونه والعمل بوصايا وشرائع الناموس في مقابل اصطفائهم وإعطائهم الأرض المقدس التي وعد الرب بها إبراهيم وذريته ومباركتهم في حياتهم.
ومن خلال نصوص العهد القديم يمكن تقسيم العهد الى ثلاثة أقسام، الأول عهد الاصطفاء والاختيار وهو مع بني إسرائيل عامة، والثاني عهد الكهانة وهو مع اللاويين عامة وذرية هارون خاصة، والثالث عهد المُلك والحُكم وهو مع داوُد ومن بعده مع سليمان بن داوُد وذريته، وفيما يلي استعراض لهذه الأقسام وموقف كتبة الأناجيل ورسائل العهد الجديد والكنائس منها.
عهد الكهانة مع اللاويين
اللاويون هم أحد أسباط بني إسرائيل وهم الذين اختارهم الرب للكهانة وحفظ التوراة وتعليمها والقيام بالطقوس وتقديم القرابين بمختلف أنواعها، وهذا السبط هو الذي ينتمي إليه موسى وهارون وذريتهما، وقد تم اختيارهم للكهانة من الرب، كما في النص التالي:
- وقرّب إليك هارون أخاك وبنيه معه من بين بني إسرائيل ليكهن لي. (خروج 28: 1)
وكذلك تم أخذهم بدل أبكار بنو إسرائيل، كما في النص التالي:
- وتفرز اللاويين من بين بني إسرائيل،
فيكون اللاويون لي،
وبعد ذلك يأتي اللاويون ليخدموا خيمة الاجتماع فتطهرهم وترددهم ترديداً،
لأنهم موهوبون لي هبة من بين بني إسرائيل بدل كل فاتح رحم بكر من بني إسرائيل قد اتخذتهم لي، لأن لي كل بكر في بني إسرائيل من الناس ومن البهائم يوم ضربت كل بكر في أرض مصر قدستهم لي، فاتخذت اللاويين بدل كل بكر في إسرائيل ووهبت اللاويين لهارون وبنيه من بين بني إسرائيل ليخدموا خدمة بني إسرائيل في خيمة الاجتماع وللتكفير عن بني إسرائيل لكي لا يكون في بني إسرائيل وبأ عند اقتراب بني إسرائيل الى القدس. (عدد 8: 14-19)
وقبل دخول بنو إسرائيل الأرض المقدسة تم تخصيص رئاسة الكهنة في هذا السبط لفينحاس بن ألعازار بن هارون وذريته وتم إعطائهم العهد على ذلك، كما في النص التالي:
- فكلم الرب موسى قائلاً فينحاس بن ألعازار بن هارون الكاهن قد ردّ سخطي عن بني إسرائيل، بكونه غار غيرتي في وسطهم حتى لم أفن بني إسرائيل بغيرتي،
 لذلك قل ها أنذا أُعطيه ميثاقي ميثاق السلام،
فيكون له ولنسله من بعده ميثاق كهنوت أبديّ،
لأجل أنه غار للإله وكفّر عن بني إسرائيل. (عدد 25: 10-13)
وبقي هذا الأمر بعد دخولهم الأرض المقدسة وكان حالهم كحال بني إسرائيل، فقد ظهر فيهم الكفر بالرب وعبادة الأوثان في فترات كثيرة، وقد تم ذكر هذه الحالة في مواضع كثيرة ومنها النص التالي:
بل اللاويين الذين ابتعدوا عنّي حين ضلّ إسرائيل فضلّوا عني وراء أصنامهم يحملون إثمهم،
ويكونون خدّاماً في مقدسي،
حراس أبواب البيت وخدام البيت،
هم يذبحون المحرقة والذبيحة للشعب وهم يقفون أمامهم ليخدموهم،
لأنهم خدموهم أمام أصنامهم،
وكانوا معثرة إثم لبيت إسرائيل لذلك رفعت يدي عليهم يقول السيد الربّ فيحملون إثمهم،
ولا يتقربون إليّ ليكهنوا لي للاقتراب إلى شيء من أقداسي إلى قدس الأقداس بل يحملون خزيهم ورجاساتهم التي فعلوها. (حزقيال 44: 10-13)
ومع هذا الابتعاد عن عبادة الرب إلا أنهم كانوا في أغلب أوقاتهم قائمين على وظيفتهم ولم ينازعهم أحد فيها ولم يشعروا في لحظة أن العهد معهم قد نقض، فما هو موقف كتبة الأناجيل والرسائل من هذا العهد؟
لم يتعرض أحد من كتبة الاناجيل الاربعة أو الرسائل للحديث عن نقض العهد مع اللاويين سوى بولس، وخاصة في رسالته الى العبرانيين، فقد قال فيها إن هذا العهد قد نُقض معهم وانتقل الى سبط يهوذا وأنه تم استبدال رئيس الكهنة بيسوع كرئيس جديد للكهنة باعتباره من هذا السبط، وكتب فيها مجادلات كثيرة لإثبات ان العهد مع اللاويين قد نقض وانتهى، وفيما يلي أبرز ما كتب.
- فإذ لنا رئيس كهنة عظيم قد اجتاز السموات يسوع ابن الإله فلنتمسك بالإقرار،
لأن ليس لنا رئيس كهنة غير قادر أن يرثي لضعفاتنا بل مُجرّب في كل شيء مثلنا بلا خطية،
فلنتقدم بثقة الى عرش النعمة لكي ننال رحمة ونجد نعمة وعوناً في حينه. (عبرانيين 4: 14-16)
في هذا النص يُصرح بولس بأن يسوع رئيس كهنة، وبالتالي فان العهد مع اللاويين قد نقض وانتهى، لأن يسوع كما تقول الاناجيل الاربعة من سبط يهوذا ومن نسل داوُد، وهذا القول يطرح الكثير من الملاحظات حول الصفات التي تقولها الكنائس عنه، فهي تقول أنه إله وأحد الآلهة الثلاث الذين هم واحد ومن نفس الجوهر، فكيف يتحول إله الى كاهن؟!
- لأن كل رئيس كهنة مأخوذ من الناس يُقام لأجل الناس فيما للإله لكي يُقدّم قرابين وذبائح عن الخطايا،
قادراً أن يترفق بالجهّال والضالين إذ هو أيضاً محاط بالضعف،
ولهذا الضعف يلتزم أنه كما يُقدّم عن الخطايا لأجل الشعب هكذا أيضاً لأجل نفسه،
ولا يأخذ أحد هذه الوظيفة بنفسه بل المدعو من الإله كما هارون أيضاً،
كذلك المسيح أيضاً لم يُمجّد نفسه ليصير رئيس كهنة بل الذي قال له أنت ابني أنا اليوم ولدتك،
كما يقول أيضاً في موضع آخر أنت كاهن الى الأبد على رتبة ملكي صادق،
الذي في أيام جسده إذ قدّم بصراخ شديد ودموع طلبات وتضرعات للقادر أن يُخلصه من الموت،
وسُمع له من أجل تقواه،
مع كونه ابناً تعلم الطاعة مما تألم به،
وإذ كمِّل صار لجميع الذين يُطيعونه سبب خلاص أبدي،
مدعوّاً من الإله رئيس كهنة على رتبة ملكي صادق،
الذي من جهته الكلام كثير عندنا وعسِر التفسير لننطق به إذ قد صرتم مُتباطئي المسامع. (عبرانيين 5: 1-11)
في هذا النص يتحدث بولس عن رئيس الكهنة وأنه لا يكون من اختيار البشر بل من الرب، ويقول انه كان هارون، ومن ثم يبدأ بالحديث عن يسوع كرئيس للكهنة ويستشهد على ذلك بنصين من المزامير،
الأول مذكور في المزمور الثاني وفيما يلي نصه:
- إني أُخبر من جهة قضاء الرب، قال لي أنت ابني وأنا اليوم ولدتك،
اسألني فأُعطيك الأُمم ميراثاً لك وأقاصي الأرض مُلكاً لك،
تحطمهم بقضيب من حديد، مثل إناء خزّاف تكسّرهم،
فالآن يا أيها الملوك تعقلوا، تأدبوا يا قضاة الأرض، اعبدوا الرب بخوف، واهتفوا برعدة، قبّلوا الابن لئلا يغضب فتبيدوا من الطريق لأنه عن قليل يتقد غضبه، طوبى لجميع المتكلين عليه. (مزمور 2: 7-12)
في هذا المزمور حديث عن ابن الإله، وفيما بعد سنرى كم إنساناً قيل عنه ابن الإله، وإن كنا لم نبعد كثيراً عن النص الذي تحدث عن سليمان كإبن للإله! ولكن المهم هنا هو صفات ابن الإله المذكور في هذا المزمور، فنقرأ ان ذلك الابن سيُعطى الأُمم ميراثاً ويملك الى أقاصي الأرض، وهذه الصفة ليست من صفات يسوع كما قلت سابقاً، إذ انه رفض ان يكون ملكاً عندما حاول بعض اليهود تنصيبه ملكاً عليهم، كما انه قال ان مملكته ليست من هذا العالم، فهو لم يملك في حياته يوماً من الأيام، وأما تحطيم الأُمم بقضيب من حديد فالاناجيل لم تذكر انه خاض أي معركة فكيف سيحطم الأُمم؟!
وأما الطلب من الملوك والقضاة التعقل والتأدب، فهذا لم يكن حال الولاة والقضاة مع يسوع أثناء محاكمته، إذ انهم قاموا بجلده وضربه والاستهزاء به والحكم عليه ومن ثم صلبه، فلو كان المزمور يقصد يسوع لكان قضاء الرب المذكور في أول الفقرات قد تحقق في يسوع، فعدم تحقق قضاء الرب فيه دليل على أنه لا يقصد يسوع، وهذه مشكلة كتبة العهد الجديد كلهم كما سيظهر لنا في الفصول القادمة إذ أنهم يقتبسون نصوصاً وقصصاً من العهد القديم ويقولون انها تتحدث عن يسوع بغض النظر عما تتحدث عنه تلك النصوص أو حياة وصفات يسوع كما هي مكتوبة في الأناجيل! مما أوقعهم في جميع الأخطاء المكتوبة في الأناجيل، لأن اقتباس قول أو قصة والقول انها تتحدث عن شخص ما لا يجعل هذا الشخص هو المقصود بها، فهذا المزمور يتحدث عن داوُد، والمزمور إن لم يكن داوُد هو من قاله فإنه بالتأكيد يتحدث عنه، لهذا فإننا نجد أنه ينطبق عليه بشكل كامل، باستثناء فقرة انه ابن الإله التي سأُبين معناها فيما بعد، وقد يظن بعض الطيبين من أتباع الكنائس أن هذا سيحدث عند مجيء يسوع في المرة الثانية، وهذا الأمر بحاجة الى دليل أكثر من الظنون لأن الأناجيل كتبت أن يسوع سيعود قبل موت الجيل الذي عاش بينه وقبل موت جميع التلاميذ ولم يأت كما قال، كما في النصوص التالية:
- الحق أقول لكم إن من القيام ههنا قوماً لا يذوقون الموت حتى يروا ابن الإنسان آتياً في مملكته. (متّى 16: 28)
- وقال لهم الحق أقول لكم إن من القيام ههنا قوماً لا يذوقون الموت حتى يروا مملكة الإله قد أتت بقوة. (مرقس 9: 1)
حقاً أقول لكم إن من القيام ههنا قوماً لا يذوقون الموت حتى يروا مملكة الإله. (لوقا 9: 27)
- الحق أقول لكم لا يمضي هذا الجيل حتى يكون هذا كله،
السماء والأرض تزولان ولكن كلامي لا يزول،
وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد ولا ملائكة السماء إلا أبي وحده. (متّى 24: 34-36)
- الحق أقول لكم لا يمضي هذا الجيل حتى يكون هذا كله،
السماء والأرض تزولان ولكن كلامي لا يزول،
وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد ولا الملائكة الذين في السماء ولا الابن إلا الأب. (مرقس 13: 30-32)
- الحق أقول لكم انه لا يمضي هذا الجيل حتى يكون الكل،
السماء والأرض تزولان ولكن كلامي لا يزول. (لوقا 21: 32-33)
والنص الثاني الذي استشهد به بولس وهو قوله ان يسوع رئيس كهنة على رتبة ملكي صادق، وهو ما سأتحدث عنه بعد قليل، وخلاصة القول أنه اعتبر ان يسوع رئيس كهنة، ونسي أو تناسى جميع نصوص العهد القديم التي تقول ان الكهانة خاصة باللاويين وان رئيسهم من ذرية هارون، وهذا يعني ضمناً أنه اعتبر ان العهد قد انتهى معهم.
ثم تحدث مرة ثانية عن يسوع ككاهن على رتبة ملكي صادق كما في النص التالي:
- الذي هو لنا كمرساة للنفس مؤتمنة وثابتة تدخل الى ما داخل الحجاب،
حيث دخل يسوع كسابق لأجلنا، صائراً على رتبة ملكي صادق رئيس كهنة الى الأبد. (عبرانيين 6: 19-20)
وأخيراً بيّن لماذا اختار يسوع رئيساً للكهنة على رتبة ملكي صادق ليُعلن انتهاء العهد مع اللاويين كما في النص التالي:
- لأن ملكي صادق هذا ملك ساليم كاهن الإله العلي الذي استقبل إبراهيم راجعاً من كسرة الملوك وباركه،
الذي قسم له إبراهيم عُشراً من كل شيء،
المترجم أولاً ملك البرّ أيضاً ملك ساليم أي ملك السلام،
بلا أب، بلا أُم، بلا نسب،
لا بداءة أيام له، ولا نهاية حياة،
بل هو مُشبّهٌ بابن الإله،
هذا يبقى كاهناً الى الأبد،
ثم انظروا ما أعظم هذا الذي أعطاه إبراهيم رئيس الآباء عُشراً أيضاً من رأس الغنائم،
وأما الذين هم من بني لاوي الذين يأخذون الكهنوت فلهم وصية أن يُعَشِّروا الشعب بمقتضى الناموس،
أي إخوتهم مع أنهم قد خرجوا من صُلب إبراهيم،
ولكن الذي ليس له نسب منهم قد عَشّر َ إبراهيم وبارك الذي له المواعيد،
وبدون كل مشاجرة الأصغر يُبَارك من الأكبر،
وهنا أُناس مائتون يأخذون عُشراً، وأما هناك فالمشهود له بأنه حيٌّ،
حتى أقول كلمة إن لاوي أيضاً الآخذ الأعشار قد عُشّر بإبراهيم،
لأنه كان بعد في صُلب أبيه حين استقبله ملكي صادق،
فلو كان بالكهنوت اللاوي كمال، إذ الشعب أخذ الناموس عليه،
ماذا كانت الحاجة بعد إلى أن يقوم كاهن آخر على رتبة ملكي صادق،
ولا يقال على رتبة هارون،
لأنه إن تغير الكهنوت فبالضرورة يصير تغير للناموس أيضاً،
لأن الذي يُقال عنه هذا كان شريكاً في سبط آخر لم يُلازم أحد منه المذبح،
فإنه واضح أن ربنا قد طلع من سبط يهوذا الذي لم يتكلم عنه موسى شيئاً من جهة الكهنوت،
وذلك أكثر وضوحاً أيضاً إن كان على شِبه ملكي صادق يقوم كاهن آخر،
قد صار ليس بحسب ناموس وصية جسدية بل بحسب قوة حياة لا تزول،
لأنه يشهد أنك كاهن الى الأبد على رتبة ملكي صادق،
فانه يصير إبطال الوصية السابقة من أجل ضعفها،
وعدم نفعها،
إذ الناموس لم يُكمِّل شيئاً،
ولكن يصير إدخال رجاء أفضل به نقترب الى الإله،
وعلى قدر ما إنه ليس بدون قسم،
لأن أُولئك بدون قسم قد صاروا كهنة وأما هذا فبقسم من القائل له أقسَمَ الرب ولن يندم أنت كاهن الى الأبد على رتبة ملكي صادق،
على قدر ذلك قد صار يسوع ضامناً لعهد أفضل،
وأُولئك قد صاروا كهنة كثيرين من أجل منعهم بالموت عن البقاء،
وأما هذا فمن أجل أنه يبقى الى الأبد له كهنوت لا يزول،
فمن ثمّ يقدر أن يُخلص أيضاً الى التمام الذين يتقدمون به الى الإله،
إذ هو حيّ في كل حين ليشفع فيهم،
لأنه كان يليق بنا رئيس كهنة مثل هذا، قدّوس بلا شرّ ولا دنس،
قد انفصل عن الخطاة وصار أعلى من السموات،
الذي ليس له اضطرار كل يوم مثل رؤساء الكهنة أن يُقدم ذبائح أولاً عن خطايا نفسه ثم عن خطايا الشعب،
لأنه فعل هذا مرة واحدة إذ قدّم نفسه،
فإن الناموس يُقيم أُناس بهم ضعف رؤساء كهنة،
وأما كلمة القسم التي بعد الناموس فتقيم ابناً مكمَّلاً الى الأبد. (عبرانيين 7: 1-28)
يبدأ بولس حديثه عن ملكي صادق، وهو هنا يقوم باقتباس ما هو مكتوب عنه في سِفر التكوين، فيقول انه كان ملك ساليم وكان كاهناً للرب وأن إبراهيم أعطاه العُشر من الغنائم، وهذا اقتباس دقيق لما جاء في السِفر، ثم يبدأ بالاستنتاج الذي ليس له أصل سواء في السِفر أو العقل، فنجده يقول ان ملك ساليم يعني ملك البر وملك السلام وهذه النتيجة لست أدري كيف خطرت على قلبه؟! إذ أن قوله ملك ساليم تعني وبكل بساطة أنه ملك مدينه ساليم أو ما سُمي فيما بعد أورشليم، فملكي صادق كان ملكاً على مدينة كالملوك الآخرين في زمنه إذ كان كل واحد منهم ملكاً على مدينة كما هو مذكور في السِفر، ولم يكتف بولس بهذا التفسير الغريب حتى وصفه بصفات لم يتحدث عنها أحد قبله فيقول ان ملكي صادق كان بلا أب ولا أُم ولا نسب! وهنا أسأل كيف علم بولس أن ملكي صادق وُلِدَ من غير أب ولا أُم؟ وهذا القول يناقض العقل أيضاً، لأن عدم ذكر أسماء أب وأُم ملكي صادق لا يعني أنه ولد بلا أب وبلا أُم، لأنه يوجد عشرات الأشخاص المذكورين في الكتب النبوية ولم تذكر أسماء آبائهم وأُمهاتهم فهل كل هؤلاء ولدوا بلا أب ولا أُم كما يقول بولس؟! لا بل إن الأناجيل لم تكتب اسم أب مريم ولا اسم أُمها فهل مريم ولدت من غير أب ولا أُم؟!
ولم يكتف بولس بهذا حتى أضاف صفتين لا برهان عليهما وهما صفة عدم وجود بداية له ولا نهاية لعمره ويقول انه يشبه ابن الإله!
فإذا كانت هذه صفات صحيحة فلماذا كان يسوع الذي يقول عنه بولس انه ابن إله له أُم وله بداية لحياته ونهاية، وكذلك لماذا لم يقم بولس والكنائس بعبادة ملكي صادق؟!
ثم يقول ان ملكي صادق هذا يبقى كاهناً الى الأبد! ولو وافقنا بولس على هذه النتيجة فلماذا اختار الرب اللاويين كهنة ورئيسهم يكون من ذرية هارون؟
ثم يبدأ بالتقليل من شأن اللاويين فيقول انهم يُعشرون أموال إخوانهم بحسب الناموس في حين أن الذي لا ينتسب لبني إسرائيل أخذ العشر من إبراهيم وباركه! ولست أدري ما هي الغرابة في أن يقوم أحد بالدعاء لآخر بالمباركة من الرب خالق السموات والأرض، فهذه المسألة لا تحتاج إلى مشاجرة كما ظنّ بولس! لأنه يوجد عشرات النصوص في الكتب النبوية تتحدث عن مباركة الأقل شأناً للأعظم شأناً والدعاء له، لا بل انه يوجد نصين في إنجيل لوقا يتحدثان عن مباركة رجل ليسوع وأُمه، ومباركة امرأة لمريم أُم يسوع وهما كما يلي:
وباركهما سمعان وقال لمريم أُمه ها إن هذا قد وُضِعَ لسقوط وقيام كثيرين في إسرائيل ولعلامة لا تقاوَم. (لوقا 2: 34)
- وفيما هو يتكلم بهذا، رفعت امرأة صوتها من الجمع وقالت له طوبى للبطن الذي حملك والثديين اللذين رضعتهما. (لوقا 11: 27)
فهل مباركة سمعان والمرأة ليسوع وأُمه دليل على أنهما أعظم من يسوع وأُمه، كما قال بولس عن ملكي صادق لأنه بارك إبراهيم؟!
كما أن قصة تعميد يوحنا المعمدان ليسوع كما كتبت في الاناجيل أعظم في معنى المفاضلة من إعطاء إبراهيم عُشر أمواله لملكي صادق! فهل تدل هذه القصة على أن يوحنا المعمدان أعظم من يسوع بحسب فهم بولس لقصة إعطاء إبراهيم عُشر أمواله لملكي صادق، وخاصة ان الاناجيل لم تذكر ان يسوع عمّد يوحنا المعمدان؟!
وبعد ذلك يبدأ بالانتقاص من قيمة عهد الكهنوت مع اللاويين فيقول ان اللاويين أُناس يموتون وأما ملكي صادق فحيّ لا يموت! وهذا الكلام لو كان صحيحاً لما كان نقيصة للاويين لأن من عَهِد لهم بالكهنوت هو الرب ولم يقوموا بالكهانة من عند أنفسهم! ثم وزيادة في الانتقاص منهم يقول ان اللاويين قد عَشَّرهم ملكي صادق بأخذه العُشر من إبراهيم، وهذا القول يدل على عدم فهم بولس للنصوص لأن إبراهيم لم يُعشِّر أولاده بل عَشَّر الغنائم التي غنمها خلال معركته مع أعدائه في حين أن اللاويين يُعَشِّرون محاصيل بني إسرائيل تنفيذاً لوصايا الرب، كما هو مكتوب.
ثم يبدأ بالحديث عن نقض العهد مع اللاويين فيقول ان العهد معهم لو كان كاملاً لما كان هناك حاجة للحديث عن كاهن على رتبة ملكي صادق، ويتخذ هذا النص دليلاً على تغير الناموس وإبطاله ويصفه بالضعف وعدم النفع وأنه لم يُكمل شيئاً! ويُكمل مناقشته في باقي الإصحاحات لنقض عهد الكهنوت مع اللاويين بطريقة عقلية لا تخلوا من الأخطاء عند تأملها بتمعن ولكننا نخلص من هذا الى أن بولس نقض عهد الكهانة الذي اتخذه الرب مع اللاويين، ووافقته الكنائس على هذا الأمر، وهو ما يشير الى اختلاف مصادر الاناجيل عن مصدر العهد القديم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق