الثلاثاء، 24 يوليو 2018

خاتمة كتاب مصادر الاناجيل

خاتمة الكتاب

بعد هذه الدراسة المفصلة والشاملة لمعظم نصوص وقصص وأقوال الأناجيل الأربعة، والعلاقة بينها وبين العهد القديم، سواء في الأُصول والأُسس، أو في النصوص التي اقتبست منه، والمعنى الحقيقي لكلمة إنجيل في العهد الجديد، وطريقة تبشير تلاميذ يسوع الأوائل، وطريقة كتابة الأناجيل والهدف من كتابتها، فإنه حان الوقت لتلخيص النتائج التي توصلنا إليها في هذا الكتاب.
النتيجة الأُولى وهي أنه لا يوجد أي علاقة أو ارتباط بين كتبة الأناجيل خصوصاً وباقي كتبة العهد الجديد عموماً بأُصول ومبادئ العهد القديم! لأن العهد القديم قائم على أهم أصل والذي تشهد له كل ذرة ومخلوق في هذا الكون، وهو وحدانية الرب خالق السموات والأرض، وعدم وجود آلهة حقيقية أُخرى معه أو دونه، في حين أن الأناجيل كتبت للتبشير بتعدد الآلهة المتمثلة بالثالوث أو الأب والابن والروح المقدس، وهكذا الأمر مع باقي الأُصول والمبادئ كما هو مبين في الكتاب.
النتيجة الثانية وهي أن المعنى الحقيقي لمصطلح أو كلمة إنجيل المستخدمة في العهد الجديد تعني طريقة تبشير التلاميذ والكتبة بيسوع من خلال نصوص العهد القديم مباشرة كما هو الحال في أعمال الرسل وباقي الرسائل، أو بصورة قصصية كما هو الحال في الأناجيل الأربعة، لإقناع اليهود خصوصاً والشعوب الأخرى عموماً أنه هو المسيح الذي تحدثت عنه نصوص العهد القديم، وليس المقصود بها الأناجيل الأربعة، وإلا ينبغي على الكنائس تفسير وتبرير لماذا لم تحتفظ بإنجيل بولس وإنجيل بطرس اللذان أشار إليهما بولس وبطرس في رسائلهما مع أنها احتفظت برسائلهما التي تحدثا فيها عن هذين الإنجيلين!
النتيجة الثالثة وهي أن الأناجيل الأربعة لم يتم كتابتها بأيّة طريقة من طرق الوحي أو بسوق من الروح المقدس، كما تقول الكنائس لأتباعها الطيبين، وإنما تمت كتابتها لأهداف معينة كما هو موضح في هذا الكتاب.
النتيجة الرابعة وهي أن كتبة أو مؤلفي الأناجيل الأربعة لم يكونوا شهود عيان لأحداث القصة، وكذلك لم يتلقوها أو يسمعوها من مصادر موثوق بها، كما تزعم الكنائس.
النتيجة الخامسة وهي أنه تمت كتابة الأناجيل الأربعة من خلال طريقة معينة، وهي اقتباس  النصوص والقصص من العهد القديم وإعادة صياغتها في إطار قصصي عن يسوع للقول أن الأناجيل الأربعة تعتبر تحقيق وتتميم لنبوءات العهد القديم، لإضفاء حالة من المصداقية والقدسية عليها، وللإيحاء أيضاً بأنها من نفس المصدر، بعيدا عن القصة الحقيقية للمسيح ابن مريم!
وهناك المزيد من الأدلة التي تثبت هذه النتائج، والتي لم يتم مناقشتها بالتفصيل في هذا الكتاب، ومنها ما يلي:
الدليل الأول وهو كتابة الأناجيل بعد صعود المسيح الى السماء بعشرات السنين، وهذه المدة الزمنية كانت ضرورية حتى يتم وضع نصوص العهد القديم في إطار قصصي، وهذا ما نلحظه في رسائل بولس، فعلى الرغم من اقتباسه لعشرات النصوص من العهد القديم إلا أنه لم يتحدث عن يسوع إلا أنه صُلب ومات وقام من الأموات، وكتب قولاً أو قولين ليسوع يشبه ما هو مكتوب في الأناجيل الأربعة، وذكر بضعة قصص، بعضها تشبه ما هو مكتوب فيها والبعض الآخر تناقض معها، كما سبق بيانه! ولكن من جاء بعده وهم كتبة الأناجيل الأربعة واثنان منهما من تلاميذه، وهما مرقس ولوقا، أخذوا وقتهم في البحث في نصوص العهد القديم، واستخرج كل واحد منهم قصة بحسب فهمه للنصوص وهو ما أدى الى نشوء عشرات التناقضات بينهم كما قرأنا سابقاً.
الدليل الثاني وهو عدم الجزم بشخصية كاتبيها كما هو الحال مع إنجيل يوحنا، الذي يشكك كثير من الباحثين في حقيقة كتابة يوحنا لإنجيله.
الدليل الثالث وهو عدم وجود أي نسخ أصلية للأناجيل، فأقدم النسخ الكاملة المتوفرة تعود للقرن الرابع بعد الميلاد، كالنسخة الفاتيكانية والنسخة السينائية.
الدليل الرابع وهو الجدل الذي قام عبر الزمن وما يزال بين رجال الكنائس والعلماء والباحثين حول قانونية بعض النصوص والفقرات والرسائل.
الدليل الخامس وهو اضطرار الكنائس لعقد المجامع الكنسية وسنّ القوانين لتثبيت قانونيتها وحمايتها من التشكيك.
الدليل السادس وهو كما قرأنا سابقاً أن من صرّح أن عنده إنجيل تلقاه عن طريق الروح المقدس وبإعلان من يسوع مباشرة، (غلاطية 1: 11-12)، وهو بولس، والذي وصفه بإنجيل الغرلة قد فُقد ولم تحتفظ به الكنائس، وهو الذي يقول إن الإله إئتمنه على إنجيله! وكذلك بطرس الذي وصفه يسوع أنه راعي غنمه، فإنجيله الذي تحدث عنه بولس وهو إنجيل الختان قد فُقد وضاع، وهذان الانجيلان أي إنجيل بولس وانجيل بطرس هما ما كان يكرز ويُبشر بهما التلاميذ الأوائل!
الدليل السابع وهو أن جميع الأناجيل التي تقول الكنائس عنها أنها غير قانونية تتحدث عن يسوع باعتبار أنه المسيح وأنه إله وابن إله، وأنه صُلب ومات ودفن وقام من بين الأموات، مما يدل على أن مؤلفي تلك الأجيل كانوا يؤمنون بيسوع كإيمان الكنائس بطريقة أو بأخرى، وأنهم كتبوا أناجيلهم على أساس فهمهم وتفسيرهم لنصوص العهد القديم كما فعل كتبة الأناجيل الأربعة، كما هو ملاحظ في المخطوطات المكتشفة لأناجيلهم، ولكنهم لم يستطيعوا تأليف قصة متكاملة ومترابطة كما فعل كتبة الأناجيل الأربعة، بصرف النظر الآن عن كل التناقضات والأخطاء التي وردت في الأناجيل الأربعة كما هو معلوم، وكما قرأنا في هذا الكتاب، فعلى سبيل المثال إنجيل توما الذي يحتوي على 114 فقرة مكتوبة على لسان يسوع وهي في مجملها مقتبسة من العهد القديم ومتوافقة مع الأناجيل الأربعة! إلا أنه لم يستطع كتابة قصة متكاملة بل هو أقرب الى خطوط عريضة أو عناوين منه الى قصة.
ولهذا رفضته الكنائس ورفضت باقي الأناجيل التي قالت عنها أنها غير قانونية وذلك لتوحيد قلوب وعقول أتباعها على الأناجيل الأربعة فقط، على الرغم من الأخطاء والتناقضات والتباينات التي وردت فيها.
وهذا كله يؤكد ان الأناجيل لم تُكتب عن طريق الوحي ولا بِسَوْق من الروح المقدس ولا عن طريق المشاهدة ولا عن طريق سماع صادق أو علم صحيح، بل كتبت من خلال اقتباس الكتبة لنصوص وأقوال وقصص العهد القديم وإعادة صياغتها في إطار قصصي للحديث عن حياة المسيح ابن مريم وفقاً لما تعتقده الكنائس من تعدد الآلهة، وهنا أعود للتذكير أننا بحاجة الى معلومات أكثر مما هو متوفر الآن عن الطوائف التي ظهرت في التاريخ كالأريوسيين وغيرهم لمعرفة حقيقة ما كانوا يؤمنون به عن المسيح ابن مريم، أو معرفة هذه الحقيقة عن طريق وحي من السماء يبين حقيقة المسيح ابن مريم كما هو في الحقيقة، وهذا ما بينه القرآن الكريم وهو آخر وحي نزل من خالق السموات والارض، وهذا ما سأُبينه في دراسة خاصة في القريب العاجل.
واختم هذه الدراسة بنصين من العهد القديم لعلهما يكونان باعثاً للكثير من الناس الطيبين للعودة الى عبادة الرب خالق السموات والأرض وحده.
من هو حكيم حتى يفهم هذه الامور وفهيم حتى يعرفها، فإن طرق الرب مستقيمة، والأبرار يسلكون فيها، وأما المنافقون فيعثرون فيها. (هوشع 14: 9)
لا تقبل خبراً كاذباً، ولا تضع يدك مع المنافق لتكون شاهد ظلم، لا تتبع الكثيرين الى فعل الشر، ولا تجب في دعوى مائلاً وراء الكثيرين للتحريف. (خروج 23: 1-2)

نادر عيسى

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق