السبت، 28 يوليو 2018

أُصول التوراة: الأصل الرابع الوحي والأصل الخامس النبوءة والأصل السادس النبي

الفصل الأولالأُصول والأُسس التي قام عليها العهد القديم وعلاقة كتبة الأناجيل بها

إن اعتماد كتبة الأناجيل والكنائس المختلفة على العهد القديم، واعتبار أنها امتداد له سواء بالاستشهاد بنصوصه أو بتاريخه، يستوجب علينا وقفة للمقارنة بين الاصول والأُسس التي قام عليها العهد القديم والأصول والأُسس التي قامت عليها الأناجيل لنرى صحة هذا الاعتماد وهذا الامتداد، لندرك حقيقة المصادر الذي اعتمد عليها كتبة الأناجيل، كما يستوجب علينا إظهار حقيقة العلاقة بين العهد القديم وكتبة الأناجيل وموقفهم من شرائعه وأحكامه بشكل عام.
لهذا سأقوم في الصفحات التالية باستعراض أهم الاصول والأسس التي قام عليها العهد القديم ومقارنتها بالأصول والأسس التي قامت عليها الأناجيل وتدعو لها، لنرى إن كانت تتوافق فيما بينها أم تختلف، لنفصل القول إن كانت مصادرهما واحدة أم مختلفة، وبالتالي علينا البحث عن المصدر الذي اعتمد عليه كتبة الأناجيل عند كتابتهم لها.
الأصل أو الأساس الرابع الوحي
الوحي من الأُصول والأُسس المهمة التي قام عليها العهد القديم، وهو يُطلق على ما يتلقاه النبي من الرب عن طريق روح الرب أو ملاك أو في رؤى الليل وهو قريب من النبوءة، ولكنه أعمّ منها وهو عادة لا يحتوي على شرائع، لأن شرائع العهد القديم مقتصرة على الشريعة التي تلقاها موسى.
- ثمّ نطق بِمَثله وقال وحي بلعام بن بعور وحي الرجل المفتوح العينين،
وحي الذي يسمع أقوال الإله ويعرف معرفة العليّ،
الذي يرى رؤيا القدير ساقطاً وهو مكشوف العينين،
أراه ولكن ليس الآن،
أُبصره ولكن ليس قريباً،
يبرز كوكب من يعقوب ويقوم قضيب من إسرائيل فيُحطم طرفي موآب ويُهلك كل بني الوغى،
ويكون أدوم ميراثاً ويكون سعير أعداؤه ميراثاً، ويصنع إسرائيل ببأس،
ويتسلط الذي من يعقوب ويهلك الشارد من مدينة. (عدد 24: 15-19)
هذا النص جزء من قصة بلعام بن بعور الذي كان يعيش زمن موسى، فحاول ملك موآب معه أن يلعن بني إسرائيل إلا أن الرب أرسل له ملاكاً ومنعه من ذلك وأمره أن يقول هذه الكلمات وسماها وحياً وهي كما نقرأ كأنها نبوءة إلا أنها تتسم بالعموميات وليس فيها تحديداً زمنياً كما هو حال النبوءات التي سنتحدث عنها لاحقاً.
- فهذه كلمات داوُد الاخيرة،
وحي داوُد بن يسّى ووحي الرجل القائم في العلا مسيح إله يعقوب ومُرنم إسرائيل الحلو،
روح الرب تكلم بي وكلِمَتُه على لساني،
قال إله إسرائيل إليّ، تكلمَ صخرة إسرائيل، إذا تسلط على الناس بارٌّ يتسلط بخوف الإله،
وكنور الصباح إذا أشرقت الشمس، كعشب من الأرض في صباح صحوٍ مضيء غِبّ المطر،
أليس هكذا بيتي عند الإله لأنه وضع لي عهداً أبدياً مُتقناً في كل شيء ومحفوظاً، أفلا يُثبت كل خلاصي وكل مسرّتي. (صموئيل الثاني 23: 1-5)
في هذا النص نقرأ ان روح الرب تكلم بداوُد، وكلمة الرب على لسانه، وهو ما عبر عنه بالوحي، ثم يبدأ داوُد بالحديث عن بيته ووعد الرب الأبدي له، وهو هنا يتحدث بشكل عام وهذا يختلف عن النبوءة كما قلت سابقاً.
ثم بعد هذا نجد أن كلمة الوحي تكثر في أسفار الأنبياء، كما في النصوص التالية:
وحي من جهة بابل رآه إشعياء بن آموص. (إشعياء 13: 1)
وحي من جهة موآب إنه في ليلة خربت عارُ موآب وهلكت إنه في ليلة خربت قير موآب وهلكت. (إشعياء 15: 1)
وحي من جهة دمشق، هوذا دمشق تزال من بين المدن وتكون رُجمة رَدم. (إشعياء 17: 1)
وحي كلام الرب على إسرائيل،
يقول الرب باسط السموات ومؤسس الأرض وجابل روح الإنسان في داخله،
هاأنذا أجعل أُورشليم كأس ترنح لجميع الشعوب حولها، وأيضاً على يهوذا تكون في حصار أُورشليم. (زكريا 12: 1-2)
وحي كلمة الرب لإسرائيل عن يد ملاخي. (ملاخي 1: 1)
وحي على نينوى رؤيا ناحوم الألقوشي. (ناحوم 1: 1)
الوحي الذي رآه حبقوق النبي. (حبقوق 1: 1)
هذه النصوص وغيرها الكثير تذكر الوحي، وهي تتحدث عن بعض الشعوب وبعض المناطق، ويمكن اعتبارها نبوءات ولكنها تختلف عنها بأنها لا تتحدث بشكل محدد وإنما بشكل عام.
من خلال هذا الاستعراض لطبيعة الوحي في العهد القديم وبمقارنته مع الأناجيل خاصة والعهد الجديد عامة نجد شيئاً لافتاً وهو أنه لا يوجد أي إشارة فيها لكلمة الوحي ولا لأي صفة له! وكل ما جاء من أوصاف للأناجيل وباقي الرسائل من أنها وحي وكلمة الإله إنما جاء بعد ذلك بعدة قرون في المجامع الكنسية، وهنا أود التذكير بنص يبين الفرق بين وحي الرب وما يُطلق عليه بعض الناس أنه وحي مع أنه ليس وحياً من الرب وهو كما يلي:
- وإذا سألك هذا الشعب أو نبيّ أو كاهن قائلاً ما وحي الربّ،
فقل أيّ وحيّ،
إني أرفضكم هو قول الربّ،
فالنبي أو الكاهن أو الشعب الذي يقول وحي الربّ أُعاقب ذلك الرجل وبيته،
هكذا تقولون الرجل لصاحبه والرجل لأخيه بماذا أجاب الرب وماذا تكلم به الرب،
أما وحي الرب فلا تذكروه بعد،
لأن كلمة كل إنسان تكون وحيه،
إذ قد حرّفتم كلام الإله الحي رب الجنود إلهنا،
هكذا تقول للنبي بماذا أجابك الرب وماذا تكلم به الرب،
وإذا كنتم تقولون وحي الرب، فلذلك هكذا قال الرب من أجل قولكم هذه الكلمة وحي الرب وقد أرسلت إليكم قائلاً لا تقولوا وحي الرب،
لذلك هاأنذا أنساكم نسياناً وأرفضكم من أمام وجهي أنتم والمدينة التي أعطيتكم وآباءكم إيّاها،
وأجعل عليكم عاراً أبديّاً وخزياً أبدياً لا يُنسى. (إرميا 23: 32-40)
في هذا النص نقرأ أن بعض الناس يقولون عن كلامهم أو كلام غيرهم أنه وحي من الرب، وأما وحي الرب فلا يذكروه لأنهم قاموا بتحريف كلام الرب!
فهل ما كتب في الأناجيل من نصوص العهد القديم وحياً تلقاه كتبتها أم هو تحريف لكلمة الرب الحي رب الجنود إله إسرائيل؟ هذا ما سنعرفه في الفصول القادمة!
الأصل أو الأساس الخامس النبوءة
النبوءة من الأُصول التي قام عليها العهد القديم وهي تطلق على ما يقوله الرب للأنبياء، إما مباشرة أو عن طريق الروح أو الرؤى، عن بعض الاحداث التي ستقع في المستقبل، وهي بهذا المعنى جزء من الوحي ولكنها تتميز عنه أنها تختص بواقعة معينة وزمن محدد.
فتّشوا في سِفرِ الرب واقرأوا واحدة من هذه لا تفقد،
لا يغادر شيء صاحبه، لأن فمه هو قد أمر، وروحه هو جمعها،
وهو قد ألقى لها قرعة ويده قسمتها لها بالخيط،
الى الأبد ترثها، الى دور فدور تسكن فيها. (إشعياء 34: 16-17)
في هذا النص نقرأ أن أي نبوءة من الرب على لسان أنبيائه لا تُفقد ولا تتخلف عن موعدها لأنه هو من أخبر بها، ولأن الرب هو خالق السموات والأرض فإن كل ما يقوله للأنبياء يتحقق كما قال لأنه لا يستحيل عليه شيء كما في النص التالي:
هل يستحيل على الرب شيء. (تكوين 18: 14)
والعهد القديم مليء بالنبوءات التي وقعت كما قال الرب وفي الزمن المحدد لها، وهي تمتد من زمن نوح الى زمن زكريا ونحميا بعد سبي بابل، وفيما يلي استعراض لبعض تلك النبوءات.
- لأني بعد سبعة أيام أيضاً أُمطر على الأرض أربعين يوماً وأربعين ي أمحو عن وجه الأرض كل قائم عملته. (تكوين 7: 4)
- وحدث بعد السبعة الأيام أن مياه الطوفان صارت على الأرض. (تكوين 7: 10)
في النص الأول يقول الرب لنوح إنه سيمطر على الأرض ماء بعد سبعة أيام، وفي النص الثاني حدث ما قاله الرب بعد سبعة أيام.
- ولكن عهدي أُقيمه مع إسحاق الذي تلده لك سارة في هذا الوقت في السنة الآتية. (تكوين 17: 21)
- فقال إني أرجع إليك نحو زمان الحياة ويكون لسارة امرأتك ابنٌ، وكانت سارة سامعة في باب الخيمة وهو وراءها. (تكوين 18: 10)
- وافتقد الرب سارة كما قال، وفعلَ الرب لسارة كما تكلم،
فحبلت سارة وولدت لإبراهيم ابناً في شيخوخته، في الوقت الذي تكلم الإله عنه. (تكوين 21: 1-2)
في هذين النصين نقرأ نبوءة ملاك الرب لسارة عن حبلها بإسحاق وكيف أنه حدث في الوقت المحدد له.
- وسمع الرب صوت كلامكم فسخط أقسم قائلاً،
لن يرى إنسان من هؤلاء الناس من هذا الجيل الشرير الأرض الجيدة التي أقسمت أن أُعطيها لآبائكم،
ما عدا كالب بن يفنة، هو يراها وله أُعطي الأرض التي وطئها ولبنيه لأنه تبع الرب تماماً. (تثنية 1: 34-36)
- يشوع بن نون الواقف أمامك هو يدخل الى هناك، شدّده لأنه هو يقسمها لإسرائيل،
وأما أطفالكم الذين قلتم يكونون غنيمة وبنوكم الذين لم يعرفوا اليوم الخير والشر فهم يدخلون الى هناك ولهم أُعطيها وهم يملكونها. (تثنية 1: 38-39)
في هذه الفقرات نقرأ أن الرب قال انه لن يدخل الى الأرض المقدسة أحد من بني إسرائيل الذين كانوا مع موسى باستثناء كالب ويشوع والأطفال، وحدد المدة الزمنية بأنها بعد أربعين سنة، وهو ما حدث كما قال الرب.
- ومنذ يوم أقمتُ فيه قضاة على شعبي إسرائيل وقد أرحتك من جميع أعدائك،
والرب يُخبرك أن الرب يصنع لك بيتاً،
متى كملت أيامك واضطجعت مع آبائك،
أُقيم بعدك نسلك الذي يَخرجُ من أحشائك وأُثبّت مملكته،
هو يبني بيتاً لاسمي وأنا أُثبّت كرسي مملكته الى الأبد،
أنا أكون له أباً، وهو يكون لي ابناً،
إن تعوج أُؤدبه بقضيب الناس وبضربات بني آدم،
ولكن رحمتي لا تنزع منه كما نزعتها من شاول الذي أزلته من أمامك،
ويأمن بيتك ومملكتك الى الأبد أمامك،
كرسيك يكون ثابتاً الى الأبد،
فحسب جميع هذا الكلام وحسب كل هذه الرؤيا كذلك كلم ناثان داوُد. (صموئيل الثاني 7: 11-17)
في هذا النص نقرأ نبوءة عن قيام سليمان ببناء البيت بعد موت داوُد وهو ما حدث كما قال الرب.
- وأنتِ فقومي وانطلقي الى بيتكِ وعند دخول رجليك المدينة يموت الولد،
ويندبه جميع إسرائيل ويدفنونه لأن هذا وحده من يربعام يدخل القبر لأنه وُجدَ فيه أمر صالح نحو الربّ إله إسرائيل في بيت يربعام،
ويُقيم الرب لنفسه مَلِكاً على إسرائيل يقرِضُ بيت يربعام هذا اليوم وماذا الآن أيضاً،
ويضرب الرب إسرائيل كاهتزاز القصب في الماء ويستأصل إسرائيل عن هذه الأرض الصالحة التي أعطاها لآبائهم ويُبدّدهم الى عبر النهر لأنهم عملوا سواريهم وأغاظوا الرب،
ويدفع إسرائيل من أجل خطايا يربعام الذي أخطأ وجعل إسرائيل يُخطئ،
فقامت امرأة يربعام وذهبت وجاءت الى ترصة، ولما وصلت الى عتبة الباب مات الغلام،
فدفنه وندبه جميع إسرائيل حسب كلام الرب الذي تكلم به عن يد عبده أخيّا النبي. (الملوك الاول 14: 12-18)
في هذا النص نقرأ أن نبوءة كلام الرب على لسان آخيا النبي قد تحققت كما قال.
ولم يسمع الملك للشعب لأن السبب كان من قِبَل الرب ليُقيم كلامه الذي تكلم به الرب عن يد أخيّا الشيلوني الى يربعام بن نباط. (الملوك الاول 12: 15)
في هذا النص نقرأ ان الرب يفعل ما يقوله على لسان أنبيائه.
- وإذا برجل الإله قد أتى من يهوذا بكلام الرب الى بيت إيل ويربعام واقف لدى المذبح لكي يُوقد،
فنادى نحو المذبح بكلام الرب وقال يا مذبح يا مذبح هكذا قال الرب هوذا سيُولد لبيت داوُد ابن اسمه يوشيّا ويذبح عليك كهنة المرتفعات الذين يُوقدون عليك وتحرق عليك عظام الناس،
وأعطى في ذلك اليوم علامة قائلاً هذه هي العلامة التي تكلم بها الرب،
هوذا المذبح ينشق ويُذرَى الرماد الذي عليه،
فلما سمع الملك كلام رجل الإله الذي نادى نحو المذبح في بيت إيل مدّ يربعام يده عن المذبح قائلاً امسكوه، فيبست يده التي مدّها نحوه ولم يستطع أن يردّها إليه،
وانشق المذبح وذرّي الرّماد من على المذبح حسب العلامة التي أعطاها رجل الإله بكلام الرب،
فأجاب الملك وقال لرجل الإله تضرّع الى وجه الربّ إلهك وصَلّ من أجلي فترجع يدي إليّ،
فتضرع رجل الإله إلى وجه الرب فرجعت يد الملك إليه وكانت كما في الأول. (الملوك الاول 13: 1-6)
في هذا النص نقرأ نبوءة عن ولادة يوشيا وذبحه كهنة المرتفعات، وأعطاهم علامة على ذلك وهي انشقاق المذبح وذرّ الرماد الذي عليه، وهو ما حدث فيما بعد كما هو مكتوب في العهد القديم.
- فقال ملاك الرب لإيليا التشبي قم اصعد للقاء رُسُل ملك السامرة وقل لهم أليس لأنه لا يوجد في إسرائيل إله تذهبون لتسألوا بعل زبوب إله عقرون،
فلذلك هكذا قال الرب إن السرير الذي صعدت عليه لا تنزل عنه بل موتاً تموت. (الملوك الثاني 1: 3-4)
- فمات حسب كلام الرب الذي تكلم به إيليا ومَلكَ يهورام عِوَضاً عنه في السنة الثانية ليهورام بن يهوشافاط ملِك يهوذا لأنه لم يكن له ابن. (الملوك الثاني 1: 17)
في هذين النصين نقرأ نبوءة إيليا عن ملك السامرة، وأنه سوف يموت على السرير الذي صعد عليه ولن ينزل عنه، وهو ما حدث كما قال الرب على لسان إيليا.
- وقال أليشع اسمعوا كلام الرب هكذا قال الرب في مثل هذا الوقت غداً تكون كيلة الدقيق بشاقل وكيلتا الشعير بشاقل في السامرة،
وإن جندياً للملك كان يستند على يده أجاب رجل الإله وقال هوذا الرب يصنع كوّى في السماء، هل يكون هذا الأمر،
فقال إنك ترى بعينيك ولكن لا تأكل منه. (الملوك الثاني 7: 1-2)
- فخرج الشعب ونهبوا محلة الأراميين فكانت كيلة الدقيق بشاقل وكيلتا الشعير بشاقل حسب كلام الرب. (الملوك الثاني 7: 16)
- وأقام الملك على الباب الجندي الذي كان يستند على يده فداسه الشعب في الباب فمات كما قال رجل الإله الذي تكلم عند نزول الملك إليه. (الملوك الثاني 7: 17)
هذه الفقرات جزء من قصة محاصرة ملك أرام للسامرة، وفيها كما نقرأ نبوءة أليشع عن انتهاء الحصار والجوع الذي كان مضروباً في ذلك الوقت، وقد تحققت كما قال أليشع.
- ولما مضوا ليدفنوها لم يجدوا منها إلا الجمجمة والرجلين وكفي اليدين، فرجعوا واخبروه،
فقال إنه كلام الرب الذي تكلم به عن يد عبده إيليا التشبي قائلاُ في حقل يزرعيل تأكل الكلاب لحم ايزابل، وتكون جثة ايزابل كدمنة على وجه الحقل في قسم يزرعيل حتى لا يقولوا هذه ايزابل. (الملوك الثاني 9: 35-37)
في هذا النص نقرأ أن نبوءة إيليا عن نهاية إيزابل قد تحققت كما قال، وهو ما عبر عنه في النص التالي:
- فاعلموا الآن أنه لا يسقط من كلام الرب الى الأرض الذي تكلم به على بيت أخآب، وقد فعل الرب ما تكلم به عن يد عبده إيليا. (الملوك الثاني 10: 10)
فكلام الرب خالق السموات والأرض يتحقق كله ولا يسقط منه شيء وفي الوقت المحدد، وهذا الأمر لم يؤمن به بنو إسرائيل في كثير من الأحيان، فكانوا يقولون ان هذه النبوءات لا تتحقق في وقتها ولكن الرب يُبين لهم أن كل ما يقوله فانه يحدث في الوقت المحدد له كما في النص التالي:
- وكان إليّ كلام الرب قائلاً،
يا ابن آدم هو ذا بيت إسرائيل قائلون الرؤيا التي هو رائيها هي الى أيام كثيرة وهو متنبئ لأزمنة بعيدة،
لذلك قل لهم هكذا قال السيد الرب لا يطول بَعْدُ شيء من كلامي،
الكلمة التي تكلمت بها تكون يقول السيد الرب. (حزقيال 12: 26-28)
بعد هذا الشرح لمعنى النبوءة، واستعراض بعض نبوءات العهد القديم، نجد ان الفرق واضح بينها وبين ما هو مكتوب في الأناجيل الاربعة، فالأناجيل تقول ان كلام يسوع لا يزول كما في النصوص التالية:
- السماء والأرض تزولان ولكن كلامي لا يزول. (متّى 24: 35)
- السماء والأرض تزولان ولكن كلامي لا يزول. (مرقس 13: 31)
- السماء والأرض تزولان ولكن كلامي لا يزول. (لوقا 21: 33)
هذه النصوص تفتخر بها الكنائس وتعتبرها من النصوص المهمة في الأناجيل، وتستدل على صحة هذه الأقوال بالقول ان يسوع تنبأ بتدمير الهيكل، وتقول ان هذا حدث سنة سبعين بعد الميلاد! وهنا لن أتحدث عن نبوءات يسوع التي قالها ولم تتحقق، فقد بينتها في كتاب يسوع بن يوسف النجار أسئلة حائرة، ولكن سأكتفي بذكر النبوءات التي قال يسوع في سياقها هذه الأقوال لنرى إن كانت قد تحققت كما قال أم لا.
الحق أقول لكم لا يمضي هذا الجيل حتى يكون هذا كله،
السماء والأرض تزولان ولكن كلامي لا يزول،
وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد ولا ملائكة السموات إلا أبي وحده. (متّى 24: 34-36)
الحق أقول لكم لا يمضي هذا الجيل حتى يكون هذا كله،
السماء والأرض تزولان ولكن كلامي لا يزول،
وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد ولا الملائكة الذين في السماء ولا الابن إلا الأب. (مرقس 13: 30-32)
الحق أقول لكم انه لا يمضي هذا الجيل حتى يكون الكل،
السماء والأرض تزولان ولكن كلامي لا يزول. (لوقا 21: 32-33)
في هذه النصوص التي قال فيها كتبة الاناجيل ان كلام يسوع لا يزول نجد أنه كان يتحدث عن علامات آخر الزمان وأنها ستحدث قبل مضي ذلك الجيل وهذا الأمر لم يحدث، فقد مضى ذلك الجيل ومضت بعده عشرات الأجيال ولم يتحقق شيء مما قاله كتبة الاناجيل على لسان يسوع عن علامات آخر الزمان، مما يعني أن ما قالته الأناجيل على لسانه عن علامات آخر الزمان قد زال، وأن السماء والأرض باقيتان ولم تزولا، فعدم تحقق نبوءات يسوع المكتوبة في الأناجيل يدل بكل وضوح على الفرق بينه وبين الرب خالق السموات والأرض الذي يحقق كل ما يقوله على لسان أنبيائه، كما ويدل أيضاً على اختلاف مصادر العهد القديم ومصادر الأناجيل.
الأصل أو الأساس السادس النبي
النبي من أهم الأُصول والأُسس التي قام عليها العهد القديم، وهو يمثل الواسطة بين الرب الواحد العظيم خالق السموات والأرض الذي لا يستطيع أن يراه أحد من المخلوقات، وبين الناس في نقل أوامره وشرائعه، والدعوة الى عبادته وحده.
والنبي في العهد القديم هو الإنسان البارّ المؤمن الذي يتلقى كلمة الرب، سواء مباشرة كموسى أو عن طريق الروح أو عن طريق ملاك أو عن طريق الرؤى في المنام كما هو حال باقي أنبياء بني اسرائيل، والجامع المشترك بين جميع الأنبياء في العهد القديم هو توحيدهم للرب ودعوتهم لعبادته وحده وعدم عبادة أي شيء دونه سواء بشر أو ملائكة أو تماثيل من حجر أو معدن، وكذلك الالتزام بالعمل بوصاياه وشرائعه.
ونظراً لأهمية دور النبي في حياة البشر نجد أن العهد القديم يحذر من صنف من البشر أطلق عليهم الأنبياء الكذبة، والنبي الكاذب هو الإنسان الذي يَدّعي أنه يتلقى الوحي سواء برؤيا المنام أو عن طريق استحضار أرواح خفية أو بالعرافة، أو عن طريق تحريف نصوص الوحي والقول انها وحي خاص به، وهذا الصنف يُطلق عليه أنبياء من الناحية اللغوية والمجازية فقط وليس من الناحية الحقيقية، والفرق بين النبي الصادق والكاذب يمكن ملاحظته في ثلاث مجالات.
المجال الأول وهو التزام النبي الصادق بتوحيد الرب وعبادته والعمل بتعاليمه ووصاياه والدعوة لعبادته وحده، وأما النبي الكاذب فهو لا يعبد الرب وحده ولا يلتزم بتعاليمه ووصاياه ويدعو لعبادة آلهة أُخرى من دون الرب أو مع الرب.
والمجال الثاني وهو تلقي النبي الصادق لكلام الرب عن طريق الروح أو الوحي، في حين أن ما يتلقاه النبي الكاذب إما أن يكون من وحي خياله أو من تأويله لكلمات الرب والقول انها وحي له، كما في النصين التاليين:
- قد سمعت ما قالته الأنبياء الذين تنبأوا باسمي بالكذب، قائلين حلمت حلمت،
حتى متى يُوجد في قلب الأنبياء المتنبئين بالكذب بل هم أنبياء خداع قلبهم،
الذين يُفكرون أن يُنسوا شعبي اسمي بأحلامهم التي يقصونها على صاحبه كما نسي آباؤهم اسمي لأجل البعل. (إرميا 23: 25-27)
وأنبياءها قد طينوا لهم بالطُّفال رائين باطلاً وعارفين لهم كذباً،
قائلين هكذا قال السيد الرب، والرب لم يتكلم. (حزقيال 22: 28)
والمجال الثالث وهو صدق ما يقوله النبي الصادق من نبوءات وتحققها، وكذب ما يقوله النبي الكاذب من نبوءات وعدم تحققها، وكنت قد تحدثت عن بعض هذه الأُمور فيما سبق وسأستكمل الحديث عما لم أتحدث عنه من خلال نصوص العهد القديم.
- هذه مواليد نوح، كان نوح رجلاً بارّاً كاملاً في أجياله، وسار نوح مع الإله. (تكوين 6: 9)
- وكلم الإله نوحاً وبنيه معه قائلاً،
وها أنا مُقيم ميثاقي معكم ومع نسلكم من بعدكم. (تكوين 9: 8-9)
في هذين النصين نقرأ ان نوح كان رجلاً بارّاً، وأنه كان يسير بحسب أوامر الرب، مما جعله مؤهلاً لتلقي ميثاق الرب.
- بعد هذه الأُمور صار كلام الرب الى أبرام في الرؤيا قائلاً لا تخف يا أبرام. (تكوين 15: 1)
- وقال له هكذا يكون نسلك، فآمن بالرب فحَسِبَه له برّاً. (تكوين 15: 6)
- ونادى ملاك الرب إبراهيم ثانية من السماء،
وقال بذاتي أقسمت يقول الرب، أني من أجل أنك فعلت هذا الأمر ولم تمسك ابنك وحيدك،
أُباركك مباركة وأُكثر نسلك تكثيراً كنجوم السماء وكالرمل الذي على شاطئ البحر ويَرِثُ نسلك باب أعدائه. (تكوين 22: 15-17)
في هذه النصوص نقرأ أن إبراهيم كان مؤمناً بالرب وملتزماً بوصاياه وأوامره، كما نقرأ ان الرب كلمه من خلال الرؤى وعن طريق الملاك.
- فظهر له الرب في تلك الليلة وقال أنا إله إبراهيم أبيك لا تخف لأني معك، وأُباركك وأُكثر نسلك من أجل إبراهيم عبدي،
فبنى هناك مذبحاً ودعا باسم الرب، ونصب هناك خيمته وحفر هناك عبيد اسحاق بئراً. (تكوين 26: 24-25)
في هذا النص نقرأ أن الرب ظهر لإسحاق في رؤى الليل وجدّد العهد معه وباركه، كما نقرأ ان إسحاق قام ببناء مذبحاً لعبادة الرب وتقديم القرابين.
- ثم قال الإله ليعقوب قم اصعد الى بيت إيل وأقم هناك واصنع هناك مذبحاً للإله الذي ظهر لك حين هربت من وجه عيسو أخيك. (تكوين 35: 1)
في هذا النص حديث عن كلام الرب مع يعقوب في منام الليل وأمره له ببناء مذبحاً لعبادة الرب وتقديم القرابين.
- وأما موسى فكان يرعى غنم يثرون حَمِيه كاهن مديان فساق الغنم الى وراء البرّيّة وجاء الى جبل الإله حوريب،
وظهر له ملاك الرب بلهيب نار من وسط عليقة، فنظر وإذا العليقة تتوقد بالنار والعليقة لم تكن تحترق،
فقال موسى أميل الآن لأنظر هذا المنظر العظيم، لماذا لا تحترق العليقة،
فلما رأى الرب أنه مال لينظر ناداه الإله من وسط العليقة وقال موسى موسى، فقال هاأنذا،
فقال لا تقترب إلى ههنا، اخلع حذاءك من رجليك لأن الموضع الذي أنت واقف عليه أرض مقدسة. (خروج 3: 1-5)
هذا النص يتحدث عن أول مرة تكلم الرب فيها مع موسى، وهي كما نقرأ كانت عن طريق ملاك الرب، ومن ثم يتكرر كلام الرب مع موسى بعدة طرق، منها السماع المباشر لكلمات الرب كما حدث عندما تلقى موسى الشريعة في سيناء.
وفي الأسفار الخمسة الأُولى التي يطلق عليها التوراة عشرات النصوص التي تدعو لعبادة الرب وحده والتحذير من عبادة غير الرب، كما نقرأ فيها شرائع الرب ووصاياه التي يجب على بني إسرائيل الالتزام بها، وكذلك نقرأ عشرات النصوص التي تدل على التزام موسى بعبادة الرب وحده وعمله بالوصايا والشرائع.
وبعد موسى ودخول بني إسرائيل الى الأرض المقدسة واحتكاكهم بالشعوب الوثنية التي كانت تعيش هناك بدأ يظهر فيهم الكفر وعدم طاعة وصايا الرب وشرائعه، كما ظهر في هذه الفترة الأنبياء الكذبة الذين سبق وحذر منهم الرب في الشريعة التي أنزلها على موسى، كما في النص التالي:
- يُقيم لك الرب إلهك نبياً من وسط إخوتك مثلي،
له تسمعون،
حسب كل ما طلبتَ من الرب إلهك في حوريب، يوم الاجتماع قائلاً لا أعود أسمع صوت الرب إلهي ولا أرى هذه النار العظيمة أيضاً لئلا أموت، قال لي الرب قد أحسنوا فيما تكلموا،
أُقيم لهم نبياً من وسط إخوتهم مثلك،
وأجعل كلامي في فمه،
فيُكلمهم بكل ما أُوصيه به،
ويكون أن الإنسان الذي لا يسمع لكلامي الذي يتكلم به باسمي أنا أُطالبه،
وأما النبي الذي يُطغي فيتكلم باسمي كلاماً لم أُوصه أن يتكلم به،
أو الذي يتكلم باسم آلهة أُخرى فيموت ذلك النبي،
وإن قلتَ في قلبك كيف نعرف الكلام الذي لم يتكلم به الرب،
فما تكلم به النبي باسم الرب ولم يحدث ولم يصر فهو الكلام الذي لم يتكلم به الرب،
بل بطغيان تكلم به النبي فلا تخف منه. (تثنية 18: 15-22)
في هذا النص يُبين الرب صفة الأنبياء الصادقين، وأنهم هم من يبلغون وصايا الرب كما قالها لهم، ويُحذر من الأنبياء الكذبة ويُبين صفاتهم، فيقول ان من صفات هؤلاء أنهم يتكلمون بكلام لم يُوصهم الرب به، وأنهم يدعون الى عبادة آلهة أُخرى مع الرب، وحتى لا يقوم أحد بإضلال البشر من خلال دعوته يطلب الرب من الناس أن يحكموا على كل من يدّعي النبوة من خلال أقواله ونبوءاته، فالنبي الذي تتحقق نبوءاته يكون مرسلاً من الرب، والنبي الذي يدعو الى عبادة آلهة مع الرب ولم تتحقق نبوءاته فهو كاذب فيما يدعيه وأن الرب لم يكلمه، بل هو يتكلم بطغيان وكفر لهذا يجب عدم الخوف منه ومن السلطان الذي معه، ويزيد الرب توضيح أمر هؤلاء الأنبياء الكذبة في النص التالي:
- إذا قام في وسطك نبيّ أو حالم حلماً وأعطاك آية أو أُعجوبة،
ولو حدثت الآية أو الأُعجوبة التي كلمك عنها قائلاً لتذهب وراء آلهة أُخرى لم تعرفها وتعبدها،
فلا تسمع لكلام ذلك النبي أو الحالم ذلك الحلم لأن الرب إلهكم يمتحنكم لكي يعلم هل تحبون الرب إلهكم من كل قلوبكم ومن كل أنفسكم،
وراء الرب إلهكم تسيرون،
وإياه تتقون،
ووصاياه تحفظون،
وصوته تسمعون،
وإياه تعبدون،
وبه تلتصقون،
وذلك النبي أو الحالم ذلك الحلم يُقتل،
لأنه تكلم بالزيغ من وراء الرب إلهكم الذي أخرجكم من أرض مصر وفداكم من بيت العبودية لكي يُطوّحكم عن الطريق التي أمركم الربّ إلهكم أن تسلكوا فيها فتنزعون الشرّ من بينكم. (التثنية 13: 1-5)
في هذا النص يُبين الرب أمر الأنبياء الكذبة، فيقول أنهم حتى لو قاموا بعمل المعجزات وهم يدعون لعبادة آلهة مع الرب أو دونه فان هؤلاء أنبياء كذبة، والمعجزات التي يقومون بها إنما هي اختبار من الرب ليعلم الذين يؤمنون به ويعبدونه وحده، والذين لا يؤمنون به ويعبدون معه آلهة أُخرى، ثم يأمر الناس بعبادته وحده واتباع وصاياه، ويأمر الرب بقتل كل من يدعو الى عبادة آلهة أُخرى من دونه.
وكان الرب يحذر من الأنبياء الكذبة لخطورتهم على لسان الكثير من الأنبياء ومنهم حزقيال كما في النص التالي:
وكان إليّ كلام الرب قائلاً،
يا ابن آدم تنبأ على أنبياء بني إسرائيل الذين يتنبأون وقل للذين هم أنبياء من تلقاء ذواتهم، اسمعوا كلمة الرب،
هكذا قال السيد الرب، ويل للأنبياء الحمقى الذاهبين وراء روحهم ولم يَرَوْا شيئاً،
أنبياؤك يا إسرائيل صاروا كالثعالب في الحرب،
لم تصعدوا الى الثغر ولم تبنوا جداراً لبيت إسرائيل للوقوف في الحرب في يوم الرب،
رأوا باطلاً وعِرَافة كاذبة القائلون وحيُ الربّ،
والربُّ لم يُرسلهم، وانتظروا إثبات الكلمة،
ألم تَرَوْا رؤيا باطلة وتكلمتم بعرافة كاذبة قائلين وحيُ الرب،
وأنا لم أتكلم،
لذلك هكذا قال السيد الرب لأنكم تكلمتم بالباطل ورأيتم كذباً فلذلك ها أنا عليكم يقول السيد الرب،
وتكون يدي على الأنبياء الذين يَرَوْن الباطل والذين يعرفون بالكذب،
في مجلس شعبي لا يكونون وفي كتاب بيت إسرائيل لا يُكتبون وإلى أرض إسرائيل لا يدخلون فتعلمون أني أنا السيد الرب. (حزقيال 13: 1-9)
في هذا النص يتوعد الرب الأنبياء الكذبة الذين يدعون الى عبادة آلهة من دون الرب ويقولون ان الرب أرسلهم وأوحى إليهم، وهو لم يرسلهم ولم يوح إليهم، ولكنهم تبعوا أرواحهم وشهواتهم والدليل على كذبهم ما نقرأه من أخطاء وتناقضات وعدم تحقق نبوءاتهم، لأنهم لو كانوا مُرسلين من الرب لثبتت كلمتهم ولم تتناقض.
وكان كلما ابتعد بنو إسرائيل عن الرب ووصاياه كثر الأنبياء الكذبة وازداد تأثيرهم وخطرهم وقد وصف الرب هذه الحالة في النص التالي:
لو كان أحد وهو سالك بالريح والكذب يكذب قائلاً أتنبأ لك عن الخمر والمسكر لكان هو نبي الشعب. (ميخا 2: 11)
فالشعب كان يتخذ الأنبياء الكذبة حتى لو كانوا يتنبؤون عن الخمر والمسكر! وقد وصف الرب هؤلاء الأنبياء الكذبة بأنهم يُضلون الناس وأنهم يزعمون الدعوة للسلام ولكنهم في الحقيقة ينهشون خيرات الناس بأسنانهم وأن من يقاوم أطماعهم فانهم يشنون عليه الحرب ويعاقبونه بأشد العقوبات! كما في النص التالي:
- هكذا قال الرب على الأنبياء الذين يُضلون شعبي الذين ينهشون بأسنانهم،
وينادون سلام،
والذي لا يجعل في أفواههم شيئاً يفتحون عليه حرباً. (ميخا 3: 5) 
في هذا النص يقول الرب ان الأنبياء الكذبة يستعملون سلطانهم في استغلال الناس وأخذ أموالهم حتى لو أدّى ذلك الى شن الحروب الكثيرة وقتل ملايين البشر، مع أنهم يقولون بألسنتهم أن دعوتهم هي  للسلام والمحبة!
من هذا البيان لمعنى النبي الصادق والنبي الكاذب في العهد القديم نجد أنفسنا أمام سؤال هام وهو في أي مكان سنضع كتبة الأناجيل وباقي كتبة العهد الجديد؟
قرأنا سابقاً أن من أهم صفات الأنبياء الصادقين هي الدعوة لعبادة الرب وحده، في حين نجد أن كتبة الأناجيل ورسائل العهد الجديد يدعون لعبادة ثلاث آلهة!
والأنبياء الصادقون في العهد القديم كانوا يدعون الى الالتزام بوصايا الرب التي تلقاها موسى في سيناء، بينما كتبة العهد الجديد لا يدعون الى الالتزام بهذه الوصايا، بل وصل الأمر ببعضهم، وهو بولس، الى القول ان شرائع العهد القديم لا تبرّر أحداً كما في النصوص التالية:
- إذ نعلم أن الإنسان لا يتبرّر بأعمال الناموس بل بإيمان يسوع المسيح، آمنا نحن أيضاً بيسوع المسيح لنتبرر بإيمان يسوع لا بأعمال الناموس،
لأنه بأعمال الناموس لا يتبرّر جسد ما. (غلاطية 2: 16)
- لستُ أُبطل نعمة الإله لأنه إن كان بالناموس برّ فالمسيح إذاً مات بلا سبب. (غلاطية 2: 21)
- ها أنا بولس أقول لكم إنه إن اختتنتم لا ينفعكم المسيح شيئاً. (غلاطية 5: 2)
كما أن الأنبياء الصادقين في العهد القديم كانت نبوءاتهم تتحقق كما قالوا وفي الوقت المحدد لها، في حين ان كل نبوءات كتبة العهد الجديد لم تتحقق سواء في ذاتها أو في الوقت المحدد لها، وقد بينتها كلها في كتاب يسوع بن يوسف النجار أسئلة حائرة، وفيما يلي ثلاث منها:
- الحق أقول لكم إن من القيام ههنا قوماً لا يذوقون الموت حتى يروا ابن الإنسان آتياً في مملكته. (متّى 16: 28)
- وقال لهم الحق أقول لكم إن من القيام ههنا قوماً لا يذوقون الموت حتى يروا مملكة الإله قد أتت بقوة. (مرقس 9: 1)
- حقاً أقول لكم إن من القيام ههنا قوماً لا يذوقون الموت حتى يروا مملكة الإله. (لوقا 9: 27)
هذه النصوص تقول ان يسوع سوف يأتي بمملكته قبل موت جميع التلاميذ، ونحن الآن بعد موت التلاميذ كلهم بأكثر من تسعة عشر قرناً ولم يأت ولم يره أحد! وهذا يُظهر الفرق بين أقوال الأنبياء في العهد القديم والأقوال المنسوبة ليسوع في الأناجيل.
من هذا كله أتساءل مرة ثانية أين سنضع كتبة الأناجيل والرسائل، هل هم أنبياء صادقون أم أنبياء كذبة؟ وما هي المصادر التي اعتمدوا عليها لكتابة الأناجيل؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق