الثلاثاء، 24 يوليو 2018

مصادر قصة تعميد يسوع وتناقضاتها، ومصدر قول الأناجيل أن يسوع ويوحنا المعمدان كانا يعيشان في البراري

الفصل الثالث: مصادر الأناجيل وطريقة تأليفها وكتابتها

القسم السادس: النصوص المقتبسة من العهد القديم دون نسبتها له مباشرة
في هذا القسم سأقوم بدراسة النصوص المقتبسة من العهد القديم والتي لم تُنسب إليه مباشرة، كما هو الحال في الأقسام السابقة، أو ما أُطلق عليه الحبكة القصصية والحوارية، وفيه سنطلع على معظم الأحداث والقصص والأقوال المذكورة في الأناجيل ومقارنتها بالعهد القديم وبواقع حال يسوع كما تصفه قوانين إيمان الكنائس، وأبدأ ببعض أسماء وألقاب يسوع.
مصدر قصة تعميد يسوع
ذكرت الاناجيل الاربعة قصة تعميد يوحنا المعمدان ليسوع في نهر الأردن، واعتبرت الكنائس فيما بعد أن التعميد علامة للعهد الجديد بدلاً من الختان، فهل هذه القصة حقيقية أم ان الكتبة اقتبسوها من العهد القديم وأعادوا صياغتها في أناجيلهم بحيث تتوافق مع هدفهم من كتابتهم لها وما كانوا يؤمنون به من صفات ليسوع؟
وقبل تفصيل الأمر أودّ أن أذكر هذه القصة كما كتبت في الاناجيل، وهي كما يلي:
- وفي تلك الأيام جاء يوحنا المعمدان يكرز في برّية اليهودية، قائلاً توبوا لأنه قد اقتربت مملكة السماء، فإن هذا هو الذي قيل عنه بإشعياء النبي القائل صوت صارخ في البرية أعدّوا طريق الرب اصنعوا سبله مستقيمة، ويوحنا هذا كان لباسه من وبر الإبل وعلى حقويه مِنطقة من جلد وكان طعامه جراداً وعسلاً برياً،
حينئذ خرج إليه أُورشليم وكل اليهودية وجميع الكورة المحيطة بالأردن، واعتمدوا منه في الأردن معترفين بخطاياهم،
فلما رأى كثيرين من الفريسيين والصدوقيين يأتون إلى معموديته قال لهم يا أولاد الأفاعي من أراكم أن تهربوا من الغضب الآتي، فاصنعوا أثماراً تليق بالتوبة، ولا تفتكروا أن تقولوا في أنفسكم لنا إبراهيم أباً لأني أقول لكم إن الإله قادر أن يُقيم من هذه الحجارة أولاداً لإبراهيم، والآن قد وُضعت الفأس على أصل الشجر فكل شجرة لا تصنع ثمراً جيداً تقطع وتلقى في النار،
أنا أُعمدكم بماء للتوبة ولكن الذي يأتي بعدي هو أقوى مني الذي لست أهلاً أن أحمل حذاءه،
هو سيُعمّدكم بالروح المقدس ونار،
الذي رفشه في يده وسيُنقي بيدره ويجمع قمحه إلى المخزن وأما التبن فيحرقه بنار لا تطفأ،
حينئذ جاء يسوع من الجليل إلى الأردن إلى يوحنا ليعتمد منه،
ولكن يوحنا منعه قائلا أنا محتاج أن أعتمد منك وأنت تأتي إليّ،
 فأجاب يسوع وقال له أسمح الآن لأنه هكذا يليق بنا أن نكمل كل برّ،
حينئذ سمح له، فلما اعتمد يسوع صعد للوقت من الماء،
وإذا السماء قد انفتحت له فرأى روح الإله نازلاً مثل حمامة وآتياً عليه،
وصوت من السماء قائلاً هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت. (متّى 3: 1-17)
- وكان يكرز قائلاً يأتي بعدي من هو أقوى مني، الذي لست أهلاً أن أنحني وأحل سيور حذائه،
أنا عمّدتكم بالماء وأما هو فسيُعمّدكم بالروح المقدس،
وفي تلك الأيام جاء يسوع من ناحية ناصرة الجليل،
واعتمد من يوحنا في الأردن،
وللوقت وهو صاعد من الماء رأى السماء قد انشقت والروح مثل حمامة نازلاً عليه،
وكان صوت من السماء أنت ابني الحبيب الذي به سررت. (مرقس 1: 7-11)
- في أيام رئيس الكهنة حنان وقيافا كانت كلمة الإله على يوحنا بن زكريا في البرية، فجاء إلى جميع الكورة المحيطة بالأردن يكرز بمعمودية التوبة لمغفرة الخطايا. (لوقا 3: 2-3)
- وإذ كان الشعب ينتظر والجميع يفكرون في قلوبهم عن يوحنا لعله المسيح،
أجاب يوحنا الجميع قائلاً أنا أُعمّدكم بماء ولكن يأتي من هو أقوى مني الذي لست أهلاً أن أحل سيور حذائه، هو سيُعمّدكم بالروح المقدس ونار، الذي رفشه في يده وسيُنقي بيدره ويجمع القمح إلى مخزنه وأما التبن فيُحرقه بنار لا تطفأ، وبأشياء أُخر كثيرة كان يعظ الشعب ويُبشرهم. (لوقا 3: 15-18)
- ولما اعتمد جميع الشعب اعتمد يسوع أيضاً،
وإذ كان يُصلي انفتحت السماء، ونزل عليه الروح المقدس بهيئة جسمية مثل حمامة وكان صوت من السماء قائلا أنت ابني الحبيب بك سُررت. (لوقا 3: 21-22)
- وهذه هي شهادة يوحنا حين أرسل اليهود من أُورشليم كهنة ولاويين ليسألوه من أنت،
فاعترف ولم يُنكر وأقرّ أني لست المسيح،
فسألوه إذاً ماذا، إيليا أنت،
فقال لست أنا،
النبي أنت، فأجاب لا،
فقالوا له من أنت لنعطي جواباً للذين أرسلونا، ماذا تقول عن نفسك،
قال أنا صوت صارخ في البرية قوّموا طريق الرب كما قال إشعياء النبي، وكان المرسلون من الفريسيين،
فسألوه وقالوا له فما بالك تعمّد إن كنت لست المسيح ولا إيليا ولا النبي،
أجابهم يوحنا قائلاً أنا أُعمّد بماء ولكن في وسطكم قائم،
الذي لستم تعرفونه، هو الذي يأتي بعدي الذي صار قدامي،
الذي لست بمستحق أن أحلّ سيور حذائه،
هذا كان في بيت عبرة في عبر الأردن حيث كان يوحنا يُعمّد،
وفي الغد نظر يوحنا يسوع مُقبلاً إليه فقال هو ذا حَمَل الإله الذي يرفع خطية العالم،
هذا هو الذي قلت عنه يأتي بعدي رجل صار قدّامي لأنه كان قبلي،
وأنا لم أكن أعرفه،
لكن ليُظهَرَ لإسرائيل لذلك جئت أُعمّد بالماء،
وشهد يوحنا قائلاً إني قد رأيت الروح نازلاً مثل حمامة من السماء فاستقر عليه،
وأنا لم أكن أعرفه،
لكن الذي أرسلني لأُعمد بالماء ذاك قال لي الذي ترى الروح نازلاً عليه ومُستقراً عليه فهذا الذي يُعمّد بالروح المقدس. (يوحنا 1: 19-33)
هذه النصوص تتحدث عن قصة تعميد يوحنا المعمدان ليسوع في نهر الأردن، ونجد أنفسنا أمام عدة مسائل لا بد من مناقشتها قبل الحديث عن مصادرها في العهد القديم.
المسألة الأولى وهي تعميد يوحنا المعمدان ليسوع الذي تصفه الأناجيل وقوانين إيمان الكنائس أنه ابن الإله وأحد الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر! فهذا العمل لا يمكن تصوره في الواقع والعقل، ولا في العهد القديم الذي يتحدث عن عظمة مجد الرب وأنه لا تسعه السموات ولا سماء السموات والذي لا يسكن على الأرض مع الإنسان، فكيف يقوم إنسان بتغطيسه في ماء نهر الأردن وسكب الماء عليه؟! سبحانه وتعالى عما يصفون ويشركون، وتزداد صعوبة تصور حدوث مثل هذه القصة إذا علمنا أن الاناجيل لم تكتب قصة عن تعميد يسوع ليوحنا المعمدان.
المسألة الثانية وهي مخالفة هذه النصوص للعهد القديم وشرائعه، فالتعميد ليس من شرائع الناموس، وهناك عشرات النصوص التي تحذر من الزيادة عليه، كما بينت ذلك سابقاً، فهذه الشريعة زيادة على الناموس وهي مرفوضة لأنه لا يمكن زيادة شرائع جديدة عليه.
المسألة الثالثة وهي كتابة متّى ولوقا على لسان يوحنا المعمدان أن من صفات تعميد يسوع هو تعميده بالروح المقدس ونار، وكما نعلم فإن التعميد الى يومنا هذا يتم بالماء وحده، فأين النار التي تحدث عنها يوحنا المعمدان؟
المسألة الرابعة وهي المتعلقة بنص يوحنا فهو لم يتحدث عن تعميد يوحنا المعمدان ليسوع! بل كتب انه قال ان الذي أرسله قال له ان الذي يرى الروح نازلاً عليه ومستقراً عليه هو الذي يُعمّد بالروح المقدس، وهنا قد يقول بعض الطيبين من أتباع الكنائس إن ذِكر الكتبة الآخرين لهذا التعميد يكفي لإثبات القصة، وهذا صحيح ولكن يوحنا لم يغفل كتابة تعميد يوحنا المعمدان ليسوع فقط، بل كتب عدة فقرات تتناقض مع الاناجيل الأُخرى، مثل قول يوحنا أنه ليس إيليا في حين أن متّى ومرقس قالا أنه إيليا، كما سبق وبينته، كما أن كتابته على لسان يوحنا المعمدان مرتين قوله أنه لم يكن يعرف يسوع يتناقض مع ما كتبه لوقا في إنجيله من أن مريم كانت نسيبة لأُم يوحنا المعمدان، وانه فرح في بطن أُمه عندما سمع صوت مريم، أو كما هو مكتوب في إنجيل لوقا: فهوذا حين صار صوت سلامك في أُذنيّ ارتكض الجنين بابتهاج في بطني، (لوقا 1: 44)، فكيف لا يعرفه وهو بهذا القرب منه؟!
المسألة الخامسة وهي مدى فاعلية التعميد في الحياة البشرية، فهو كما تقول الكنائس عبارة عن حلول الروح المقدس في الانسان المتعمّد، ومع هذا فبعض هؤلاء المتعمّدين يقومون بكل الأعمال الشريرة التي يقوم بها غير المتعمّدين، من سرقة وقتل وزنا وغيرها، فما فائدة هذا التعميد مقارنة بالصفات التي تقولها عنه الكنائس؟!
كما أن هذا التعميد لم يمنع انقسام الكنيسة الى عشرات بل مئات الكنائس، فما هو دور الروح المقدس في التعميد؟
بالإضافة الى أن صيغته غير متفق عليها بين الكنائس، فمنها من تغطس الجسد كله بالماء، ومنها من تصب بعض الماء على الرأس، ومنها من تكتفي برش قطرات الماء على المتعمدين، ومنها من تعمّد الأطفال، ومنها من ترفض تعميدهم! فلماذا كل هذه الاختلافات بين الكنائس لو كانت القصة حقيقية وفاعليتها قائمة؟
المسألة السادسة وهي أن يوحنا كتب نصين في إنجيله يُعبّران عن حالة الاضطراب تجاه قصة التعميد وهما كما يلي:
- وبعد هذا جاء يسوع وتلاميذه إلى أرض اليهودية ومكث معهم هناك وكان يُعمّد،
وكان يوحنا أيضاً يُعمّد في عين نون بقرب ساليم لأنه كان هناك مياه كثيرة،
وكانوا يأتون إليه ويعتمدون لأنه لم يكن يوحنا قد أُلقي بعد في السجن،
وحدثت مباحثة من تلاميذ يوحنا مع يهود من جهة التطهير،
فجاءوا إلى يوحنا وقالوا له يا معلم هو ذا الذي كان معك في عبر الأردن الذي أنت شهدت له هو يُعمّد والجميع يأتون إليه. (يوحنا 3: 22-26)
- فلما علم الرب إن الفريسيين سمعوا أن يسوع يُصيّر ويُعمّد تلاميذ أكثر من يوحنا،
مع أن يسوع نفسه لم يكن يُعمّد بل تلاميذه، ترك اليهودية ومضى أيضاً إلى الجليل. (يوحنا 4: 1-3)
في النص الأول نقرأ أن يسوع كان يُعمّد، وفي النص الثاني يكتب يوحنا أن يسوع لم يكن يُعمّد! فما معنى هذه الفقرات كان يُعمّد وكان لا يُعمّد؟ كما أن النص الأول يتحدث عن يسوع وتلاميذه وأنهم كانوا يُعمّدون قبل إلقاء القبض على يوحنا، وهذا يتناقض مع الأناجيل الأُخرى التي كتبت ان يسوع بدأ يكرز ويبشر بعد إلقاء القبض على يوحنا.
وأخيراً فإن هذين النصين لا يتحدثان عن التعميد بالروح المقدس أو بالنار، بل يتحدثان عن التعميد بالماء لأنه يوجد ماء كثير في عين نون بقرب ساليم وهي طريقة يوحنا في التعميد كما كتبتها الاناجيل، فأين الروح المقدس والنار التي تحدث عنهما متّى ولوقا ومرقس؟!
من هذا الشرح لهذه القصة وما تحمله من تناقضات وأخطاء سواء في الجانب القصصي أو في الجانب الطقسي (من طقوس) نخرج بنتيجة أن هذه القصة ينطبق عليها قانون لا تقبل خبراً كاذباً، فما هو مصدر هذه القصة، وهل هي مقتبسة من العهد القديم؟
لنقرأ النص التالي:
- وكان نعمان رئيس جيش ملك أرام رجلاً عظيماً عند سيده مرفوع الوجه لأنه عن يده أعطى الرب خلاصاً لأرام، وكان الرجل أبرص، وكان الأراميون قد خرجوا غزاة فسَبَوْا من أرض إسرائيل فتاة صغيرة فكانت بين يدي امرأة نعمان،
فقالت لمولاتها يا ليت سيدي أمام النبي الذي في السامرة فإنه كان يشفيه من برصه،
فدخل وأخبر سيده قائلاً كذا وكذا قالت الجارية التي من أرض إسرائيل،
فقال ملك أرام انطلق ذاهباً فأُرسل كتاباً إلى ملك إسرائبل فذهب وأخذ بيده عشر وزنات من الفضة وستة آلاف شاقل من الذهب وعشر حلل من الثياب،
وأتى بالكتاب إلى ملك إسرائيل يقول فيه فالآن عند وصول هذا الكتاب إليك هوذا قد أرسلت إليك نعمان عبدي فاشفه من برصه،
فلما قرأ ملك إسرائيل الكتاب مزّق ثيابه وقال هل أنا الإله لكي أُميت وأُحيي حتى إن هذا يُرسل إليّ أن أشفي رجلاً من برصه فاعلموا وانظروا أنه إنما يتعرض لي،
ولما سمع أليشع رجل الإله أن ملك إسرائيل قد مزّق ثيابه أرسل إلى الملك يقول لماذا مزّقت ثيابك ليأت إليّ فيعلم أنه يُوجد نبيّ في إسرائيل،
فجاء نعمان بخيله ومركباته ووقف عند باب بيت أليشع،
فأرسل إليه أليشع رسولاً يقول اذهب واغتسل سبع مرات في الأردن فيرجع لحمك إليك وتطهر،
فغضب نعمان ومضى وقال هوذا قلت إنه يخرج إليّ ويقف ويدعو باسم الرب إلهه ويُردد يده فوق الموضع فيُشفي الأبرص،
أليس أبانة وفرفر نهرا دمشق أحسن من جميع مياه إسرائيل، أما كنت أغتسل بهما فأطهر ورجع ومضى بغيظ،
فتقدم عبيده وكلموه وقالوا يا أبانا لو قال لك النبيّ أمراً عظيماً أما كنت تعمله فكم بالحري إذا قال لك اغتسل واطهر،
فنزل وغطس في الأردن سبع مرات حسب قول رجل الإله فرجع لحمه كلحم صبي صغير وطهر،
فرجع الى رجل الإله هو وكل جيشه ودخل ووقف أمامه وقال هوذا قد عرفت أنه ليس إلهٌ في كل الأرض إلا في إسرائيل والآن فخذ بركة من عبدك. (الملوك الثاني 5: 1-15)
في هذا النص نقرأ ان نعمان الأبرص سمع قول أليشع وذهب الى نهر الأُردن واغتسل سبع مرات فزال عنه البرص، وهذه العملية هي ذات ما تقوله الاناجيل والكنائس عن عملية التعميد مع فارق وحيد وهو أن نعمان تطهر من برصه في حين أن أتباع الكنائس لا يحل فيهم الروح المقدس عند التعميد، والبرص في العهد القديم يعتبر نوع من أنواع الخطيئة، وله شرائع معينة في الناموس يتم من خلالها التطهر منه، فهي جزء من الناموس في حين أن التعميد بالإضافة لعدم فاعليته في واقع الناس، فانه زيادة على شرائع الناموس الذي يقول العهد القديم عنه أنه كامل ويحذر من الزيادة عليه.
كما أن لوقا استشهد بهذه القصة في إنجيله ولكنه ارتكب خطأ لم ينتبه له، كما في النص التالي:
- وبُرْصٌ كثيرون كانوا في اسرائيل قي زمان أليشع النبي ولم يُطهّر واحد منهم إلا نعمان السرياني. (لوقا 4: 27)
في هذا النص يكتب لوقا على لسان يسوع قوله انه في زمان أليشع لم يطهر إلا نعمان السرياني، وهذا القول خطأ، لأن الجارية التي أخبرت نعمان عن أليشع وقدرته على شفاء البرص لا بد أن تكون قد سمعت عن تطهير أليشع لبعض البرص، وإلا لو لم تكن قد سمعت عن شفاء أليشع للبرص فكيف ستعرف بهذه القدرة، فقوله إنه لم يطهر أحد إلا نعمان ليس صحيحاً.
ويوجد نص آخر يتحدث عن عملية تشبه التعميد، وقد تكون الكنائس التي تقوم برش أتباعها بالماء بدلاً من تغطيسهم بها استندت عليه وهو كما يلي:
- وأرُشُّ عليكم ماء طاهراً فتطهرون من كل نجاستكم، ومن كل أصنامكم أُطهركم،
وأُعطيكم قلباً جديداً،
وأجعل روحاً جديدة في داخلكم،
وأنزع قلب الحجر من لحمكم وأُعطيكم قلب لحم،
وأجعل روحي في داخلكم،
وأجعلكم تسلكون في فرائضي،
وتحفظون أحكامي وتعملون بها، وتسكنون الأرض التي أعطيت آباءكم إيّاها وتكونون لي شعباً وأنا أكون لكم إلهاً،
وأُخلصكم من كل نجاساتكم وأدعو الحنطة وأُكثرها ولا أضع عليكم جوعاً. (حزقيال 36: 25-29)
هذا النص يتحدث عن رشّ الماء على بعض الناس لتطهيرهم من نجاستهم وجعل روح الرب فيهم، وهو ما تقوله الكنائس لأتباعها عن عملية التعميد، ولكن ما لا تقوله الكنائس المختلفة لأتباعها أنها لا تسلك في فرائض الرب ولا تحفظ أحكامه ولا تعمل بها كما بينت ذلك سابقاً، كما أنها لم تطهرهم من الأصنام لأنها قامت بعمل ملايين التماثيل والأصنام والصور وأمرت أتباعها بعبادتها والسجود لها وتبخيرها وطلب المعونة منها.
مصدر قول الأناجيل عن عيش يسوع في البرية
في القصة السابقة حديث عن بقاء يسوع في البرية أربعين يوماً وكان مع الوحوش كما كتب مرقس، كما توجد عدة نصوص أُخرى في الاناجيل تتحدث عن عيش يسوع في البرية وفيما يلي بعض منها:
- فلما سمع يسوع انصرف من هناك في السفينة الى موضع خلاء منفرداً، فسمع الجموع وتبعوه مشاة من المدن. (متّى 14: 13)
- ولما صار النهار خرج وذهب الى موضع خلاء وكان الجموع يفتشون عليه فجاءوا إليه وأمسكوه لئلا يذهب عنهم،
فقال لهم إنه ينبغي لي أن أُبشر المدن الأُخرى أيضاً بمملكة الإله، لأني لهذا قد أُرسلتُ. (لوقا 4: 42-43)
وأما هو فكان يعتزل في البراري ويُصلي. (لوقا 5: 16)
هذه النصوص وغيرها التي تتحدث عن اعتزال يسوع الناس والعيش في البراري تثير الشك في الصفة التي تقدمه بها الكنائس باعتباره أحد الاقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر، إذ كيف يخاف مَنْ هذه صفته من الناس ويعتزل في الأماكن الخالية وفي البراري؟!
وهل هذه الحالة تدل على حمل صاحبها لصفات إلهية تجعل منه إلهاً يُعبد من دون الرب، أم أنها صفة اقتبسها كتبة الاناجيل من بعض الشخصيات البشرية في العهد القديم وصاغوها في قصصهم عن يسوع متناسين الصفات التي يقولونها عن يسوع؟
يوجد في العهد القديم عدة نصوص تتحدث عن عيش بعض الناس، وخاصة داوُد، في البرية ومنها النصين التاليين:
وأقام داوُد في البرية في الحصون ومكث في الجبل في برية زيف،
وكان شاول يطلبه كل الأيام ولكن لم يدفعه الإله لِيَدِه. (صموئيل الاول 23: 14)
- أصغ يا إله الى صلاتي ولا تتغاضى عن تضرعي، استمع لي واستجب لي،
أتحيّر في كربتي واضطرب، من صوت العدو من قِبَلِ ظلم الشرير،
لأنهم يُحيلون عليّ إثماً وبغضب يضطهدونني،
يمخض قلبي في داخلي وأهوال الموت سقطت عليّ،
خوف ورعدة أتيا عليّ وغشيني رعب،
فقلت ليت لي جناحاً كالحمامة فأطير وأستريح،
هاأنذا كنت أبعد هارباً وأبيت في البرية. (مزمور 55: 1-7)
كما نقرأ فإن داوُد هرب من شاول في فترة الصراع بينهما وعاش في البرية، وكان يدعو الرب ان يخلصه منه كما في المزمور، وهو أمر معروف في طبيعة البشر، أما ان يصدر هذا الموقف من يسوع الذي تصفه الكنائس انه إله وابن إله وأحد الاقانيم الثلاثة والذين هم واحد ومن نفس الجوهر فهذا شيء عجيب! مع ملاحظة ان الرب في قصة داوُد أنجاه من يد شاول بعكس يسوع الذي لم ينجيه الرب كما تقول الاناجيل.
مصدر قول الأناجيل عن يوحنا المعمدان أنه كان يعيش في البرية
كتب لوقا عن شخص آخر عاش في البرية وهو يوحنا المعمدان الذي وصفته الأناجيل بأنه الصوت الصارخ في البرية، وأنه ملاك أو رسول، وأنه إيليا المولود قبل مئات السنين من ولادة يوحنا، فهل حقاً كان يوحنا يعيش في البرية، أم إن القصة كتبت استناداً لنص من العهد القديم؟
- أما الصبي فكان ينمو ويتقوى بالروح وكان في البراري الى يوم ظهوره لاسرائيل. (لوقا 1: 80)
في هذا النص يقول لوقا ان يوحنا المعمدان ظل يعيش في البرية الى يوم ظهوره، وهو من النصوص التي تثير الحيرة في النفس، إذ كيف يعيش طفل في البرية مع أن أهله يسكنون في أورشليم، وأبوه من الرجال المعروفين في قومه، فهو رئيس فرقته ويكهن في الهيكل، فكيف ولماذا يترك ابنه يعيش في البرية، ومن الذي كان يكفله وهو طفل؟
فمن أين اقتبس لوقا هذا القول وكتبه عن يوحنا المعمدان؟
لنقرأ النص التالي:
- وكان الإله مع الغلام فكبر وسكن في البرية وكان ينمو رامي قوس، وسكن في برية فاران وأخذت له أُمه زوجة من أرض مصر. (تكوين 21: 20-21)
هذا النص يتحدث عن إسماعيل وكيف انه سكن في برية فاران وانه عاش ونمى فيها وان الرب كان معه.
فهذا النص لا يحتمل الخطأ ولا الغرابة، لان إسماعيل عندما ذهب الى برية فاران كانت معه أمه وكان ذهابهما بأمر من الرب، ولكن لوقا أو غيره من كتبة الاناجيل لم يخبرونا عن السبب الذي من أجله عاش يوحنا ابن زكريا رئيس طائفة من الكهنة في البرية، وهم يسكنون أجمل مدينة في العالم! هذا كله ليس مهماً في نظر كتبة الأناجيل، بل المهم هو وجود قصص في أناجيلهم تشبه قصص العهد القديم للإيحاء أن مصدرهما واحد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق