الثلاثاء، 24 يوليو 2018

مصادر بعض أحداث محاكمة يسوع: شهود الزور، وموقف يسوع أثناء المحاكمة، وحلم امرأة بيلاطس، والبصق على يسوع، وقول يسوع ان اليهود سيرونه جالساً عن يمين الإله وآتياً على السحاب، وغسل بيلاطس ليديه، ودعاء يسوع على بنات أُورشليم

الفصل الثالث: مصادر الأناجيل وطريقة تأليفها وكتابتها

القسم السادس: النصوص المقتبسة من العهد القديم دون نسبتها له مباشرة
في هذا القسم سأقوم بدراسة النصوص المقتبسة من العهد القديم والتي لم تُنسب إليه مباشرة، كما هو الحال في الأقسام السابقة، أو ما أُطلق عليه الحبكة القصصية والحوارية، وفيه سنطلع على معظم الأحداث والقصص والأقوال المذكورة في الأناجيل ومقارنتها بالعهد القديم وبواقع حال يسوع كما تصفه قوانين إيمان الكنائس، وأبدأ ببعض أسماء وألقاب يسوع.
مصادر بعض أحداث محاكمة يسوع
في الحقيقة لو أن الأناجيل الأربعة كلها كتبت بسوق من الروح المقدس لكانت محاكمة يسوع مستثناة منها، لأنها تتناقض مع أبسط المعلومات المذكورة والمشاهدة عن الرب خالق السموات والارض الذي لا تسعه السموات ولا سماء السموات، كما أنها تتناقض مع مئات النصوص في العهد القديم التي تتحدث عن الرب ومنها النص التالي:
لأنه من مثلي،
ومن يُحاكمني ومن هو الراعي الذي يقف أمامي . (إرميا 50: 44)
فهذا النص يقول من هو مثل الرب ومن هو الحاكم أو الراعي الذي يقف أمامه ليحاكمه، في حين كتبت الاناجيل أن شرذمة من الناس قامت بمحاكمة يسوع وضربه وجلده والبصق عليه وصلبه، فهذا يدل على أن كل ما تقوله عن يسوع لا يمت بصلة للرب خالق السموات والارض، وبالتالي فان مصادرها غير المصدر الذي تأسس عليه العهد القديم، ومع هذا كله، فهذه المحاكمة يمكن اعتبارها أقصر محاكمة في التاريخ فهي لا تتجاوز سؤال وجواب أنت ملك اليهود فيكون الجواب أنت تقول! ومع قصرها إلا أنها تحمل الكثير من الأخطاء التي تؤكد أن مصدرها ليس وحياً بل هي مقتبسة من العهد القديم، وفيما يلي استعراض لبعض أحداثها.
22 - مصدر قصة شهود الزور أثناء محاكمة يسوع
تحدث متّى ومرقس في إنجيليهما عن استعانة رؤساء اليهود في المحاكمة ببعض شهود الزور فما هي حقيقة هؤلاء الشهود؟
- وكان رؤساء الكهنة والشيوخ والمجمع كله يطلبون شهادة زور على يسوع لكي يقتلوه،
فلم يجدوا، ومع انه جاء شهود زور كثيرون لم يجدوا،
ولكن أخيراً تقدّم شاهدا زور،
وقالا هذا قال إني أقدر أن أنقض هيكل الإله وفي ثلاثة أيام أبنيه،
فقام رئيس الكهنة وقال له أما تُجيب بشيء، ماذا يشهد به هذان عليك،
وأما يسوع فكان ساكتاً. (متّى 26: 59-63)
- وكان رؤساء الكهنة والمجمع كله يطلبون شهادة على يسوع ليقتلوه فلم يجدوا،
لأن كثيرين شهدوا عليه زوراً، ولم تتفق شهاداتهم،
ثم قام قوم وشهدوا عليه زوراً قائلين،
نحن سمعناه يقول إني أنقض هذا الهيكل المصنوع بالأيادي وفي ثلاثة أيام أبني آخر غير مصنوع بأياد،
ولا بهذا كانت شهادتهم تتفق،
فقام رئيس الكهنة في الوسط وسأل يسوع قائلاً أما تجيب بشيء،
ماذا يشهد به هؤلاء عليك،
أما هو فكان ساكتاً ولم يُجب بشيء. (مرقس 14: 55-61)
في هذين النصين كتب متّى ومرقس عن شهود زور شهدوا على يسوع أنه قال أنه يستطيع نقض الهيكل وفي ثلاثة أيام يعيد بناءه! ومع أن لوقا ويوحنا لم يتحدثا عن هؤلاء الشهود، إلا أنه يوجد نص في إنجيل يوحنا يتحدث عن قول ليسوع يثبت أن الشهود، لو كانت القصة حقيقية، لم يشهدوا عليه بالزور، وهو كما يلي:
- فأجاب اليهود وقالوا له أيّة آية تُرينا حتى تفعل هذا،
أجاب يسوع وقال لهم انقضوا هذا الهيكل وفي ثلاثة أيام أُقيمه،
فقال اليهود في ست وأربعين سنة بُني هذا الهيكل أفأنت في ثلاثة أيام تُقيمه،
وأما هو فكان يقول عن هيكل جسده. (يوحنا 2: 18-21)
في هذا النص يقول يسوع انه يستطيع أن يقيم الهيكل ويعيد بناءه في ثلاثة أيام.
فكيف يقول متّى ومرقس عنهم أنهم شهدوا بالزور على يسوع؟!
وأما تعقيب يوحنا على كلام يسوع بالقول انه كان يقول عن هيكل جسده، فهو كلام مردود عليه من ناحيتين، الأُولى ان يسوع لم يقل لليهود انه يقصد هيكل جسده بل كان الكلام بينهم على الهيكل الحقيقي بدليل تعقيب اليهود بقولهم ان الهيكل بُني في ست وأربعين سنة، فلو كان قصد اليهود أو يسوع هيكل جسده لقال لهم انه لا يقصد الهيكل الذي بُني من الحجارة في ست وأربعين سنة وإنما يقصد هيكل جسده!
والناحية الثانية وهي قول يوحنا ان يسوع كان يقول عن هيكل جسده، هو أيضاً كلام خاطئ لسببين:
الأول لأن يسوع كما تذكر الاناجيل كلها لم يلبث في القبر سوى ليلتين ويوم وبعض يوم وهذه المدة الزمنية لا تكفي لنقض هيكل أو جسد الانسان أي تحلله لتراب!
والثاني ان الاناجيل كلها تذكر ان يسوع عندما قام من القبر كانت آثار الجروح والمسامير ما تزال ظاهرة في جسده، لا بل ان ظهورها كان الدليل على انه هو وليس غيره عندما ظهر للتلاميذ، حتى انه قال للتلميذ الذي شكّ في قيامته، وهو توما، ضع أصابعك في مكان الجراح ولا تشكّ، فهذا يدل على ان هيكل جسده لم ينقض كما قال يوحنا في تعقيبه.
لهذا فقول متّى ومرقس عن وجود شهود زور غير صحيح وهذا يدل على أنه ليس وحياً وبالتالي ينطبق عليه قانون لا تقبل خبراً كاذباً.
فمن أين اقتبسا قصة شهود الزور؟
لنقرأ النص التالي:
- جميع عظامي تقول يا رب من مثلك المُنقذ المسكين ممن هو أقوي منه،
شهود زور يقومون وعمّا لم أعلم يسألونني. (مزمور 35: 10-11)
هذه الفقرة التي تتحدث عن شهود الزور وهي جزء من المزمور الذي ناقشته سابقاً وفيه فقرة انهم أبغضوني بلا سبب التي اقتبسها يوحنا من العهد القديم مباشرة، وأظهرت هناك ان هذا المزمور لا يتحدث عن يسوع، والمهم هنا هو وجود فقرة تتحدث عن شهود الزور وهو ما يشير الى ان قصة شهود الزور اقتبست من هذا المزمور، أو من المزمور التالي:
الرب نوري وخلاصي ممن أخاف،
الرب حصن حياتي ممن ارتعب،
عندما اقترب إليّ الأشرار ليأكلوا لحمي مُضايقيّ وأعدائي عثروا وسقطوا،
إن نزل عليّ جيش لا يخاف قلبي،
إن قامت عليّ حرب ففي ذلك أنا مطمئن،
واحدة سألتُ من الرب وإيّاها ألتمس أن أسكن في بيت الرب كل أيام حياتي لكي أنظر الى جمال الرب وأتفرّس في هيكله، لأنه يُخبئني في مظلته في يوم الشّرّ يسترني بستر خيمته على صخرة يرفعني، والآن يرتفع رأسي على أعدائي حولي فأذبح في خيمته ذبائح الهتاف، أُغني وأُرنم للربّ، استمع يا ربّ بصوتي أدعو فارحمني واستجب لي، لك قال قلبي قلتَ اطلبوا وجهي وجهك يا ربّ أطلب، لا تحجب وجهك عني، لا تخيّب بسخط عبدك قد كنتَ عوني،
فلا ترفضني ولا تتركني يا إله خلاصي،
إن أبي وأُمي قد تركاني والرب يضمني،
علمني يا رب طريقك واهدني في سبيل مستقيم بسبب أعدائي،
لا تسلمني إلى مرام مُضايقيّ،
لأنه قد قام عليّ شهود زور ونافث ظلم،
لولا أنني أمنت بأن أرى جود الرب في أرض الأحياء،
انتظر الرب ليتشدّد وليتشجّع قلبك وانتظر الرب. (مزمور 27: 1-14)
هذا المزمور لداوُد وفيه نقرأ أن الرب نوره وخلاصه وحصنه وأن أعداءه عثروا وسقطوا وأنه يطلب وجه الرب وأن لا يرفضه ولا يتركه وأنه عبد للربّ، وأن أباه وأُمه تركاه وأنه قام عليه شهود زور، ونلاحظ أن يوحنا كتب قصة سقوط الجند على ظهورهم التي سبق الحديث عنها ومتّى ومرقس كتبا قصة شهود الزور، ولكنهم لم ينسبوها للعهد القديم مباشرة كما فعلوا في نصوص أُخرى، وأنا أُرجّح أن سبب ذلك هو صعوبة نسبتها للعهد القديم دون ظهور مخالفتها للقصص التي كتبوها عن يسوع، وهذا المزمور مثال على ذلك فلو قالوا إن ما كتبوه كان ليُتِمَّ ما هو مكتوب في هذا المزمور لتبين خطأهم لأن هذا المزمور يتحدث عن عبد للرب وليس عن إله وابن إله وأحد الأقانيم الثلاثة، كما أنه يتحدث عن أب وأُم للمتكلم في المزمور في حين أن الأناجيل والكنائس تقول أن يسوع وُلد من غير رجل، لهذا اقتبسوا من هذا المزمور قصة شهود الزور وقصة سقوط الجند على ظهورهم دون نسبتها للمزامير للقول أن ما كتبوه قد تحدثت عنه أسفار العهد القديم لإعطاء مصداقية وقدسية لها!
23 -  مصدر موقف يسوع أثناء المحاكمة
تتحدث الكنائس عن بقاء يسوع ساكتاً في المحاكمة تحقيققاً وتتميماً لنبوءة أولنص في العهد القديم! وهو كما يلي:
- ظلم أما هو فتذلل ولم يفتح فاه كشاة تساق الى الذبح، وكنعجة صامتة أمام جازِّيها فلم يفتح فاه، من الضغطة ومن الدينونة أُخذ، وفي جيله من كان يظن أنه قطع من أرض الأحياء، أنه ضُرب من أجل ذنب شعبي، وجُعل مع الأشرار قبره ومع غني عند موته على أنه لم يعمل ظلماً ولم يكن في فمه غشّ. (إشعياء 53: 7-9)
فهل كان يسوع ساكتاً في المحاكمة أم أنه كان يتكلم على الرغم من وجود هذه النبوءة أو النص؟
لنقرأ أولاً بعض النصوص ثم نكمل الحديث.
- فقام رئيس الكهنة وقال له أما تُجيب بشيء،
ماذا يشهد به هذان عليك، وأمّا يسوع فكان ساكتاً. (متّى 26: 62-63)
-  فقام رئيس الكهنة في الوسط وسأل يسوع قائلاً أما تجيب بشيء،
ماذا يشهد به هؤلاء عليك،
أما هو فكان ساكتاً ولم يُجب بشيء. (مرقس 14: 60-61)
- فوقف يسوع أمام الوالي فسأله الوالي قائلاً أأنت ملك اليهود،
فقال له يسوع أنت تقول،
وبينما كان رؤساء الكهنة والشيوخ يشتكون عليه لم يُجب بشيء،
فقال له بيلاطس أما تسمع كم يشهدون عليك،
فلم يُجبه ولا عن كلمة واحدة حتّى تعجب الوالي جداً. (متّى 27: 11-14)
- فسأله بيلاطس أيضاً قائلاً أما تجيب بشيء انظر كم يشهدون عليك،
فلم يُجب يسوع أيضاً بشيء حتى تعجب بيلاطس. (مرقس 15: 4-5)
- وأما هيرودس فلما رأى يسوع فرح جداً لأنه كان يريد من زمان أن يراه لسماعه عنه أشياء كثيرة وترجّى أن يرى آية تصنع منه،
وسأله بكلام كثير فلم يُجبه بشيء. (لوقا 23: 8-9)
في هذه النصوص نقرأ ان يسوع لم يتكلم بشيء في المحاكمة، ولكن ماذا كتب يوحنا عن هذا الموقف؟
- فسأل رئيس الكهنة يسوع عن تلاميذه وعن تعليمه،
أجابه يسوع أنا كلمت العالم علانية، أنا علّمت كل حين في المجمع وفي الهيكل حيث يجتمع اليهود دائماً، وفي الخفاء لم أتكلم بشيء،
ولماذا تسألني أنا، اسأل الذين قد سمعوا ماذا كلمتهم، هوذا هؤلاء يعرفون ماذا قلت أنا،
ولما قال هذا لطم يسوع واحد من الخدّام كان واقفاً قائلاً أهكذا تجاوب رئيس الكهنة،
أجابه يسوع إن كنت قد تكلمت رديّاً فاشهد على الرديّ وإن حسناً فلماذا تضربني،
وكان حنّان قد أرسله موثقاً الى قيافا رئيس الكهنة. (يوحنا 18: 19-24)
كما نقرأ فإن يسوع كان يتكلم في المحاكمة حتى أنه تكلم مع الخادم الذي لطمه، وباقي محاكمة يسوع في إنجيل يوحنا تظهر ان يسوع كان يتكلم، وهذا يتناقض مع ما قاله متّى ومرقس مما يدل على أن يوحنا لم يقتنع بالنص الذي اعتبرته الكنائس نبوءة والذي كتب متّى ومرقس موقف يسوع أثناء محاكمته استناداً عليه، وهذه الاختلافات والتناقضات سواء في هذا الموضع أو في غيره من المواضع يدل على أن الاناجيل لم تكتب عن طريق الوحي أو بسوق من الروح المقدس وإنما كتبت من خلال فهم وتفسير الكتبة لنصوص العهد القديم وإعادة صياغتها في أُطر قصصية.
والنص الذي اقتبس منه متّى ومرقس سكوت يسوع في المحاكمة كنت قد ناقشته فيما مضى وأثبتُّ أنه لا يتحدث عن يسوع فأغنى عن إعادته.
24 - مصدر قصة حلم زوجة بيلاطس
في قصة محاكمة يسوع انفرد متّى بالحديث عن حلم لامرأة بيلاطس وهو كما يلي:
- وإذ كان جالساً على كرسي الولاية أرسلت إليه امرأته قائلة إياك وذلك البار، لأني تألمت اليوم كثيراً في حلم من أجله. (متّى 27: 19)
في هذا النص كتب متّى ان امرأة بيلاطس أرسلت له انها رأت حلماً تألمت منه كثيراً بخصوص يسوع وحذرته من التعرض له!
وكل من يقرأ القصة وخاصة أول مرة يتوقع ان تحدث مفاجأة في محاكمة يسوع على اثر سماع بيلاطس عن حلم امرأته ولكن متّى تابع ذكر أحداث المحاكمة دون ان يظهر أي اثر لذلك الحلم وهو ما يُثير الشكوك في حقيقة هذا الحلم!
فلماذا لم يذكر الكتبة الآخرين هذه القصة ولماذا لم يظهر لها أثر في محاكمة يسوع؟
إن كتبة الاناجيل عند كتابتهم لها حاولوا أن يقتبسوا معظم قصص العهد القديم وخاصة التي تتحدث عن العلاقة بين الرب والبشر، فوجود عدة قصص في العهد القديم تتحدث عن ظهور الرب في أحلام لبعض الناس لمساعدة بعض الأنبياء جعل متّى يسارع الى كتابة قصة عن حلم لامرأة بيلاطس تتحدث عن تألمها على يسوع! ولكنه لم يستطع أن يكتب تفاصيل الحلم وماذا رأت امرأة بيلاطس ولا أيّ أثر لهذا الحلم كما حدث في قصص العهد القديم، كما في النصوص التالية:
- وقال إبراهيم عن سارة امرأته هي أُختي،
فأرسل أبيمالك ملك جَرَارَ وأخذ سارة،
فجاء الإله الى أبيمالك في حلم الليل، وقال له ها أنت ميت من أجل المرأة التي أخذتها فإنها متزوجة ببعل، ولكن لم يكن أبيمالك قد اقترب إليها، فقال يا سيد أأُمّةً بارّة تقتل،
ألم يقل هو لي إنها أختي، بسلامة قلبي ونقاوة يديّ فعلت هذا،
فقال له الإله في الحلم أنا أيضاً علمت أنك بسلامة قلبك فعلت هذا وأنا أيضاً أمسكتك عن أن تخطئ إليّ، لذلك لم أدعك تَمَسُّها،
فالآن رُدَّ امرأة الرجل فإنه نبيّ فيُصلي لأجلك فتحيا، وإن كنتَ لستَ تردّها فاعلم أنك موتاَ تموت أنت وكل من لك،
فبكر أبيمالك في الغد ودعا جميع عبيده وتكلم بكل هذا الكلام في مسامعهم فخاف الرجال جداً. (تكوين 20: 2-8)
- فأخذ أبيمالك غنماً وبقراً وعبيداً وإماء وأعطاها لإبراهيم، وردّ إليه سارة امرأته. (تكوين 20: 14)
- فأُخبر لابان في اليوم الثالث بأن يعقوب قد هرب،
فأخذ إخوته معه وسعى وراءه مسيرة سبعة أيام فأدركه في جبل جلعاد،
وأتى الإله إلى لابان الأرامي في حلم الليل فقال له احترز من أن تكلم يعقوب بخير أو شرّ،
فلحق لابان يعقوب ويعقوب قد ضرب خيمته في الجبل، فضرب لابان مع إخوته في جبل جلعاد. (تكوين 31: 22-25)
- في قدرة يدي أن أصنع بكم شرّاً ولكن إله أبيكم كلمني البارحة قائلاً احترز من أن تكلم يعقوب بخير أو شرّ. (تكوين 31: 29)
هاتان القصتان وغيرهما من القصص هي التي دفعت متّى لكتابة حلم امرأة بيلاطس مع فارق بسيط، وهو أن ظهور الرب في تلك الأحلام كان يؤتي ثماره في حماية الأنبياء وأهلهم، في حين أن حلم متّى لم يُحدث أي أثر في نتيجة المحاكمة مما يدل الى أن هذه القصة كتبت لإضفاء حالة من التشابه مع العهد القديم حتى لو لم يكن لها أثر في الواقع.
25 - مصدر قصة البصق على يسوع
خلال محاكمة يسوع كتب متّى ومرقس عن عمل تعرض له يسوع وهو البصق عليه كما في النصين التاليين:
- حينئذ بصقوا في وجهه ولكموه، وآخرون لطموه قائلين تنبأ لنا أيها المسيح من ضربك. (متّى 26: 67-68)
- فابتدأ قوم يبصقون عليه ويُغطون وجهه ويلكمونه ويقولون له تنبأ وكان الخدم يلطمونه. (مرقس 14: 65)
في الحقيقة إن كل حرف من هذه الفقرات يؤكد على أنها ليست وحياً من السماء، وأن كل ما كتب في قوانين إيمان الكنائس المختلفة التي تتحدث عن أقانيم ثلاث ووحدتها وجوهرها غير صحيح، فمن يتخيل أن هذا يحدث مع يسوع لو كانت تلك القوانين صحيحة؟!
فمن أين اقتبس متّى ومرقس هذه الحادثة وكتباها عن يسوع؟
لنقرأ النص التالي:
- أعطاني السيد الرب لسان المتعلمين لأعرف أن أُغيث المُعيي بكلمة،
يُوقظ كل صباح، يُوقظ لي أُذناً لأسمع كالمتعلمين،
السيد الرب فتح لي أُذناً وأنا لم أُعاند، الى الوراء لم أرتدّ،
بذلتُ ظهري للضاربين وخدّي للناتفين،
وجهي لم أستر عن العار والبصق،
والسيد الرب يُعينني لذلك لا أخجل، لذلك جعلت وجهي كالصوان وعرفت أني لا أخزى،
قريب هو الذي يُبرّرني، من يخاصمني، لنتواقف، من هو صاحب دعوى معي، ليتقدم إليّ،
هوذا السيد الرب يُعينني،
من هو الذي يحكم عليّ، هوذا كلهم كالثوب يبلون، يأكلهم العث،
من منكم خائف الرب، سامع لصوت عبده. (إشعياء 50: 4-10)
من يقرأ في هذا النص أي كلام أو أيّة اشارة ولو تلميحاًعن وجود هذه الأقانيم الثلاثة وأن أحدها يُبصق عليه؟
إن هذا النص والإصحاح كله يتحدث عن الرب وقدرته وإعانته لعبده المتحدث في هذا الإصحاح ويتحدى أعداءه بأن يحكموا عليه، وهذه كلها تتناقض مع ما كتبته الأناجيل وقوانين إيمان الكنائس عن يسوع.
26 - قول يسوع أن مملكته ليست من هذا العالم يدل على أنه لا علاقة له بالرب خالق السموات والأرض من ناحية الجوهر والطبيعة ويبطل قانون الثالوث من جذوره
بعد هذا نقرأ نصاً تفرّد بكتابته يوحنا في قصته عن محاكمة يسوع التي تختلف كلياً في كل أحداثها عما كتبه الآخرون، وهو كما يلي:
- أجاب يسوع مملكتي ليست من هذا العالم،
لو كانت مملكتي من هذا العالم لكان خدّامي يُجاهدون لكي لا أُسلم إلى اليهود، ولكن الآن ليست مملكتي من هنا،
فقال له بيلاطس أفأنت إذاً ملك،
أجاب يسوع أنت تقول إني ملك،
لهذا قد وُلدتُ أنا ولهذا قد أتيتُ إلى العالم لأشهد للحق،
كل من هو من الحق يسمع صوتي،
قال له بيلاطس ما هو الحق ولما قال هذا خرج أيضاً إلى اليهود وقال لهم أنا لست أجد فيه علّة واحدة. (يوحنا 18: 36-38)
في هذا النص يكتب يوحنا على لسان يسوع قوله أن مملكته ليست من هذا العالم، وهو ما تفتخر به الكنائس المختلفة وتبشر به، وهذا القول على جمال معانيه الشعرية والخيالية، إلا أنه يهدم عشرات النصوص في الاناجيل وقوانين إيمان الكنائس، كما أنه يتناقض مع عشرات النصوص في العهد القديم.
أما نقضه لنصوص الاناجيل فالأناجيل الاربعة كتبت على أساس أن يسوع هو من ذرية داوُد الذي سيقيم مملكة داوُد ويحكم العالم ولا يكون لملكه نهاية، ومملكة داوُد كانت في هذا العالم ولم تكن في السماء! وقد ناقشت العديد من تلك النصوص فيما سبق.
وأما نقضه لقوانين إيمان الكنائس فهذه القوانين تقول ان يسوع يحمل صفات إلهية وأنه أحد الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر، ولو وافقنا الكنائس على قوانينها في هذا المقام فهذا يعني أن يسوع هو أحد تجسدات الرب! سبحانه وتعالى عما يصفون ويشركون، والرب في العهد القديم يقول ان مملكته تشمل كل المخلوقات في الارض وفي السماء كما في النصوص التالية:
- فقال له موسى عند خروجي من المدينة أبسط يديّ إلى الربّ فتنقطع الرعود ولا يكون البرد أيضاً لكي تعرف أن للرب الأرض. (خروج 9: 29)
الرب ملك الى الدهر والأبد بادت الأُمم من أرضه. (مزمور 10: 16)
لأن الإله ملك الارض كلها، رنموا قصيدة، ملك الإله على الأمم. (مزمور 47: 7-8)
لان للرب المُلك وهو المتسلط على الأمم، أكلَ وسجدَ كل سميني الأرض،
قدّامه يجثوا كل من ينحدر الى التراب ومن لم يُحْي نفسه، الذرية تتعبد له، يُخبّر عن الرب الجيل الآتي، يأتون ويُخبرون ببرّه شعباً سيولد بأنه قد فعل. (مزمور 22: 28-31)
ويكون الرب ملكاً على كل الارض، في ذلك اليوم يكون الرب وحده واسمه وحده. (زكريا 14: 9)
النص الأخير بالإضافة لتأكيده على ان الرب ملك على الأرض، فهو ينقض كل أقوال الكنائس عن الأقانيم الثلاثة إذ يقول ان الرب في ذلك اليوم يكون وحده واسمه وحده فلا ذكر ليسوع أو للروح المقدس معه، إلا إذا قالت الكنائس أن كلمة وحده تعني ثلاثة!
فقول يوحنا السابق يتناقض مع هذه النصوص وغيرها الكثير مما يدل على أن ما كتبه لم يكن عن طريق الوحي ولا بسوق من الروح المقدس، لأن الرب في العهد القديم يقول ان الوحي لا يخطئ ولا يتناقض ويقول كذلك لا تقبل خبراً كاذباً.
كما أن هذا النص ينقض قانون الخلاص والفداء وأن يسوع جاء الى الارض ليرفع خطيئة ذرية آدم، لأنه قال لو أن مملكته من هذا العالم لكان خدامه يجاهدون كي لا يُسلم لليهود، فهذا يدل على أنه لو كان قد جاء ليرفع الخطيئة لما قال هذا القول، أو بمعنى أدق لما كتب يوحنا هذا القول على لسان يسوع، وهذا النص يتناقض كذلك مع ما كتبه متّى في إنجيله، كما في النص التالي:
- أتظن أني لا أستطيع الآن أن أطلب الى أبي فيُقدّم لي أكثر من اثني عشر جيشاً من الملائكة. (متّى 26: 53)
وأما مناقضته لنصوص العهد القديم فهناك عشرات النصوص التي تتحدث عن مملكة الرب وأنها على الارض وفي بقعة معينة منها وليس كما كتب يوحنا، كما في النصوص التالية:
- ليكن مباركاً الرب إلهك الذي سُرّ بك وجعلك على كرسيّه ملكاً للرب إلهك، لأن إلهك أحب إسرائيل ليثبته الى الأبد،
قد جعلك عليهم ملكاً لتُجري حكماً وعدلاً. (أخبار الايام الثاني 9: 8)
في هذا النص نقرأ ان ملكة سبأ قالت لسليمان ان الرب سُرّ به وانه جعله على كرسيه ملكاً للرب إلهه ليحكم بينهم بالعدل، أي إن سليمان كان ملكاً للرب، وسليمان كان ملكاً على الأرض وليس في السماء.
- ومن كل بنيّ لأن الرب أعطاني بنين كثيرين إنما اختار سليمان ابني ليجلس على كرسي مملكة الرب على إسرائيل،
وقال لي إن سليمان ابنك هو يبني بيتي ودياري لأني اخترته لي ابناً وأنا أكون له أبا،
وأُثبّت مملكته الى الأبد، إذا تشدد للعمل حسب وصاياي وأحكامي كهذا اليوم،
والآن في أعين كل إسرائيل محفل الرب وفي سماع إلهنا احفظوا واطلبوا جميع وصايا الرب إلهكم لكي ترثوا الأرض الجيدة وتورّثوها لأولادكم بعدكم الى الأبد،
وأنت يا سليمان ابني اعرف إله أبيك واعبده بقلب كامل ونفس راغبة لأن الرب يفحص جميع القلوب ويفهم كل تصورات الأفكار،
فإذا طلبته يوجد منك وإذا تركته يرفضك الى الأبد. (أخبار الايام الاول 28: 5-9)
إن هذا النص على قصره ينقض معظم قوانين إيمان الكنائس المختلفة، فهو يقول ان مملكة الرب على الارض، وليست في السماء كما قال يوحنا على لسان يسوع، لا بل انه قد حدد ان الكرسي الذي كان يجلس عليه سليمان هو كرسي مملكة الرب!
ويقول ان سليمان ابناً للرب وان الرب يكون أباً له، وهو نفس قول الاناجيل والكنائس عن يسوع، مع فوارق عدة تُظهر معنى كلمة ابن الإله أو ابن الرب، ومنها ان سليمان ولد لأب وأُم بشريين ومع هذا يقول عنه النص انه ابناً للرب! وان الرب سيُثبّت مملكته ما دام يعمل حسب وصايا الرب وأحكامه، وأما إذا لم يعرف الرب إله داوُد ولم يعبده بقلب كامل ونفس راغبة فان الرب سيتركه ويرفضه الى الأبد، أي إن البنوة تعني العبادة الكاملة للرب وليس كما تقول الكنائس ان البنوة تعني البنوة العضوية وان يسوع أحد الاقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر! ولو جارينا الكنائس فيما تقوله عن يسوع واستناداً لهذا النص فهل يعني ترك الرب ليسوع وهو معلق على الصليب يصرخ إلهي إلهي لماذا تركتني يدل على عدم قيام يسوع بعبادة الرب إلهه بقلب كامل ونفس راغبة، وانه لم يسع لإقامة مملكة الرب على الأرض، ولم ينفذ أحكام الرب، ومنها رفضه إدانة المرأة الزانية، ورفضه تقسيم الميراث بين الشقيقين وقال لهما من جعلني عليكما قاضياً؟!
كما ان النص يظهر بكل وضوح ان قول الرب عن سليمان انه ابناً لا يعني انه ليس عبداً للرب بدليل قول داوُد لسليمان ان يعرف الرب وان يعبده وانه اذا ترك عبادة الرب فان الرب سيتركه، وهو ما صرّح به يسوع وهو معلق على الخشبة عندما صرخ إلهي إلهي لماذا تركتني! وهذا يظهر الفرق بين ما هو مكتوب من نصوص تتحدث عن أبناء الرب في العهد القديم وبين ما تبشر به الكنائس عن بنوة يسوع العضوية واعتباره أحد الاقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر!
فقال الرب لصموئيل اسمع لصوت الشعب في كل ما يقولون لك،
لأنهم لم يرفضوك أنت بل إياي رفضوا حتى لا أملك عليهم. (صموئيل الاول 8: 7)
هذا النص جزء من القصة التي تتحدث عن طلب اليهود من صموئيل، وهو من أنبياء العهد القديم وآخر القضاة، أن يجعل لهم ملكاً يحكمهم، فكان جواب الرب ان غضب عليهم لأنهم رفضوا أن يكون الرب ملكاً عليهم وهذه القصة تتحدث عن اليهود في زمن القضاة وهم في الارض المقدسة وليس في السماء.
فكيف كتب يوحنا على لسان يسوع قوله ان مملكته ليست على الارض لو كان ما تصفه به قوانين إيمان الكنائس صحيحاً؟!
27 - مصدر أقوال يسوع عن رؤية اليهود له جالساً عن يمين الرب وآتياً على السحاب
كما نقرأ في قصة المحاكمة قولاً كتب على لسان يسوع وهو كما يلي:
- فأجاب رئيس الكهنة وقال له استحلفك بالإله الحي أن تقول لنا هل أنت المسيح ابن الإله،
قال له يسوع أنت قلت،
وأيضاً أقول لكم من الآن تبصرون ابن الانسان جالساً عن يمين القوة وآتياً على سحاب السماء. (متّى26: 63-64)
- أما هو فكان ساكتاً ولم يُجب بشيء فسأله رئيس الكهنة أيضاً وقال له أأنت المسيح ابن المبارك،
فقال يسوع أنا هو، وسوف تبصرون ابن الانسان جالساً عن يمين القوة وآتياً في سحاب السماء. (مرقس 14: 61-62)
- ولما كان النهار اجتمعت مشيخة الشعب رؤساء الكهنة والكتبة وأصعدوه إلى مجمعهم،
قائلين إن كنت أنت المسيح فقل لنا،
فقال لهم إن قلت لكم لا تصدقون،
وإن سألتُ لا تجيبونني ولا تطلقونني،
منذ الآن يكون ابن الإنسان جالساً عن يمين قوة الإله،
فقال الجميع أفأنت ابن الإله،
فقال لهم انتم تقولون أني أنا هو. (لوقا 22: 66-70)
هذه ثلاثة نصوص تتحدث عن قول يسوع أنه من الآن سيبصره اليهود جالساً عن يمين القوة وآتياً على سحاب السماء كما كتب متّى، أو جالساً عن يمين القوة وآتياً في سحاب السماء كما كتب مرقس، أو أنه منذ الآن يكون جالساً عن يمين قوة الإله دون ذكر المجيء كما كتب لوقا.
هذه النصوص لا تحتاج الى كثير بحث لنعلم خطأها لأنه الآن وبعد قرابة عشرين قرناً من كتابة هذه النصوص لم يره أحد جالساً عن يمين القوة أو عن يمين قوة الإله، ولم يره أحد كذلك آتياً على سحاب السماء أو في سحاب السماء!
وإن كانت توجد فقرات في آخر إنجيل مرقس وفي أعمال الرسل للوقا تتحدث عن جلوس يسوع عن يمين الإله كما في النصين التاليين:
- ثم ان الرب بعدما كلمهم ارتفع الى السماء وجلس عن يمين الإله. (مرقس 16: 19)
هذه الفقرة مع باقي فقرات خاتمة إنجيل مرقس ليست من كتابة مرقس بل هي مضافة عليه وهي كتبت على يد بعض كتبة الكنيسة فيما بعد كما هو معلوم وكما سبق وبينت هذا الأمر! وهذا يعني أن قصة جلوس يسوع عن يمين القوة ليست صحيحة أو على الأقل لم تكتب عن طريق الوحي أو بسوق من الروح المقدس!
وأما لوقا فقد كتب في أعمال الرسل قصة استفانوس، وأنه رأى يسوع جالساً عن يمين الإله كما في النص التالي:
- فلما سمعوا هذا حنقوا بقلوبهم وصرّوا بأسنانهم عليه،
وأما هو فشخص إلى السماء وهو ممتلئ من الروح المقدس فرأى مجد الإله ويسوع قائماً عن يمين الإله،
فقال ها أنا أنظر السماء مفتوحة وابن الإنسان قائماً عن يمين الإله،
فصاحوا بصوت عظيم وسدّوا آذانهم وهجموا عليه بنفس واحدة،
وأخرجوه خارج المدينة ورجموه والشهود خلعوا ثيابهم عند رجلي شاب يقال له شاول،
فكانوا يرجمون استفانوس وهو يدعو ويقول أيها الرب يسوع اقبل روحي،
ثم جثا على ركبتيه وصرخ بصوت عظيم يا رب لا تُقم لهم هذه الخطية، وإذ قال هذا رقد، ص8 وكان شاول راضياً بقتله. (أعمال الرسل 7: 54-60) ص8 تعتبر الفقرة الأُولى في الإصحاح الثامن.
ولكن لوقا للأسف كان قد كتب في تلك القصة عدة أخطاء خالف فيها نصوص العهد القديم مما يدل على أن قصته ليست صحيحة وأنها ليست مكتوبة بسوق من الروح المقدس! وفيما يلي بعض أبرز تلك الأخطاء:
1 - ولم يُعطه فيها ميراثاً ولا وطأة قدم. (أعمال الرسل 7: 5)
في هذه الفقرة يكتب لوقا على لسان استفانوس قوله ان الرب لم يعط إبراهيم ولا وطأة قدم في الارض المقدسة، مع أن العهد القديم يقول ان إبراهيم اشترى حقلاً، وهو بالتأكيد أكبر من وطأة قدم كما في النص التالي:
- فسمع إبراهيم لعفرون ووزن إبراهيم لعفرون الفضة التي ذكرها في مسامع بني حِثّ، أربع مئة شاقل فضة جائزة عند التجار،
فوجب حقل عفرون الذي في المكفيلة التي أمام ممرا،
الحقل والمغارة التي فيه وجميع الشجر الذي في الحقل الذي في جميع حدوده حواليه،
لإبراهيم مُلكاً لدى عيون بني حِثّ بين جميع الداخلين باب مدينته،
وبعد ذلك دفن إبراهيم سارة امرأته في مغارة حقل المكفيلة أمام ممرا التي هي حبرون في أرض كنعان، فوجب الحقل والمغارة التي فيه لإبراهيم ملك قبر من عند بني حِثّ. (تكوين 23: 16-20)
فهذا النص يدل على خطأ قول استفانوس ولوقا عن عدم امتلاك إبراهيم وطأة قدم في الارض المقدسة مما يدل على أن ما كتبه لوقا ليس صحيحاً وليس وحياً.
2 - وتكلم الرب هكذا، أن يكون نسله متغرباً في أرض غريبة فيستعبدوه ويسيئوا إليه أربع مئة سنة. (أعمال الرسل 7: 6)
وهذا القول يتناقض مع ما هو مكتوب في العهد القديم عن مدة بقاء بني اسرائيل في مصر كما في النص التالي:
- وأما إقامة بني إسرائيل التي أقاموها في مصر فكانت أربع مئة وثلاثين سنة،
وكان عند نهاية أربع مئة وثلاثين سنة في ذلك اليوم عينه أن جميع أجناد الرب خرجت من أرض مصر. (خروج 12: 40-41)
وهذا الاختلاف يدل على أن لوقا واستفانوس لم يكونا يقرآن ويريان ما هو مكتوب في العهد القديم وهو قريب منهما، فكيف نصدق أن استفانوس رأى يسوع في السماء البعيدة جداً حتى عن تصور الخيال البشري؟!
3 - فنزل يعقوب إلى مصر ومات هو وآباؤنا،
ونقلوا إلى شكيم ووضعوا في القبر الذي اشتراه إبراهيم بثمن فضة من بني حمور أبي شكيم. (أعمال الرسل 7: 15-16)
هذا النص يتضمن عدة أخطاء في نسق واحد، ولكن سأكتفي بذكر واحد منها وهو قوله ان إبراهيم هو من اشترى القبر الذي في شكيم، وهذا خطأ لأن العهد القديم يقول ان من اشتراه هو يعقوب وليس إبراهيم كما في النص التالي:
- ثم أتى يعقوب سالماً إلى مدينة شكيم التي في أرض كنعان، حين جاء من فدّان أرام، ونزل أمام المدينة وابتاع قطعة الحقل التي نصب فيها خيمته من يد بني حمور أبي شكيم بمئة قسيطة،
وأقام هناك مذبحاً ودعاه إيل إله إسرائيل. (تكوين 33: 18-20)
هذه بعض الأخطاء الموجودة في قصة استفانوس الذي قال لوقا عنه انه رأى يسوع جالساً عن يمين الإله، فهل يمكن تصديقه بعد كل هذا؟!
وأما مجيء يسوع الثاني على سحاب السماء فقد كان يمثل معضلة للتلاميذ، حتى أن بولس كان يقول إن يسوع سوف يجيء في زمنه وهو ما زال حيّاً ويطلب من أتباعه أن يصبروا ويستعدوا لملاقاة يسوع كما في النص التالي:
- ثم لا أُريد أن تجهلوا أيها الإخوة من جهة الراقدين لكي لا تحزنوا كالباقين الذين لا رجاء لهم،
لأنه إن كنا نؤمن أن يسوع مات وقام فكذلك الراقدون بيسوع سيحضرهم الإله أيضاً معه،
فإننا نقول لكم هذا بكلمة الرب،
إننا نحن الأحياء الباقين الى مجيء الرب لا نسبق الراقدين،
لأن الرب نفسه بهتافٍ بصوت رئيس ملائكة وبوق الإله سوف ينزل من السماء، والأموات في المسيح سيقومون أولاً،
ثم نحن الأحياء الباقين سنُخطف جميعاً معهم في السحب لملاقاة الرب في الهواء،
وهكذا نكون كل حين مع الرب.
لذلك عَزوا بعضكم بعضاً بهذا الكلام. (1تسالونيكي 4: 13-18)
ومع هذا فقد مات بولس ومات بعده عشرات الأجيال ولم يأت يسوع على سحاب السماء وما زالت الكنائس تعزي أتباعها الطيبين بهذا الكلام! وهذا كله يؤكد على أن هذه النصوص غير صحيحة، فمن أين اقتبس كتبة الاناجيل هذه النصوص التي لم تتحقق؟
لنقرأ النصوص التالية:
- جعلت الرب أمامي في كل حين، لأنه عن يميني فلا أتزعزع. (مزمور 16: 8)
- قد رأيت الرب جالساً على كرسيه وكل جند السماء وقوف لديه عن يمينه وعن يساره. (الملوك الاول 22: 19)
- قد رأيت الرب جالساً على كرسيه وكل جند السماء وقوف عن يمينه وعن يساره. (اخبار الايام الثاني 18: 18)
إن قراءة كتبة الاناجيل لهذه النصوص وغيرها جعلهم يسارعون لكتابة تلك النصوص على لسان يسوع ليوحوا لأتباعهم أن يسوع يحمل صفات إلهية وأنه احد الاقانيم الثلاثة الذين هم واحد! ولم ينتبه كتبة الاناجيل للمعنى المجازي في النصوص، الذي يعني ان المتكلم يقصد ان الالتزام بشريعة الرب وتعاليمه يجعل الانسان ثابتاً غير مزعزع، فجعلوه على المعنى الحقيقي، مع ان النصوص لا تتحدث عن يسوع، وهو ما  لم يحدث مطلقاً لا في المحاكمة ولا بعد عشرين قرناً!
واما النصوص التي تتحدث عن المجيء على السحاب فهذا بعضها:
- وحي من جهة مصر هو ذا الرب راكب على سحابة سريعة وقادم الى مصر فترتجف أوثان مصر من وجهه ويذوب قلب مصر داخلها. (إشعياء 19: 1)
- فحدث إذ كان هارون يُكلم كل جماعة بني إسرائيل أنهم التفتوا وإذا مجد الرب قد ظهر في السحاب. (خروج 16: 10)
- ولم يستطع الكهنة أن يقفوا للخدمة بسبب السحاب لأن مجد الرب ملأ بيت الرب. (الملوك الاول 8: 11)
هذه بعض النصوص التي استعمل فيها كتبة العهد القديم صيغاً تفيد التجسيم، وهي من الأمور المستهجنة لأن الأصل الذي قام عليه العهد القديم كما أوضحت سابقاً، وهو الصحيح، أن الرب خالق السموات والارض وما فيهن من مخلوقات أعظم من أن يحل في أي شيء من مخلوقاته لأن السموات لا تسعه ولا سماء السموات، ولكن كتبة الاناجيل اقتبسوا من هذه النصوص وكتبوها على لسان يسوع خدمة لما يؤمنون به من صفات ليسوع، ولكن الرب أظهر خطأهم، فبعد عشرين قرنا لم تتحقق تلك الأقوال، وهذا ما ينطبق عليه قانون لا تقبل خبراً كاذباً، كما يؤكد أن هذه النصوص ليست وحياً لأن العهد القديم يقول ان الرب ليس إنساناً فيكذب.
28 - مصدر قصة غسل بيلاطس ليديه
في نهاية المحاكمة وبعد عملية التخيير بين يسوع وباراباس وقبل تسليم يسوع لليهود ينفرد متّى بكتابة قصة عن غسل بيلاطس يديه كدليل على براءته من دم يسوع، كما في النص التالي:
- فلما رأى بيلاطس أنه لا ينفع شيئاً بل بالحري يحدث شغب أخذ ماء وغسل يديه قدّام الجميع قائلاً إني بريء من دم هذا البار، أبصروا أنتم،
فأجاب جميع الشعب وقالوا دمه علينا وعلى أولادنا،
حينئذ أطلق لهم باراباس، وأما يسوع فجلده وأسلمه ليُصلب. (متّى 27: 24-26)
إن تفرد متّى بكتابة هذا النص يثير الشك في صحة قصة المحاكمة كلها، ليس لأنه تفرد بها بل لما تحويه من معلومات متناقضة وتوجيهات خطيرة على الحياة البشرية، فهذا النص يظهر ان بيلاطس وكأنه مغلوب على أمره، في حين أن لوقا كتب عنه أنه كان يتعامل مع أعدائه بوحشية ولم يكن يتأثر بأي شغب قد يحدثه اليهود، كما في النص التالي:
- وكان حاضراً في ذلك الوقت قوم يخبرونه عن الجليليين الذين خلط بيلاطس دمهم بذبائحهم. (لوقا 13: 1)
فهذا النص يدل على ان بيلاطس ليس كما صوره متّى وباقي كتبة الاناجيل من أنه كان مغلوباً على أمره في محاكمة يسوع أمام اليهود، الذين كانوا خاضعين هم وغيرهم من الشعوب لسلطة روما، وأما التوجيهات الخطيرة لهذا النص على الحياة البشرية فهي تتمثل في تبرئة بيلاطس ومن كان يمثله وتحميلها ليس فقط لليهود في ذلك الزمان، بل ولأولادهم من بعدهم، مما أدى لحدوث عشرات المجازر بحقهم، مع أن لوقا كتب على لسان يسوع قوله يا أبتاه اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون، إلا أن وجود هذا النص ظل يلقي بظلاله على مسؤولية أولاد اليهود لعشرات الاجيال على جريمة لم يرتكبوها، لهذا أجد أن متّى اقتبس فكرة قصته من العهد القديم وليس عن طريق الوحي أو بسوق من الروح المقدس.
ويغسل جميع شيوخ تلك المدينة القريبين من القتيل أيديهم على العِجلة المكسورة العنق في الوادي، ويصرخون ويقولون أيدينا لم تسفك هذا الدم وأعيننا لم تبصر. (تثنية 21: 6-7)
هذا النص يبين شريعة القتيل الذي لا يُعلم قاتله ويوجد بين مدينتين، فيخرج شيوخ المدينة الأقرب لهذا القتيل ويأخذون عجلة ويكسرون رقبتها ثم يغسلون أيديهم ويقولون انهم بريئون من دم القتيل، وهو عين ما كتبه متّى عن بيلاطس مع فارق وحيد وكبير وهو أن بيلاطس هو من أصدر حكم الصلب على الرغم من كل صراخ اليهود، فهم كانوا أعجز من إصدار حكم على دجاجة بعيداً عن رغبة بيلاطس، فغسل بيلاطس ليديه وتبرؤه من دم يسوع غير صحيح سواء في الواقع لأنه هو الذي أصدر الحكم، أو في اقتباسه من النص السابق لأن النص يتحدث عن قتيل لم يُعرف قاتله في حين أن يسوع معروف من أصدر عليه الحكم، لهذا فاقتباس متّى قصته من النص السابق يدل على أنه لم يتلقاه عن طريق الوحي وينطبق عليه قانون لا تقبل خبراً كاذباً.
وأما قوله أنه بريء من دم يسوع فهو مقتبس من قول لداوُد وهو كما يلي:
- فسمع داوُد بعد ذلك فقال إني بريء أنا ومملكتي لدى الرب الى الأبد من دم أبنير بن نير. (صموئيل الثاني 3: 28)
فكما نقرأ فإن داوُد تبرأ من دم أبنير وهو محق في قوله كما هو مكتوب في العهد القديم، في حين أن ما كتبه متّى على لسان بيلاطس قول خاطئ لأنه هو من أصدر الحكم وهذا كله بحسب ما هو مكتوب في الاناجيل.
29 - مصدر دعاء يسوع على بنات أورشليم بعد المحاكمة
بعد المحاكمة تتم عملية التخيير بين يسوع وباراباس فيختار اليهود باراباس، ومن ثم تتم عملية تسليم يسوع لليهود، في نصوص تختلف من إنجيل الى آخر كما بينت ذلك في كتاب يسوع بن يوسف النجار أسئلة حائرة وفي الطريق الى الصلب ينفرد لوقا بكتابة النص التالي:
- وتبعه جمهور كثير من الشعب والنساء اللواتي كنّ يلطمن أيضاً وينحن عليه،
فالتفت إليهن يسوع وقال يا بنات أُورشليم لا تبكين عليّ بل ابكين على أنفسكن وعلى أولادكن،
لأنه هو ذا أيام تأتي يقولون فيها طوبى للعواقر والبطون التي لم تلد والثديّ التي لم ترضع،
حينئذ يبتدئون يقولون للجبال اسقطي علينا وللآكام غطينا،
لأنه إن كانوا بالعود الرطب يفعلون هذا فماذا يكون باليابس. (لوقا 23: 27-31)
هذا النص يمثل معضلة في عقول الكثير من أتباع الكنائس الطيبين لأنه يتناقض مع ما تتحدث عنه الاناجيل والكنائس من أن دعوته هي للمحبة والمسامحة والمغفرة والسلام، وفي هذا النص يتوجه لبنات أُورشليم باللعنات والتهديدات مع أنهن لم يشاركن في محاكمته ولم يظهرن الفرح، بل هن خرجن يبيكين عليه وهذا بحسب ما كتب لوقا، والأغرب من هذا هو تفرد لوقا بكتابة النص الذي يقول ان يسوع قال يا أبتاه اغفر لهم فانهم لا يعلمون ماذا يفعلون! فمن أين اقتبس لوقا فكرته لهذا الدعاء والتهديد؟
- وتخرب شوامخ آون إسرائيل يطلع الشوك والحسك على مذابحهم ويقولون للجبال غطينا وللتلال اسقطي علينا. (هوشع 10: 8)
فكما نلاحظ وجود هذا التشابه بين النصين، لأن لوقا وهو يكتب عن عذابات وآلام يسوع، الأُقنوم الثاني من الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر! أدرك أنه من غير المناسب الحديث عنها دون توجيه بعض التهديد واللعنات لليهود، وخاصة أن العهد القديم مليء بالتهديد واللعن على من يتجاوز وصايا الرب وعلى من قام بقتل بعض الأنبياء، فرأى كتابة نص في هذا السياق وإن تراجع عنه بعد عدة أسطر فكتب عن طلب يسوع المغفرة لليهود لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق