السبت، 28 يوليو 2018

مقدمة كتاب مصادر الأناجيل وإيجاز تاريخي في البحث عن مصادر الأناجيل

المقدمة

هذا الكتاب هو محاولة جديدة، وأرجو أن تكون الأخيرة، في البحث عن المصادر التي اعتمد عليها كتبة الأناجيل لكتابتها، فعلى الرغم من المحاولات الكثيرة للكشف عن مصادر الأناجيل خلال القرون الماضية إلا أنها لم تستطع التوصل لنتيجة حاسمة في تحديد مصادرها، نتيجة لعوامل عدة، منها فقدان النسخ الأصلية لها، والجهل الحقيقي بتاريخ تأليفها وكاتبيها، وعدم فهم الهدف من تأليفها وطريقة كتابتها، وكذلك عدم الفهم الدقيق لطبيعة علاقتها بالعهد القديم سواء في الأُصول أو النصوص، وأخيراً الجهل بالطوائف التي كانت تؤمن بالمسيح كنبي ورسول وليس كإله وابن إله مثل الآريوسيين وغيرهم.
لهذا سعيت في هذا الكتاب لتجاوز الكثير من هذه العوامل واعتمدت في الكشف عن تلك المصادر بالبحث في علاقة الأناجيل بالعهد القديم سواء فيما يتعلق في الأُصول والأُسس التي قام عليها العهد القديم، أو في النصوص التي اقتبسها كتبة الأناجيل منه، كما قمت بدراسة معنى كلمة إنجيل وطريقة كتابة الأناجيل والهدف من كتابتها، لحسم مسألة الكيفية التي كتبت فيها، إن كانت عن طريق الوحي وبسوق من الروح المقدس أم أنها كتبت لهدف معين بعيدا عن الوحي والروح المقدس.
والكتاب ينقسم الى خمسة أقسام، تمهيد إيجاز تاريخي في البحث عن مصادر الأناجيل وثلاثة فصول وخاتمة، في التمهيد استعرضت جزء من تاريخ الأناجيل وأشهر المدارس التي بحثت عن مصادرها، مع ذكر بعض الأناجيل غير الأربعة.
وفي الفصل الأول قمت بتحديد أهم الأُصول والأُسس التي قام عليها العهد القديم من التوحيد الى عهود الرب مع بني إسرائيل ومقارنتها بالأُصول والأُسس التي قامت عليها الأناجيل.
وفي الفصل الثاني قمت بدراسة معنى مصطلح أو كلمة إنجيل، والهدف من كتابتها، وعلاقتها بكلمة الرب والوحي والروح المقدس، ثم تتبعت النصوص التي تضمنت كلمة إنجيل في رسائل العهد الجديد، من إنجيل متّى الى رؤيا يوحنا، وقمت بدراستها لمعرفة ما هو المقصود منها عندما يتم استعمالها من قِبَل مؤلفي العهد الجديد، وهل تعني الأناجيل الأربعة كما يظن أتباع الكنائس الطيبين، أم أنها تعني طريقة التبشير بيسوع من خلال منهج خاص سيتم الكشف عنه في هذا الكتاب!
في الفصل الثالث قمت بإظهار العلاقة بين كتبة الأناجيل ونصوص العهد القديم وطريقة كتابة الأناجيل، كما قمت بدراسة معظم النصوص التي اقتبسها كتبة الأناجيل من العهد القديم، ونظرأً لطوله وتشعب مواضيعه فقد قسمته الى عدة أقسام:
القسم الأول أظهرت وجود عدة نصوص منسوبة للعهد القديم وهي غير موجودة فيه.
القسم الثاني أظهرت وجود عدة نصوص أخطأ كتبة الأناجيل في نسبتها للأسفار المذكورة فيها في العهد القديم.
القسم الثالث أظهرت وجود عدة نصوص أخطأ كتبة الأناجيل في ذكر الأسماء والأعداد المكتوبة في العهد القديم.
القسم الرابع درست النصوص التي نسبت للعهد القديم مباشرة كنبوءات تحدثت عن يسوع وزمانه، وأظهرت أنها لم تكن تتحدث أو تتنبأ عنه!
القسم الخامس درست بعض الحوارات والمجادلات المكتوبة في الأناجيل والتي تم الاستشهاد خلالها بنصوص العهد القديم وأظهرت خطأ الاستشهاد بها.
القسم السادس درست الأناجيل من الناحية الموضوعية أو الحبكة القصصية، حيث بدأت بدراسة اسم يسوع مروراً بمعظم فترات حياته وانتهيت بالأقوال التي قيلت على لسانه، وأظهرت هناك أن كل فقرة في الأناجيل مقتبسة من العهد القديم، وليس هذا فحسب بل أثبت خطأ تلك الاقتباسات مقارنة بالعهد القديم وبما هو مكتوب في الأناجيل وقوانين إيمان الكنائس وكذلك مقارنة بالواقع الذي نعيشه، وخاتمة الكتاب تلخص النتائج التي توصلت إليها.
إيجاز تاريخي في البحث عن مصادر الأناجيل
الأناجيل الأربعة تعتبر الأساس الذي أقامت الكنائس المختلفة إيمانها عليه، وهي في ذات الوقت تعتبر من أهم المشاكل التي واجهت الكنائس خلال تاريخها الطويل، فبالإضافة للمشاكل الموجودة أصلاً في الأناجيل الاربعة، سواء المتعلقة بصفات يسوع وصفات أبيه والروح المقدس وتناقضها مع ما هو مكتوب عن الرب الواحد الإله الحق خالق السموات والأرض في العهد القديم، أو التناقض والاختلاف فيما بينها في القصص المذكورة فيها سواء في التسلسل التاريخي للأحداث أو في ذات القصص، بدءاً من نسب يسوع مروراً بركوبه على جحش وحمارة عند دخوله الى أُورشليم ومحاكمته وصلبه وقيامته وانتهاءاً بالكيفية التي ظهر فيها للتلاميذ، والتي أدت الى حدوث كل الانشقاقات بين الكنائس كما هو معلوم للجميع، أقول إن الأناجيل ذاتها كانت من أهم المشاكل التي واجهت الكنائس فقد تعرضت للمناقشة والنقد وذلك في محاولة للبحث عن حقيقة وجودها ومصادرها، وخاصة أن هذه الأناجيل ليس بينها واحد يُنسب ليسوع مباشرة، كما أن هذه الأناجيل كُتبت بعد فترة زمنية طويلة من صعود يسوع إلى السماء وهذه الفترة مختلف في تحديدها فإنجيلي متّى ومرقس يقال أنهما كتبا فيما بين سنة 50 وسنة 62 وإنجيل لوقا كتب فيما بين سنة 60 وسنة 62 وأعمال الرسل كتب قبل سنة 67 ورسائل بولس كتبت فيما بين سنة 50 وسنة 67، مع خلاف كبير حول كاتب رسالة العبرانيين! ورسالة يعقوب كتبت بين سنة 40 وسنة 62، ورسالتي بطرس يقال أنه كتبهما قبل صلبه سنة 67! ورسالة يهوذا يقال أنه كتبها بعد رسالة بطرس الثانية وقبل سنة 70، وأما يوحنا فيقال أنه كتب إنجيله ورؤيته ورسائله الثلاث فيما بين سنة 80 وسنة 98 بعد الميلاد، مع وجود خلاف على شخصية كاتبها إن كان هو يوحنا تلميذ يسوع أم شخص آخر!
وهذا يعني أن التلاميذ الأوائل لم يكن لديهم الأناجيل الأربعة، كما أنها لم تكتب بوصية من يسوع كما هو الحال مع أسفار موسى الخمسة التي إن لم يكتبها موسى نفسه كما يقول الكثير من الباحثين إلا أنه توجد عدة نصوص تأمر بني إسرائيل بكتابتها والمحافظة عليها، كما أن النسخ الأصلية لهذه الأناجيل مفقودة، والنسخ الموجودة تحمل الكثير من الأخطاء والاختلاف فيما بينها، سواء في الجانب اللغوي أو في الجانب النصي، بمعنى وجود فقرات في بعض النسخ وفقدانها في نسخ أُخرى كخاتمة إنجيل مرقس من الفقرة 9 الى الفقرة 20 في الإصحاح 16، ويقول الأب استفان شربنتييه في كتاب دليل الى قراءة الكتاب المقدس ترجمة الأب صبحي حموي اليسوعي الطبعة الرابعة الصادر عن دار المشرق بيروت، أن خاتمة إنجيل مرقس ليست صحيحة بل أُضيفت وهي من يد غير يد صاحب الإنجيل ولكنها قانونية!
أو وجود فقرات في بعض النسخ تدل على شرح وتفسير لبعض الفقرات في حين أُدرج هذا الشرح والتفسير في نسخ أُخرى كفقرات أصلية، ولم تستقر الأناجيل على النحو المطبوع الآن إلا في النسخ التي يقال أنها ترجع للقرن الرابع ميلادي وما يليه، كنسخة الفاتيكان وهي من النسخ التي لا تحتوي على نهاية إنجيل مرقس التي أشرت إليها سابقاً والنسخة السينائية والنسخة الأفرامية، لهذا فان الأب استفان شربنتييه في كتاب دليل الى قراءة الكتاب المقدس يقول: وفي مطلع القرن الخامس قاموا في بيزنطة بتحقيق جديد عمّ جميع الكنائس الناطقة باليونانية فقاموا بتوحيد نص الترجمات فمنذ سنة 382 ميلادية حرر القديس إيرونيمس النص اللاتيني، وأما النسخة السريانية والنسخة الأرمنية فإنهما ترقيان الى القرن الخامس، وفي سنة 1859 ميلادية عثر تيشندروف على المخطوطة السينائية ونُشرت المخطوطة الفاتيكانية، وهما المخطوطتان التي يستند إليهما النص الحالي للأناجيل.
ثم يقول: وبعد هذه المسيرة لم يعد ممكناً أن يخطر في بالنا هذه الفكرة الساذجة وهي أن التلاميذ سمعوا يسوع ودونوا أقواله وبعد العنصرة (العنصرة في التقليد الكنسي يقال عن حلول الروح المقدس في التلاميذ بعد خمسين يوماً من صلب يسوع) تأبطوا الأناجيل وأخذوا يبشرون بها العالمفالواقع أن يسوع جمع تلاميذه وأسس كنيسته، فالكنيسة موجودة قبل الأناجيل والكنيسة هي من كوّن الأناجيل وليس العكس.
لهذه الأسباب وغيرها قامت الكنائس بعدة أعمال لمنع انتشار هذه المعلومات بين أتباعها الطيبين، فقامت بمنع ترجمة الأناجيل الى اللغات المحلية للسكان، حتى أن الكنيسة الأرثوذكسية القبطية الى وقتنا هذا لم تسمح بنشر إنجيلها باللغة العربية التي يتكلم بها الأقباط، كما قامت الكنائس بمنع اقتناء الأناجيل وطباعتها إلا من خلال الكنائس ورجالها، وزاد الأمر حتى وصل الى منع الناس من قراءتها إلا بوجود رجال الكنائس، كما قامت الكنائس بعقد مجامع كنسية أضفت القداسة على الأناجيل بالقول أنها كُتبت بسوق من الروح المقدس، وأنها كلمة الإله والعهد الجديد للناس، مع علم الكنائس بما في الأناجيل الأربعة من تناقضات واختلافات، كما قامت الكنائس بتحديد الأناجيل التي تعتبرها قانونية ومقدسة ووضعت لذلك قانوناً يسمى قانون الكتب المقدسة وتمّ إقراره نهائياً في مجمع قرطاجة سنة 397 ميلادي، وبهذا قامت بحماية هذه الأناجيل من أي نقد أو مناقشة تحت طائلة قانون الهرطقة (او الحرم أو الشلح) الذي يعني حرمان الإنسان من كل حقوقه ومن ثم قتله بالصلب أو بالحرق، إن استطاعت الكنائس تنفيذ هذا القانون، فقامت الكنائس بقتل العشرات من الناس بتهمة ترجمة الأناجيل واقتنائها وتفسيرها، ويذكر ويل ديورانت (Will Durant) في كتاب قصة الحضارة أن الكنيسة الكاثوليكية قامت بقتل عشرين رجلاً وامرأة في يوم واحد بهذه التهمة، لا بل وصل الأمر بالكنيسة الى حرق عظام جون ويكلف بعد وفاته بأكثر من أربعين سنة لأنه قام بترجمة الأناجيل للغة الانجليزية لأنها لم تستطع قتله وهو حيّ!
ومع كل هذه الاحتياطات والقوانين والسلطان للكنائس إلا أنها لم تستطع أن توقف العقل الإنساني عن حرية التفكير ومناقشة كل المواضيع سواء المتعلقة بصفات يسوع وأُلوهيته أو الأناجيل ذاتها، ويُخبرنا التاريخ عن العشرات من رجال الكنائس الذين يؤمنون بما تقوله الكنائس عن يسوع من صفات إلهية ومع هذا لم يقبلوا ما قالته الكنائس وما أضفته على الأناجيل من أقوال وقوانين فنقرأ عن أُوسابيوس المتوفى سنة 340 ميلادية أنه رفض رسالة رؤيا يوحنا، والكنيسة السورية قامت بكتابة العهد الجديد وتسمى النسخة البسيطة وقامت بحذف رسالتي بطرس ورسالة يوحنا الثانية والثالثة ورؤيا يوحنا اللاهوتي ورسالة يهوذا.
وثيودر موبسيدستيا وهو من آباء الكنيسة كان ينكر بعض أسفار العهد الجديد وقد أُدين في المجمع المسكوني الخامس الذي عقد في القسطنطينية سنة 553 بعد الميلاد.
ومن ثم جاء مارتن لوثر فقام بحذف سبعة أسفار من العهد القديم التي تسميها الكنائس الكاثوليكية والأرثوذكسية بالأسفار القانونية الثانية وهي سِفر طوبيا ويهوديت وتتمة سِفر أستير والحكمة ويشوع بن سيراخ وباروخ وتتمة سِفر دانيال والمكابيين الأول والثاني، ورجع الى العهد القديم المتداول بين اليهود أو ما يسمى بنسخة عزرا أو النسخة العبرانية، كما قام بحذف كتاب أعمال الرسل ورسالة رؤيا يوحنا اللاهوتي ورسالة يعقوب، إلا أنه تراجع عن ذلك فيما بعد، وكان يقول: إنني أقول بدون افتخار أنه منذ ألف سنة لم ينظف الكتاب أحسن تنظيفاً ولم يُفسر أحسن تفسيراً ولم يُدرك أحسن إدراكاً أكثر مما نظفته وفسرته وأدركته.
وبعد لوثر وقيام الثورة العلمية والصناعية وانتهاء سيطرة الأمراء والأباطرة وبالتالي انتهاء سيطرة الكنيسة في أُوروبا، وسقوط القسطنطينية واتصال الغرب بالشرق فيما بعد، والذي كان من نتائجه اكتشاف عشرات المخطوطات التي لم يكن أحد من الناس قد اطلع عليها سابقاً نتيجة لمنع الكنائس من البحث في المخطوطات التي تملكها، بدأ الحديث مجدداً عن مصادر الأناجيل وحقيقتها فقامت مدارس مختلفة في القرنين الماضيين تبحث في الأناجيل ككتب بعيداً عن كونها مقدسة ومحمية بقوانين الكنائس من المسّ بها ومن أشهر هذه المدارس:
1- مدرسة توبنجن Tubingen التي أسسها فردناند كريستيان باور
Ferdinand Christian Bauer في الفترة ما بين 1792- 1860 وقد خرجت هذه المدرسة بنتائج كثيرة من أهمها أن إنجيل يوحنا كتب في القرن الثاني.
2- مدرسة أوبسالا Uppsala التي تأسست في اسكندنافيا سنة 1945
وكان من النتائج التي خرجت بها هذه المدرسة هي القول أن الأسفار الخمسة الأولى لم يكتبها موسى وانما كتبت بعد ذلك بعدة قرون.
كما اعتبرت هذه المدرسة أن التقليد الشفهي، أي النصوص المتداولة شفهياً، أهم من التقليد المكتوب، أي الأناجيل، لأنها تعتقد أن أهل الشرق كانوا يعتمدون على نقل النصوص للأجيال التالية عن طريق النصوص المحفوظة شفاهاً وليس عن طريق النصوص المكتوبة.
3- مدرسة سيمنار يسوع Jesus Seminar التي تأسست في أمريكا وكان من أهم النتائج التي توصلت إليها هي أن 18% فقط من الأقوال المنسوبة ليسوع في الأناجيل كان قد قالها بالفعل، وبقية ما نُسب له من أقوال انما وضعها التلاميذ بعد صعوده لتلائم الظروف التي استجدت بعد انتشار أتباع الكنائس في بلاد كثيرة، كما أن هذه المدرسة لا تعترف بمعجزات يسوع المذكورة في الأناجيل.
4- مدرسة نقد الشكل أو النقد التاريخي للشكل Form History وهذه المدرسة ظهرت في نهاية الخمسينات من القرن العشرين، وهذه المدرسة تعتبر أن الأناجيل تتألف من وحدات وفصول صغيرة مستقلة وأنه تمّ ترويجها ونشرها بشكل مستقل كل على حدة، وأنها فيما بعد اتخذت شكل أنماط متنوعة من الكتابة والأدب الشعبي مثل الأساطير والحكايات والخرافات، ويقول ج. أ. لادد J.A.Ladd ان دراسة الأناجيل يجب ان تتم من خلال دراسة التقليد الشفهي الذي تمّ تناقله من فم الى فم وعندها يتم استعادة النصوص الأصلية للأناجيل، لأن لكل واحد من هذه النصوص المستقلة تاريخه الخاص به في الكنائس، ويقول ان إنجيل مرقس هو موجز تاريخي لأعمال يسوع، وهو مجسد بشكل كبير في إنجيلي متّى ولوقا، وهو ليس جزء من هذا التقليد ولكنه من اختلاق مرقس، وان استخدامه هذا الموجز كخيط روائي يمكن من خلاله تقوية العلاقة بين الجزئيات المنفصلة من التقاليد والنصوص المستقلة، وهذا يعني أن الإشارات التي تدل على التتابع الزمني والمكاني وما يماثلها في الأناجيل الأخرى انما هي إشارات غير أصيلة تاريخياً على الإطلاق وغير جديرة بالثقة، ويخرج بنتيجة لدراسته فيقول إننا لا نملك في الحقيقة سجل حياة أو سيرة حياة يسوع ولكن مجرد مجموعة من الحكايات والتعاليم المنفصلة التي تمّ ربطها معاً بأسلوب غير تاريخي وسطحي.
ويقول رودلف بولتمان وهو من كبار علماء هذه المدرسة أنه تمت دراسة الأناجيل لمدة تزيد عن أربعين سنة وتحليل الوحدات التي كتبت بموجبها الأناجيل وهم يسعون في دراسة النصوص الشفهية التي كانت سابقة لكتابة الأناجيل أو المصادر التي تأسست عليها، سواء كانت وثائق مكتوبة أو حلقات من النصوص أو التقليد المتكرر مثل التقليد ( Q ). وهذا التقليد يمثل مخطط تمهيدي يشرح كرازة يسوع أو تبشيره، ويعتبر أن هذا المخطط كان موجوداً قبل إنجيل مرقس نفسه، كما انه يدرس التتابع التاريخي في الروايات سواء منها التعليمية أو العاطفية أو غيرهما.
ويلخص الأستاذ رودلف بولتمان منهج هذه المدرسة بالقول انها تنظر الى الأناجيل باعتبارها تكونت من وحدات منفصلة تمّ جمعها وتحريرها على أيدي الكتبة فيما بعد لتتوافق مع الإيمان الذي استقرت عليه الكنائس والذي عُبّر عنه من خلال قوانين إيمان الكنائس لاحقاً.
5- مدرسة الاستعمال أو نظرية الاستعمال Utilization Theory
وهي مدرسة تعتمد على أن كتبة الأناجيل قد أخذوا من بعضهم البعض وان اختلفوا في تحديد من أخذ من الآخر فبعضهم يقول ان متّى هو الأصل لأنه كتب إنجيله بالعبرية أو الآرامية ثم جاء مرقس واعتمد عليه فيما كتب ثم جاء لوقا وأخذ منهما معظم ما كتبه في إنجيله، والبعض الآخر يقول ان مرقس هو من كتب إنجيله أولاً ثم اعتمد عليه متّى ولوقا عند كتابتهما لإنجيليهما، وأول من أشار الى هذه النظرية من الناحية التاريخية هو بابياس أسقف هيرا بوليس (70-155م) فقال وكلما أتى أحد ممن كان يتبع المشايخ سألته عن أقوالهم، عما قاله أندراوس أو بطرس، عما قاله فيلبس أو يعقوب أو يوحنا أو متّى أو أي أحد آخر من تلاميذ يسوع، لأنني لا أعتقد أن ما أحصل عليه من الكتب يفيدني بقدر ما يصل إليّ من الصوت الحيّ، الصوت الحيّ الدائم.
وفي القرن الثامن عشر 1778 قام بتلقفها G.E.Lessing وعدّلها سنة 1804 J.Echhorn ثم جاء جريسباش Griesbach، وفي سنة 1835 عدّل ليشمان Lachmann هذه النظرية وتبعه وليب Wilbe سنة 1838 ودافع عنها ب. بتلر B. Buttler.
وكان رأي الأكثرية في هذه المدرسة هو القول بان إنجيل مرقس هو الأصل لهذا سمي هذا التقليد ب Proto-Mark ويعقب الأب القمص تادرس يعقوب في كتاب مقدمة عامة في الأناجيل الأربعة على بعض مؤيديها الذين يقولون انها توافق قول القديس أبيفانيوس بان الأناجيل قد أُخذت من مصدر واحد بالقول ان القديس لا يقصد بهذا القول ان ذلك المصدر كان مصدراً شفهياً أو مصدراً مكتوباً وانما يقصد بالمصدر الروح المقدس!
6- مدرسة المصْدَرين أو نظرية المصدرين:
وهذه المدرسة أو النظرية هي الأكثر شيوعاً وكان من أوائل من نشرها هولتزمان Holtzmann سنة 1863 حيث تقول هذه المدرسة أن الأناجيل مع انها اعتمدت على بعضها البعض إلا انه يوجد مصدر آخر وهو التقليد أو النصوص الشفهية والتي يعبر عنها كما قلت سابقاً بالتقليد (Q).
ومما زاد البحث عن حقيقة الأناجيل ومصادرها اتساعاً هو اكتشاف مخطوطات لعشرات الأناجيل التي لم يكن أحد قد اطلع على نسخ منها سابقاً، والتي قد تكون موجودة في مكتبة الفاتيكان أو غيرها من المكتبات إلا أنها لم تكن متوافرة بين أيدي الباحثين لأن الكنائس رفضتها واعتبرتها منحولة أو غنوصية أو هرطوقية وكان يشير إليها بعض كبار رجال الكنائس الأوائل في كتاباتهم، فاكتشاف هذه المخطوطات جعل مجال البحث يزداد اتساعاً، وأهم ما يميز هذه الأناجيل انها كلها تتحدث عن يسوع باعتباره المسيح وأنه إله وابن إله وأنه صلب ومات ودفن وقام من الأموات! كما أنها جميعاً تستشهد بأقوال ليسوع وتتحدث عن نبوءات من العهد القديم باعتبار انه هو المقصود بها، وكان من ضمن هذه الأناجيل إنجيل باسم يهوذا الاسخريوطي والذي تم نشره في الولايات المتحدة مؤخراً وقد أثار ضجة كبيرة في العالم مما استدعى التوقف مرة أُخرى للبحث عن حقيقة هذه الأناجيل الاربعة ومصادرها، وفيما يلي أهم الأناجيل المكتشفة حديثاً:
1- إنجيل بطرس وترجع مخطوطته الى القرن الثاني واكتشفت مخطوطته في مصر سنة 1887 بأخميم، ويبدأ من محاكمة يسوع وينتهي بظهوره للتلاميذ عند بحيرة طبرية.
2- إنجيل الحقيقة ويرجع للقرن الثاني ويتحدث فيه عن صلب يسوع وإعلان يسوع حقيقة أبيه وهو على الصليب.
3- إنجيل ماركيون ويسمى كذلك إنجيل الرب وفيه تفصيل محاكمة يسوع وصلبه كما هي في الأناجيل الأربعة.
4- حكمة يسوع المسيح ويبدأ بالحديث عن يسوع بعد قيامته من القبر.
5- إنجيل فيلبس ويرجع للقرن الثاني ووجدت نسخة منه مترجمة للغة القبطية في نجع حمادي، وفيه حديث عن صلب يسوع.
6- إنجيل برثلماوس وترجع مخطوطته الى القرن الثاني ويبدأ بالحديث عن يسوع بعد قيامته من القبر.
7- إنجيل يعقوب، واكتشفت نسخة منه في نجع حمادي سنة 1945، وفيه حديث عن الصليب وأن من لا يؤمن بصلب يسوع فلن يخلص.
8- إنجيل الاثني عشر، ونسخته ترجع للقرن الثاني، وفيه حديث عن يسوع باعتباره ابن الإله الذي يجلس عن يمينه.
9- إنجيل الحكمة ويرجع للقرن الثالث ويبدأ الحديث فيه عن قيامة يسوع وصعوده الى السماء.
10- إنجيل نيقوديموس ويرجع للقرن الثاني وينقسم الى جزئين، الأول يتحدث عن محاكمة يسوع، والثاني يتحدث عن نزول يسوع الى الجحيم.
11- إنجيل توما وهو عبارة عن مائة وأربع عشرة فقرة، ويبدأ بهذه الفقرة: هذه هي الكلمات الخفية التي نطق بها يسوع الحي ودونها يهوذا توما الذي يقال له التوأم، وقال ان كل من يكتشف تأويل هذه الأقوال لن يذوق الموت!
ثم يبدأ بسرد الكثير من الأقوال والتي في معظمها تتفق مع نصوص الأناجيل الأربعة.
12- إنجيل يهوذا الاسخريوطي وقد اكتشف هذا الانجيل في مصر باللغة القبطية، وإن أشار الى وجوده عدد من آباء الكنائس في القرن الثاني، وقد قامت إحدى الجمعيات في الولايات المتحدة بنشره مما أدى الى قيام ثورة جديدة حول الأناجيل والمصادر التي تأسست عليها.
كما ان الاكتشافات الأثرية في الأرض المقدسة بدأت تساهم في الكشف عن حقائق جديدة تتعلق بيسوع ذاته، ففي الثمانينات من القرن الماضي تم اكتشاف قبر في الأرض المقدسة مكتوب عليه يسوع بن يوسف، وكان من عادات اليهود أن يحفظوا عظام الأموات الذين من نفس العائلة في إناء حجري ومن ثم يقومون بكتابة أسماء الأموات الذين دفنوا في القبر وقد وجد مكتوباً على هذا الإناء (وقد ترجم اسم هذا الإناء باللغة العربية عضاءة) أسماء يسوع بن يوسف ومريم ويهوذا بن يسوع، وهذا الاكتشاف فتح الطريق للحديث مرة أُخرى عن القصص التي تتحدث عن نجاة يسوع من الصلب وزواجه بمريم المجدلية وولادة أطفال لهما، وهو ما دفع دان براون الى كتابة قصته الشهيرة شيفرة دافنشي التي يقول فيها ان يسوع كان متزوجاً بمريم المجلية وأنه رزق منها بطفلة عاشت في فرنسا وهذه البنت تزوجت ورزقت بذرية عبر السنين وهم من يعبر عنهم بالكأس المقدسة في التاريخ الكنسي، وهذه القصة رغم معارضة الكنائس لها إلا انه بيع منها ملايين النسخ وترجمت للعديد من اللغات ومن ثم تحولت الى فيلم شاهده عشرات الملايين من الناس في مختلف القارات.
من كل ما سبق نجد أن البشرية في ضميرها وعقلها، حتى الكثير من رجال الكنائس، لم تستسلم لما تنادي به الكنائس من أقوال تتعلق بيسوع كمسيح يحمل صفات إلهية تجعل منه إلهاً يُعبد من دون الرب الواحد خالق السموات والأرض، ونهايته معلقاً على الصليب، أو بالأناجيل ذاتها باعتبارها وحياً من السماء وأنها مكتوبة بسوق من الروح المقدس، فنشأت المدارس السابقة وغيرها الكثير للبحث عن حقيقة الأناجيل والمصادر التي كتبت منها.
ومع تقديري لهذه الجهود العلمية في البحث إلا أنني أجد أن تلك المدارس غابت عنها عدة حقائق مهمة جداً أفقدها القدرة على حسم الأمر في مصادر الأناجيل، وهذه الحقائق هي:
الحقيقة الأولى وهي الجهل العميق بالطوائف التي ظهرت عبر التاريخ وكانت تؤمن بالمسيح كنبي من الأنبياء وأنه لا يحمل أي صفات إلهية وهذه الطوائف كانت متواجدة عبر التاريخ، وكان من أعظمها الطائفة التي تبعت آريوس، والتي كانت تسيطر على معظم البلاد في العصور القديمة، فقد سيطرت على روما والقسطنطينية والإسكندرية وغيرها من المدن، وتجلت قوتها وانتشارها في القرون الستة الأولى بحيث استطاعت أن تُنشئ دولتان عظيمتان هما دولة القوط ودولة الفاندال وبقيتا حتى القرن السابع، فهذه الطائفة، وباقي الطوائف، على الرغم من انتشارها وقوتها إلا أن الكنائس استطاعت أن تخفي كل أو معظم أقوالها والكتب التي كانت تؤمن بها، وما يستطيع الباحث أن يجده عنهم هو مجموعة قليلة من الأقوال ينقلها عنهم خصومهم من رجال الكنائس، وهؤلاء لا أظن أنهم سينقلون أقوالهم بأمانة!
فالجهل بتاريخ هذه الطوائف أفقد الباحثون أهم المصادر التي كانت ستساعدهم في الكشف عن المصادر التي اعتمد عليها كتبة الأناجيل والهدف من كتابتهم لها.
الحقيقة الثانية وهي المقارنة بين الأصول والأُسس التي قامت عليها الأناجيل والأُصول والأُسس التي قام عليها العهد القديم، لان الأصول والأسس إذا اتفقت فهو من أكبر الأدلة على وحدة المصدر وإذا اختلفت فهذا يعني اختلاف المصادر.
الحقيقة الثالثة وهي كلمة إنجيل ومعناها، والهدف من كتابة الأناجيل، فاسم الكتاب والهدف منه يشير الى المصدر الذي اعتمد عليه مؤلفه، فوجود كتب أُخرى تسمى أناجيل، أو بمعنى أدقّ بشارات تتحدث عن يسوع، يشير الى أنها جميعاً كتبت في ظروف معينة ولغايات معينة، وأنها كلها تشترك في هدف واحد وتأخذ من مصادر متشابهة، لأنه كما قلت سابقاً أن جميع الأناجيل التي رفضتها الكنائس كانت تؤمن بأن يسوع يحمل صفات إلهية وأنه صلب ومات وقام!
الحقيقة الرابعة وهي العلاقة بين الأناجيل والعهد القديم، ودراسة النصوص المستشهد بها والمقتبسة في الأناجيل من العهد القديم ومقارنتها بالنصوص الأصلية وكذلك مقارنتها بما هو مكتوب في الأناجيل عن يسوع سواء فيما يتعلق بحياته وصفاته، وغيره من شخصيات الأناجيل، أو بالتسلسل التاريخي للأحداث.
إن نشوء هذه المدارس في مجتمعات تسيطر عليها الكنائس، أو كانت تسيطر عليها، جعلها تنظر للأناجيل باعتبارها كتباً تاريخية مستقلة عن العهد القديم، وأن التشابه بين الأناجيل راجع لتأثير بعضها ببعض، وأن الاختلاف بينها يرجع لعوامل شخصية لكل كاتب، فبدأت في البحث عن المصادر التي تأسست عليها الأناجيل بعيداً عن هذه العلاقة، فمنها من قال انه كانت توجد نصوصاً سابقة لهذه الأناجيل هي التي اعتمد عليها كتبة الأناجيل ومنهم من قال ان المصدر الأول هو إنجيل متّى ومنهم من قال ان إنجيل مرقس هو الأساس، كما سبق شرحه، في حين كان الواجب على تلك المدارس التوجه لدراسة نصوص العهد القديم المستشهد بها والمقتبسة في الأناجيل ومقارنتها بالنصوص الأصلية لمعرفة دقة النقل، ومدى مصداقية القصص التي وضعت في سياقها وتوافقها التاريخي، ومعرفة صحة الاستنتاجات التي استوحاها كتبة الأناجيل منها، للوصول للمصادر التي اعتمد عليها كتبة الأناجيل.
من هنا أجد أن الواجب على الباحث عن مصادر الأناجيل أن يبدأ بدراسة هذه الحقائق كي يستطيع الوصول للمصادر التي اعتمد عليها كتبة الأناجيل، وإن كانوا قد تلقوها عن طريق الوحي أو بسوق من الروح المقدس، أم أنهم كتبوها بناء على منهج وطريقة في إثبات ما كانوا يؤمنون به من صفات ليسوع، وما كانوا يتناقلونه فيما بينهم من أحداث عن حياته.
لهذا سيكون منهجي في هذا الكتاب هو دراسة هذه الحقائق باستثناء الحقيقة الأولى وهي دراسة الطوائف التي كانت تؤمن بالمسيح ابن مريم كنبي ورسول من بني إسرائيل، فهذه ستظل معضلة الى أن يتم الكشف عن الوثائق المتعلقة بها سواء عن طريق نشر كتب تلك الطوائف التي تحتفظ بها الفاتيكان وغيرها من الكنائس، أو اكتشافها في المستقبل في بعض الأماكن الأثرية ونشرها كما حدث مع مخطوطات نجع حمادي ومخطوطات البحر الميت وغيرها، والى ذلك الوقت وأرجو أن يكون قريباً علينا البحث عن مصادر الأناجيل من خلال الحقائق المتوافرة لدينا والتي سبق الحديث عنها.
نادر عيسى

أُصول التوراة: الأصل الأول: وحدانية الرب خالق السموات والأرض

الفصل الأولالأُصول والأُسس التي قام عليها العهد القديم وعلاقة كتبة الأناجيل بها

إن اعتماد كتبة الأناجيل والكنائس المختلفة على العهد القديم، واعتبار أنها امتداد له سواء بالاستشهاد بنصوصه أو بتاريخه، يستوجب علينا وقفة للمقارنة بين الاصول والأُسس التي قام عليها العهد القديم والأصول والأُسس التي قامت عليها الأناجيل لنرى صحة هذا الاعتماد وهذا الامتداد، لندرك حقيقة المصادر الذي اعتمد عليها كتبة الأناجيل، كما يستوجب علينا إظهار حقيقة العلاقة بين العهد القديم وكتبة الأناجيل وموقفهم من شرائعه وأحكامه بشكل عام.
لهذا سأقوم في الصفحات التالية باستعراض أهم الاصول والأسس التي قام عليها العهد القديم ومقارنتها بالأصول والأسس التي قامت عليها الأناجيل وتدعو لها، لنرى إن كانت تتوافق فيما بينها أم تختلف، لنفصل القول إن كانت مصادرهما واحدة أم مختلفة، وبالتالي علينا البحث عن المصدر الذي اعتمد عليه كتبة الأناجيل عند كتابتهم لها، وأبدأ بالأصل والأساس الأول والأهم وهو وحدانية الرب خالق السموات والأرض وعبادته وحده.
الأصل أو الأساس الأول وحدانية الرب خالق السموات والأرض
إن العهد القديم كله قائم على أصل أو أساس عظيم واحد وهو وحدانية الرب خالق السموات والأرض وعبادته وحده، وفي اللغة العبرية توجد عدة أسماء تطلق على الرب مثل إيل ويهوه وأدوناي وألوهيم وغيرها، وكلها يُقصد بها الخالق الإله الحق الواحد الذي ليس مثله شيء وليس معه إله أو دونه إله، وأنه عظيم وقادر على كل شيء، وأنه لا يسكن على الأرض مع الإنسان وأنه لا يقدر عليه إنسان وأنه لا يكذب فيما يقول ولا يندم على ما يَعِدُ به، وأن كل ما يشاءه يكون كما يريد، ومن ثم أمر البشرية عن طريق الرُسل والأنبياء بعبادته وحده وأن تخضع لأوامره ووصاياه، والنصوص التالية تبين هذه الصفات، وهي قليلة بالنسبة للنصوص المذكورة في العهد القديم.
أنت هو الرب وحدك، أنت صنعت السموات وسماء السموات وكل جندها والأرض وكل ما عليها والبحار وكل ما فيها وأنت تحييها كلها،
وجند السماء لك يسجد. (نحميا 9: 6)
في هذا النص نقرأ ان الرب هو وحده الاله الحق وأنه خالق السموات والأرض وما فيها وأنه وحده الذي يُحيي المخلوقات كلها، وأن كل ما في السموات يسجد له وحده.
لأنه من هو إله غير الرب ومن هو صخرة سوى إلهنا. (مزمور 18: 31)
هذا النص يبين حقيقة الإلوهية وأنه لا يتصف بها أحد إلا الرب وحده.
مبارك الرب الإله، إله إسرائيل الصانع العجائب وحده، ومبارك اسم مجده إلى الدهر ولتمتلئ الأرض كلها من مجده. (مزمور 72: 18-19)
في هذا النص نقرأ أن الرب وحده الذي يصنع المعجزات والعجائب، ولهذا فهو يستحق وحده التعظيم والمباركة واسمه وحده يستحق التمجيد.
- ويعلموا أنك اسمك يهوه، وحدك العليّ على كل الأرض. (مزمور 83: 18)
هذا النص يقول ان الرب وحده العلي على كل الأرض، وأن اسمه في العهد القديم يهوه.
لا مثل لك بين الآلهة يا رب، ولا مثل أعمالك،
كل الأُمم الذين صنعتهم يأتون ويسجدون أمامك يا رب ويُمجّدون اسمك،
لأنك عظيم أنت وصانع عجائب،
أنت الإله وحدك. (مزمور 86: 8-10)
في هذا النص نقرأ أنه لا مثيل للرب بين الآلهة المزعومة، لأنه لا مثيل لأعماله ومعجزاته التي تدل على عظمته، وهذا يبين أنه هو الإله الذي يستحق العبادة وحده.
- انظروا الآن، أنا أنا هو وليس إله معي،
أنا أُميت وأُحيي وسحقتُ وإني أُشفي وليس من يدي مُخَلِصٌ،
إني أرفع الى السماء يدي وأقول حيّ أنا الى الأبد. (تثنية 32: 39-40)
في هذا النص يقول الرب أنه هو الإله الحق الواحد وليس معه آخر، وأنه هو يُميت ويُحيي ويسحق ويُشفي ولا مخلص من يده، وأنه حيّ الى الأبد، وهنا لو قارنا بين صفات الرب والصفات التي وضعها كتبة الأناجيل ليسوع وخاصة قولهم إن يسوع مات على الصليب فإننا سنجد الفرق شديد وكبير بين الرب ويسوع، كما أن الرب يقول انه ليس معه إله آخر، فهل جملة ليس معه إله تدل على أن معه إلهين آخرين؟!
- إنك قد أُريت لتعلم أن الرب هو الإله ليس آخر سواه،
من السماء أسمعك صوته ليُنذرك،
وعلى الأرض أراك ناره العظيمة،
وسمعت كلامه من وسط النار،
ولأجل أنه أحب آباءك واختار نسلهم من بعدهم أخرجك بحضرته بقوته العظيمة من مصر، لكي يطرد من أمامك شعوباً أكبر وأعظم منك ويأتي بك ويُعطيك أرضهم نصيباً كما في هذا اليوم،
فاعلم اليوم وردد في قلبك ان الرب هو الإله في السماء من فوق، وعلى الأرض من أسفل،
ليس سواه. (تثنية 4: 35-39)
هذا النص يقول ان الرب هو الإله في السماء وعلى الأرض ولا إله سواه، وهنا يتكرر ذات القول السابق أنه لا إله سوى الرب خالق السموات والأرض، ومع هذا يقول كتبة الأناجيل والكنائس أن الآلهة ثلاثة! والمهم في هذا النص هو قوله ان الرب هو الإله في السماء وعلى الأرض، وبمقارنة هذا بما قاله يسوع أثناء محاكمته من أن مملكته ليست من هذا العالم نعلم الفرق بين الرب ويسوع، كما في النص التالي:
- ثم دخل بيلاطس أيضاً إلى دار الولاية ودعا يسوع وقال له أنت ملك اليهود،
أجابه يسوع أمِنْ ذاتك تقول هذا أم آخرون قالوا لك عني،
أجابه بيلاطس ألعلي أنا يهودي،
أُمّتك ورؤساء الكهنة أسلموك إليّ، ماذا فعلت،
أجاب يسوع مملكتي ليست من هذا العالم،
لو كانت مملكتي من هذا العالم لكان خدّامي يُجاهدون لكي لا أُسلم الى اليهود،
ولكن الآن ليست مملكتي من هنا. (يوحنا 18: 33-36)
فالذي يقول ان مملكته ليست من هذا العالم هل يدل على أنه يحمل صفات إلهية كما هي صفة الرب الذي هو الإله في السماء من فوق وعلى الأرض من أسفل؟!
- وقال أيها الرب إله إسرائيل لا إله مثلك في السماء والأرض،
حافظ العهد والرحمة لعبيدك السائرين أمامك بكل قلوبهم. (الأيام الثاني 6: 14)
هذا النص يقول إن الرب الإله لا إله مثله في السماء والأرض، وهذا النص يتناقض مع قول يسوع الذي يُشبّه أباه بنفسه كما في النصين التاليين:
- قال له فيلبس يا سيد أرنا الأب وكفانا،
قال له يسوع أنا معكم زماناً هذه مدته ولم تعرفني يا فيلبس،
الذي رآني فقد رأى الأب فكيف تقول أنت أرنا الأب. (يوحنا 14: 8-9)
والذي يراني يرى الذي أرسلني. (يوحنا 12: 45)
ففي هذين النصين يقول يسوع ان من رآه فقد رأى أباه، مما يعني أن أب يسوع يشبه يسوع ويسوع نفسه يشبه باقي الناس، أي ان يسوع وأباه هما مثل البشر، وهذا يدل على أنه لا علاقة لهما بالرب الخالق لأنهما مثل كل الناس، والرب الخالق ليس له مثيل في السماء والأرض.
- ثم كتب الملك داريوس الى كل الشعوب والأُمم والألسنة الساكنين في الأرض كلها ليكثر سلامكم،
من قِبَلي صدر أمر بأنه في كل سلطان مملكتي يرتعدون ويخافون قدّام إله دانيال،
لأنه هو الإله الحي القيوم الى الأبد، ومملكته لن تزول، وسلطانه الى المنتهى. (دانيال 6: 26)
هذا النص يقول إن الرب هو الإله الحي القيوم الى الأبد وأن مملكته لن تزول وسلطانه عظيم الى المنتهى، وهذه الصفات نعلم أنها لم تكن في لحظة من اللحظات من صفات يسوع، فكما قرأنا قوله سابقاً أن مملكته ليست من هذا العالم، نجد أنه كذلك يرفض أن يكون ملكاً عندما حاول اليهود أن يجعلوه ملكاً عليهم كما في النص التالي:
- وأما يسوع فإذ علم أنهم مزمعون أن يأتوا به ويختطفوه ليجعلوه ملكاً انصرف أيضاً إلى الجبل وحده. (يوحنا 6: 15)
فالذي يرفض أن يصبح ملكاً هل يشك أحد في أنه ليس له مملكة وأنها لن تزول الى الأبد، والذي رفض أن يكون ملكاً في المرة الأولى من يضمن أنه سيُقيم مملكته لو عاد مرة ثانية! وهو الذي قال إن مجيئه الثاني سيكون قبل موت جميع تلاميذه، ونحن نعلم أن التلاميذ كلهم ماتوا قبل تسعة عشر قرناً ولم يأت كما وعد، كما في النصوص التالي:
- الحق أقول لكم إن من القيام ههنا قوماً لا يذوقون الموت حتى يروا ابن الإنسان آتياً في مملكته. (متّى 16: 28)
- وقال لهم الحق أقول لكم إن من القيام ههنا قوماً لا يذوقون الموت حتى يروا مملكة الإله قد أتت بقوة. (مرقس 9: 1). هذا العدد مكتوب آخر الاصحاح الثامن وقبل كلمة الاصحاح التاسع
- حقاً أقول لكم إن من القيام ههنا قوماً لا يذوقون الموت حتى يروا مملكة الإله. (لوقا 9: 27)
فالذي يقول انه سيأتي بمملكته قبل موت جميع التلاميذ ولم يأت، هل يمكن القول أن له مملكة لن تزول، وهي لم تظهر بعد ألفي سنة، فهل زوال مملكته كل هذه المدة، مع أنه لم تكن له مملكة أصلاً، يدل على أن له مملكة لا تزول الى الأبد، كما هو حال مملكة الرب الخالق التي تدل كل ذرة في هذا الكون على عِظم مملكته وسلطانه؟
- ودعا آسا الربّ إلهه وقال أيها الربّ ليس فرقاً عندك أن تساعد الكثيرين ومن ليس لهم قوة فساعدنا أيها الربّ إلهنا لأننا عليك اتكلنا وباسمك قدُمْنا على هذا الجيش،
أيها الرب أنت إلهنا لا يقو عليك إنسان. (الأيام الثاني 14: 11)
هذا النص يقول ان الرب لا يقدر عليه إنسان، وأما يسوع فقد قدر عليه شرذمة من الناس، قاموا بجلده وضربه والاستهزاء به والبصق عليه ومن ثم علقوه على الصليب، وهذا بحسب ما هو مكتوب في الأناجيل، فالفرق واضح بين صفات الرب وصفات يسوع ولا يحتاج الى تعليق كثير!
إنه لا ينعس ولا ينام حافظ إسرائيل. (مزمور 121: 4)
هذا النص يقول ان الرب لا ينعس ولا ينام، والأناجيل كتبت أن يسوع كان ينعس وينام، حتى أنه نام على وسادة في سفينة، وهذا يدل على أنه لا علاقة له بالرب خالق السموات والأرض إلا كعلاقة باقي البشر من صلاة وعبودية وخضوع لمشيئته.
وكان هو في المؤخر على وسادة نائماً فأيقظوه وقالوا له يا معلم أما يهمك أننا نهلك. (مرقس 3: 38)
اسمع يا إسرائيل الرب إلهنا رب واحد،
فتحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل قوتك. (تثنية 6: 4-5)
الرب الإله هو رب واحد وهنا أسأل هل كلمة واحد تعني ثلاثة؟
وأيضاً نصيح إسرائيل (أي الرب) لا يكذب ولا يندم لأنه ليس إنساناً ليندم. (صموئيل الاول 15: 29)
في هذا النص نقرأ ان الرب ليس إنساناً، فماذا يقول يسوع عن نفسه في الأناجيل؟
- ولكنكم الآن تطلبون أن تقتلوني،
وأنا إنسان قد كلمكم بالحق الذي سمعه من الإله. (يوحنا 8: 40)
يسوع يقول عن نفسه أنه إنسان والرب في العهد القديم يقول عن ذاته أنه ليس إنساناً، فكيف قال كتبة الأناجيل والكنائس ان يسوع الإنسان يحمل صفات إلهية تجعل منه إلهاً يُعبد من دون الرب، لو كانت مصادرهم هي من مصادر العهد القديم؟!
لأنه هل يسكن الإله حقاً مع الإنسان على الأرض،
هوذا السموات وسماء السموات لا تسعك،
فكم بالأقل هذا البيت الذي بنيت،
فالتفت الى صلاة عبدك والى تضرعه أيها الرب إلهي،
واسمع الصراخ والصلاة التي يُصليها عبدك أمامك. (الأيام الثاني 6: 18-19)
في هذا النص نقرأ أن الرب لا تسعه السموات ولا سماء السموات فكيف يسكن على الأرض مع الإنسان، والأناجيل والكنائس تقول ان يسوع كان انساناً، وأنه كان يسكن على الأرض، لا بل وسكن في بطن امرأة تسعة شهور، وانه كان ينام على وسادة في سفينة فهل هذه الصفات تدل على أنه يحمل صفات إلهية؟!
- ولكنكم الآن تطلبون أن تقتلوني وأنا انسان قد كلمكم بالحق الذي سمعه من الإله هذا لم يعمله ابراهيم. (يوحنا 8: 40)
- فحدث نوْء ريح عظيم فكانت الأمواج تضرب إلى السفينة حتى صارت تمتلئ،
وكان هو في المؤخر، على وسادة نائماً فأيقظوه وقالوا له يا معلم أما يهمك أننا نهلك. (مرقس 4: 37-38)
- فكلمكم الرب من وسط النار وأنتم سامعون صوت كلام،
ولكن لم تروا صورة بل صوتاً. (تثنية 4: 12)
- فاحتفظوا جداً لأنفسكم ، فإنكم لم تروا صورة ما يوم كلمكم الرب في حوريب من وسط النار،
لئلا تفسدوا وتعملوا لأنفسكم تمثالاً منحوتاً صورة مثالٍ ما، شبه ذكر أو أُنثى،
شبه بهيمة ما مما على الأرض،
شبه طير ما ذي جناح مما يطير في السماء،
شبه دبيب ما على الأرض،
شبه سمك ما مما في الماء من تحت الأرض. (تثنية 4: 15-18)
في هذه الفقرات تأكيد على أن أحداً لم ير الرب لا في سيناء ولا في غيرها من الأماكن، وهناك نصوص تصرح أن من يرى الرب فانه يموت، لأنه لا يستطيع احتمال مجد وعظمة الرب، كما في النص التالي:
فقال أرني مجدك، فقال أُجيز كل جودتي قدّامك وأُنادي باسم الربّ قدّامك وأتراءف على من أتراءف وأرحم من أرحم،
وقال لا تقدر أن ترى وجهي،
لأن الإنسان لا يراني ويعيش. (خروج 33: 18-20)
في حين أن الأناجيل والكنائس تقول ان أب يسوع يشبه يسوع وبالتالي فهما مثل باقي البشر من حيث الهيئة والصورة! ولم تكتف بهذا حتى قالت ان الناس قاموا بلطم يسوع وجلده والاستهزاء به ومن ثم قتله وهو معلق على الصليب، فهل يوجد تشابه بين الرب الخالق الذي لم يره أحد ولا يستطيع أن يراه أحد ويبقى حياً ويسوع وأبيه اللذين يشبهان كل الناس ويستطيع أي واحد من الناس رؤيتهما، وان يفعلوا بالابن ما تقوله عنه الأناجيل!
ثم بعد ذلك يبدأ النص بتهديد الناس من عمل التماثيل بأي صورة كانت، وهو ما لم تلتزم الكنائس به وخاصة الكنيسة الكاثوليكية التي لم تكتف بصنع التماثيل من مختلف الأنواع، بل وتقوم بمسح هذه التماثيل بزيت الميرون وتقول ان هذه المسحة مع بعض الصلوات تجعل الروح المقدس يحلّ في تلك التماثيل!
فبمن تشبهون الإله وأي شبه تعادلون به،
الصنم يسبكه الصانع والصائغ يُغشيه بذهب ويصوغ سلاسل فضة
الفقير عن التقدمة ينتخب خشباً لا يُسوّس، يطلب له صانعا ماهرا لينصب صنما لا يتزعزع،
ألا تعلمون،
ألا تسمعون،
ألم تخبروا من البداءة ألم تفهموا من أساسات الأرض. (إشعياء 40: 18-21)
فبمن تشبهونني فأُساويه يقول القدوس،
ارفعوا إلى العلاء عيونكم وانظروا من خلق هذه،
من الذي يُخرج بعدد جندها يدعو كلها بأسماء،
لكثرة القوة وكونه شديد القدرة لا يُفقد أحد،
لماذا تقول يا يعقوب وتتكلم يا إسرائيل قد اختفت طريقي عن الرب وفات حقيّ إلهي،
أما عرفت أم لم تسمع إله الدهر الرب خالق كل أطراف الأرض لا يَكلّ ولا يَعيا،
ليس عن فهمه فحص،
يُعطي المعيي قدرة ولعديم القوة شدّة. (إشعياء 40: 25-29)
فبمن يُشبه كتبة الأناجيل والكنائس الرب وأي شيء به يعادلون؟
هل الرب يُشبه يسوع الإنسان الذي كان يأكل ويشرب ويجوع ويعطش وينعس وينام ويُضرب ويُجلد ويُصلب ويُبصق عليه؟!
ألم يسمع ويعلم كتبة الأناجيل والكنائس أن الرب ليس إنساناً وأن من خلق السموات والأرض لا يتعب ولا يكل، في حين أن يسوع يتعب من المشي بضعة كيلو مترات؟!
- وكانت هناك بئر يعقوب،
فإذ كان يسوع قد تعب من السفر جلس هكذا على البئر. (يوحنا 4: 6)
فبمن يشبه كتبة الأناجيل والكنائس الرب وبمن يعادلونه يقول الرب القدوس، هل الرب يُشبه يسوع الذي لم يستطع أن يحمي نفسه من العذاب؟!
هل صفات يسوع تشبه صفات الرب خالق السموات والأرض ليُساويه؟!
إن الرب يقول في العهد القديم عن ذاته أنه لا مثيل له كما في النص التالي:
- هكذا يقول الربّ مَلِكُ إسرائيل وفاديه ربُّ الجنود أنا الأول والآخر ولا إله غيري،
ومن مثلي يُنادي فليُخبر به،
ويعرضهُ لي منذ وضَعتُ الشعب، القديم والمستقبلات وما سيأتي ليُخبروهم بها،
لا ترتعبوا ولا ترتاعوا أما أعلمتك منذ القديم وأخبرتك،
فأنتم شهودي، هل يوجد إلهٌ غيري،
ولا صخرة لا أعلم بها،
الذين يُصوّرُون صنماً كله باطل،
ومُشتهياتهم لا تنفع، وشهودهم هيَ لا تبصر ولا تعرف حتّى تخزى،
من صوّر إلهاً وسبك صنماً لغير نفعٍ،
ها كل أصحابه يخزون،
والصناع هم من الناس يجتمعون كلّهم يقفون يرتعبون ويخزَوْنَ معاً،
طَبعَ الحديد قدّوماً وعمِل في الفحم، وبالمطارق يصوِّره فيصنعه بذراع قوّته،
يجوع أيضاً فليس له قوة،
لم يشرب ماء وقد تعب،
نجّر خشباً، مدّ الخيط،
بالمخرز يُعلِّمَه، يصنعه بالأزاميل، وبالدّوّارة يَرسِِمه،
فيصنعه كشبه رجل،
كجمال إنسان ليسكن في البيت،
قطع لنفسه أرزاً وأخذ سندياناً وبلّوطاً واختار لنفسه من شجر الوعر،
غرس صنوبراً والمطر يُنمّيه ، فيصير للناس للإيقاد ويأخذ منه ويتدفأ،
يُشعل أيضاً ويخبز خبزاً ثم يصنع إلهاً فيسجد،
قد صنعه صنماً وخرّ له،
نصفه أحرقه بالنار، على نصفه يأكل لحماً، يشوي مشويّاً ويشبع،
يتدفأ أيضاً ويقول بخٍ قد تدفأت رأيت ناراً،
وبقيّته قد صنعها إلهاً صنماً لنفسه،
يخرّ له ويسجد ويُصلي إليه ويقول نجّني لأنك أنت إلهي،
لا يعرفون ولا يفهمون لأنه قد طمست عيونهم عن الإبصار وقلوبهم عن التعقل،
ولا يردد في قلبه وليس له معرفة ولا فهم حتى يقول نصفه قد أحرقتُ بالنار وخبزت أيضاً على جمره خبزاً شويت لحماً وأكلت،
أفأصنع بَقيّته رِجساً،
ولساق شجرةٍ أخِرُّ، يرعى رماداً،
قلبٌ مخدوع قد أضله فلا يُنجّي نفسه، ولا يقول أليس كذبٌ في يميني،
اذكر هذا يا يعقوب، يا إسرائيل فانك أنت عبدي قد جبلتك،
عبدٌ لي أنت،
يا إسرائيل لا تُنسى مني، قد محوت كغيم ذنوبك وكسحابة خطاياك،
ارجع إليّ لأني فديتك،
ترنّمي أيتها السموات لأن الربّ قد فعل،
اهتفي يا أسافل الأرض أشيدي أيتها الجبال ترنماً الوعر وكل شجرة فيه لأن الرب قد فدى يعقوب، وفي إسرائيل تمجّد،
هكذا يقول الربّ فاديك وجابلك من البطن،
أنا الربّ صانع كل شيء،
ناشر السموات وحدي، باسط الأرض،
من معي،
مُبطل آيات المُخادعين ومُحمّق العرّافين مُرجّعٌ الحكماء الى الوراء ومجهّل معرفتهم،
مقيم كلمة عبده،
ومتمم رأي رسله،
القائل عن أُورشليم ستعمر ولمدن يهوذا ستبنين وخِرَبها أُقيم،
القائل للجة انشفي وأنهارك أُجفف،
القائل عن كورش راعيّ فكل مسرّتي يُتمّم ويقول عن أُورشليم ستُبنى وللهيكل ستُؤسّس. (إشعياء 44: 6-28)
إن هذا النص بحاجة الى قراءة وتأمل في معانيه أكثر من تفسيره ليدرك أتباع الكنائس الطيبين الفرق بين الرب خالق السموات والأرض وما يقوله كتبة الأناجيل والكنائس عن يسوع، وكذلك ليُدركوا الى أين هم ذاهبون بأنفسهم نتيجة لعبادتهم غير الرب خالق السموات والأرض الواحد الذي لا يساويه شيء ولا يعادله أحد ولا يشبهه أي مخلوق من المخلوقات، إنه الأول والآخر ولا إله غيره، الذي صنع كل شيء ونشر السموات وبسط الأرض وحده، ولم يكن معه أحد، وهنا أسأل الكنائس هل معنى لا إله غيره تعني أن معه آلهة أُخرى؟ وهل كلمة وحدي تعني ثلاثة؟ وهل جملة لا إله غيري تعني وجود ثلاث آلهة؟
فهذه الفقرات تؤكد على أن الرب خالق السموات والأرض هو الإله الحق وحده في هذا الكون، ولا شريك له أو معه، والنصوص التي تتحدث عن هذا الموضوع كثيرة جداً ومنها النصوص التالية:
أنا الرب وليس آخر،
لا إله سواي،
نطّقتك وأنت لم تعرفني،
لكي يعلموا من مشرق الشمس ومن مغربها أن ليس غيري،
أنا الرب وليس آخر،
مُصوّر النور وخالق الظُلمة،
صانع السلام،
وخالق الشّر،
أنا الرب صانع كل هذه. (إشعياء 45: 5-7)
هكذا يقول الرب قدّوس إسرائيل وجابله اسألوني عن الآتيات،
من جهة بنيّ ومن جهة عمل يدي أوصُوني،
أنا صنعت الأرض وخلقت الإنسان عليها،
يداي أنا نشرتا السموات وكل جندها أنا امرت. (إشعياء 45: 11-12)
حقاً أنت إله محتجب يا إله إسرائيل المخلّص،
قد خزوا وخجلوا كلهم،
مضوا بالخجل جميعاً الصانعون التماثيل،
أما إسرائيل فيَخلُص بالرب خلاصاً أبدياً،
لا تخزون ولا تخجلون الى دهور الأبد،
لأنه هكذا قال الرب خالق السموات،
هو الإله مصور الأرض وصانعها، هو قرّرها، لم يخلقها باطلاً،
للسكن صورها،
أنا الرب وليس آخر،
لم أتكلم بالخفاء في مكان من الأرض مظلم، لم أقل لنسل يعقوب باطلاً اطلبوني،
أنا الرب مُتكلم بالصِّدق، مُخبر بالاستقامة،
اجتمعوا وهلمّوا تقدّموا معاً أيها الناجون من الأمم،
لا يعلم الحاملون خشب صنمهم والمُصلّون إلى إله لا يُخلّص،
اخبروا قدّموا ليتشاوروا معاً،
من أعلم بهذه منذ القديم، أخبَرَ بها منذ زمان،
أليس أنا الرب ولا إله غيري، إلهٌ بارُّ،
ومخلّص ليس سواي،
التفتوا إليّ واخلصوا يا جميع أقاصي الأرض،
لأني أنا الإله وليس آخر. (إشعياء 45: 15-22)
انه الرب الواحد خالق السموات والأرض لا إله سواه، لتعلم البشرية كلها من مشارق الأرض ومغاربها أنه ليس إله غيره، انه إله محتجب عن أعين الناس وليس كيسوع وأبيه، الذي لم يراه الناس فقط بل قاموا بضربه وجلده والبصق عليه والاستهزاء به وصلبه وقتله!
الرب الواحد الذي صنع الأرض وما فيها بالحق وليس باطلاً، إنه الرب الواحد الذي لم يتكلم بالخفاء ويُخبر بالأُمور التي ستقع في المستقبل، والتي وقعت كما قال، وليس كيسوع الذي كثيراً ما كان يتكلم بالخفاء كما في النص التالي:
الذي أقوله لكم في الظلمة قولوه في النور. (متّى 10: 27)
كما انه لم يتكلم بكلمة واحدة عن المستقبل وتحققت كما قال، وقد بينت كل أقواله التي قالها ولم تقع في كتاب يسوع بن يوسف النجار أسئلة حائرة وسأكتفي هنا بذكر مثل واحد يفي بالغرض.
- ومتى طردوكم في هذه المدينة فاهربوا إلى الأُخرى،
فإني الحق أقول لكم لا تكملون مدن إسرائيل حتى يأتي ابن الإنسان. (متّى 10: 23)
في هذا النص يقول يسوع انه سيعود قبل إكمال التلاميذ الكرازة أو التبشير في مدن إسرائيل، ونحن نعلم أن التلاميذ والكنائس من بعدهم قد أكملوا الكرازة في معظم مدن العالم وليس في إسرائيل وحدها ومع هذا لم يره أحد آتياً! لهذا يجب القول كما قال الرب خالق السموات والأرض عن ذاته أنه لا إله غيره ولا سواه مخلص.
بمن تشبهونني وبمن تسوّونني وتمثّلونني لنتشابه،
الذين يفرغون الذهب من الكيس والفضة،
بالميزان يزِنون يستأجرون صائِغاً،
ليصنعها إلهاً يَخِرّون ويسجدون،
يرفعونه على الكتف،
يحملونه ويضعونه في مكانه ليقف،
من موضعه لا يبرح،
يزعقُ أحد إليه فلا يُجيب، من شِدّته لا يُخلّصُه،
اذكروا هذا وكونوا رجالاً،
رددوه في قلوبكم أيها العصاة،
اذكروا الأوليات منذ القديم،
لأني أنا الإله وليس آخر، الإله وليس مثلي. (إشعياء 46: 5-9)
في هذا النص تأكيد مرة أُخرى على أن الرب خالق السموات والأرض هو الإله الحق وليس هناك إله آخر، ولا إله مثله ولا إله يُشبهه، وأن كل من يشك في هذه الحقيقة ما عليه سوى مقارنة تلك الآلهة وصفاتها بالرب وصفاته، وكنت قد بينت الفرق بين صفات الرب الواحد الإله الحق خالق السموات والأرض وصفات يسوع وأبيه في كتاب شخصيات الأناجيل، وأظهرت مدى مخالفة ومناقضة صفات يسوع وأبيه لكل صفات الرب التي يتحدث عنها العهد القديم، ومن أهمها أن الرب خالق السموات والأرض واحد، وأنه ليس معه إله، ولا يُشبهه أحد من مخلوقاته، وليس مثل يسوع وأبيه من حيث أنهما بشر وأنهما يشبهان الناس وأنهما مع الروح المقدس يمثلون الآلهة التي تعبدها الكنائس وإن قالت أن هذه الآلهة الثلاث واحد!
- ليعلم كل شعوب الأرض أن الرب هو الإله وليس آخر. (الملوك الاول 8: 60)
في هذا النص طلب من كل الشعوب أن تعلم أن الرب هو الإله وأنه لا يوجد معه آلهة أُخرى وليس كما تقول الأناجيل والكنائس عن الآلهة الثلاثة التي تعبدها.
فأنتم شهودي هل يوجد إله غيري. (إشعياء 44: 8)
في هذا النص يطلب الرب شهادة بني إسرائيل على وحدانيته وأنه لا يوجد إله غيره نظراً لكثرة الأنبياء الذين أُرسلوا إليهم ولكثرة المعجزات التي شاهدوها منه سواء في مصر أو في سيناء أو بعد دخولهم الأرض المقدسة، فهل يوجد أحد من أنبياء بني إسرائيل من شهد بغير هذه الشهادة وقال أنه يوجد آلهة حقيقية أُخرى يجب عبادتها والخضوع لها، حتى جاء كتبة الأناجيل والكنائس المختلفة ونقضوا هذا الاصل وقالوا بتعدد الآلهة وتجسدها في حالات مادية سواء حمامة أو إنسان.
- والآن أيها الرب خلِّصنا من يده فتعلم ممالك الأرض كلها أنك أنت الربّ الإله وحدك. (الملوك الثاني 19: 19)
- والآن أيها الرب إلهنا خلصنا من يده فتعلم ممالك الأرض كلها أنك أنت الرب وحدك. (إشعياء 37: 20)
في هذين النصين نقرأ أن بني إسرائيل كانوا يُعلنون في كل وقت بأن الرب هو الإله وحده، وخاصة أوقات الضيق والشدة، فقد كانوا يطلبون الخلاص من الرب لإثبات وحدانيته للأُمم التي كانت تحاربهم.
بعد هذا الكلام عن الأصل والأساس الأهم الذي قام عليه العهد القديم ومخالفة كتبة الأناجيل والكنائس له ندرك أنه لا بد أن تكون المصادر التي اعتمد عليها كتبة الأناجيل هي غير مصادر العهد القديم، وهو ما يدعونا للبحث عن مصادر الأناجيل.