الثلاثاء، 24 يوليو 2018

مصدر قصة تعليم يسوع في الهيكل وهو صبي

الفصل الثالث: مصادر الأناجيل وطريقة تأليفها وكتابتها

القسم السادس: النصوص المقتبسة من العهد القديم دون نسبتها له مباشرة
في هذا القسم سأقوم بدراسة النصوص المقتبسة من العهد القديم والتي لم تُنسب إليه مباشرة، كما هو الحال في الأقسام السابقة، أو ما أُطلق عليه الحبكة القصصية والحوارية، وفيه سنطلع على معظم الأحداث والقصص والأقوال المذكورة في الأناجيل ومقارنتها بالعهد القديم وبواقع حال يسوع كما تصفه قوانين إيمان الكنائس، وأبدأ ببعض أسماء وألقاب يسوع.
5 - مصدر قصة تعليم يسوع في الهيكل وهو صبي
بعد الحديث عن ولادة يسوع ونسبه ينفرد لوقا بذكر قصة عن تعليم يسوع في الهيكل وهو طفل صغير كما في النص التالي:
- وكان أبواه يذهبان كل سنة إلى أُورشليم في عيد الفصح،
ولما كانت له اثنتا عشرة سنة صعدوا إلى أُورشليم كعادة العيد،
وبعدما أكملوا الأيام بقي عند رجوعهما الصبي يسوع في أُورشليم ويوسف وأُمه لم يعلما،
وإذ ظناه بين الرفقة ذهبا مسيرة يوم وكانا يطلبانه بين الأقرباء والمعارف،
ولما لم يجداه رجعا إلى أُورشليم يطلبانه، وبعد ثلاثة أيام وجداه في الهيكل جالساً وسط المعلمين يَسمعهم ويَسألهم،
وكل الذين سمعوه بُهِتوا من فهمه وأجوبته،
فلما أبصراه اندهشا،
وقالت له أُمه يا بني لماذا فعلت بنا هكذا،
هو ذا أبوك وأنا كنا نطلبك معذبين،
فقال لهما لماذا كنتما تطلبانني،
ألم تعلما أنه ينبغي أن أكون في ما لأبي،
فلم يفهما الكلام الذي قاله لهما،
ثم نزل معهما وجاء إلى الناصرة، وكان خاضعاً لهما،
وكانت أُمه تحفظ جميع هذه الأُمور في قلبها،
وأما يسوع فكان يتقدم في الحكمة والقامة والنعمة عند الإله والناس. (لوقا 2: 41-52)
هذه القصة تحمل في ثناياها عدة مسائل تثير الشك في أصلها وفي كونها وحياً من السماء وأنها كتبت بسوق من الروح المقدس، وفيما يلي بعض تلك المسائل.
المسألة الأُولى وهي قول لوقا وكان أبواه يذهبان كل سنة الى أُورشليم، وقول مريم هو ذا أبوك وأنا كنا نطلبك معذبين، فهاتان الفقرتان تشيران الى أن يوسف النجار هو أب يسوع من الناحية الجسدية، وهو ما يتناقض ما تقوله الأناجيل والكنائس عن ولادة يسوع من دون أب بشري، فهم أمام خيارين إما القول ان يسوع وُلد من دون أب وهذا يعني أن ما كتبه لوقا خطأ، أو أن يوسف النجار هو أب يسوع الجسدي وهذا ينقض كل النصوص التي تحدثت عن ولادة يسوع من غير أب، وهذا التناقض بين النصوص يدل على أنها ليست وحياً، ولم تكتب بسوق من الروح المقدس.
المسألة الثانية وهي قول لوقا ان كل الذين سمعوه بُهِتوا من فهمه وأجوبته، وهذا الكلام غريب لأنه لم يكتب أن المعلمين كانوا هم من يسأل يسوع، بل قال إن يسوع هو من كان يسأل المعلمين! وجداه في الهيكل جالساً وسط المعلمين يسمعهم ويسألهم، فهذا الخلط في الكلام يدل على أن هذه القصة لم تكتب عن طريق الوحي.
المسألة الثالثة وهي قول لوقا عن يسوع أنه كان خاضعاً لهما، فهذه الفقرة من غرائب ما يمكن أن يقرأه الإنسان، إذ كيف يخضع يسوع الجسد الذي حلت فيه الأقانيم الثلاثة، أو على الأقل أحدها، لأحد مخلوقاته، ولكن هذه الغرابة تكون بسيطة عند قراءة ما هو مكتوب في الأناجيل عن يسوع وقت الصلب وكيف أن شرذمة من الناس لم تخضعه فقط بل قامت بضربه وجلده ولطمه والبصق عليه ومن ثم تعليقه على الخشبة!
المسألة الرابعة وهي قول لوقا ان يسوع كان يتقدم في الحكمة والقامة والنعمة عند الإله والناس، فهذا القول يشير الى أن يسوع لا يحمل أي صفة من الصفات التي ألصقتها به الكنائس، إذ لو كان ما تقوله الكنائس عنه صحيحاً لما احتاج للتقدم في الحكمة والنعمة والقامة عند الرب وعند الناس! إذ كيف يتقدم في الحكمة من يُفترض به أن يكون منبع وأصل الحكمة؟ وأما تقدمه في النعمة عند الرب فهذا أكبر دليل على بُطلان قانون الأقانيم الثلاثة ووحدتها في الجوهر والقدرة، لأن هذا القانون لو كان صحيحاً لما كان هناك معنى لتقدمه في النعمة عند الرب، إلا إذا قلنا أن الأقانيم الثلاثة الحالة في جسد يسوع لا علاقة لها بالرب خالق السموات والأرض، وأنها تسعى بكل الوسائل للتقدم في النعمة عند الرب، ومنها تعلم الشرائع في الهيكل كما فعل يسوع في هذه القصة، وأما تقدمه في القامة فهذا يؤكد أن يسوع لا علاقة له بالرب خالق السموات والأرض إلا كعلاقة باقي المخلوقات التي تتقدم في قامتها وتنمو من خلال تناولها للطعام والشراب!
من هنا أقول ان هذه القصة لا يمكن أن تكون وحياً أو أنها كتبت بسوق من الروح المقدس، فمن أين اقتبس لوقا هذه القصة؟
لنقرأ النص التالي:
أكثر من كل معلّمي تعقّلت لان شهاداتك هي لهجي،
أكثر من الشيوخ فطنت لأني حفظت وصاياك. (مزمور 119: 99-100)
في هذا النص نقرأ كلاماً عن قول المتحدث في المزمور أنه أصبح عاقلاً أكثر من معلميه وأكثر فطنة من شيوخه وهو يشبه الى حد كبير ما كتبه لوقا عن دهشة من سمع يسوع وهو يسمع ويسأل الشيوخ كدليل على علمه وفطنته مع فارق بسيط وهو أن لوقا ضمّن قصته المسائل التي بينتها سابقاً.
وأما قول لوقا أن يسوع كان يتقدم في الحكمة والقامة والنعمة عند الإله والناس، فأظن أنه اقتبسه من نص في كتاب صموئيل الأول وهو كما يلي:
- وأما الصبي صموئيل فتزايد نمواً وصلاحاً لدى الرب والناس أيضاً. (صموئيل الأول 2: 26). لا تعليق!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق