السبت، 28 يوليو 2018

أُصول التوراة: الأصل الثامن العهود مع بني اسرائيل: القسم الأول عهد الإصطفاء لبني اسرائيل

الفصل الأولالأُصول والأُسس التي قام عليها العهد القديم وعلاقة كتبة الأناجيل بها

إن اعتماد كتبة الأناجيل والكنائس المختلفة على العهد القديم، واعتبار أنها امتداد له سواء بالاستشهاد بنصوصه أو بتاريخه، يستوجب علينا وقفة للمقارنة بين الاصول والأُسس التي قام عليها العهد القديم والأصول والأُسس التي قامت عليها الأناجيل لنرى صحة هذا الاعتماد وهذا الامتداد، لندرك حقيقة المصادر الذي اعتمد عليها كتبة الأناجيل، كما يستوجب علينا إظهار حقيقة العلاقة بين العهد القديم وكتبة الأناجيل وموقفهم من شرائعه وأحكامه بشكل عام.
لهذا سأقوم في الصفحات التالية باستعراض أهم الاصول والأسس التي قام عليها العهد القديم ومقارنتها بالأصول والأسس التي قامت عليها الأناجيل وتدعو لها، لنرى إن كانت تتوافق فيما بينها أم تختلف، لنفصل القول إن كانت مصادرهما واحدة أم مختلفة، وبالتالي علينا البحث عن المصدر الذي اعتمد عليه كتبة الأناجيل عند كتابتهم لها.
الأصل أو الأساس الثامن العهود مع بني إسرائيل
يُعتبر العهد مع بني إسرائيل من أهم الأصول والأسس التي قام عليها العهد القديم، وهو يتمثل في التزام بني إسرائيل بعبادة الرب وحده وعدم عبادة آلهة أُخرى من دونه والعمل بوصايا وشرائع الناموس في مقابل اصطفائهم وإعطائهم الأرض المقدس التي وعد الرب بها إبراهيم وذريته ومباركتهم في حياتهم.
ومن خلال نصوص العهد القديم يمكن تقسيم العهد الى ثلاثة أقسام، الأول عهد الاصطفاء والاختيار وهو مع بني إسرائيل عامة، والثاني عهد الكهانة وهو مع اللاويين عامة وذرية هارون خاصة، والثالث عهد المُلك والحُكم وهو مع داوُد ومن بعده مع سليمان بن داوُد وذريته، وفيما يلي استعراض لهذه الأقسام وموقف كتبة الأناجيل ورسائل العهد الجديد والكنائس منها.
عهد الاصطفاء والاختيار مع بني إسرائيل
هذا العهد في البداية كان مع إبراهيم وذريته، ومن ثم تجدد مع إسحاق وذريته، وأخيراً تحدد في يعقوب، وهو الذي يُسمى إسرائيل، وذريته، وفيما يلي استعراض لبعض النصوص التي تتحدث عنه وما يتضمنه من شروط.
- ولما كان أبرام ابن تسع وتسعين سنة ظهر الرب لأبرام وقال له أنا الإله القدير،
سِرْ أمامي وكن كاملاً،
فأجعل عهدي بيني وبينك وأُكثرك كثيراً جداً،
فسقط أبرام على وجهه وتكلم الإله معه قائلاً،
أما أنا فهوذا عهدي معك وتكون أباً لجمهور من الأُمم،
فلا يُدعى اسمك بَعْدُ أبرام بل يكون اسمك إبراهيم،
لأني أجعلك أباً لجمهور من الأُمم،
وأُثمِرُك كثيراً جداً وأجعلك أُمماً، وملوك منك يخرجون. (تكوين 17: 1-6)
في هذا النص يطلب الرب من إبراهيم أن يكون مؤمناً به وكاملاً في عبادته وأن يسير بحسب أوامره، وفي المقابل فإن الرب سيجعل عهده معه ويجعل ذريته أُمماً وشعوباً كثيرة.
وأُقيم عهدي بيني وبينك وبين نسلك من بعدك في أجيالهم عهداً أبدياً،
لأكون إلهاً لك ولنسلك من بعدك،
وأُعطي لك ولنسلك من بعدك أرض غربتك،
كل أرض كنعان ملكاً أبدياً وأكون إلههم. ( تكوين 17: 7-8)
في هذا النص نقرأ أن العهد مع إبراهيم ونسله هو في عبادتهم للرب وحده واتخاذهم له إلهاً في مقابل إعطائهم الأرض المقدسة ملكاً أبدياً.
- وقال الإله لإبراهيم وأما أنت فتحفظ عهدي،
أنت ونسلك من بعدك في أجيالهم،
هذا هو عهدي الذي تحفظونه بيني وبينكم وبين نسلك من بعدك،
يُختن منكم كل ذكر، فتختنون في لحم غرلتكم،
فيكون علامة عهد بيني وبينكم،
ابن ثمانية أيام يُختن منكم كل ذكر في أجيالكم، وليد البيت والمبتاع من كل ابن غريب ليس من نسلك، يُختن خِتاناً وليد بيتك والمُبتاع بفضتك، فيكون عهدي في لحمكم عهداً أبدياً،
وأما الذكر الأغلف الذي لا يُختن في لحم غرلته فتقطع تلك النفس من شعبها، إنه نكث عهدي. (تكوين 17: 9-14)
هذا النص يُبين ان الختان علامة العهد، ويُحدّد عقوبة الموت لمن لا يلتزم به.
ثم أُقيم العهد مع إسحاق دون سواه من أبناء إبراهيم، كما في النص التالي:
- وقال إبراهيم للإله ليت إسماعيل يعيش أمامك،
فقال الإله بل سارة امرأتك تلد ابناً وتدعو اسمه إسحاق،
وأُقيم عهدي معه عهداً أبدياً لنسله من بعده. (تكوين 17: 18-19)
في هذا النص يقول الرب أن العهد سيكون مع إسحاق ونسله بعد إبراهيم دون باقي أولاده، ويتكرر التأكيد على أن العهد مع إسحاق في النص التالي:
ولكن عهدي أُقيمه مع إسحاق الذي تلده لك سارة في هذا الوقت في السنة الآتية. (تكوين 17: 21)
ثم يتحدد العهد مع يعقوب دون باقي أولاد إسحاق، كما في النص التالي:
- فخرج يعقوب من بئر سبع وذهب نحو حاران،
وصادف مكاناً وبات هناك لأن الشمس كانت قد غابت، وأخذ من حجارة المكان ووضعه تحت رأسه فاضطجع في ذلك المكان،
ورأى حلماً وإذا سلم منصوبة على الأرض ورأسها يمس السماء،
وهوذا الرب واقف عليها فقال الرب أنا إله إبراهيم أبيك وإله إسحاق، الأرض التي أنت مضطجع عليها أُعطيها لك ولنسلك،
ويكون نسلك كتراب الأرض وتمتد غرباً وشرقاً وشمالاً وجنوباً،
ويتبارك فيك وفي نسلك جميع قبائل الأرض،
وهاأنا معك وأحفظك حيثما تذهب وأرُدُّك الى هذه الأرض لأني لا أتركك حتى أفعل ما كلمتك به. (تكوين 28: 10-15)
ويتلخص الكلام السابق في النص التالي:
- افتخروا باسمه القدوس، لتفرح قلوب الذين يلتمسون الرب،
اطلبوا الرب وقدرته، التمسوا وجهه دائماً، اذكروا عجائبه التي صنع، آياته وأحكام فيه،
يا ذرية إبراهيم عبده، يا بني يعقوب مُختاريه،
هو الرب إلهنا في كل الأرض أحكامه،
ذكر الى الدهر عهده كلاماً أوصى به الى ألف دور،
الذي عاهد به إبراهيم وقسمه لإسحاق،
فثبته ليعقوب ولإسرائيل عهداً أبدياً،
قائلاً لك أُعطي أرض كنعان حبل ميراثكم. (مزمور 105: 3-11)
وبعد خروج بني إسرائيل من مصر وتلقي موسى للناموس، أي التوراة، تم تجديد العهد مع بني إسرائيل بشكل عام وإظهار صفاته وشروطه، وكان من أبرز شروطه هو اعتبار الناموس وشرائعه والالتزام بها هو العهد بين الرب وبني إسرائيل، كما في النصوص التالية:
لم يكن في التابوت إلا لوحا الحجر اللذان وضعهما موسى هناك في حوريب حين عاهد الربُّ بني إسرائيل عند خروجهم من أرض مصر. (الملوك الاول 8: 9)
وجعلت هناك مكاناً للتابوت الذي فيه عهد الرب الذي قطعه مع آبائنا عند إخراجه إيّاهم من أرض مصر. (الملوك الاول 8: 21)
في هذين النصين نقرأ أن التابوت كان فيه اللوحين اللذين تسلمهما موسى من الرب وكان مكتوباً فيهما الوصايا والفرائض وعبر عنهما بالعهد، وهذا يدل على أن الناموس هو العهد بين الرب وبني إسرائيل.
فاحفظوا كلمات هذا العهد واعملوا بها لكي تفلحوا في كل ما تفعلون. (تثنية 29: 9)
في هذا النص إثبات أن الناموس هو العهد مع بني إسرائيل.
وأخذ كتاب العهد وقرأ في مسامع الشعب فقالوا كل ما تكلم به الرب نفعل ونسمع له. (خروج 24: 7)
في هذا النص نقرأ أن الناموس هو العهد، وأن الالتزام به شرط لتنفيذ ما وعد به الرب بني إسرائيل واتخاذهم شعباً له وإعطائهم الأرض التي وعدهم بها، وقد ذُكر هذا الشرط في نصوص كثيرة وفيما يلي بعض منها:
- وأما موسى فصعد الى الإله فناداه الرب من الجبل قائلاً هكذا تقول لبيت يعقوب وتخبر بني إسرائيل، أنتم رأيتم ما صنعت بالمصريين وأنا حملتكم على أجنحة النسور وجئت بكم إليّ،
فالآن إن سمعتم لصوتي،
وحفظتم عهدي،
تكونون لي خاصة من بين جميع الشعوب،
فإن لي كل الارض، وأنتم تكونون لي مملكة كهنة وأُمة مقدسة هذه هي الكلمات التي تكلم بها بني إسرائيل. (خروج 19: 3-6)
يُقيمك الرب لنفسه شعباً مقدساً كما حلف لك إذا حفظت وصايا الرب إلهك وسلكت في طرقه. (تثنية 28: 9)
- هذا اليوم قد أمرك الرب إلهك أن تعمل بهذه الفرائض والأحكام فاحفظ واعمل بها من كل قلبك ومن كل نفسك،
قد واعدتَ الرب اليوم أن يكون لك إلهاً وأن تسلك في طرقه وتحفظ فرائضه ووصاياه وأحكامه وتسمع لصوته،
وواعدكَ الرب أن تكون له شعباً خاصاً،
كما قال لك وتحفظ جميع وصاياه،
وأن يجعلك مُستعلياً على جميع القبائل التي عملها،
في الثناء والاسم والبهاء،
وأن تكون شعباً مُقدّساً للرب إلهك كما قال. (تثنية 26: 16-19)
- واعمل الصالح في عيني الرب لكي يكون لك خير وتدخل وتمتلك الأرض الجيدة التي حلف الرب لآبائك، أن ينفي جميع أعدائك من أمامك كما تكلم الرب. (تثنية 6: 18-19)
- ومن أجل أنكم تسمعون هذه الأحكام وتحفظون وتعملونها يحفظ لك الرب إلهك العهد والإحسان اللذين أقسم لآبائك،
ويُحبك ويُباركك ويُكثرك ويُبارك ثمرة بطنك وثمرة أرضك قمحك وخمرك وزيتك ونتاج بقرك وإناث غنمك على الأرض التي أقسم لآبائك أنه يُعطيك إياها. (تثنية 7: 12-13)
فاحفظوا كل الوصايا التي أنا أُوصيكم بها اليوم لكي تتشددوا وتدخلوا وتمتلكوا الأرض التي أنتم عابرون إليها لتمتلكوها،
ولكي تطيلوا الأيام على الأرض التي اقسم الرب لآبائكم أن يُعطيها لهم ولنسلهم،
أرض تفيض لبناً وعسلاً. (تثنية 11: 8-9)
وبيّن لهم أن العهد قائم معهم إلى ألف جيل ما داموا محافظين عليه، وعاملين بشرائع الرب، كما في النص التالي:
- فاعلم ان الرب إلهك هو الإله، هو الإله الأمين الحافظ العهد والإحسان للذين يحبونه ويحفظون وصاياه إلى ألف جيل. (تثنية 7: 9)
فالعهد مع بني اسرائيل ليس للجنس وإنما بالإلتزام بشروطه، لهذا بين لهم أن أهم الشروط التي يجب عليهم الالتزام بها هو توحيد الرب وعبادته وحده وعدم صناعة التماثيل والصور وعبادتها، كما في النص التالي:
- احترزوا من أن تنسوا عهد الرب إلهكم الذي قطعه معكم وتصنعوا لأنفسكم تمثالاً منحوتاً صورة كل ما نهاك عنه الرب إلهكم، لأن الرب إلهك هو نار آكلة إله غيور. (تثنية 4: 23-24)
ويتكرر تحذيرهم من عبادة غير الرب لأن هذا فيه تجاوزاً ونقضاً للعهد، وهو ما يؤدي الى نقضه وحلول غضب الرب عليهم وعقابه لهم، كما في النص التالي:
- فإذا سمعتم لوصاياي التي أنا أُوصيكم بها اليوم لتحبوا الرب إلهكم وتعبدوه من كل قلوبكم ومن كل أنفسكم،
أُعطي مطر أرضكم في حينه المُبكر والمتأخر فتجمع حنطتك وخمرك وزيتك، وأُعطي لبهائمك عشباً في حقلك فتأكل أنت وتشبع،
فاحترزوا من أن تنغوي قلوبكم فتزيغوا وتعبدوا آلهة أُخرى وتسجدوا لها،
فيحمى غضب الرب عليكم ويُغلق السماء فلا يكون مطر ولا تعطي الأرض غلتها فتبيدون سريعاً عن الأرض الجيدة التي يُعطيكم الرب. (تثنية 11: 13-17)
ويتم التحذير من نسيان العهد وعبادة آلهة أُخرى من دون الرب والمصير الذي ينتظر من يقوم به في عشرات النصوص ومنها ما يلي:
- بل اذكر الرب إلهك أنه هو الذي يُعطيك قوة لاصطناع الثروة لكي يفي بعهده الذي أقسم لآبائك كما في هذا اليوم،
وإن نسيت الرب إلهك وذهبت وراء آلهة أُخرى وعبدتها وسجدت لها، أُشهد عليكم اليوم أنكم تبيدون لا محالة،
كالشعوب الذين يُبيدهم الرب من أمامكم كذلك تبيدون لأجل أنكم لم تسمعوا لقول الرب إلهكم. (تثنية 8: 18-20)
- ويقول جميع الأُمم لماذا فعل الرب هكذا بهذه الأرض، لماذا حُمُوُّ هذا الغضب العظيم،
فيقولون لأنهم تركوا عهد الرب إله آبائهم الذي قطعه معهم حين أخرجهم من أرض مصر،
وذهبوا وعبدوا آلهة أُخرى وسجدوا لها،
آلهة لم يعرفوها ولا قسمت لهم،
فاشتعل غضب الرب على تلك الأرض حتى جلب عليها كل اللعنات المكتوبة في هذا السِّفر،
واستأصلهم الرب من أرضهم بغضب وسخط وغيظ عظيم وألقاهم إلى أرض أُخرى كما في هذا اليوم. (تثنية 29: 24-28)
- وها أنا اليوم ذاهب في طريق الأرض كلها،
وتعلمون بكل قلوبكم وكل أنفسكم أنه لم تسقط كلمة واحدة من جميع الكلام الصالح الذي تكلم به الرب عنكم،
الكل صار لكم ولم تسقط منه كلمة واحدة،
ويكون كما أنه أتى عليكم كل الكلام الصالح الذي تكلم به الرب إلهكم عنكم،
كذلك يجلب عليكم الرب كل الكلام الرديء حتى يُبيدكم عن هذه الأرض الصالحة التي أعطاكم الرب إلهكم،
حينما تتعدون عهد الرب إلهكم الذي أمركم به وتسيرون وتعبدون آلهة أُخرى وتسجدون لها يحمى غضب الرب عليكم فتبيدون سريعاً عن الأرض الصالحة التي أعطاكم. (يشوع 23: 14-16)
ولم يتم الاكتفاء بالتحذير من العقوبات الكبرى التي ستلحق بهم كشعب إذا هم خالفوا ونقضوا العهد فقط، بل وُضِعت عقوبات مادية مباشرة لمنع من يعمل على نقض العهد حتى لا يتسبب في وقوع العقوبات على الشعب كله، كما في النص التالي:
- إذا وجد في وسطك في أحد أبوابك التي يُعطيك الرب إلهك رجل أو امرأة يفعل شرّاً في عيني الرب إلهك بتجاوز عهده، ويذهب ويعبد آلهة أُخرى ويسجد لها أو للشمس أو للقمر أو لكل من جند السماء، الشيء الذي لم أُوص به،
وأُخبرتَ وسمعت وفحصت جيداً وإذا الأمر صحيح أكيد قد عُمل ذلك الرجس في إسرائيل،
فأخرج ذلك الرجل أو تلك المرأة الذي فعل ذلك الأمر الشرير الى أبوابك الرجل أو المرأة وارجمه بالحجارة حتى يموت،
على فم شاهدين أو ثلاثة شهود يُقتل الذي يُقتل،
لا يُقتل على فم شاهد واحد،
أيدي الشهود تكون عليه أولاً لقتله،
ثم أيدي جميع الشعب أخيراً فتنزع الشر من وسطك. (تثنية 17: 2-7)
وعند دخول بني إسرائيل الأرض المقدسة واستقرارهم فيها بدأوا بتجاوز العهد ونقضه فحلت عليهم العقوبات الصغيرة والكبيرة كما هو مذكور في أسفار العهد القديم، وانتهى الأمر بهم الى السبي البابلي، وسأكتفي بذكر نصين عن هذه المرحلة، وهما كما يلي:
وقل للمتمردين لبيت إسرائيل هكذا قال السيد الرب،
يكفيكم كل رجاساتكم يا بيت إسرائيل،
بإدخالكم أبناء الغريب،
الغلف القلوب الغلف اللحم ليكونوا في مقدسي،
فيُنجسّوا بيتي بتقريبكم خبزي الشحم والدم،
فنقضوا عهدي فوق كل رجاساتكم،
ولم تحرسوا حراسة أقداسي بل أقمتم حرّاساً يحرسون عنكم في مقدسي،
هكذا قال السيد الرب،
ابن الغريب أغلف القلب وأغلف اللحم لا يدخل مقدسي من كل ابن غريب الذي من وسط بني إسرائيل،
بل اللاويين الذين ابتعدوا عنّي حين ضلّ إسرائيل فضلّوا عني وراء أصنامهم يحملون إثمهم،
ويكونون خدّاماً في مقدسي،
حرّاس أبواب البيت وخدّام البيت،
هم يذبحون المُحرَقة والذبيحة للشعب وهم يقفون أمامهم ليخدموهم،
لأنهم خدموهم أمام أصنامهم،
وكانوا معثرة إثم لبيت إسرائيل لذلك رفعتُ يدي عليهم يقول السيد الربّ فيحملون إثمهم. (حزقيال 44: 6-12)
في هذا النص نقرأ حديثاً عن بني إسرائيل ونقضهم للعهد، وذلك بعبادتهم لآلهة أُخرى واتخاذهم أصناماً وأوثاناً ساروا ورائها وقدموا لها القرابين، ويُشدد على أهم رجس قاموا بعمله وهو إدخال الغلف من الغرباء، أي غير اليهود، الى البيت المقدس.
- ويعبر أُمم كثيرة في هذه المدينة ويقولون الواحد لصاحبه لماذا فعل الرب مثل هذا لهذه المدينة العظيمة،
فيقولون من أجل أنهم تركوا عهد الرب إلههم وسجدوا لآلهة أُخرى وعبدوها. (إرميا 22: 8-9)
في هذا النص نقرأ كلاماً عن مصير بني إسرائيل عامة ومدينة أُورشليم خاصة، والسبب الذي من أجله حلّ بهم، فيقول إن السبب الذي من أجله عاقب الرب بني إسرائيل هو نقضهم للعهد مع الرب وترك عبادته وحده واتخاذهم آلهة أُخرى وعبادتها.
ومع هذه النصوص إلا أن اليهود بقوا متمسكين بظاهر العهد وأنه معهم كشعب وجنس وذلك لورود بعض النصوص التي تتحدث عن العهد معهم بصفة التأبيد ومنها النصوص التالية:
- وصعد ملاك الرب من الجلجال الى بوكيم وقال قد أصعدتكم من مصر وأتيت بكم الى الأرض التي أقسمت لآبائكم وقلت لا أنكث عهدي معكم الى الأبد. (قضاة 2: 1)
في هذا النص نقرأ أن العهد مع بني إسرائيل الى الأبد وأنه لن يُنكث معهم كشعب وجنس.
- يا ذرية إسرائيل عبده وبني يعقوب مُختاريه،
هو الرب إلهنا في كل الأرض أحكامه،
اذكروا الى الأبد عهده الكلمة التي أوصى بها إلى ألف جيل،
الذي قطعه مع إبراهيم وقسمه لإسحاق وقد أقامه ليعقوب فريضة ولإسرائيل عهداً أبدياً. (الأيام الاول 16: 13-17)
في هذا النص نقرأ أن العهد مع بني إسرائيل الى الأبد وسيستمر الى ألف جيل.
ويتكرر الحديث عن أبدية العهد وبقائه لألف جيل في المزامير كما في النصين التاليين:
- يا ذرية إبراهيم عبده يا بني يعقوب مُختاريه،
هو الرب إلهنا في كل الأرض أحكامه،
ذكر الى الدهر عهده كلاماً أوصى به الى ألف دور،
الذي عاهد به إبراهيم وقسمه لأسحق،
فثبته ليعقوب ولاسرائيل عهدا ابدياً،
قائلاً لك أُعطي ارض كنعان حبل ميراثكم. (مزمور 105: 6-11)
- أعمال يديه أمانة وحق، كل وصاياه أمينة،
ثابتة مدى الدهر والأبد،
مصنوعة بالحق والاستقامة،
أرسل فداء لشعبه،
أقام إلى الأبد عهده قدّوس ومهوب اسمه. (مزمور 111: 7-9)
كما توجد بعض النصوص التي تتحدث عن اختيار بني إسرائيل كشعب وجنس وعدم رفضهم من الرب الى الأبد ومنها النصين التاليين:
- هكذا قال الرب الجاعل الشمس للإضاءة نهاراً وفرائض القمر والنجوم للإضاءة ليلاً الزّاجر البحر حين تعِجُّ أمواجه رب الجنود اسمه،
إن كانت هذه الفرائض يزول من أمامي يقول الرب فإن نسل إسرائيل أيضاً يكف من أن يكون أمة أمامي كل الأيام،
هكذا قال الرب إن كانت السموات تقاس من فوق وتفحص أساسات الأرض من أسفل فإني أنا أيضاً أرفض كل نسل إسرائيل من أجل كل ما عملوا يقول الرب. (إرميا 31: 35-37)
- ثم صارت كلمة الرب إلى إرميا قائلة، أما ترى ما تكلم به هذا الشعب قائلاً إن العشيرتين اللتين اختارهما الربّ قد رفضهما،
فقد احتقروا شعبي حتى لا يكونوا بعد أُمّة أمامهم،
هكذا قال الرب إن كنت لم أجعل عهدي مع النهار والليل فرائض السموات والارض،
فإني أيضاً أرفض نسل يعقوب وداوُد عبدي فلا آخذ من نسله حكاماً لنسل إبراهيم وإسحاق ويعقوب لأني أردّ سبيهم وأرحمهم. (إرميا 33: 23-26)
ومن النصوص المهمة التي يتمسك بها بنو إسرائيل على أن العهد معهم إلى الأبد وأنه لن ينقض النص الذي ذكره إرميا في كتابه، وهو كما يلي:
- ها أيام تأتي يقول الرب وأقطع مع بيت إسرائيل ومع بيت يهوذا عهداً جديداً،
ليس كالعهد الذي قطعته مع آبائهم يوم أمسكتهم بيدهم لأُخرجهم من أرض مصر حين نقضوا عهدي فرفضتهم يقول الرب،
بل هذا هو العهد الذي أقطعه مع بيت إسرائيل بعد تلك الأيام يقول الرب،
أجعل شريعتي في داخلهم وأكتبها على قلوبهم،
وأكون لهم إلهاً وهم يكونون لي شعباً،
ولا يُعلّمون كل واحد صاحبه وكل واحد أخاه قائلين اعرفوا الرب،
لأنهم كلهم سيعرفونني من صغيرهم إلى كبيرهم يقول الرب،
لأني اصفح عن إثمهم ولا أذكر خطيّتهم بعد. (إرميا 31: 31-34)
فهذا النص يتحدث عن تجديد العهد معهم بعد نقضهم للعهد الأول، وأن الرب سيغفر لهم آثامهم ولا يذكر خطاياهم.
وأخيراً فانه يوجد نص يتحدث عن بقاء بني إسرائيل لما بعد وجود هذا الكون وخلق سموات جديدة وأرض جديدة وهو كما يلي:
- لأنه كما أن السموات الجديدة والارض الجديدة التي أنا صانع تثبُتُ أمامي يقول الرب، هكذا نسلكم واسمكم، ويكون من هلال إلى هلال ومن سبت الى سبت أن كل ذي جسد يأتي ليسجد أمامي قال الرب، ويخرجون ويرون جثث الناس الذين عصوا عليّ،
لأن دودهم لا يموت ونارهم لا تُطفأ ويكونون رذالة لكل ذي جسد. (إشعياء 66: 22-24)
في هذا النص، وفقرات سابقة من هذا الإصحاح، حديث عن خلق سموات جديدة وأرض جديدة، وهو كما نقرأ يتحدث عن بقاء بني إسرائيل الى آخر الزمان، وهو ما يتمسك به اليهود على بقاء العهد معهم الى الأبد بعيداً عن شروط العهد التي ذكرتها سابقاً.
من كل ما سبق نرى أن الأسفار تحدثت عن العهد وشروطه وعلامته وأنه مع بني إسرائيل خاصة، وأنه لا مجال لدخول غير اليهود فيه كما في النص التالي:
- في ذلك اليوم قرئ سِفر موسى في آذان الشعب ووجد مكتوباً فيه أن عمونياً وموآبياً لا يدخل في جماعة الرب إلى الأبد. (نحميا 13: 1)
فما هو موقف كتبة الأناجيل ومؤلفو رسائل العهد الجديد والكنائس المختلفة من هذا العهد؟
لقد رفض كتبة الأناجيل والرسائل القول ان العهد مع بني إسرائيل مستمر، لا بل قالوا بكل وضوح أن العهد قد انتهى، وقاموا في سبيل إظهار هذا القول بالاستشهاد بعدد من نصوص التوراة والكتب النبوية كما قاموا، وبخاصة بولس، بعدد من المجادلات النظرية لإثبات هذا الأمر، فنجد أن كتبة الاناجيل قد استدلوا على نقض العهد مع بني إسرائيل بنص من المزامير، كما في النصوص التالية:
- قال لهم يسوع أما قرأتم قط في الكتب الحجر الذي رفضه البناؤون هو قد صار رأس الزاوية،
من قِبَلِ الربّ كان هذا وهو عجيب في أعيننا،
لذلك أقول لكم إن مملكة الإله تنزع منكم وتعطى لأُمة تعمل ثمارها،
ومن سقط على هذا الحجر يترضرض ومن سقط هو عليه يسحقه،
ولما سمع رؤساء الكهنة والفريسيون أمثاله عرفوا أنه تكلم عليهم،
وإذ كانوا يطلبون أن يمسكوه خافوا من الجموع لأنه كان عندهم مثل نبي. (متّى 21: 42-46)
أما قرأتم هذا المكتوب،
الحجر الذي رفضه البناؤون هو قد صار رأس الزاوية،
من قِبل الرب كان هذا وهو عجيب في أعيننا،
فطلبوا أن يمسكوه ولكنهم خافوا من الجمع لأنهم عرفوا أنه قال المثل عليهم فتركوه ومضوا. (مرقس 12: 10-12)
فنظر إليهم وقال إذاً ما هو هذا المكتوب الحجر الذي رفضه البناؤون هو قد صار رأس الزاوية،
كل من يسقط على ذلك الحجر يترضرض ومن سقط هو عليه يسحقه، فطلب رؤساء الكهنة والكتبة أن يلقوا الأيادي عليه في تلك الساعة ولكنهم خافوا الشعب لأنهم عرفوا أنه قال هذا المثل عليهم. (لوقا 20: 17-19)
في هذه النصوص نقرأ أن متّى ومرقس ولوقا كتبوا أن يسوع استدل على نقض العهد مع بني إسرائيل بنص من المزامير، وهذه النصوص سأُناقشها بالتفصيل لاحقاً، وهنا لا بد من تسجيل ملاحظة مهمة، وهي إذا كان العهد قد نقض مع بني إسرائيل فهذا يشمل يسوع نفسه والتلاميذ لأنهم جميعاً من بني إسرائيل!
ثم يقوم بولس بالسعي لإثبات انتهاء العهد مع بني إسرائيل، وخاصة في رسائله الى أهل رومية وغلاطية وأفسس والعبرانيين، بالاستشهاد ببعض نصوص التوراة وكُتب الأنبياء تارة، وبمجادلات عقلية تارة أُخرى، وفيما يلي استعراض لبعض تلك النصوص:
- فإن الختان ينفع إن عملت بالناموس ولكن إن كنت متعدياً الناموس فقد صار ختانك غرلة،
إذاً إن كان الأغرل يحفظ أحكام الناموس أفما تحسب غرلته ختاناً، وتكون الغرلة التي من الطبيعة وهي تكمل الناموس تدينك أنت الذي في الكتاب والختان تتعدى الناموس،
لأن اليهودي في الظاهر ليس هو يهودياً ولا الختان الذي في الظاهر في اللحم ختاناً،
بل اليهودي في الخفاء هو اليهودي وختان القلب بالروح لا بالكتاب هو الختان الذي مدحه ليس من الناس بل من الإله. (رومية 2: 25-29)
في هذا النص يحاول بولس أن يُعطي معنى جديداً لليهودي وللختان، وبالتالي معنى جديداً للعهد، فهو يقول ان اليهودي في الظاهر، أي الإنسان الذي من ذرية إسرائيل، ليس هو من الذرية وان الختان الظاهر في الجسد، ليس هو الختان المقصود! ثم يتحدث عن اليهودي الخفي وختان الروح وأنهما ممدوحان من الرب، وهذا الأمر على جمال معانيه إلا أنه يخالف جميع النصوص التي ذكرتها سابقاً من أن العهد مع بني إسرائيل خاصة، وأن علامته هي الختان المادي وليس الختان الروحي، لا بل إنه حدد عقوبة القتل على من لا يختن نفسه مادياً، ولا يوجد في العهد القديم أي حديث عن ختان الروح الذي مدحه الرب! كما أن حديثه عن عدم نفع الختان إذا كان الإنسان متعدياً للناموس يثير الكثير من الشفقة عليه، فهو كما قرأنا سابقاً يقول ان الناموس لا ينفع وأنه لا يبرر الإنسان وهذا يدل على أنه هو أيضاً غير متمسك بالختان الروحي! وكذلك الكنائس التي نقضت معظم شرائع الناموس وهذا يشير إلى أنها لم تختن نفسها الختان الروحي الذي دعا بولس إليه في هذا النص.
- فماذا نقول إن أبانا إبراهيم قد وَجَدَ حسب الجسد،
لأنه إن كان إبراهيم قد تبرر بالأعمال فله فخر، ولكن ليس لدى الإله،
لأنه ماذا يقول الكتاب فآمن إبراهيم بالإله فحُسب له برّاً،
أما الذي يعمل فلا تحسب له الأُجرة على سبيل نعمة بل على سبيل دَيْن،
وأما الذي لا يعمل ولكن يؤمن بالذي يُبرّر الفاجر فإيمانه يحسب له برّاً،
كما يقول داوُد أيضاً في تطويب الإنسان الذي يحسب له الإله برّاً بدون أعمال،
طوبى للذين غفرت آثامهم وسُترت خطاياهم،
طوبى للرجل الذي لا يحسب له الرب خطية،
فهذا التطويب هو على الختان فقط أم على الغرلة أيضاً،
لأننا نقول إنه حُسبَ لإبراهيم الإيمان برّاً، فكيف حُسِبَ،
أوَهُوَ في الختان أم في الغرلة،
ليس في الختان بل في الغرلة،
وأخذ علامة الختان ختماً لِبِرّ الإيمان الذي كان في الغرلة ليكون أباً لجميع الذين يؤمنون وهم في الغرلة كي يُحسب لهم أيضاً البرّ،
وأباً للختان للذين ليسوا من الختان فقط بل أيضاً يسلكون في خطوات إيمان أبينا إبراهيم الذي كان هو في الغرلة،
فإنه ليس بالناموس كان الوعد لإبراهيم أو لنسله أن يكون وارثاً للعالم بل ببرّ الإيمان،
لأنه إن كان الذين من الناموس هم ورثة فقد تعطل الإيمان وبطل الوعد،
لأن الناموس يُنشئ غَضباً إذ حيث ليس ناموس ليس تعد،
لهذا هو من الإيمان كي يكون على سبيل النعمة، ليكون الوعد وطيداً لجميع النسل ليس لمن هو من الناموس فقط، بل أيضاً لمن هو من إيمان إبراهيم الذي هو أبٌ لجميعنا،
كما هو مكتوب إني قد جعلتك أباً لأُمم كثيرة،
أمام الإله الذي آمن به الذي يُحيي الموتى ويدعوا الأشياء غير الموجودة كأنها موجودة،
فهو على خلاف الرجاء آمن على الرجاء لكي يصير أباً لأُمم كثيرة كما قيل هكذا يكون نسلك،
وإذ لم يكن ضعيفاً في الإيمان لم يعتبر جسده وهو قد صار مُماتاً إذ كان ابن نحو مئة سنة ولا مماتية مُستودعِ سارة،
ولا بعدم إيمان ارتاب في وعد الإله بل تقوَّى بالإيمان مُعطياً مجداً للإله،
وتيقن أن ما وَعَدَ به هو قادر أن يفعله أيضاً،
لذلك أيضاً حُسب له برّاً،
ولكن لم يُكتب من أجله وحده أنه حُسب له،
بل من أجلنا نحن أيضاً الذين سيُحسب لنا، الذين نؤمن بمن أقام يسوع ربنا من الأموات،
الذي أُسلم من أجل خطايانا وأُقيمَ لأجل تبريرنا. (رومية 4: 1-25)
في هذا النص الطويل يقوم بولس بالحديث عن الإيمان والناموس ليَخلُصْ في النهاية للقول ان الإيمان هو الأهم وان الناموس لا يُفيد في الإيمان، وبالتالي فإن العهد لم يكن مع بني إسرائيل فقط بل مع الأُمم كذلك، بطريقة لا تخلو من الذكاء ولكن الفرق شاسع بين الذكاء والصواب!
فهو يبدأ بالحديث عن إبراهيم وإيمانه وعمله، فيقول إن إبراهيم آمن بالرب فحسب له برّاً وأما أعماله فلم تكن مفخرة عند الرب! وهذا يُشير الى فهم بولس لمعنى الإيمان وأنه فقط التصديق! وهذا الفهم خاطئ لعدة أسباب، منها أن إبراهيم لو آمن بالرب وعبد مع الرب آلهة أُخرى وسجد لها وقرّب لها القرابين، وهذه كلها أعمال لما اعتبر مؤمناً بالرب، فالإيمان يتضمن التصديق والأعمال وهو ما أشارت إليه النصوص التي سبق وذكرتها عن الناموس والعمل بشرائعه، كما أنه يتناقض مع مفهوم يعقوب للإيمان مع أنهما استشهدا بذات النص من العهد القديم! كما في النص التالي:
- ولكن هل تريد أن تعلم أيها الانسان الباطل أن الايمان بدون أعمال ميت،
ألم يتبرر ابراهيم أبونا بالاعمال، إذ قدم اسحاق ابنه على المذبح، فترى أن الايمان عَمِلَ مع أعماله وبالاعمال أُكمل الإيمان،
وتم الكتاب القائل فآمن إبراهيم بالإله فحُسِبَ له برّاً ودُعِيَ خليل الإله،
ترون إذاً أنه بالأعمال يتبرر الإنسان، لا بالإيمان وحده. (يعقوب 2: 20-24)
فكما نقرأ فإن يعقوب وبولس استشهدا بذات النص ولكن النتيجة التي توصل إليها كل منهما نقيض للأُخرى، وهذا يدل على أنهما كانا يكتبان ويستشهدان بنصوص العهد القديم بعيداً عن الوحي وعن السوق من الروح المقدس، وإلا لكانت نتائجهما وأقوالهما تتوافق ولا تتناقض.
وأما قوله إن العمل لا يحسب لصاحبه على أنه نعمة بل دَيْن فهو أيضاً يخالف النصوص، لأن العمل بالشرائع هو جزء من الإيمان، والإيمان المجرد سواء بالقلب أو باللسان لا يفيد إذا لم يكن صاحبه ملتزماً بالشرائع، وهو ما كتبه لوقا ومتّى على لسان يسوع، كما في النصين التاليين:
- ولماذا تدعونني يا رب يا رب وأنتم لا تفعلون ما أقوله،
كل من يأتي إليّ ويسمع كلامي ويعمل به أُريكم من يُشبه،
يُشبه إنساناً بنى بيتاً وحفر وعمّق ووضع الأساس على الصخر،
فلما حدث سيل صدم النهر ذلك البيت فلم يقدر أن يزعزعه لأنه كان مؤسساً على الصخر،
وأما الذي يسمع كلامي ولا يعمل به فيُشبه إنساناً بنى بيته على الأرض من دون أساس
فصدمه النهر فسقط حالاً وكان خراب ذلك البيت عظيماً. (لوقا 6: 46-49)
في هذا النص نقرأ استنكار يسوع لمن يدعوه رباً وهو لا يفعل ما يقوله، ويضرب مثلاً لمن يسمع كلامه ولا يعمل به ومن يسمع كلامه ويعمل به، فحقيقة الإيمان هي العمل بالشرائع، وليس بالتصديق والقول فقط، ويظهر هذا الأمر بصورة جلية في النص التالي:
- ليس كل من يقول لي يا رب يا رب يدخل مملكة السماء،
بل الذي يفعل إرادة أبي الذي في السماء،
كثيرون سيقولون لي في ذلك اليوم يا رب يا رب أليس باسمك تنبأنا وباسمك أخرجنا الشياطين وباسمك صنعنا قوّات كثيرة،
فحينئذ أصرخ لهم أني لم أعرفكم قط،
اذهبوا عني يا فاعلي الإثم. (متّى 7: 21-23)
كما أن حال بولس والكنائس لا يشير الى إيمانهم حتى بالتصديق والقول! لأنهم خالفوا جميع النصوص التي تظهر معنى الإيمان وهي توحيد الرب وعبادته وحده، فقالوا بوجود آلهة أُخرى مع الرب وقاموا بعبادتها، وهذا يخالف معنى الإيمان الذي قاله.
وأما كلامه عن قبول الإنسان دون أعمال واستشهاده بأقوال لداوُد، فهو من باب الاستشهاد الخاطئ الذي هو طريقة ومنهج الكتبة في تعاملهم مع نصوص التوراة والكتب النبوية، لأن قراءة كلام داوُد بتمعن لا يدل على قبول الإنسان دون أعمال، لأن داوُد يقول طوبى للذين غُفرت آثامهم وسُترت خطاياهم، وهذا يدل على أن هؤلاء الناس كانوا يعملون ولكنهم ارتكبوا بعض الخطايا والآثام فسترها الرب، مما يدل على أن لهم أعمال صالحة وأعمال خاطئة وهي التي غفرها، وأما قوله طوبى للرجل الذي لا يحسب له الرب خطيئة فهو يدل على وجود بعض الناس لم يعملوا أية خطيئة، ولو جارينا بولس على منهجه فهو يدل على أنه يوجد بعض الناس يرتكبون بعض الأخطاء والرب لا يحاسبهم عليها، ولكن هذا لا يعني أنهم لم يعملوا أي عمل صالح وخاصة عبادة الرب وحده وعدم عبادة آلهة أُخرى معه كما فعل بولس والكنائس، كما أن كلامه يتناقض مع كلام يسوع في النصين السابقين!
وأما كلامه عن الختان والغرلة، فهو من باب المجادلة النظرية لأن الختان هو علامة الأيمان وليس الإيمان، فالختان من الشرائع الواجبة على بني إسرائيل، وهو مع أنه فُرض على إبراهيم إلا أنه تأكد في الناموس الذي تلقاه موسى كما هو مبين سابقاً، ثم يتابع مجادلته النظرية بالحديث عن الختان والغرلة، فيقول ان الختان كان علامة وختماً لبر الإيمان الذي كان في الغرلة ليكون إبراهيم أباً لجميع الذين هم في الغرلة، وهو هنا ينسى أو يتناسى النصوص التي تحدثت عن الختان كعلامة بين إبراهيم وذريته وبين الرب، كما أنه يتحدث عن الختان والغرلة وكأنهما حالة نفسية أو إيمانية! حتى أنه في أحدى رسائله طلب من المختون أن لا يعود أغلف! كما في النص التالي:
- دُعي أحد وهو مختون فلا يصر أغلف، دُعي أحد في الغرلة فلا يختتن. (1كورنثوس 7: 18)
فإذا كان الانسان قد قطع تلك القطعة من جلده كيف سيعيدها حتى لا يصير أغلفاً كما يطلب منه بولس؟!
والحقيقة أن الختان والغرلة لا يشكلان أي حالة من هذه الحالات ولا علاقة لهما بالإيمان، فالغرلة هي ما خلق الرب خالق السموات والأرض الإنسان عليه، والختان هو الشريعة التي فرضها الرب على إبراهيم وذريته لقطع تلك القطعة من الجلد كعلامة على التزامهم بالعهد الذي من أهم شروطه توحيد الرب وعبادته وحده وعدم عبادة آلهة أُخرى من دونه وهو ما لم يلتزم به بولس، فعَنْ أي ختان يتحدث أو غرلة أو حتى إيمان؟!
ثم يبدأ بالحديث عن الناموس ومهاجمته فيقول ان الوعد والعهد مع إبراهيم ونسله لم يكن بالناموس، وهو هنا يتجاهل أن الوعد والعهد كان على أهم أصل قام عليه الناموس وهو عبادة الرب وحده وعدم عبادة آلهة أُخرى معه أو دونه، وأن عدم نزول الناموس على إبراهيم لا يعني أنه لم تكن هناك شرائع يجب على إبراهيم الالتزام بها، كما ان العهد كان قد تجدد مع إبراهيم وذريته عدة مرات، وكان آخرها مع بني إسرائيل عامة في سيناء بعد تلقي موسى للناموس، فمحاولته التمسك بالعهد الذي كان مع إبراهيم فيه محاولة لنقض الناموس الذي وصفه بأنه ينشئ غضباً وهو يتجاهل أن هذا الناموس تلقاه موسى من الرب!
ثم يستكمل حديثه عن وعد إبراهيم وأن هذا الوعد ليس للذرية بل للإيمان ويستشهد بنص: إني قد جعلتك أباً لأُمم كثيرة، وبمقارنة هذا الفهم للنص مع النص الأصلي نرى أن بولس على طريقة كتبة العهد الجديد يحاول التلاعب بالنصوص، لأن قوله إني جعلتك أباً لأُمم كثيرة هو في الحقيقة يتحدث عن الذرية، فذرية إبراهيم أخرجت عشرات الأُمم كما هو معلوم، فذرية إسماعيل كانت اثنتا عشرة أُمة وذرية إسحاق أصبحت أُمتان أدوم وإسرائيل، فمحاولة بولس التلاعب بالنصوص لم تكن ناجحة لان العهد هو مع الذرية الخارجة من صلب إبراهيم كما تقول النصوص.
فهذا النص كان إحدى محاولات بولس في سعيه للقول إن العهد لم يكن خاصاً ببني إسرائيل وإنما يشاركهم فيه باقي الأُمم، وهي محاولة لم تكن ناجحة وغير مقنعة، ولهذا قام بعدة محاولات أُخرى في ذات الرسالة، ومنها النص التالي:
- ولكن ليس هكذا حتى إن كلمة الإله قد سقطت، لأن ليس جميع الذين من إسرائيل هم إسرائيليون،
ولا لأنهم من نسل إبراهيم هم جميعاً أولاد،
بل بإسحاق يُدعى لك نسل،
أي ليس أولاد الجسد هم أولاد الإله،
بل أولاد الموعد يُحسبون نسلاً،
لأن كلمة الموعد هي هذه،
أنا آتي نحو هذا الوقت ويكون لسارة ابن،
وليس ذلك فقط بل رفقة أيضاً وهي حبلى من واحد وهو إسحاق أبونا،
لأنه وهما لم يولدا بعد ولا فعلا خيراً أو شرّاً لكي يثبت قصد الإله حسب الاختيار ليس من الأعمال بل من الذي يدعو،
قيل لها إن الكبير يستعبد الصغير،
كما هو مكتوب أحببت يعقوب وأبغضت عيسو. (رومية 9: 6-13) 
في هذا النص نقرأ عن محاولة يائسة أعظم من سابقتها، من محاولات بولس لإثبات أن العهد ليس خاصاً ببني إسرائيل، فمع وجود عشرات النصوص التي تؤكد على أن العهد معهم كما سبق وذكرت، فانه يبدأ بالقول انه ليس جميع الإسرائيليين هم إسرائيليون ولا لأنهم من نسل إبراهيم هم أولاده!
ثم يبدأ بالحديث عن إسحاق والوعد ويختم بالنص المذكور في سِفر ملاخي أحببت يعقوب وأبغضت عيسو، وهنا لن أُكثر من الكلام بل سأترك النصوص، التي يظن أنه يفهمها، هي التي تتكلم ولنقرأ النصين التاليين:
- وأوصِ الشعب قائلاً أنتم مارون بتخم إخوتكم بني عيسو الساكنين في سعير فيخافون منكم فاحترزوا جداً، لا تهجموا عليهم لأني لا أُعطيكم من أرضهم ولا وطأة قدم لأني لعيسو قد أعطيت جبل سعير ميراثاً. (تثنية 2: 4-5)
لا تكره أدومياً لأنه أخوك لا تكره مصرياً لأنك كنت نزيلاً في أرضه. (تثنية 23: 7)
هذان النصان يتحدثان عن ذرية عيسو كإخوة لبني إسرائيل على الرغم من قول ملاخي أن الرب أبغضه، فالبغض وعدم الإيمان لا ينفيان الأنساب كما حاول بولس القول!
وتتكرر محاولات بولس في نفي العهد مع بني إسرائيل في رسالته، ومنها النص التالي:
- فماذا نقول، إن الأُمم الذين لم يسعوا في أثر البرّ أدركوا البرّ،
البرّ الذي بالإيمان،
ولكن إسرائيل وهو يسعى في أثر ناموس البرّ لم يُدرك ناموس البرّ،
لماذا،
لأنه فعل ذلك ليس بالإيمان بل كأنه بأعمال الناموس،
فإنهم اصطدموا بحجر الصدمة، كما هو مكتوب ها أنا أضع في صهيون حجر صدمة وصخرة عثرة وكل من يؤمن به لا يخزى. (رومية 9: 30-33)
في هذا النص يقول بولس إن الناموس لا يؤدي إلى البر وهذا ما تخالفه كل النصوص، لأن الناموس هو تعبير عن التزام بني إسرائيل بالعهد، فالذي فرض عليهم الناموس هو الذي وعدهم بالبر إن هم التزموا به، فبولس وهو يحاول إشراك الأُمم في العهد يبدأ بالتهجم على الناموس الذي هو العهد بين الرب وبني إسرائيل، وهذا الهجوم على الناموس هو استكمال لعبادته آلهة أُخرى مع الرب، ثم نجده يستشهد على إنهاء العهد مع بني إسرائيل بالنص التالي:
لكني أقول ألعلّ إسرائيل لم يعلم، أولاً موسى يقول أنا أُغيّركم بما ليس أُمة، بأُمة غبية أُغيظكم. (رومية 10: 19)
وهذا النص على الرغم من منطقية الاستشهاد به إلا أنه ينطبق على يسوع وبولس وباقي التلاميذ فهم جميعاً من بني إسرائيل، فإذا كان هذا الاستشهاد صحيحاً فهذا يعني أنهم مستبدلون مع بني إسرائيل وخاصة أنهم لا يعبدون الرب وحده ونقضوا كل شرائع الناموس، وهي شروط بقاء العهد مع بني إسرائيل!
ثم نقرأ له نصاً في رسالته الى أهل غلاطية وهو يحاول إثبات أن العهد قد انتهى مع بني إسرائيل ونظراً لأهميته سأذكره كاملاً، وهو كما يلي:
- أيها الإخوة بحسب الإنسان أقول ليس أحد يُبطل عهداً قد تمكن، ولو من إنسان أو يزيدُ عليه،
وأما المواعيد فقيلت في إبراهيم وفي نسله،
لا يقول وفي الأنسال كأنه عن كثيرين،
بل كأنه عن واحد وفي نسلك الذي هو المسيح،
وإنما أقول هذا إن الناموس الذي صار بعد أربع مئة وثلاثين سنة لا ينسخ عهداً قد سبق فتمكن من الإله نحو المسيح حتى يُبطل الموعد،
لأنه إن كانت الوراثة من الناموس فلم تكن أيضاً من موعد،
ولكن الإله وهبها لإبراهيم بموعد،
فلماذا الناموس،
قد زيد بسبب التعديات إلى أن يأتي النسل الذي قد وُعِدَ له، مرتباً بملائكة في يد وسيط،
وأما الوسيط فلا يكون لواحد،
ولكن الإله واحد،
فهل الناموس ضدّ مواعيد الإله، حاشا،
لأنه لو أُعطي ناموس قادر أن يُحيي لكان بالحقيقة البرّ بالناموس،
لكن الكتاب أغلق على الكل تحت الخطية ليُعطي الموعد من إيمان يسوع المسيح للذين يؤمنون،
ولكن قبلما جاء الإيمان كنا محروسين تحت الناموس،
مُغلقاً علينا إلى الإيمان العتيد أن يُعلن،
إذاً قد كان الناموس مؤدبنا الى المسيح لكي نتبرر بالايمان،
ولكن بعدما جاء الايمان لسنا بعد تحت مؤدب،
لأنكم جميعاً أبناء الإله بالايمان بالمسيح يسوع،
لأنكم كلكم الذين اعتمدتم بالمسيح قد لبستم المسيح،
ليس يهودي ولا يوناني، ليس عبد ولا حر، ليس ذكر وأُنثى، لأنكم جميعاً واحد في المسيح يسوع،
فإن كنتم للمسيح فأنتم إذاً نسل إبراهيم وحسب الموعد ورثة. (غلاطية 3: 15-29)
في هذا النص يقول بولس إن المواعيد قد أُعطيت لإبراهيم ونسله ثم يبدأ بتعريف معنى النسل بطريقة تخالف اللغة وتخالف نصوص التوراة، فيقول ان النسل يعني شخصاً واحداً هو المسيح وليس ذرية إبراهيم!
وهذا القول يناقض اللغة لأن كلمة النسل وإن ذكرت بصيغة الإفراد إلا أنها تفيد الجمع في اللغة العبرية وكذلك في اللغة العربية وسائر اللغات الأُخرى!
وأما مخالفته للنصوص فهذا بعضها:
- وقال الرب لأبرام بعد اعتزال لوط عنه ارفع عينيك وانظر من الموضع الذي أنت فيه شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً،
لأن جميع الارض التي أنت ترى لك أُعطيها،
ولنسلك إلى الأبد،
وأجعل نسلك كتراب الأرض حتى إذا استطاع أحد أن يَعُدَّ تراب الأرض فنسلك أيضاً يُعَدُّ. (تكوين 13: 14-16)
في هذا النص نقرأ أن نسل إبراهيم سيكون كثيراً كتراب الأرض، فهل يقول بولس والكنائس المختلفة ان يسوع، إذا كان هو المقصود بالنسل، سيتكاثر حتى لا يستطيع أحد أن يَعُدّه؟!
- فإذا كلام الرب إليه قائلاً لا يرثك هذا، بل الذي يخرج من أحشائك هو يرثك،
ثم أخرجه الى خارج وقال انظر الى السماء وعُدّ النجوم إن استطعت أن تعُدَّها،
وقال له هكذا يكون نسلك. (تكوين 15: 4-5)
وهذا النص كسابقه يتحدث عن تكثير نسل إبراهيم، فهل هذا ينطبق على يسوع كما فسر بولس معنى النسل؟!
- فقال لأبرام اعلم يقيناً أن نسلك سيكون غريباً في أرض ليست لهم ويُستعبدون لهم،
فيذلونهم أربع مئة سنة،
ثم الأُمة التي يُستعبدون لها أنا أدينها وبعد ذلك يخرجون بأملاك جزيلة، وأما أنت فتمضي إلى آبائك بسلام وتدفن بشيبة صالحة،
وفي الجيل الرابع يرجعون الى ههنا لأن ذنب الأموريين ليس إلى الآن كاملاً. (تكوين 15: 13-16)
في هذا النص حديث عن غربة نسل إبراهيم لمدة أربع مائة سنة، فهل كان يتحدث عن يسوع أم عن بني إسرائيل عامة الذين ذهبوا الى مصر؟
- وقال لها ملاك الرب تكثيراً أُكثر نسلك فلا يُعدّ من الكثرة،
وقال لها ملاك الرب ها أنت حبلى فتلدين ابناً وتدعين اسمه إسماعيل،
لان الرب قد سمع لمذلتك. (تكوين 16: 10-11)
في هذا النص حديث عن تكثير نسل هاجر أُم إسماعيل، فما هو المقصود بالنسل هنا هل هو واحد أم هم الذرية؟!
- لأنه بإسحاق يُدعى لك نسل،
وابن الجارية أيضاً سأجعله أُمة عظيمة لأنه نسلك. (تكوين 21: 12-13)
في هذا النص إثبات أن إسماعيل من نسل إبراهيم، فلماذا لم ينتبه بولس إلى المعنى الحقيقي لكلمة نسل، أم هي محاولة منه لإثبات ما يؤمن به حتى لو خالف النصوص واللغة؟!
- ولا يشرب كاهن خمراً عند دخوله إلى الدار الداخلية،
ولا يأخذون أرملة ولا مطلقة زوجة،
بل يتخذون عذارى من نسل بيت إسرائيل أو أرملة التي كانت أرملة كاهن. (حزقيال 44: 21-22)
هذا النص يقول ان الكهنة لا يتزوجون إلا عذارى من نسل بيت إسرائيل، فهل الكهنة كانوا يتزوجون بنات يسوع الذي هو نسل إسرائيل كما يقول بولس؟!
- كل إنسان من نسل هارون وهو أبرص أو ذو سيل لا يأكل من الأقداس حتى يطهر. (لاويين 22: 4)
هذا النص يتحدث عن كل إنسان من نسل هارون، فهل هو يتحدث عن شخص واحد من نسل هارون أم عن ذريته؟
- لا تخف فإني معك، من المشرق آتي بنسلك ومن المغرب أجمعك. (إشعياء 43: 5)
في هذا النص حديث عن عودة بني إسرائيل من الشرق بعد السبي، وعبّر عن ذلك بكلمة نسلك، فهل الذين عادوا كانوا عدداً كثيراً من الناس أم عاد شخص واحد لأن النص تحدث عن عودة النسل؟!
- فمتى أصابته شرور كثيرة وشدائد يُجاوب هذا النشيد أمامه لأنه لا يُنسى من أفواه نسله إني عرفت فِكرَه الذي يفكر به اليوم قبل أن أُدخله إلى الأرض كما أقسمتُ. (تثنية 31: 21)
هذا النص يتحدث عن النشيد الذي أنشده موسى قبل موته بقليل، وطلب من بني إسرائيل أن يحفظوه، فهل قوله هنا من أفواه نسله يدل على شخص واحد أم على مجموع الشعب، وإذا كان يقصد انساناً واحداً كما حاول بولس أن يقنعنا أن النسل يعني إنسان واحد فهل الإنسان له أفواه كثيرة؟!
أكتفي بهذه النصوص لأن هذه المسألة ما كانت لتناقش لولا هذا الاستدلال الغريب الذي قام به بولس وهذا الفهم الخاطئ، وهذه الطريقة ستظل السمة الرئيسة في فهمه لنصوص العهد القديم كما سيتبين لنا لاحقاً!
ثم يبدأ بمحاولة التدليل على صدق كلامه عن النسل بالقول ان الناموس لا يُبطل الموعد، وكأنه لم يقرأ أي نص عن الموعد والعهد الذي تكلم به الرب لبني إسرائيل في التوراة، فكما قلت سابقاً إن العهد مرّ بعدة مراحل كان آخرها إقرار العهد معهم بشكله النهائي من خلال الناموس الذي تلقاه موسى من الرب، فالناموس لم يُبطل العهد مع إبراهيم بل أكده بطريقة نهائية كما سبق شرحه.
وبعد هذا يبدأ بالحديث عن الناموس ويقول انه فُرض بسبب تعديات بني إسرائيل، مع أن العهد القديم يذكر أن الناموس هو الشريعة الواجب عليهم القيام بها وأنه فُرض عليهم قبل وجود التعدي، لا بل إن التعدي حصل من بني إسرائيل بعد تلقيهم الناموس وليس قبله، وإلا فقبل تلقيهم له كيف سيحدث التعدي؟!
وبعد ذلك ينتهي بالإشارة الى فقدان وظيفة الناموس وهو ما بينته عند الحديث عن الناموس سابقاً، ويقول انه منذ مجيء المسيح فَقَدَ الناموس وظيفته، ويختم بالقول ان إتّباعهم ليسوع يجعلهم من نسل إبراهيم! وهذا القول من عجائب ما قد يسمعه الانسان ويقرأه، فقد كان بإمكانه القول إن العهد قد انتهى مع بني إسرائيل وأن من يتبعه ويتعمّد باسم يسوع فانه يكون مؤمناً دون الحاجة للحديث عن أنساب يعلم الجميع أنها لا تصح، فما فائدة الانتساب لإبراهيم أو لغيره من الأنبياء إذا كان الإنسان يعبد مع الرب آلهة أُخرى وغير ملتزم بشرائعه، كما هو في الحقيقة حال بولس والكنائس المختلفة؟!
ثم نقرأ لبولس في رسالته الى العبرانيين، هناك نقاش كبير حول كاتب الرسالة ولكنني سأعتبر أن كاتبها بولس كما يقول كثير من آباء الكنيسة، محاولة أخرى لنقض العهد مع بني إسرائيل، وهي كما يلي:
- ولكنه الآن قد حصل على خدمة أفضل بمقدار ما هو وسيط أيضاً لعهد أعظم قد تثبّت على مواعيد أفضل،
فإنه لو كان ذلك الأول بلا عيب لما طلب موضع لثانٍ،
لأنه يقول لهم لائماً،
هوذا أيام تأتي يقول الرب حين أُكمّل مع بيت اسرائيل ومع بيت يهوذا عهداً جديداً،
لا كالعهد الذي عملته مع آبائهم يوم أمسكت بيدهم لأُخرجهم من أرض مصر،
لأنهم لم يثبتوا في عهدي وأنا أهملتهم يقول الرب،
لأن هذا هو العهد الذي أعهده مع بيت اسرائيل بعد تلك الأيام يقول الرب،
أجعل نواميسي في أذهانهم وأكتبها على قلوبهم،
وأنا أكون لهم إلهاً وهم يكونون لي شعباً،
ولا يُعلمون كل واحد قريبه،
وكل واحد أخاه قائلاً اعرف الرب لأن الجميع سيعرفونني من صغيرهم الى كبيرهم،
لأني أكون صفوحاً عن آثامهم ولا أذكر خطاياهم وتعدياتهم في ما بعد،
فإذ قال جديداً عَتّق الأول، وأما ما عَتقَ وشاخ فهو قريب من الاضمحلال. (عبرانيين 8: 6-13)
هذا النص محاولة جديدة من بولس، أو من كاتب الرسالة، لنقض العهد مع بني إسرائيل، وفيه نقرأ وصف بولس للعهد بأنه يوجد فيه عيوب وأنه عتق وشاخ وأنه قريب من الاضمحلال! وهذه الاوصاف تقصد أيضاً الناموس لأنه هو العهد مع بني إسرائيل كما بينت ذلك سابقاً، وهذا الأمر يكون صحيحاً لو أنه استشهد بأقوال ليسوع أو بوحي جديد تلقاه عن طريق الروح الذي كان يظن أنه معه، وأما أن يستشهد بنص من العهد القديم فهذا يستوجب مراجعة النص ومناقشة فهمه له، والنص الذي استشهد به مذكور في سفر إرميا وقد ذكرته قبل قليل، والنص يتحدث عن عهد جديد يقطعه الرب مع بني إسرائيل وأنهم سيكونون شعبه وليس مع الأُمم من غير اليهود كما يحاول بولس والكنائس القول لأتباعهم الطيبين، كما أنه يتضمن أهم عناصر العهد الأول وهو الالتزام بتوحيد الرب وعبادته وحده، وليس كما يقول بولس والكنائس عن تعدد الآلهة والتثليث، وأما وصفه للعهد بأنه عهد جديد فهو يشبه العهود التي كانت تتجدد مع ذرية إبراهيم سواء مع إسحاق أو مع يعقوب أو مع بني إسرائيل عامة كما بينت ذلك سابقاً، فالعهد الجديد يعني قطع العهد معهم مرة ثانية بذات الشروط السابقة وخاصة التوحيد وعبادة الرب وحده، فلا معنى لكلام بولس عن اضمحلال العهد الأول أو عيوبه أو قِدَمه إلا محاولة منه للتملص من العهد الأول ومن وصاياه وتعاليمه، وهو ما قام به فعلاً في رسائله وكرازته وخاصة دعوته لعبادة ثلاث آلهة وتوجهه لدعوة الأُمم وهو ما لم يأمر به العهد الأول أو العهد الجديد الذي ذكره إرميا في كتابه.
أكتفي بهذا القدر من النصوص التي تظهر مدى مخالفة ومناقضة كتبة الأناجيل والرسائل للعهد القديم بخصوص عهد الاصطفاء والاختيار لبني اسرائيل، وهذا يدل على أن مصادرهم غير مصدر العهد القديم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق