الثلاثاء، 24 يوليو 2018

مصادر بعض أحداث قصة صلب يسوع: الحية النحاسية، وسبب صلب يسوع وهو حي، وآخر كلمات يسوع على الصليب، واسلام يسوع الروح وموته، والمعجزات التي حدثت وقت الصلب

الفصل الثالث: مصادر الأناجيل وطريقة تأليفها وكتابتها

القسم السادس: النصوص المقتبسة من العهد القديم دون نسبتها له مباشرة
في هذا القسم سأقوم بدراسة النصوص المقتبسة من العهد القديم والتي لم تُنسب إليه مباشرة، كما هو الحال في الأقسام السابقة، أو ما أُطلق عليه الحبكة القصصية والحوارية، وفيه سنطلع على معظم الأحداث والقصص والأقوال المذكورة في الأناجيل ومقارنتها بالعهد القديم وبواقع حال يسوع كما تصفه قوانين إيمان الكنائس، وأبدأ ببعض أسماء وألقاب يسوع.
مصادر بعض أحداث قصة صلب يسوع
بعد هذا يبدأ كتبة الاناجيل بالحديث عن عملية الصلب وقد تحدثت في القسم الرابع عن مصادر بعض أحداثها وفيما يلي استكمال لباقي الأحداث.
30 - مصدر نص يمهد لعملية الصلب (الحية النحاسية)
توجد عدة نصوص في الاناجيل تحدثت عن الصلب بشكل عام وهي على لسان يسوع، ولكن يوحنا تفرد بذكر قصة من العهد القديم استند عليها كدليل على صلب يسوع، فما هي حقيقة هذه القصة وهل تدل على صلب يسوع؟
وكما رفع موسى الحيّة في البرّيّة هكذا ينبغي أن يُرفع ابن الانسان،
لكي لا يهلك كل من يُؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية،
لأنه هكذا أحب الإله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية،
لأنه لم يُرسل الإله ابنه الى العالم ليدين العالم بل ليُخلّص العالم. (يوحنا 3: 14-17)
في هذا النص نقرأ استشهاد يوحنا على صلب يسوع من العهد القديم بقصة الحية النحاسية المذكورة فيه، فهل يوجد فيها أي إشارة الى صلب يسوع، أم أنها محاولة من يوحنا على طريقة كتبة الاناجيل بالاقتباس من نصوص العهد القديم للقول لأتباعهم ان الاناجيل من نفس مصدر العهد القديم وأنه كان يتحدث أو يتنبأ عن يسوع لإضفاء حالة من القداسة والمصداقية عليها؟!
لنقرأ قصة الحية النحاسية ثم نكمل الحديث، وهي مذكورة في سِفر العدد الاصحاح الحادي والعشرين، وهي كما يلي:
- وارتحلوا من جبل هور في طريق بحر سوف ليدوروا بأرض أدوم فضاقت نفس الشعب في الطريق،
وتكلم الشعب على الإله وعلى موسى قائلين لماذا أصعدتمانا من مصر لنموت في البرّيّة لأنه لا خبز ولا ماء،
وقد كرهت أنفسنا الطعام السخيف،
فأرسل الرب على الشعب الحيّات المُحرقة فلدغت الشعب فمات قوم كثيرون من إسرائيل،
فأتى الشعب الى موسى وقالوا قد أخطأنا إذ تكلمنا على الرب وعليك فصَلِّ إلى الرب ليرفع عنّا الحيّات، فصلّى موسى لأجل الشعب،
فقال الرب لموسى اصنع حيّة مُحرقة وضعها على راية فكل من لُدِغَ ونظر إليها يحيا،
فصنع موسى حيّة من نحاس ووضعها على الراية فكان متى لدغت حيّة إنساناً ونظر الي حيّة النحاس يحيا. (عدد 21: 4-9)
هذا النص يتحدث عن جزء من تاريخ اليهود وعصيانهم وتمردهم على الرب وعلى نبيّه موسى بعد إخراجهم من مصر، وفي العهد القديم قصص كثيرة تتحدث عن عصيان اليهود وتمردهم، والمهم هنا هو ان الرب وعلى إثر عصيان اليهود أرسل عليهم الحيّات التي كانت تلدغهم فمات الكثير منهم، وعندما رأى اليهود نتيجة عصيانهم رجعوا واعتذروا وطلبوا من موسى ان يُصلي للرب كي يرفع عنهم هذا العقاب، فلما صلّى موسى أمره الرب ان يصنع حية نحاسية ويضعها على راية، وكل من كان يُلدغ من حيّة وينظر الى تلك الحيّة النحاسية فإن السُّم لا يؤذيه ويبقى حياً.
هذا ما يتحدث عنه النصّ ولكن يوحنا عندما نظر الى النصّ وجد في رفع الحيّة النحاسية على راية مناسبة ليتحدث عن الصلب مشبهاً رفعها برفع يسوع على الصليب، وخاصة أنه لا يوجد أي ذكر للصلب في المزامير وكتب الأنبياء التي أخذ منها كتبة الأناجيل الكثير من النصوص المباشرة كما في الأقسام السابقة، فعدم وجود ذكر لصلب أحد في تلك الكتب جعل يوحنا يستنجد بهذه القصة ليمهد الطريق لعملية صلب يسوع، إذ لا يعقل أن يأخذوا كل قصص الاناجيل من العهد القديم ولا يأخذوا قصة الصلب منه! وهذا التشبيه من العجائب والغرائب لسببين، الأول وهو انه لا وجه للشبه بين رفع حيّة نحاسية بأمر من الرب ورفع يسوع الجسد الذي حلت فيه أقانيم الكنائس الثلاثة أو أحدها بحسب إيمان كل كنيسة من الكنائس المختلفة!
السبب الثاني وهو الفرق بين النتيجة التي أحدثها رفع الحية النحاسية وصلب يسوع، فكل من نظر لتلك الحية وهو ملدوغ كان يشفى ولا يموت، في حين أن من نظر إلى يسوع وهو معلق على الصليب لم يؤمن به، حتى ان اللصين اللذين صُلبا معه كانا يُعيرانه، أو أحدهما كما قال لوقا، وقام أحد الجند بطعنه في خاصرته بعد إنزاله عن الصليب، وكان جميع الحاضرين هناك يستهزئون به!
وأما الذين كانوا قد آمنوا بيسوع فقد هلكوا وماتوا ولم توهب لهم الحياة الأبدية، وسواء كان معنى الحياة الأبدية هو المعنى الحقيقي للكلمة أي عدم الموت الى الأبد، أو المعنى المجازي أي الإيمان به، فالتلاميذ لم يؤمنوا أن يسوع قام من الأموات ولم يُصدقوا من قال لهم انهم نظروه خارجاً من القبر فقام يسوع بتوبيخهم لعدم إيمانهم، كما في النص التالي:
وأخيراً ظهر للأحد عشر وهم متكئون،
ووبخ عدم إيمانهم،
وقساوة قلوبهم،
لأنهم لم يصدقوا الذين نظروه قد قام. (مرقس 16: 14)
فلا وجه للشبه بين النتيجة التي ظهرت عند رفع موسى للحية في البرية ورفع يسوع معلقاً على الخشبة!
وأما تعقيب يوحنا على كلام يسوع بقوله لأنه هكذا أحب الإله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية، لأنه لم يرسل الإله ابنه إلى العالم ليدين العالم بل ليخلّص العالم! فهو تعقيب في غير محله، لأن محاولة الربط بين الرب في العهد القديم وما يقوله كتبة الأناجيل من معلومات عن يسوع وأبيه غير صحيح، فالرب في العهد القديم ذكر أنه هو الإله الحق الواحد وأن كل شيء دونه فهو مخلوق، وأنه عظيم ولا تسعه السموات ولا سماء السموات، وأنه لا يسكن على الأرض مع الإنسان ولا يقدر عليه إنسان، وليس كما تقول الأناجيل عن يسوع! كما ان الرب يقول إن المسيح ليس ابن داوُد، والأناجيل تقول ان يسوع المسيح ابن داوُد، والرب يقول في العهد القديم إن المسيح سيبقى إلى الأبد ويسوع اختفى بعد ثلاث سنوات من ظهوره، والرب يقول في العهد القديم عن ابن الإنسان أنه ملك، كما في النص التالي:
- كنتُ أرى في رؤى الليل وإذا مع سحب السماء مثل ابن إنسان،
أتى وجاء إلى القديم الأيام فقرّبوه قدّامه،
فأُعطي سلطاناً ومجداً ومملكة لتتعبد له كل الشعوب والأُمم والألسنة، سلطانه سلطانٌ أبديّ ما لن يزول، ومملكته ما لا تنقرض. (دانيال 7: 13-14)
والأناجيل التي قالت إن ابن الإنسان هو يسوع لم يملك في حياته كلها ساعة واحدة من الزمن، وكان يدفع الجزية لقيصر وخاضعاً له ولولاته، ورافضاً أن يكون ملكاً عندما حاول أتباعه أن يجعلوه ملكاً كما في النص التالي:
- فلما رأى الناس الآية التي صنعها يسوع قالوا إن هذا هو بالحقيقة النبي الآتي إلى العالم،
وأما يسوع فإذ علم أنهم مزمعون أن يأتوا ويختطفوه ليجعلوه ملكاً انصرف أيضاً إلى الجبل وحده. (يوحنا 6: 14-15)
وغيرها الكثير من الاختلافات بين ما هو مذكور في العهد القديم عن المسيح وما حاول كتبة الأناجيل القول ان يسوع هو تعبير عما هو مكتوب في العهد القديم عن المسيح.
فتعقيب يوحنا هنا بالقول إن الإله أحب العالم حتى انه بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به هو من باب التعقيب المخالف لما جاء في العهد القديم، لأن الرب في العهد القديم كان إذا كفر الإنسان وابتعد عنه وعن شريعته فانه لا يقبله ولا يحبه بل يعاقبه حتى يرجع عن كفره وعصيانه ولم يحدث في تاريخ البشرية أن الرب غفر لمن يعصيه دون أن يتوب أو أن يعاقبه.
والعهد القديم مليء بالقصص التي تقول إن الرب كان يعاقب الناس إذا أخطأوا وعَصَوْا شريعته حتى الأنبياء كما حدث مع مريم أُخت موسى وهارون وكما حدث مع داوُد، لا بل انه عاقب موسى نفسه كما تقول أسفار العهد القديم وحرمه من دخول الأرض المقدسة، والقصص أكثر من أن تحصى في هذا المجال، ثم يأتي يوحنا ويقول لنا إن الإله أحب العالم ولهذا فانه سيبذل ابنه الوحيد!
لماذا أحب الإله العالم في ذلك الزمان هل لأنهم مؤمنون أكثر من إبراهيم ويعقوب ويوسف وموسى؟!
هل أحب الإله العالم في ذلك الوقت لأن اليهود كلهم آمنوا بيسوع ولم يسعوا إلى قتله وصلبه؟
يستطيع يوحنا أن يقول ما يشاء في إنجيله ولكن عليه أن يعلم أنه لا يتكلم عن الرب خالق السموات والارض وما فيهن من مخلوقات الذي جاء ذكره في العهد القديم كما بينت ذلك سابقاً، وللتذكير في هذا المقام سأكتفي بذكر نص من العهد القديم يظهر الفرق بين الرب في العهد القديم وما يحاول أن يقوله يوحنا عن إلهه في إنجيله:
يا رب أي شيء هو الإنسان حتى تعرفه،
أو ابن الانسان حتى تفتكر به،
الانسان أشبه نفخة أيامه مثل ظل عابر. (مزمور 144: 3-4)
فإذا كان الإنسان لا يستحق أن يعرفه الرب أو حتى أن يفكر فيه فكيف يقول يوحنا ذلك الكلام، إلا إذا كان يوحنا يتكلم عن إله غير الذي جاء ذكره في العهد القديم، وهذا يدل على انه اقتبس كلامه من العهد القديم وليس عن طريق الوحي أو بسوق من الروح المقدس، فمن أين اقتبس كلامه؟
لنقرأ النص التالي:
- ليكن مباركاً الرب إلهك الذي سُرّ بك وجعلك على كرسي إسرائيل،
لأن الرب أحب إسرائيل الى الأبد جعلك ملكاً لتُجري حكماً وبراً. (الملوك الاول 10: 9)
هذا النص يشبه ما كتبه يوحنا عن محبة إلهه للعالم مع فارق وحيد وهو أن محبة الرب لاسرائيل كانت مشروطة بعبادته وحده وعدم اتخاذ آلهة من دونه، في حين أن يوحنا يقول أن إلهه أحب العالم مع أن يوحنا يدعو الى عبادة ثلاث آلهة، ونقض أحكام الرب التي حكم بها داوُد، فهذا الفرق يبين حقيقة حب الرب لاسرائيل وما كتبه يوحنا عن حب إلهه للعالم!
بعد هذا الشرح يبقي سؤال، وهو ما هي نهاية تلك الحية النحاسية التي أخذها يوحنا دليلاً على صلب يسوع؟
لنقرأ النص التالي:
- وفي السنة الثالثة لهوشع بن إيلة ملك إسرائيل مَلكَ حزقيّا بن آحاز ملك يهوذا،
كان ابن خمس وعشرين سنة حين ملك، وملك تسعاً وعشرين سنة في أُورشليم،
واسم أُمه أبي ابنة زكريا،
وعمل المستقيم في عيني الرب حسب كل ما عمل داوُد أبوه،
هو أزال المرتفعات وكسّر التماثيل وقطع السواري وسحق حيّة النحاس التي عملها موسى لأن بني إسرائيل كانوا إلى تلك الأيام يُوقدون لها، ودعوْها نحُشتان. (الملوك الثاني 18: 1-4)
كما نقرأ فإن بني إسرائيل قاموا بتقديس تلك الحية النحاسية بعد موسى، ظناً منهم أنها تشفي بذاتها، وليس بأمر من الرب، حتى جاء حزقيا، وهو من ملوك بني إسرائيل المؤمنين كما تقول أسفار العهد القديم، فقام بسحقها، كما قام بتحطيم التماثيل والأصنام وكل ما يعبد من دون الرب!
31 - مصدر قصة سبب صلب يسوع وهو حيّ
بعد هذا نقرأ نصين تفرد بهما يوحنا أيضاً، يُبينان سبب صلب يسوع وهو حيّ، وهما كما يلي:
- فقال لهم بيلاطس خذوه أنتم واحكموا عليه حسب ناموسكم،
فقال له اليهود لا يجوز لنا أن نقتل أحداً،
ليتم قول يسوع الذي قاله مُشيراً إلى أيّة ميتة كان مُزمعاً أن يموت. (يوحنا 18: 31-32)
- فلما رآه رؤساء الكهنة والخدّام صرخوا قائلين اصلبه اصلبه،
قال لهم بيلاطس خذوه أنتم واصلبوه لأني لست أجد فيه علّة،
أجابه اليهود لنا ناموس وحسب ناموسنا يجب أن يموت لأنه جعل نفسه ابن الإله. (يوحنا 19: 6-7)
في هذين النصين كتب يوحنا على لسان اليهود قولين ينقض أحدهما الآخر، الأول قولهم أنه لا يجوز أن يقتلوا أحداً، والثاني أنه حسب ناموسهم يجب أن يموت! فالقول الأول من الغريب أن يقوله أحد من اليهود لأن الشريعة تحكم بالقتل في عشرات القضايا ومنها شتم الإنسان لأبيه وأُمه، وأما قولهم إن الناموس يحكم بقتل من جدّف على الرب، ومن هذا التجديف قول الإنسان عن نفسه أنه إله وابن الإله، فهذا القول صحيح وهو ما تقوله الشريعة، فمن أين جاء هذا التناقض في النصين؟
هذا التناقض يمكن إرجاعه الى أن يوحنا، وباقي كتبة الأناجيل، كان يريد أن يكتب قصة صلب يسوع وهو حي، وهو ما لن يجده في الناموس، لأن الشريعة تقول بتعليق المصلوب بعد قتله كما في النص التالي:
- وإذا كان على إنسان خطية حقها الموت فقتل وعلّقته على خشبة،
فلا تبت جثته على الخشبة بل تدفنه في ذلك اليوم لأن المُعلق ملعون من الإله،
فلا تنجس أرضك التي يُعطيك الرب إلهك نصيباً. (التثنية 21: 22-23)
فهذا النص يبين أن عملية الصلب تكون بعد القتل، وليس كعقوبة تفضي الى الموت، وأما في شريعة الرومان التي يحكم بها بيلاطس فهي تعتبر الصلب بحد ذاته عقوبة، فالذي يُحكم عليه بالموت يُعلق وهو حي على الصليب حتى يموت، لهذا عقّب يوحنا بالقول ليتم قول يسوع الذي قاله مشيراً الى أية ميتة كان مزمعاً أن يموت، ولكن يوحنا كان يحتاج لسبب كي يتم تنفيذ عقوبة الصلب، فكتب النص الثاني وحسب ناموسنا يجب أن يموت لأنه جعل نفسه ابن الإله، لأن قول يسوع عن نفسه انه إله وابن إله لا يُعتبر جريمة في شريعة الرومان القائمة على تعدد الآلهة، لهذا كتب يوحنا عن صلب يسوع بشريعة الرومان وسببه بشريعة اليهود، لهذا وقع في هذا التناقض بين النصين! كما أنني قرأت نصين قد يكون يوحنا اقتبس منهما ما كتبه على لسان اليهود وهما كما يلي:
- فتكلم الكهنة مع الرؤساء وكل الشعب قائلين حق الموت على هذا الرجل لأنه قد تنبأ على هذه المدينة كما سمعتم بآذانكم. (إرميا 26: 11)
- فقالت الرؤساء وكل الشعب للكهنة والأنبياء ليس على هذا الرجل حق الموت لأنه إنما كلمنا باسم الرب إلهنا. (إرميا 26: 16)
وهذا كله يدل على ان ما كتبه يوحنا ليس وحياً وينطبق عليه قانون لا تقبل خبراً كاذباً.
32 - مصدر قصة اللحظات الأخيرة ليسوع وآخر كلماته
ومن الساعة السادسة كانت ظلمة على كل الارض الى الساعة التاسعة،
ونحو الساعة التاسعة صرخ يسوع بصوت عظيم قائلاً إيلي إيلي لما شبقتني، أي إلهي إلهي لماذا تركتني،
فقوم من الواقفين هناك لما سمعوا قالوا إنه ينادي إيليا،
وللوقت ركض واحد منهم وأخذ اسفنجة وملأها خلاً وجعلها على قصبة وسقاه، وأما الباقون فقالوا اترك، لنرى هل يأتي إيليا يُخلّصه،
فصرخ يسوع أيضاً بصوت عظيم وأسلم الروح. (متّى 27: 45-50)
ولما كانت الساعة السادسة كانت ظلمة على الارض كلها الى الساعة التاسعة،
وفي الساعة التاسعة صرخ يسوع بصوت عظيم قائلاً،
إلوي إلوي لما شبقتني، الذي تفسيره إلهي إلهي لماذا تركتني،
فقام قوم من الحاضرين لمّا سمعوا هو ذا ينادي إيليا،
فركض واحد وملأ اسفنجة خلاً وجعلها على قصبة وسقاه قائلاً اتركوا لنرى هل يأتي إيليا ليُنزله،
فصرخ يسوع بصوت عظيم، وأسلم الروح. (مرقس 15: 33-37)
- وكان نحو الساعة السادسة فكانت ظلمة على الارض كلها الى الساعة التاسعة،
وأظلمت الشمس وانشق حجاب الهيكل من وسطه،
ونادى يسوع بصوت عظيم وقال يا أبتاه في يديك أستودع روحي،
ولما قال هذا أسلم الروح. (لوقا 23: 44-46)
- فلما سمع بيلاطس هذا القول أخرج يسوع وجلس على كرسي الولاية في موضع يُقال له البلاط وبالعبرانية جبّاثا،
وكان استعداد الفصح ونحو الساعة السادسة،
فقال لليهود هو ذا ملككم. (يوحنا 19: 13-14)
- فحينئذ أسلمه إليهم ليُصلب، فأخذوا يسوع ومضوا به. (يوحنا 19: 16)
- بعد هذا رأى يسوع أن كل شيء قد كمل،
فلكي يتم الكتاب قال أنا عطشان،
وكان إناء موضوعاً مملوءاً خلاً، فملأوا اسفنجة من الخل ووضعوها على زوفا وقدموها الى فمه،
فلما أخذ يسوع الخل قال قد أُكمل،
ونكس رأسه وأسلم الروح. (يوحنا 19: 28-30)
هذه النصوص تتحدث عن قصة تسليم يسوع لليهود وتعليقه على الصليب الى وقت تسليمه الروح وموته، وفيها عدة تناقضات وأخطاء تؤكد أن هذه القصة لم تكتب بأية طريقة من طرق الوحي، كما أنها تؤكد أن ما نقرأه من اقتباسات لنصوص العهد القديم في الأناجيل انما هي محاولة من الكتبة لإضفاء حالة من القداسة والمصداقية عليها.
من الأخطاء والتناقضات التي لا يمكن الجمع بينها هو حديث متّى ومرقس ولوقا عن قصة الظلمة التي وقعت على الارض بعد صلب يسوع من الساعة السادسة الى الساعة التاسعة، في حين ان يوحنا كتب ان بيلاطس سلم يسوع لليهود الساعة السادسة، وبعد ذلك قام اليهود بأخذ يسوع في طريق الآلام كما تسميها الكنائس، وبعد ذلك قام اليهود بصلبه وهذه المدة تتجاوز الساعة السادسة، مما يؤكد أن تلك الظلمة لم تحدث لأنها لو حدثت لكان يسوع ما زال يسير في الطريق والظلمة قائمة، كما أن مرقس قال ان يسوع علق على الصليب الساعة الثالثة، (مرقس 15: 25)، في حين أن يوحنا قال ان عملية الصلب كانت بعد الساعة السادسة وهو ما يؤكد التناقض بين القصتين وأنه لا يمكن الجمع بينهما.
التناقض الثاني بين كتبة الاناجيل هو عدم اتفاقهم على آخر الكلمات التي قالها يسوع، فمتّى ومرقس كتبا انه قال إلهي إلهي لماذا تركتني، في حين كتب لوقا أن يسوع قال يا أبتاه في يديك استودع روحي، وأما يوحنا فقد كتب أن يسوع قال قد أُكمل، فالاختلاف على آخر الكلمات التي قالها يسوع على ماذا يدل؟
هل يدل على سوق الروح المقدس لكتبة الأناجيل، أم يدل على أن كل كاتب كتبها بحسب النص الذي اقتبسه من العهد القديم، بعيداً عن الروح المقدس، وخاصة أن يوحنا صرح أن ما كتبه كان لتكميل كتب العهد القديم؟
هذه التناقضات وغيرها الكثير كنت قد ناقشتها بالتفصيل في كتاب يسوع بن يوسف النجار أسئلة حائرة، وما يهم هنا بغض النظر عن التناقضات هو هل وُفق كتبة الاناجيل باقتباسهم من نصوص العهد القديم وهل تلك النصوص تتحدث عن يسوع؟
الاقتباس الأول وهو قول يسوع إلهي إلهي لماذا تركتني اقتبسه متّى ومرقس من المزمور الثاني والعشرين، وقد ناقشته في القسم الرابع بالتفصيل لأن يوحنا اقتبس منه فقرة اقتسموا ثيابي بينهم وعلى لباسي ألقوا قرعة، وأظهرت هناك أن هذا المزمور لا يتحدث عن يسوع، وفي هذا المقام أود أن أذكر بعض فقراته للتذكير بها، وهي كما يلي:
إلهي إلهي لماذا تركتني بعيداً عن خلاصي عن كلام زفيري،......
أما أنا فدودة لا إنسان عار عند البشر ومُحتقر الشعب،
كل الذين يرونني يستهزئون بي يفغرون الشفاه وينغضون الرأس قائلين اتكل على الرب فليُنجه،
ليُنقذه لأنه سرّ به،....
عليك أُلقيتُ من الرحم من بطن أمي أنت إلهي،
لا تتباعد عنّي لأن الضيق قريب، لأنه لا معين،......
لأنه قد أحاطت بي كلاب جماعة من الأشرار اكتنفتني،
ثقبوا يديّ ورجليّ،......
يقسمون ثيابي بينهم وعلى لباسي يقترعون،.....
خلصني من فم الأسد ومن قرون بقر الوحش، استجب لي،.....
لأن للرب المُلك وهو المتسلط على الأُمم. (مزمور 22: 1-28)
هذا النص المختصر، والذي تقول إحدى فقراته أن ذلك المتكلم دودة وليس إنساناً، يعتبر أكبر دليل على أن هذا المزمور لا يتحدث عن يسوع، وكذلك الأمر بالنسبة للفقرة التي تقول إن ذلك المتكلم يدعو إلهه أن يخلصه من فم الأسد ومن قرون بقر الوحش، وسواء كان المعنى على الحقيقة أو على المجاز، فلم تذكر الأناجيل قصة واحدة عن تخليص يسوع من فم أسد أو من قرون بقر الوحش، أو انه وقع في أيدي أعداء أشداء وانه خُلّص منهم!
والفقرة الثانية المقتبسة وهي التي ذكرها لوقا يا أبتاه في يديك استودع روحي، وهنا سأذكر المزمور الذي وردت فيه كاملاً لنرى ان كان يتحدث عن يسوع، أم ان لوقا ما زال على طريقته في اقتطاع الفقرات من العهد القديم وإعادة صياغتها بطريقة قصصية في إنجيله لإضفاء حالة من القداسة والمصداقية على ما يكتب، والفقرة مذكورة في المزمور الحادي والثلاثين، وهو كما يلي:
عليك يا رب توكلت،
لا تدعني أخزى مدى الدهر،
بعدلك نجّني،
أمل إليّ أذنك، سريعاً أنقذني،
كن لي صخرة، حصن بيت، ملجأ لتخليصي،
لأن صخرتي ومعقلي أنت،
من أجل اسمك تهديني وتقودني،
أخرجني من الشبكة التي خبّئوها لي، لأنك أنت حصني.
يبدأ المزمور بمناجاة إنسان للرب، ويقول انه توكل عليه ويدعوه أن لا يُخزيه ويُنجيه ويُنقذه ويُخلصه ويهديه، وأن يُخرجه من الشبكة التي نصبوها له، وهذه المناجاة والدعوات لا تدل على ان المتكلم هو ابن الإله، أو أنه يحمل صفات إلهية تؤهله ليُعبد من دون الرب، بل هو مخلوق ومحتاج للنجاة كما انه محتاج الى عدل وهداية الرب، وهي تنطبق على داوُد أكثر من يسوع لسببين، الأول أنه هو قائل هذا المزمور، والثاني أنه يتوافق مع ما ذكره العهد القديم عن حياته المليئة بالصراعات، سواء مع شاول أو مع شعوب المنطقة، ولا تنطبق على يسوع بحسب ما تقوله عنه الأناجيل وقوانين إيمان الكنائس المختلفة من صفات.
- في يدك استودع روحي،
هذه هي الفقرة التي اقتبسها لوقا ووضعها على لسان يسوع كآخر كلماته ولكنه زاد عليها كلمة غير موجودة هنا وهي قوله يا أبتاه ليخدم فكرته القائمة على ان يسوع هو ابن إله، مع ان النصّ يبدأ بالتضرع والصلاة الى الرب وليس الى أباه!
- فديتني يا رب إله الحق،
وهذه الفقرة تردُّ على لوقا وعلى كلمته التي زادها على النص بالقول ان رب المتكلم في المزمور هو الإله الحق وليس أب المتكلم!
- أبغضتُ الذين يُراعون أباطيل كاذبة أما أنا فعلى الرب توكلت،
ابتهج وأفرح برحمتك لأنك نظرت إلى مذلتي وعرفت في الشدائد نفسي،
ولم تحبسني في يد العدو بل أقمت في الرحب رِجلي.
وأما هذه الفقرات فهي تدل على ان المتكلم ليس يسوع، لان يسوع كما تقول الاناجيل حُبس في يد العدو حتى تمّ صلبه، وهذا يُظهر أيضاً ان ما أُخذ من نصوص العهد القديم في الأناجيل إنما كان اقتطاع واجتزاء لبعض الفقرات وإعادة صياغتها في إطار قصصي بغض النظر عما تحويه النصوص الكاملة من معلومات تتضارب مع ما هو مذكور في الأناجيل نفسها!
- ارحمني يا رب لأني في ضيق، خسفت من الغمّ عيني نفسي وبطني.
وهذا الدعاء بالتأكيد لا يدل على ان قائله يحمل صفات إلهية!
- لأن حياتي قد فنيت بالحزن وسنيني بالتنهد، ضعفت بشقاوتي قوتي وبليت عظامي.
وهذه الفقرة تزيد الأمر تأكيداً، إذ أن الإله الحق الحي الى الأبد لا تفنى حياته، ولا تنقضي سنينه بالتنهد، ولا تضعف قوته وتبلى عظامه بالشقاوة!
- عند كل أعدائي صرتُ عاراً وعند جيراني بالكلية،
ورعباً لمعارفي،
الذين رأوني خارجاً هربوا عني،
نُسيتُ من القلب مثل الميت صرتُ مثل إناء مُتلف،
لأني سمعت مذمّة من كثيرين الخوف مستدير بي بمؤامرتهم معاً عليّ،
تفكروا في أخذ نفسي،
أما أنا فعليك توكلت يا رب.
هذه الفقرات قد يظن بعض أتباع الكنائس الطيبين عند قراءتها أنها تتحدث عن يسوع كما كتبت الأناجيل، ولكن لنقرأ ما بعدها.
- قلت إلهي أنت في يدك آجالي.
هذه الفقرة تؤكد أن المزمور إما انه لا يتحدث عن يسوع، وهو الصحيح، أو أن يسوع ليس كما تصفه الكنائس انه أحد الاقانيم الثلاثة الذين هم واحد، لأنها تبين ان للمتكلم في هذا المزمور إله وان لحياته أجل ونهاية، وان أجلها بيد الإله، وهو عكس ما تقوله الكنائس عن يسوع من انه احد الاقانيم الثلاثة الذين هم واحد، لأنه لو كان كذلك لما كان له إله، لأنه هو الإله، ولو كان هو الإله لما كانت لحياته نهاية وأجل!
- نجّني من يد أعدائي ومن الذين يطردونني،
أضئ بوجهك على عبدك خلصني برحمتك.
وهذه الفقرات تصرّح بكل وضوح ان ذلك المتكلم هو عبدٌ للرب، وانه بحاجة الى رحمته كي ينجو من أعدائه، وهذا أيضاً مُخالف لما تقوله الكنائس وكتبة الاناجيل من ان يسوع إله وابن إله وأحد الاقانيم الثلاثة الذين هم واحد.
- يا رب لا تدعني أخزى لأني دعوتك ليخز الأشرار ليسكنوا في الهاوية،
لتبكم شِفاه الكذب المتكلمة على الصّديق بوقاحة بكبرياء واستهانة.
في هذه الفقرات يطلب المتلكم من الرب أن لا يُخزيه، كما يدعو على الكذبة بان تبكم شفاههم التي تتكلم على الصّدّيق بوقاحة وكبرياء واستهانة وأنا أتساءل من هم هؤلاء؟
هل هُمْ الذين إذا سمعوا يسوع يقول إنني لم أُرسل إلا الى خراف بيت اسرائيل الضالة، قالوا لا بل نذهب وندعو كل الشعوب إلا بني اسرائيل؟
أم هم الذين إذا سمعوا انه اختتن قالوا إننا لن نختن أنفسنا؟
أم هم الذين قرؤوا أن لحم الخنزير محرم في الناموس، فقالوا لا بل إن لحم الخنزير حلال وطاهر من اجل حلم بطرس الذي كتبه لوقا في رسالة أعمال الرسل، ومن أجل بعض أقوال بولس؟!
وباقي فقرات المزمور تؤكد أن المتكلم في المزمور له ربّ يُعظمه ويُسبّحه وهو ما يُؤكد أن هذا المزمور لا يتحدث عن يسوع، مع ملاحظة أن آخر الكلمات التي قالها يسوع في إنجيل لوقا ليست هي ما كتبه متّى ومرقس في إنجيليهما على لسان يسوع كآخر الكلمات التي قالها.
-  ما أعظم جودك الذي ذخرته لخائفيك وفعلته للمُتكلين عليك تجاه بني البشر،
تسترهم بستر وجهك من مكايد الناس، تخفيهم في مظلة من مُخاصمة الألسن،
مبارك الرب لأنه قد جعل عجباً رحمته لي في مدينة محصنة،
وأنا قلت في حيرتي إني قد انقطعت من قدّام عينيك ولكنك سمعت صوت تضرعي إذ صرخت إليك. (مزمور 31: 1-22)
الفقرة الثالثة التي اقتبسها كتبة الاناجيل من العهد القديم وهي قولهم ان أحد الحاضرين لعملية الصلب سقى يسوع خلاً، ونجد أن الكتبة الثلاثة لم ينسبوها للعهد القديم في حين أن يوحنا نسبها للكتاب، أي للعهد القديم، فلكي يتم الكتاب قال أنا عطشان، وإغفال الكتبة الآخرين لنسبة هذا القول للعهد القديم اعتقد أن سببه هو إبعاد الناس عن مقارنة ما هو مكتوب في العهد القديم بما كتبوه في أناجيلهم، لأن نص العهد القديم يُظهر بكل وضوح أنه لا يتحدث عن يسوع، وأما يوحنا فلم يهتم لهذا الأمر، لذلك قام بنسبة النص للعهد القديم، كما أنه اقتبس من ذات المزمور فقرة ثانية وقال انها نبوءة تتحدث عن يسوع وهي أبغضوني بلا سبب، وقد شرحت المزمور كاملاً في القسم الرابع فأغنى عن إعادته، وإن كانت قصة الاناجيل تشير بكل وضوح الى أن يسوع لا يحمل أية صفات إلهية، لأنه لو كان يحملها لما عطش! لأن الرب هو من خلق الماء وأسقى بني اسرائيل لمدة أربعين سنة ولم يحوجهم حتى للبحث عنها، فكيف يحتاج للشرب! وفيما يلي بعض فقرات المزمور الذي اقتبس منه كتبة الاناجيل:
- استجب لي يا رب لأن رحمتك صالحة، ككثرة مراحمك التفت إليّ،
ولا تحجب وجهك عن عبدك، لأن لي ضيقاً،
استجب لي سريعاً، اقترب إلى نفسي فُكها،
بسبب أعدائي افدني،
أنت عرفت عاري وخزيي وخجلي،
قدّامك جميع مضايقيّ، العار قد كسر قلبي فمرضت،
انتظرت رقّة فلم تكن ومُعزّين فلم أجد،
ويجعلون في طعامي علقماً،
وفي عطشي يسقونني خلاً. (مزمور 69: 1-21)
في هذه الفقرات يقول المتحدث انه عبد للرب وهذا يؤكد أن النص لا يتحدث عن يسوع كما تصفه الكنائس، كما ان المتحدث يطلب من الرب ان يستجيب له لان رحمته صالحة، والاناجيل كتبت ان الرب لم يستجب ليسوع، فلماذا لم يستجب الرب ليسوع وهو معلق على الصليب كما تقول الاناجيل؟
والمزمور كله يظهر انه لا يتحدث عن يسوع، مما يدل على ان كتبة الاناجيل ما زالوا على طريقتهم في اقتباس بعض فقرات العهد القديم وإعادة صياغتها في قالب قصصي، بغض النظر عن تناقضها مع الصفات التي قالوا ان يسوع يتمتع بها، للقول لأتباعهم الطيبين ان العهد القديم تنبأ عن يسوع وان الاناجيل من ذات مصدر العهد القديم لإضفاء حالة من القداسة والمصداقية عليها.
33 - مصدر قول الأناجيل عن إسلام يسوع لروحه
بعد ذلك تتفق الاناجيل الاربعة على القول ان يسوع أسلم الروح ومات، كما في النصوص التالية:
- فصرخ يسوع أيضاً بصوت عظيم وأسلم الروح. (متّى 27: 50)
- فصرخ يسوع بصوت عظيم وأسلم الروح. (مرقس 15: 37)
- ونادى يسوع بصوت عظيم وقال يا أبتاه في يدك أستودع روحي،
ولما قال هذا أسلم الروح. (لوقا 23: 46)
- فلما أخذ يسوع الخلّ قال قد أُكمل،
ونكس رأسه وأسلم الروح. (يوحنا 19: 30)
إن قول الأناجيل ان يسوع أسلم الروح يعني ان يسوع لم يُقتل نتيجة للصلب، وهذا يتناقض مع ما كتب في الاناجيل من أقوال تتحدث عن قتله، فهي بهذه الفقرات تؤكد على موته وليس قتله كما بينت ذلك بالتفصيل في كتاب يسوع ابن يوسف النجار أسئلة حائرة، وكما في النصوص التالية:
- من ذلك الوقت ابتدأ يسوع يُظهر لتلاميذه أنه ينبغي أن يذهب الى أُورشليم ويتألم كثيراً من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة ويُقتل، وفي اليوم الثالث يقوم،
فأخذه بطرس إليه وابتدأ ينتهره قائلاً حاشاك يا رب، لا يكون لك هذا،
فالتفت وقال لبطرس اذهب عني يا شيطان،
أنت معثرة لي، لأنك لا تهتم بما للإله لكن بما للناس. (متّى 16: 21-23)
- وفيما هم يترددون في الجليل قال لهم يسوع، ابن الإنسان سوف يسلم إلى أيدي الناس، فيقتلونه وفي اليوم الثالث يقوم، فحزنوا جداً. (متّى 17: 22-23)
- وكانوا في الطريق صاعدين إلى أورشليم ويتقدمهم يسوع،
وكانوا يتحيرون، وفيما هم يتبعون كانوا يخافون،
فاخذ ألاثني عشر أيضاً وابتدأ يقول لهم عما سيحدث له،
ها نحن صاعدون إلى أُورشليم وابن الإنسان يُسلم إلى رؤساء الكهنة والكتبة فيحكمون عليه بالموت ويسلمونه إلى الأمم فيهزؤون به ويجلدونه ويتفلون عليه ويقتلونه، وفي اليوم الثالث يقوم. (مرقس 19: 32-34)
بالإضافة، وهو الأهم، ان هذه الفقرات تتناقض بشكل كامل وواضح مع صفات الرب الذي يقول أنه حيّ لا يموت وأنه هو الذي يحي ويميت، كما في النصين التاليين:
- أنا أنا هو وليس إله معي،
أنا أُميت وأُحيي سحقت وإني أُشفي وليس من يدي مُخلص،
إني أرفع الى السماء يدي وأقول حيّ أنا الى الأبد. (تثنية 32: 39-40)
- ثم كتب الملك داريوس الى كل الشعوب والأُمم والألسنة الساكنين في الأرض كلها ليكثر سلامكم،
من قِبَلي صدر أمر بأنه في كل سلطان مملكتي يرتعدون ويخافون قدّام إله دانيال،
لأنه هو الإله الحي القيوم الى الأبد، ومملكته لن تزول، وسلطانه الى المنتهى. (دانيال 6: 26)
من خلال هذه التناقضات نجد أن هذه الفقرات لا يمكن ان تكون وحياً، أو أنها كتبت بسوق من الروح المقدس، فمن أين أخذ كتبة الاناجيل هذه الفقرة؟
توجد عشرات النصوص التي تتحدث عن إسلام بعض الأنبياء والناس لأرواحهم، ومنها النص التالي:
- ولما فرغ يعقوب من توصية بنيه ضمّ رجليه الى السرير،
وأسلم الروح. (تكوين 49: 33)
هذا النص يقول ان يعقوب أسلم الروح، ولكن كم هو الفرق شاسع بين يعقوب النبي ويسوع الذي تقول عنه الاناجيل انه إله وابن إله وأحد الاقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر ويحمل ذات الصفات والقدرات؟!
34 - مصدر المعجزات التي حدثت خلال عملية صلب يسوع
في نصوص سابقة قرأنا ما كتبه متّى ومرقس ولوقا عن الظلمة التي حدثت خلال عملية الصلب من الساعة السادسة الى الساعة التاسعة والتي ثبت عدم صحتها، وكما في النصوص التالية أيضاً:
- ومن الساعة السادسة كانت ظلمة على كل الأرض الى الساعة التاسعة. (متّى 27: 45)
- ولما كانت الساعة السادسة كانت ظلمة على الأرض كلها الى الساعة التاسعة. (مرقس 15: 33)
- وكان نحو الساعة السادسة، فكانت ظلمة على الأرض كلها الى الساعة التاسعة. (لوقا 23: 44)
كما أنهم تحدثوا عن انشقاق حجاب الهيكل، مع اختلاف كبير بينهم، وهو قول لوقا ان انشقاق حجاب الهيكل حدث قبل إسلام يسوع للروح في حين أن متّى ومرقس كتبا أنه حدث بعد إسلام يسوع للروح، كما في النصوص التالية:
- واذا حجاب الهيكل قد انشق الى اثنين من فوق الى أسفل،
والأرض تزلزلت والصخور تشققت. (متّى 27: 51)
- وانشق حجاب الهيكل الى اثنين من فوق الى أسفل. (مرقس 15: 38)
- وأظلمت الشمس وانشق حجاب الهيكل من وسطه، ونادى يسوع بصوت عظيم وقال يا أبتاه في يديك استودع روحي، ولما قال هذا أسلم الروح. (لوقا 23: 45-46)
وهذا الفرق يدل على أن هذا الحدث ليس صحيحاً وليس وحياً ولم يُكتب بسوق من الروح المقدس، لأنه لا يمكن أن يحدث الانشقاق مرتين، والأهم من هذا هو أن يوحنا الذي قال أنه كان حاضراً وقت الصلب وشاهد عملية الصلب لم يتحدث عنه كما في النص التالي:
-  والذي عاين شهد وشهادته حق وهو يعلم أنه يقول الحق لتؤمنوا أنتم. (يوحنا 19: 35)
فلو كانت تلك الأحداث صحيحة لما أغفل عن ذكرها، وما يؤكد هذه الحقيقة هو انفراد متّى بالكتابة عن الزلزال الذي حدث على الارض وأدى الى تشقق الصخور وفتح القبور وقيام الكثير من الأموات ودخولهم الى المدينة المقدسة! كما في النص التالي:
- وإذا حجاب الهيكل قد انشق الى اثنين من فوق الى أسفل،
والارض تزلزلت والصخور تشققت،
والقبور تفتحت وقام كثير من أجساد القديسين الراقدين،
وخرجوا من القبور بعد قيامته،
ودخلوا المدينة المقدسة وظهروا لكثيرين. (متّى 27: 51-53)
فالحديث عن انشقاق حجاب الهيكل والزلزال غير صحيح، وما يثبت عدم صحته هو ما كتبه مرقس على لسان بيلاطس في النص التالي:
- جاء يوسف الذي من الرّامة مُشير شريف وكان هو أيضاً منتظراً مملكة الإله فتجاسر ودخل الى بيلاطس وطلب جسد يسوع،
فتعجب بيلاطس أنه مات كذا سريعاً، فدعا قائد المئة وسأله هل له زمان قد مات. (مرقس 15: 43-44)
فتعجب بيلاطس يدل على أنه لم يشاهد تلك الظلمة ولا انشقاق حجاب الهيكل ولا أحس بالزلزال ولا بتشقق الصخور، وأما قصة خروج الأموات من قبورهم فالدليل على عدم صحتها هو شك توما بقيامة يسوع نفسه، كما في النص التالي:
- فقال له التلاميذ الآخرون قد رأينا الرب،
فقال لهم إن لم أُبصر في يديه أثر المسامير وأضع إصبعي في أثر المسامير وأضع يدي في جنبه لا أُؤمن. (يوحنا 20: 25)
فلو كان توما رأى أو سمع عن خروج الأموات من قبورهم لما وقع في هذه الحالة الغريبة من الشك!
من كل ما سبق نخرج بسؤال وهو من أين خطر على قلوب كتبة الأناجيل الثلاثة كتابة هذه الفقرات عن يسوع؟
توجد عدة نصوص في العهد القديم تتحدث عن تشقق الجبال وتكسر الصخور نتيجة لتجلي مجد الرب لها، ومنها النصين التاليين:
- وكان كلام الرب إليه يقول ما لك ههنا يا إيليا،
فقال قد غِرت غيرة للرب إله الجنود لأن بني اسرائيل قد تركوا عهدك ونقضوا مذابحك،
وقتلوا أنبياءك بالسيف،
فبقيتُ أنا وحدي وهم يطلبون نفسي ليأخذوها،
فقال اخرج وقف على الجبل أمام الرب،
وإذا بالرب عابر وريح عظيمة وشديدة قد شقت الجبال،
وكسرت الصخور أمام الرب ولم يكن الرب في الريح،
وبعد الريح زلزلة، ولم يكن الرب في الزلزلة،
وبعد الزلزلة نار، ولم يكن الرب في النار،
وبعد النار صوت منخفض خفيف،
فلما سمع إيليا لفّ وجهه بردائه وخرج ووقف في باب المغارة وإذا بصوت إليه يقول مالك ههنا يا إيليا،
فقال غرت غيرة للرب إله الجنود لأن بني اسرائيل قد تركوا عهدك ونقضوا مذابحك،
وقتلوا أنبياءك بالسيف،
فبقيت أنا وحدي،
وهم يطلبون نفسي ليأخذوها. (الملوك الاول 19: 9-14)
في هذا النص نقرأ أن تجلي الرب للجبال أدى لتشققها وتكسر الصخور وحدوث زلزال ونيران وهذا يدل على عظمة الرب ومجده، فلمجرد تجلي الرب تحدث مثل هذه الظواهر، وأما ما كتبه متّى عن حدوث الزلزال وتكسر الصخور فهو جاء في باب الضعف والخزي الذي لحق بإلهه، مع أن ما كتبه لا يدل على أنه حدث كما سبق وأوضحت.
- يا رب بخروجك من سعير بصعودك من صحراء أدوم، الأرض ارتعدت،
السموات أيضاً قطرت، كذلك السحب قطرت ماء،
تزلزلت الجبال من وجه الرب، وسيناء هذا من وجه الرب إله اسرائيل. (قضاة 5: 4-5)
في هذا النص نقرأ ان الأرض ارتعدت خوفاً من الرب خالق السموات والأرض، والسموات قطرت والجبال تزلزلت، فأين هذه الصفات العظيمة من صفات يسوع الذي قام مجموعة من الناس بضربه وجلده ولطمه والبصق على وجهه ومن ثم قاموا بصلبه؟!
كما أن الرب الذي يعبده إيليا هو بالتأكيد ليس الإله الذي يعبده متّى كما في النص التالي:
وعند الظهر سخر بهم إيليا وقال ادعوا بصوت عال لأنه إله،
لعله مستغرق أو في خلوة أو في سفر أو لعله نائم فينتبه. (الملوك الاول 18: 27)
في هذا النص نقرأ ان إيليا سخر من الذين يعبدون آلهة لا تستجيب لمن يدعوها، أو يكونون في خلوة تاركين عبيدهم دون اهتمام، أو يتركونهم ويسافرون أو ينامون، وهذه الصفات كلها تنطبق على يسوع كما هو مكتوب في الاناجيل، كما في النصوص التالية:
- ولما دخل السفينة تبعه تلاميذه، وإذا اضطراب عظيم قد حدث في البحر حتى غطت الأمواج السفينة، وكان هو نائماً. (متّى 8: 23-24)
- فحدث نوْء ريح عظيم فكانت الأمواج تضرب إلى السفينة حتى صارت تمتلئ،
وكان هو في المؤخر، على وسادة نائماً فأيقظوه وقالوا له يا معلم أما يهمك أننا نهلك. (مرقس 4: 37-38)
- وفي أحد الأيام دخل سفينة هو وتلاميذه،
فقال لهم لنعبر الى عبر البحيرة، فأقلعوا وفيما هم سائرون نام فنزل نوء ريح في البحيرة وكانوا يمتلئون ماء وصاروا في خطر. (لوقا 8: 22-23)
- وكانت هناك بئر يعقوب، فإذا كان يسوع قد تعب من السفر جلس هكذا على البئر، وكان نحو الساعة السادسة. (يوحنا 4: 6)
فلا وجه للشبه بين الرب ويسوع، ولهذا نقرأ كل هذه الاختلافات والتناقضات بين نصوص العهد القديم التي تتحدث عن الرب الإله الحق خالق السموات والارض ونصوص الأناجيل التي تتحدث عن يسوع، وإن حاول كتبة الأناجيل أن يقتبسوا من العهد القديم نصوصاً ليعيدوا صياغتها في قصصهم عن يسوع، ولكن كل حرف في العهد القديم يدل على الفرق بين الرب ويسوع.
وأما كتابتهم عن انشقاق حجاب الهيكل فالاختلاف في تحديد وقت انشقاق حجاب الهيكل وعدم ذكر يوحنا له يشير الى عدم صحته، وأما من أين اخذ كتبة الاناجيل هذه الحادثة، فالنص التالي يظهر أصل هذه الحادثة:
- وأعطى في ذلك اليوم علامة قائلاً هذه هي العلامة التي تكلم بها الرب،
هوذا المذبح ينشق ويُذرى الرماد الذي عليه،
فلما سمع الملك كلام رجل الإله الذي نادى نحو المذبح في بيت ايل مد يربعام يده عن المذبح قائلاً أمسكوه،
فيبست يده التي مدها نحوه ولم يستطع ان يَرُدّها إليه،
وانشق المذبح وذري الرماد من على المذبح حسب العلامة التي أعطاها رجل الإله بكلام الرب،
فأجاب الملك وقال لرجل الإله تضرّع الى وجه الرب إلهك وصلّ من أجلي فترجع يدي إليّ،
فتضرع رجل الإله الى وجه الرب فرجعت يد الملك إليه وكانت كما في الأول. (الملوك الاول 13: 3-6)
هذا النص يتحدث عن نبوءة لشمعيا رجل الإله، أي النبي، على مذبح بيت إيل، وهو المذبح الذي بناه يعقوب للرب ولكنه في زمن شمعيا صار مذبحاً للآلهة التي عبدها بنو اسرائيل بعد كفرهم بالرب خالق السموات والارض وابتعادهم عن شريعته وعهده، وهذه النبوءة تحققت فيما بعد كما هو مذكور في العهد القديم، وفي النص معجزة لشمعيا تشبه ما كتبه متّى ومرقس ولوقا عن يسوع، ولعلهم قد اقتبسوها من هذا النص، وهي كما يلي:
- ثم انصرف من هناك وجاء الى مجمعهم،
وإذا إنسان يده يابسة، فسألوه قائلين هل يحل الإبراء في السُبُوت، لكي يشتكوا عليه،
فقال لهم أيّ إنسان منكم يكون له خروف واحد فإن سقط هذا في السبت في حفرة أفما يمسكه ويُقيمه، فالإنسان كم هو أفضل من الخروف، إذاً يَحِلُّ فعلُ الخير في السُبُوت، ثم قال للانسان مُدّ يدك فمدها، فعادت صحيحة كالأُخرى. (متّى 12: 9-13) و(مرقس 3: 1-6) و(لوقا 6: 6-11)
فالحديث عن انشقاق المذبح هو الذي اقتبس منه كتبة الأناجيل قصتهم عن انشقاق حجاب الهيكل!
وأما تفرد متّى بذكر قصة الأموات الذين قاموا من قبورهم، والذين لم يسمع بهم أحد ولم يرهم أحد، فهذا اقتبسه من عدة نصوص تتحدث عن إخراج الرب لبعض الناس من قبورهم، ومنها النص التالي:
- فقال لي تنبأ للروح يا ابن آدم وقل للروح هكذا قال السيد الرب هلمّ يا روح من الرياح الاربع وهُبّ على هؤلاء القتلى ليحيوا،
فتنبّأتُ كما أمرني،
فدخل فيهم الروح فحيوا،
وقاموا على أقدامهم جيش عظيم جداً جداً،
ثم قال لي يا ابن آدم هذه العظام هي كل بيت اسرائيل،
ها هم يقولون يبست عظامنا وهلك رجاؤنا، قد انقطعنا،
لذلك تنبأ وقل لهم هكذا قال السيد الرب هاأنذا أفتح قبوركم وأُصعدكم من قبوركم يا شعبي وآتي بكم الى أرض اسرائيل،
فتعلمون أني أنا الرب عند فتحي قبوركم وإصعادي إياكم من قبوركم يا شعبي،
وأجعل روحي فيكم فتحيون،
وأجعلكم في أرضكم فتعلمون أني أنا الرب تكلمت وأفعل، يقول الرب. (حزقيال 37: 9-14)
في هذا النص نقرأ ان الرب هو من أمر حزقيا بالطلب من هؤلاء الأموات الخروج من قبورهم ليعلموا ان الرب قادر على كل شيء، في حين أن من تحدث عنهم متّى، لو كانت القصة صحيحة، قد قاموا على إثر قيامة يسوع من الأموات وهو ما يدل على أنه لا يحمل الصفات التي تقولها عنه الأناجيل وقوانين إيمان الكنائس المختلفة لأن الرب حي لا يموت، من كل ما سبق نجد أن قانون لا تقبل خبراً كاذباً ينطبق على المعجزات التي قال كتبة الأناجيل أنها حدثت وقت صلب وموت يسوع.
35 - مصدر سبب إنزال يسوع عن الصليب
بعد عملية الصلب وموت يسوع تحدث كتبة الاناجيل عن إنزال يسوع عن الصليب قريباً من غياب شمس يوم الجمعة والبدء في دفنه، ولم يتحدث أحد منهم بالتفصيل عن السبب في إنزال يسوع عن الصليب في هذا الوقت إلا يوحنا، كما في النص التالي:
- ثم إذ كان استعداد فلكي لا تبقى الأجساد على الصليب في السبت لأن يوم ذلك السبت كان عظيماً،
سأل اليهود بيلاطس أن تكسر سيقانهم ويرفعوا،
فأتى العسكر وكسروا ساقيّ الأول والآخر المصلوب معه،
وأما يسوع فلما جاءوا إليه لم يكسروا ساقيه لأنهم رأوه قد مات،
ولكن واحداً من العسكر طعن جنبه بحربة،
وللوقت خرج دم وماء،
والذي عاين شهد وشهادته حق، وهو يعلم أنه يقول الحق لتؤمنوا أنتم،
لأن هذا كان ليتم الكتاب القائل عظم لا يكسر منه،
وأيضاً يقول كتاب آخر سينظرون الى الذي طعنوه. (يوحنا 19: 31-37)
في هذا النص يقول يوحنا إن السبب في إنزال يسوع عن الصليب قبل غياب شمس يوم الجمعة هو لأن ذلك السبت كان يوماً عظيماً، لهذا قام الجند بقطع أرجل اللصين ليموتا ولكنهم وجدوا يسوع ميتاً! فلم يقطعوا رجليه، وهذا النص كتبه يوحنا لأنه تحدث عن صلب يسوع وهو حي بناء على شريعة الرومان، كما بينت ذلك سابقاً، ولكنه بناء على تلك الشريعة فإنه لا يستطيع إنزال يسوع عن الصليب خلال بضع ساعات، لأن صلب الانسان وهو حيّ قد يستمر أسبوعاً أو أكثر، وإذا كتب هذا عن يسوع فهو بحاجة الى قصص كثيرة لكتابتها عنه وهو معلق على الصليب! والعهد القديم لا يوجد فيه قصص كثيرة تتحدث عن صلب الناس، فضلاً عن صلب الأقانيم الثلاثة! لهذا قام بكتابة هذا النص للقول ان إنزال يسوع عن الصليب كان بسبب أن ذلك السبت كان عظيماً، مع أن كتابة هذا النص بهذه الطريقة يحمل عدة أخطاء، منها ان الشريعة لا تفرق بين سبت وآخر فكلها سبوت فكلامه عن سبت عظيم لا معنى له، وكذلك لم يكن في شريعة الرومان ان المصلوب يُقتل قبل حلول الظلام سواء كان يوم سبت أو غيره من الايام بل يبقى المصلوب معلقاً حتى يموت، وقد يستمر معلقاً بعد الموت، لهذا تحدث عن إنزال يسوع عن الصليب قبل مغيب الشمس لأنه يوجد نصوص في العهد القديم تقول بعدم إبقاء المصلوب على الخشبة لما بعد غروب الشمس، كما في النص التالي:
- وإذا كان على إنسان خطية حقها الموت فقتل وعلّقته على خشبة،
فلا تبت جثته على الخشبة بل تدفنه في ذلك اليوم لأن المُعلق ملعون من الإله،
فلا تنجس أرضك التي يُعطيك الرب إلهك نصيباً. (التثنية 21: 22-23)
فالعهد القديم كما نقرأ يقول ان من يُقتل نتيجة لارتكابه جريمة تستحق الموت ثم يقومون بتعليقه على الخشبة يجب أن لا يبيت معلقاً عليها، بل يقومون بإنزاله عنها قبل حلول الليل، ولم يُحدد يوما معيناً سواء سبت عظيم أو غير عظيم! أو أحد أو خميس أو غيرها من الأيام كما كتب يوحنا عن السبت العظيم، كما نقرأ في النص أيضاً ان المصلوب ملعون، وهو ما قاله بولس عن يسوع كما في النص التالي:
المسيح افتدانا من لعنة الناموس إذ صار لعنة لأجلنا،
لأنه مكتوب ملعون كل من عُلق على خشبة. (غلاطية 3: 13)
ومن هنا أقول إن كتابة قصة إنزال يسوع عن الصليب قبل السبت مقتبس من شريعة اليهود، مع أن يوحنا كتب أن يسوع صُلب حياً بناء على شريعة الرومان!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق