السبت، 28 يوليو 2018

أُصول التوراة: الأصل الثالث الروح القدس

الفصل الأولالأُصول والأُسس التي قام عليها العهد القديم وعلاقة كتبة الأناجيل بها

إن اعتماد كتبة الأناجيل والكنائس المختلفة على العهد القديم، واعتبار أنها امتداد له سواء بالاستشهاد بنصوصه أو بتاريخه، يستوجب علينا وقفة للمقارنة بين الاصول والأُسس التي قام عليها العهد القديم والأصول والأُسس التي قامت عليها الأناجيل لنرى صحة هذا الاعتماد وهذا الامتداد، لندرك حقيقة المصادر الذي اعتمد عليها كتبة الأناجيل، كما يستوجب علينا إظهار حقيقة العلاقة بين العهد القديم وكتبة الأناجيل وموقفهم من شرائعه وأحكامه بشكل عام.
لهذا سأقوم في الصفحات التالية باستعراض أهم الاصول والأسس التي قام عليها العهد القديم ومقارنتها بالأصول والأسس التي قامت عليها الأناجيل وتدعو لها، لنرى إن كانت تتوافق فيما بينها أم تختلف، لنفصل القول إن كانت مصادرهما واحدة أم مختلفة، وبالتالي علينا البحث عن المصدر الذي اعتمد عليه كتبة الأناجيل عند كتابتهم لها.
الأصل أو الأساس الثالث الروح
الروح أو روح الإله أو الروح المقدس من الأُصول المهمة في العهد القديم، ويُطلق على المخلوق الذي ينقل كلام الرب ووحيه وشرائعه للأنبياء، كما أن له بعض الوظائف الأُخرى التي ذكرها العهد القديم، فهو بهذه الصفات يختلف عن الروح المقدس الذي تعبده الكنائس باعتباره الإله الثالث من الآلهة الثلاث الذين هم واحد ومن نفس الجوهر، مع علمنا أن العهد القديم قائم على أساس أن الرب وحده هو الإله الحق الذي تجب عبادته والخضوع له، كما أن الأناجيل لم تتحدث عنه باعتباره إلهاً تجب عبادته من دون الرب، وإنما تم استحداث هذه المسألة بعد ذلك بعدة قرون في المجامع الكنسية! وفي الصفحات التالية سنطلع على صفات الروح في العهد القديم وعلاقته بالناس ونقارنها بما هو مذكور عن الروح المقدس في الأناجيل ورسائل العهد الجديد.
- وكانت الأرض خربة وخالية وعلى وجه الغمر ظلمة وروح الإله يَرِفُّ على وجه المياه. (تكوين 1: 1)
هذا هو النص الأول في العهد القديم الذي يتحدث عن روح الإله، وهو يُشير الى أن روح الإله عبارة عن مخلوق له قدرة على الرّفّ، وهذا يدل على أحد أمرين، إما أن له أجنحة وأنه يستطيع أن يطير بها، أو أن روح الإله ان لم يكن له أجنحة فان لديه القدرة على هزّ جسده بحيث يظهر لمن يراه كأنه يرفّ! وهذه الصفة بالتأكيد لا تجعل منه إلهاً يُعبد من دون الرب.
- تحجب وجهك فترتاع تنزع أرواحها فتموت والى ترابها تعود، تُرسل روحك فتُخلق وتُجدِّد وجه الأرض. (مزمور 104: 29-30)
في هذا النص نقرأ أن الرب إذا نزع الروح من مخلوق حيّ فإنه يموت، وإذا وضعها في شيء فإنه تُبعث فيه الحياة، فالروح بهذه الوظيفة يمثل الجزء الحيوي في المخلوقات الذي يتم من خلاله تحول الجمادات الى مخلوقات حيّة بأمر من الرب وحده، وهو هنا لا دخل له في عملية الخلق من حيث الاستقلال عن أوامر الرب، بل هو يقوم بوظيفة أُنيطت به كغيره من المخلوقات التي لها وظائف خاصة بها، كالمطر الذي من وظائفه إنماء الزرع كما في النص التالي:
- لأني أسكب ماء على العطشان وسيولاً على اليابسة،
أسكب روحي على نسلك وبركتي على ذريتك، فينبتون بين العشب مثل الصفصاف على مجاري المياه. (إشعياء 44: 3-4)
فالروح لا يحمل صفات إلهية ذاتية بل هو يقوم بوظيفته بأمر من الرب الإله الحق خالق السموات والأرض وحده.
- فقال فرعون لعبيده هل نجد مثل هذا رجلاً فيه روح الإله. (تكوين 41: 38)
هذا القول قاله فرعون عن يوسف بعد تفسيره للحلم الذي رآه فرعون، ونلاحظ أن فرعون لم يعتبر يوسف إلهاً ولا أُقنوماً ولا رجلاً يحمل صفات إلهية تجعل منه إلهاً يُعبد من دون الرب، وفرعون كان وثنياً وهو قريب من المعتقدات التي تتحدث عن تعدد الآلهة ومع هذا لم يقل شيئاً من هذا عن يوسف بل قال ان هذا رجلاً فيه روح الإله، فدور الروح هنا هو الإخبار بما سيحدث في المستقبل.
- وكلم الرب موسى قائلاً انظر، قد دعوت بصلئيل بن أُوري بن حور من سبط يهوذا باسمه،
وملأته من روح الإله بالحكمة والفهم والمعرفة وكل صنعة، لاختراع مُخترعات ليعمل في الذهب والفضة والنحاس، ونقش حجارة للترصيع ونجارة الخشب ليعمل في كل صنعة. (خروج 31: 1-5)
هذا النص يشير الى ان من وظائف روح الإله تعليم الناس، وخاصة بصلئيل، بعض الصناعات مثل صياغة الذهب والفضة ونقش الحجارة الثمينة والنجارة، كما علمه صناعة الخيام وخاصة خيمة الاجتماع التي جُعلت مكاناً للعبادة كما هو مذكور في هذا الإصحاح.
- فأنزل أنا وأتكلم معك هناك وآخذ من الروح الذي عليك وأضع عليهم فيحملون معك ثقل الشعب، فلا تحمل أنت وحدك. (عدد 11: 17)
- فنزل الربّ في سحابة وتكلم معه وأخذ من الروح الذي عليه وجعل على السبعين رجلاً الشيوخ،
فلما حلت عليهم الروح تنبأوا ولكنهم لم يزيدوا. (عدد 11: 25)
- وبقي رجلان في المحلة اسم الواحد ألداد واسم الآخر ميداد فحل عليهما الروح، وكانا من المكتوبين ولكنهما لم يخرجا الى الخيمة، فتنبآ في المحلة. (عدد 11: 26)
- فقال له موسى هل تغار أنت لي،
يا ليت كل شعب الرب كانوا أنبياء إذا جعل الرب روحه عليهم. (عدد 11: 29)
في هذه النصوص نقرأ أن الروح لديه القدرة على الانقسام وأن من يحلّ عليه جزء منه يصبح نبياً ويستطيع التنبؤ ونلاحظ قوله ولكنهم لم يزيدوا، أي إن هؤلاء الأنبياء لم يزيدوا عن كونهم أنبياء بعد حلول الروح فيهم.
- فقال الرب لموسى خذ يشوع بن نون رجلاً فيه روح وضع يدك عليه. (عدد 27: 18)
- ويشوع بن نون كان قد امتلأ روح حكمة إذ وضع موسى عليه يديه، فسمع له بنو إسرائيل وعملوا كما أوصى الربُّ موسى. (تثنية 34: 9)
في هذين النصين نقرأ أن امتلاء يشوع بالروح ساعده على حكم بني إسرائيل.
- وصرخ بنو إسرائيل الى الربّ فأقام الربُّ مُخلصاً لبني إسرائيل فخلصهم عثنيئيل بن قناز أخا كالب الأصغر،
فكان عليه روح الرب وقضى لإسرائيل وخرج للحرب فدفع الربُّ ليده كوشان رشعتايم ملك أرام واعتزّت يده على كوشان رشعتايم. (قضاة 3: 9-10)
في هذا النص نقرأ ان حلول روح الرب على إنسان تساعده في تخليص قومه والقضاء بينهم.
فيحل عليك روح الرب فتتنبأ معهم وتتحول الى رجل آخر،
وإذا أتت هذه الآيات عليك فافعل ما وجدته يدك لأن الإله معك،
وتنزل قدّامي الى الجلجال وهوذا أنا أنزل إليك لأُصعد مُحرقات وأذبح ذبائح سلامة سبعة أيام تلبث حتى آتي إليك وأُعلمك ماذا تفعل،
وكان عندما أدار كتفه لكي يذهب من عند صموئيل أن الإله أعطاه قلباً آخر،
وأتت جميع هذه الآيات في ذلك اليوم. (صموئيل الاول 10: 6-9)
في هذا النص نقرأ أن من يحل عليه الروح يصبح رجلاً آخر، ويستطيع أن يتنبأ بأُمور ستقع في المستقبل، وأن وقوع هذه النبوءات كما تنبأ يدل على أن الرب معه.
- ولما جاءوا الى هناك الى جبعة إذا بزمرة من الأنبياء لقيته فحلّ عليه روح الإله فتنبأ في وسطهم. (صموئيل الاول 10: 10)
في هذا النص، وهو جزء من قصة شاول، نقرأ ان حلول روح الإله على شاول جعل منه نبياً حتى أصبح مثلاً عند بني إسرائيل، فقالوا أشاول أيضاً بين الأنبياء! (صموئيل الاول 10: 13)
- فأخذ صموئيل قرنَ الدّهن ومسحه في وسط إخوته وحلّ روح الرب على داوُد من ذلك اليوم فصاعداً، ثم قام صموئيل وذهب الى الرّامة،
وذهب روح الرب من عند شاول،
وبغته روح رديء من قِبل الرب،
فقال عبيد شاول له هوذا روح رديء من قِبل الإله يبغتك. (صموئيل الاول 16: 13-15)
في هذا النص نقرأ ان روح الرب خرجت من شاول وحلت على داوُد مما جعل النبوة تنتقل من شاول الى داوُد، وهذا ما جعل داوُد نبياً وأصبح يتنبأ كالأنبياء السابقين، ونقرأ له كلماته الأخيرة في النص التالي:
- فهذه هي كلمات داوُد الاخيرة،
وحي داوُد بن يسّى ووحي الرجل القائم في العلا مسيح إله يعقوب ومرنم إسرائيل الحلو،
روح الرب تكلم بي وكلِمَتُه على لساني،
قال إله إسرائيل إليّ تكلمَ صخرة إسرائيل إذا تسلط على الناس بارٌّ يتسلط بخوف الإله. (صموئيل الثاني 23: 1-3)
هذا النص يقول ان داوُد مسيح الرب، وانه يُوحى إليه بروح الرب، وأن روح الرب يتكلم به ويجعل كلماته على لسان داوُد، ثم يبدأ بذكر تلك الكلمات فيقول قال إله إسرائيل ... وهذا يعني أن من وظائف روح الرب نقل كلام الرب للأنبياء من خلال الوحي.
ولأن روح الرب لا يبقى في الإنسان إلا أذا بقي مطيعاً لوصايا الرب نجد أن داوُد يدعو الرب أن لا ينزع منه الروح كما في النص التالي:
- قلبا نقيا أُخلق فيّ يا إله، وروحا مستقيماً جدّد في داخلي،
لا تطرحني من قدّام وجهك، وروحك المقدس لا تنزعه مني. (مزمور 51: 10-11)
ومن وظائف الروح هو هداية المؤمنين في طرقهم، وهذه الطرق قد تكون معنوية أي من خلال تعليمهم لوصايا الرب، أو طرق مادية كما حدث مع بني إسرائيل بعد خروجهم من مصر، إذ كان الروح يهديهم إثناء تنقلهم في سيناء حتى أوصلهم الى الأرض المقدسة كما هو مكتوب في العهد القديم، كما في النص التالي:
- علمني أن أعمل رضاك لأنك أنت إلهي، روحك الصالح يهديني في أرض مستوية. (مزمور 143: 10)
كما أن من وظائف الروح نقل وعد الرب بالنصر عن طريق الأنبياء كما في النص التالي:
- وإن يحزئيل بن زكريا بن بنايا بن يعيئيل بن متنيا اللاوي من بني آساف كان عليه روح الرب في وسط الجماعة،
فقال اصغوا يا جميع يهوذا وسكان أُورشليم وأيها الملك يهوشافاط فقال،
هكذا قال الرب لكم لا تخافوا ولا ترتاعوا بسبب هذا الجمهور الكثير لان الحرب ليست لكم بل للإله،
غداً انزلوا عليهم هوذا هم صاعدون في عقبة صيص فتجدوهم في أقصى الوادي أمام برّيّة يروئيل،
ليس عليكم أن تحاربوا في هذه قفوا اثبتوا وانظروا خلاص الرب معكم يا يهوذا وأُورشليم لا تخافوا ولا ترتاعوا، غداً اخرجوا للقائهم والرب معكم. (الايام الثاني 20: 14-17)
في هذا النص نقرأ أن الروح نقل وعد الرب الى بني إسرائيل بالنصر الذي سيحققونه على الأعداء، لأن الرب معهم، ولأن تلك الحرب ليست لهم بل للرب، وهو ما تحقق كما هو مكتوب في السِفر.
ومن وظائف الروح تشجيع الأنبياء على الدعوة للالتزام بوصايا الرب وأن من يخالفها سيلحق به الفشل والعقاب، كما في النص التالي:
ولبس روح الإله زكريا بن يهوياداع الكاهن،
فوقف فوق الشعب وقال لهم هكذا يقول الإله لماذا تتعدون وصايا الرب فلا تفلحون،
لأنكم تركتم الرب قد ترككم،
ففتنوا عليه ورجموه بحجارة بأمر الملك في دار بيت الرب،
ولم يذكر يوآش الملك المعروف الذي عمله يهوياداع أبوه معه بل قتل ابنه،
وعند موته قال الرب ينظر ويُطالب. (الايام الثاني 24: 20-22)
في هذا النص نقرأ أن روح الإله عندما يلبس أحداً أو يحل على أحد فإنما يفعل ذلك لينقل كلام الرب، فروح الإله عندما لبس زكريا بن يهوياداع نقل إليه كلام الرب لليهود، وهذه القصة عكس القصة السابقة، فهنا نقرأ أن الرب توعد بني إسرائيل بتركهم، لأنهم تعدوا وصايا الرب وتركوا عبادته.
ويتكرر هذا الأمر في سِفر نحميا ولكن بشكل عام كما في النص التالي:
فاحتملتهم سنين كثيرة وأشهدت عليهم بروحك عن يد أنبيائك فلم يصغوا فدفعتهم ليد شعوب الأراضي. (نحميا 9: 30)
فالروح يشهد على الشعوب بنقل أوامر الرب ووصاياه عن طريق الأنبياء، ومن لا يلتزم بها تلحق به العقوبات المقررة من الرب.
كما أن الربّ يُعطي الروح لتعليم الناس أوامره عن طريق الأنبياء كما في النص التالي:
- وأعطيتهم روحك الصالح لتعليمهم، ولم تمنع منّك عن أفواههم وأعطيتهم ماء لِعَطشِهم. (نحميا 9: 20)
في هذا النص نقرأ أن الرب أعطى بني اسرائيل الروح الصالح لتعليمهم الوصايا، والوصايا لم يتلقاها سوى موسى فوظيفة الروح هي تعليم الناس عن طريق نقل وصايا الرب لهم عن طريق الأنبياء.
وحلّ عليّ روح الرب وقال لي قل، هكذا قال الربّ، هكذا قلتم يا بيت إسرائيل وما يخطر ببالكم قد عَلِمته. (حزقيال 11: 5)
في هذا النص نقرأ أن روح الرب عندما حلّ على حزقيال لم يمتزج به بل كان مستقلاً عنه بحيث كان حزقيال يشعر به وكان يسمع كلامه، ولهذا عندما بدأ يتكلم قال له قل.
فدخل فيّ روح لما تكلم معي وأقامني على قدميّ فسمعتُ المتكلم معي. (حزقيال 2: 2)
في هذا النص نقرأ أن روح الرب عندما يتكلم مع الأنبياء فإنه يدخل فيهم.
وخلاصة القول أن من يحل فيه روح الإله يصبح لديه القدرة على التنبؤ وهو ما عبّر عنه في النص التالي:
- ويكون بعد ذلك أني أسكب روحي على كل بشر فيتنبأ بنوكم وبناتكم ويحلم شيوخكم أحلاماً ويرى شبابكم رؤى، وعلى العبيد أيضاً وعلى الإماء أسكب روحي في تلك الأيام. (يوئيل 2: 28-29)
ولكن هل هذه هي وظائف روح الإله فقط؟
يتحدث العهد القديم عن وظيفة أُخرى للروح وهي قدرته على التحول الى روح كذب للأنبياء الكذبة، كما في النصين التاليين:
- وقال فاسمع إذاً كلام الربّ،
قد رأيت الرب جالساً على كرسيه وكل جند السماء وقوف لديه، عن يمينه وعن يساره،
فقال الرب من يغوي أخآب فيصعد ويسقط في راموت جلعاد،
فقال هذا هكذا وقال ذاك هكذا،
ثم خرج الروح ووقف أمام الرب وقال أنا أُغويه،
وقال له الرب بماذا،
فقال أخرج وأكون روح كذب في أفواه جميع أنبيائه،
فقال إنك تغويه وتقدر، فاخرج وافعل هكذا،
والآن هوذا قد جعل الرب روح كذب في أفواه جميع أنبيائك هؤلاء والربّ تكلم عليك بشرٍّ. (الملوك الاول 22: 19-23)
- وقال فاسمع إذاً كلام الرب،
قد رأيت الرب جالساً على كرسيه وكل جند السماء وقوفٌ عن يمينه وعن يساره،
فقال الرب من يُغوي أخآب ملك إسرائيل فيصعد ويسقط في راموت جلعاد،
فقال هذا هكذا وقال ذاك هكذا،
ثم خرج الروح ووقف أمام الرب وقال أنا أُغويه فقال له الرب بماذا،
فقال أخرج وأكون لروح كذب في أفواه جميع أنبيائه،
فقال الرب إنك تغويه وتقدر، فاخرج وافعل هكذا،
والآن هوذا قد جعل الرب روح كذب في أفواه جميع أنبيائك هؤلاء،
والرب تكلم عليك بشر. (الايام الثاني 18: 18-22)
في هذين النصين نقرأ أن روح الإله من جند السماء وأنه يتحول الى روح كذب في أفواه الأنبياء الكذبة ويخبرهم بأُمور كاذبة أو خاطئة، وهذا من الأدلة القوية على أن الروح لا علاقة له بالربّ سوى أنه من جند السماء ومخلوق من المخلوقات، بخلاف ما تقوله الكنائس عنه من أنه الإله الثالث من الآلهة الثلاث الذين هم واحد والتي تعبدها، وهنا لا بد من وقفة مع بعض المعلومات في الأناجيل لنرى إن كان الروح الذي مع كتبتها هو روح الإله الصادق، أو روح كذب، أو أنه لم يكن معهم روح أصلاً وانما كانوا يكتبون من أنفسهم!
- فيلبس وجد نثنائيل وقال له وجدنا الذي كتب عنه موسى في الناموس والأنبياء يسوع ابن يوسف الذي من الناصرة. (يوحنا 1: 45)
في هذا النص يقول يوحنا في إنجيله أنه مكتوب في العهد القديم أن يسوع ابن يوسف الذي من الناصرة! والكنائس المختلفة كلها تعلم أن هذا النص ليس مكتوباً في العهد القديم، كما أن يسوع ليس ابن يوسف النجار كما تقول الكنائس، فهل هذا القول صادر عن روح الإله الصادق أو روح كذب!
- وأتى وسكن في مدينة يقال لها ناصرة،
لكي يتم ما قيل بالأنبياء انه سيدعى ناصريا. (متّى 2: 23)
وهذا النص كذلك لا يوجد في أي سفر من أسفار العهد القديم، فهل هذا النص كُتِبَ بروح الإله أم بشيء آخر؟
- حينئذ لمّا رأى يهوذا الذي أسلمه أنه قد دِينَ،
ندم وردّ الثلاثين من الفضة الى رؤساء الكهنة والشيوخ، قائلا قد أخطأت إذ سلّمتُ دماً بريئاً،
فقالوا ماذا علينا، أنت أبصر،
فطرح الفضة في الهيكل وانصرف، ثم مضى وخنق نفسه،
فأخذ رؤساء الكهنة الفضة وقالوا لا يحلّ أن نلقيها في الخزانة لأنها ثمن دم، فتشاوروا واشتروا بها حقل الفخاريّ مقبرة للغرباء،
لهذا سُمِّي ذلك الحقل حقل الدم إلى هذا اليوم،
حينئذ تمّ ما قيل بإرميا النبي القائل وأخذوا الثلاثين من الفضة ثمن المثمن الذي ثمنوه من بني إسرائيل وأعطوها عن حقل الفخاري كما أمرني الرب. (متّى 27: 3-10)
في هذا النص يقول متّى ان قصة الثلاثين من الفضة مكتوبة في سِفر إرميا، مع أن هذا النص مكتوب في سِفر زكريا كما في النص التالي:
- فقلت لهم إن حسن في أعينكم فأعطوني أُجرتي، وإلا فامتنعوا،
فوزنوا أُجرتي ثلاثين من الفضة. (زكريا 11: 12)
فهذا الخطأ وعدم التمييز بين كتاب إرميا وكتاب زكريا هل كان مصدره روح الإله الصادق أم روح رديء أم من مصدر آخر لا علاقة له بالأرواح؟!
- لكي يأتي عليكم كل دم زكي سُفِكَ على الأرض من دم هابيل الصديق إلى دم زكريا بن برخيا الذي قتلتموه بين الهيكل والمذبح،
الحق أقول لكم إن هذا كله يأتي على هذا الجيل. (متّى 23: 35-36)
في هذا النص يقول متّى أن الذي قتله اليهود بين الهيكل والمذبح هو زكريا بن برخيا في حين أن العهد القديم يقول ان الذي قتله اليهود هو زكريا بن يهوياداع كما في النص التالي:
- ولبس روح الإله زكريا بن يهوياداع الكاهن،
فوقف فوق الشعب وقال لهم هكذا يقول الإله لماذا تتعدون وصايا الرب فلا تفلحون،
لأنكم تركتم الرب قد ترككم،
ففتنوا عليه ورجموه بحجارة بأمر الملك في دار بيت الرب،
ولم يذكر يوآش الملك المعروف الذي عمله يهوياداع أبوه معه بل قتل ابنه،
وعند موته قال الرب ينظر ويطالب. (الأيام الثاني 24: 20-22)
فعدم تمييز متّى بين زكريا بن يهوياداع الذي قتله اليهود وزكريا بن برخيا النبي هل هو من روح الإله أم من روح رديء؟!
- واجتاز في السبت بين الزروع، فابتدأ تلاميذه يقطفون السنابل وهم سائرون،
فقال له الفريسيون انظر، لماذا يفعلون في السبت ما لا يحل،
فقال لهم أما قرأتم قط ما فعله داوُد حين احتاج وجاع هو والذين معه، كيف دخل بيت الإله في أيام أبيأثار رئيس الكهنة وأكل خبز التقدمة الذي لا يحلّ أكله الا للكهنة وأعطى الذين كانوا معه أيضاً.
(مرقس 2: 23-28)
في هذا النص يقول مرقس أن داوُد دخل الى بيت الرب في أيام رئيس الكهنة أبيأثار وكان معه مجموعة من الناس، والعهد القديم يقول أن داوُد ذهب الى أخيمالك وليس أبيأثار وأنه كان وحده ولم يكن معه أحد! كما في النص التالي:
- فجاء داوُد الى نوب الى أخيمالك الكاهن،
فاضطرب أخيمالك عند لقاء داوُد وقال له لماذا أنت وحدك وليس معك أحد. (صموئيل الاول 21: 1)
فهذا الخطأ في اسم الكاهن الذي كتبه مرقس وأنه كان مع داوُد مجموعة من الناس هل هو من روح الإله أم من روح رديء؟!
- فأرسل يوسف واستدعى أباه يعقوب وجميع عشيرته خمسة وسبعين نفساً. (أعمال الرسل 7: 14)
في هذا النص يقول لوقا كاتب أعمال الرسل إن الذين دخلوا الى مصر كانوا خمسة وسبعين نفساً، في حين أن العهد القديم يقول ان الداخلين الى مصر كانوا سبعين شخصاً، وهم معروفون بأسمائهم، كما في النص التالي:
- جميع النفوس ليعقوب التي أتت إلى مصر الخارجة من صلبه ما عدا نساء بني يعقوب جميع النفوس ست وستون نفساً،
وابنا يوسف اللذين ولدا له في مصر نفسان،
جميع نفوس بيت يعقوب التي جاءت إلى مصر سبعون. (تكوين 46: 26-27)
فهذا الخطأ في تحديد عدد الداخلين من بني إسرائيل الى مصر هل هو من روح الإله أم من روح رديء؟!
من هذه الأمثلة وغيرها الكثير مما هو مكتوب في الأناجيل نستطيع أن نأخذ فكرة جيدة عن الفرق بين روح الإله والروح الذي تقول عنه الكنائس أنه كان يسوق كتبة الأناجيل عند كتابتهم لها! وهو ما يدعو للبحث بكل جدية عن المصادر التي اعتمد عليها كتبة الأناجيل لكتابتها.
وأما ما استحدثته المجامع الكنسية باعتبار الروح إلهاً يُعبد مع الرب أو دونه، فكل فقرة في العهد القديم ترفض هذا القول، وقيام الروح ببعض الوظائف ومنها بث الحياة في بعض الأشياء والمخلوقات، إنما هو بأمر من الرب خالق السموات والأرض وليس من خصائصه الذاتية التي تجعل منه إلهاً يُعبد من دون الرب خالق السموات والأرض، كما بينت ذلك سابقاً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق