الثلاثاء، 24 يوليو 2018

مصدر قصة التجلي في الأناجيل، ومصدر قول الأناجيل أن الرب سُرّ بيسوع، ومصدر قول الأناجيل عن تمجد يسوع، ومصدر قصة تحذير اليهود ليسوع من أن هيرودس يريد أن يقتله، ومصدر قول الأناجيل مبارك الآتي باسم الرب

الفصل الثالث: مصادر الأناجيل وطريقة تأليفها وكتابتها

القسم السادس: النصوص المقتبسة من العهد القديم دون نسبتها له مباشرة
في هذا القسم سأقوم بدراسة النصوص المقتبسة من العهد القديم والتي لم تُنسب إليه مباشرة، كما هو الحال في الأقسام السابقة، أو ما أُطلق عليه الحبكة القصصية والحوارية، وفيه سنطلع على معظم الأحداث والقصص والأقوال المذكورة في الأناجيل ومقارنتها بالعهد القديم وبواقع حال يسوع كما تصفه قوانين إيمان الكنائس، وأبدأ ببعض أسماء وألقاب يسوع.
10 - مصدر قصة التجليصعود يسوع على جبل وتكليم الرب له من السحابة وبياض وجهه
تذكر الاناجيل قصة التجلي وهي صعود يسوع مع بعض تلاميذه على جبل عال ولقائه بموسى وإيليا، وسماعهم صوتاً من السماء يقول هذا ابني الحبيب له اسمعوا، وقبل البدء بمناقشتها وإظهار مصادرها من العهد القديم لنقرأ القصة كما ذكرتها الأناجيل.
- وبعد ستة أيام أخذ يسوع بطرس ويعقوب ويوحنا أخاه وصعد بهم الى جبل عال منفردين،
وتغيرت هيئته قدّامهم وأضاء وجهه كالشمس وصارت ثيابه بيضاء كالنور،
وإذا موسى وإيليا ظهر لهم يتكلمان معه،
فجعل بطرس يقول ليسوع يا رب جيد أن نكون ههنا،
فإن شئت نصنع هنا ثلاث مظال، لك واحدة ولموسى واحدة ولإيليا واحدة،
وفيما هو يتكلم إذا سحابة نيّرة ظللتهم وصوت من السحابة قائلاً هذا هو ابني الحبيب الذي به سُررت، له اسمعوا،
ولما سمع التلاميذ سقطوا على وجوههم وخافوا جداً،
فجاء يسوع ولمسهم وقال قوموا ولا تخافوا،
فرفعوا أعينهم ولم يروا أحداً إلا يسوع وحده، (متّى 17: 1-8)
- وبعد ستة أيام أخذ يسوع بطرس ويعقوب ويوحنا وصعد بهم الى جبل عال منفردين وحدهم، وتغيّرت هيئته قدّامهم،
وصارت ثيابه تلمع بيضاء جداً كالثلج لا يقدر قصّار على الارض أن يُبيّض مثل ذلك،
وظهر لهم إيليا مع موسى، وكانا يتكلمان مع يسوع،
فجعل بطرس يقول ليسوع يا سيدي جيد أن نكون ههنا،
فلنصنع ثلاث مظال، لك واحدة ولموسى واحدة ولإيليا واحدة،
لأنه لم يكن يعلم ما يتكلم به إذ كانوا مرتعبين،
وكانت سحابة تظللهم فجاء صوت من السحابة قائلاً هذا هو ابني الحبيب له اسمعوا،
فنظروا حولهم بغتة ولم يروا أحداً غير يسوع وحده معهم. (مرقس 9: 1-8)
- وبعد هذا الكلام بنحو ثمانية أيام أخذ بطرس ويوحنا ويعقوب وصعد الى جبل ليُصلي،
وفيما هو يصلي صارت هيئة وجهه متغيرة ولباسه مبيضاً لامعاً،
وإذا رجلان يتكلمان معه وهما موسى وإيليا،
اللذان ظهرا بمجد وتكلما عن خروجه الذي كان عتيداً أن يُكمّله في أُورشليم،
وأما بطرس واللذان معه فكانوا قد تثقلوا بالنوم،
فلما استيقظوا رأوا مجده والرجلين الواقفين معه،
وفيما هما يفارقانه قال بطرس ليسوع يا معلم جيد ان نكون ههنا،
فلنصنع ثلاث مظال، لك واحدة ولموسى واحدة ولإيليا واحدة،
وهو لا يعلم ما يقول،
وفيما هو يقول ذلك كانت سحابة فظللتهم فخافوا عندما دخلوا في السحابة،
وصار صوت من السحابة قائلاً هذا هو ابني الحبيب له اسمعوا،
ولما كان الصوت وُجد يسوع وحده،
وأما هم فسكتوا ولم يُخبروا أحداً في تلك الأيام بشيء مما أبصروه. (لوقا 9: 28-36)
هذه هي قصة التجلي وصعود يسوع على جبل عال أيضاً والتقائه بموسى وإيليا كما ذكرتها الاناجيل الثلاثة وهي تثير بعض الملاحظات التي أود ان أسجلها قبل ذكر نصوص العهد القديم.
الملاحظة الأولى وهي ما تحدثتُ عنه سابقاً من انه لا توجد أقوال تنسب للرب مباشرة، إن جاز نسبتها للرب، في الاناجيل سوى جملة هذا ابني الحبيب وجملة ثانية فقط، بعكس أسفار العهد القديم المليئة بالنصوص التي تقول ان الرب فعل والرب قال والرب أمر والرب أوحى الى غير ذلك من النصوص التي تتحدث عن الرب مباشرة!
وفي هذه القصة نرى ان متّى قد زاد فقرة على النص المنسوب للرب في قصة التعميد، وهي قوله اسمعوا له، في حين أن مرقس ولوقا لم يذكرا فقرة الذي به سررت واكتفوا بكتابة له اسمعوا، فهل سمع التلاميذ والكنائس له؟
فعندما قال يسوع انه لم يرسل إلا الى خراف بيت اسرائيل الضالة هل سمعوا له، أم توجهوا لدعوة غير اليهود الذين لم يُرسل يسوع لهم كما قال؟
وعندما قال يسوع ومن لا يحمل صليبه ويأتي ورائي فلا يقدر أن يكون تلميذاً لي، هل سمع له التلاميذ، أم أنهم كلهم هربوا عنه وقت إلقاء القبض عليه؟!
وعندما قال يسوع انه ما جاء لينقض الناموس بل ليُكمل، هل التزم تلاميذه بتعاليم الناموس أم خالفوا معظمها، وخاصة عبادة الرب وحده والختان وتحريم لحوم الخنازير والالتزام بالسبت وغيرها من الشرائع المذكورة في الناموس؟
الملاحظة الثانية وهي على موقف التلاميذ في هذه القصة، فالنصوص تقول انهم كانوا مرتعبين وخافوا جداً، وان بطرس عندما قال لنصنع ثلاث مظال لم يكن يعلم ما يقول لأنهم كانوا قد تثقلوا بالنوم، وهذا النوم صفة ملازمة للتلاميذ حتى في اشدّ الأوقات صعوبة على يسوع، وأعني به ليلة القبض عليه، فقد أمر يسوع تلاميذه ان يسهروا معه ويُصلوا كي يساعدوه في إبعاد الصلب عنه إلا أنهم لم يسمعوا له وامضوا الليلة نياماً!
الملاحظة الثالثة وهي على قول لوقا وإذا رجلان يتكلمان معه وهما موسى وإيليا، اللذان ظهرا بمجد وتكلما عن خروجه الذي كان عتيداً أن يكمله في أورشليم، فهل حقاً كان خروج يسوع في أُورشليم كاملاً ويدل على مظاهر المجد والعظمة وهو معلق على الصليب ويصرخ بصوت عظيم إلهي إلهي لماذا تركتني!
الملاحظة الرابعة وهي لماذا إغفل يوحنا كتابة هذه القصة، مع أنه كان موجوداً فيها كما كتب متّى ومرقس ولوقا، وهي قصة تدل على مكانة عظيمة لمن اشترك فيها وخاصة سماعهم للصوت الذي جاء من السحابة، والغريب في الأمر أن يوحنا لم يكتب عن الصوت الذي جاء من السحابة وقت التعميد أيضاً، فلماذا لم يكتب يوحنا هذه القصة وغيرها من القصص التي كتبها الباقون؟!
هل أخفى يوحنا هذه القصة على منهجه في إخفاء الكثير من أحوال يسوع كما صرح بذلك في إنجيله، كما في النصين التاليين:
- وآيات أُخر كثيرة صنع يسوع قدّام تلاميذه لم تكتب في هذا الكتاب،
وأما هذه فقد كتبت لتؤمنوا أن يسوع هو المسيح ابن الإله،
ولكي تكون لكم إذا آمنتم حياة باسمه. (يوحنا 20: 30-31)
- وأشياء أُخر كثيرة صنعها يسوع إن كتبت واحدة واحدة فلست أظن أن العالم نفسه يسع الكتب المكتوبة. (يوحنا 21: 25)
أم أنه لم يقتنع بكتابة قصة تستند الى النصوص التي اعتمد عليها الآخرون لأنه لا يمكن كتابة مثل هذه القصة دون ظهور التناقض مع ما يؤمن به من صفات ليسوع، فمن أين اقتبس هؤلاء هذه القصة؟
لنقرأ النصوص التالية:
- فصعد موسى إلى الجبل فغطى السحاب الجبل، وحلّ مجد الرب على جبل سيناء وغطاه السحاب ستة أيام وفي اليوم السابع دعي موسى من وسط السحاب. (خروج 24: 15-16)
- وكان لما نزل موسى من جبل سيناء ولوحا الشهادة في يد موسى عند نزوله من الجبل أن موسى لم يعلم أن جلد وجهه صار يلمع في كلامه معه،
فنظر هارون وجميع بني إسرائيل موسى وإذا جلد وجهه يلمع فخافوا ان يقتربوا إليه،
فدعاهم موسى فرجع إليه هارون وجميع الرؤساء في الجماعة فكلمهم موسى،
وبعد ذلك اقترب جميع بني إسرائيل فأوصاهم بكل ما تكلم به الرب معه في جبل سيناء،
ولما فرغ موسى من الكلام معهم جعل على وجهه برقعاً. (خروج 34: 29-33)
- فوقف الشعب من بعيد وأما موسى فاقترب الى الضباب حيث كان الإله. (خروج 20: 21)
هذه النصوص تتحدث عن صعود موسى على جبل سيناء، وان  مجد الرب تجلى على جبل سيناء، وأن الرب كلم موسى من وسط السحاب وأعطاه الوصايا، وان وجه موسى تغير عندما نزل من جبل سيناء وأصبح يلمع من النور حتى اضطر لوضع برقعاً على وجهه لحماية بني اسرائيل من نور وجهه.
وبمقارنة بسيطة بين القصتين نجد عدة ملاحظات تؤكد ان قصة الاناجيل ليست حقيقية وأنها مقتبسة من قصة موسى.
الملاحظة الأولى وهي ان قصة موسى كما ذكرت في العهد القديم تقول انه ذهب للقاء الرب، وبعيداً عن ايماننا بان الرب لا ينزل في السحاب على الحقيقة كما يستشف من القصة، إلا أننا نجد أن القصة تتحدث عن لقاء اثنين متمايزين في الصفات كلها، فالأول هو الرب الخالق والثاني هو العبد المخلوق، فاللقاء بينهما هو من باب لقاء الاغيار، وأما قصة يسوع فهي تثير عدة إشكاليات في المعتقد الكنسي الذي يقول ان الاقانيم الثلاثة متحدون مع بعضهم البعض وغير منفصلين فهو يعني لقاء الواحد مع نفسه، وما الحاجة للقاء الواحد مع نفسه؟!
قد يقول قائل ان هذا قد يحدث لسبب معين كزيادة إيمان التلاميذ الذين أخذهم يسوع معه! أو تلقيه شرائع كما حدث مع موسى إذ انه تلقى في تلك القصة الوصايا.
هذا السبب يكون وجيهاً لو ان التلاميذ كانوا حقاً هم المقصودين في هذه القصة فهم كما تذكر القصة كانوا مرعوبين وخائفين وكانوا متثقلين بالنوم حتى انهم لم يكونوا يعرفون ما يقولون! كما أن يسوع لم يتلق أيّ شرائع كما حدث مع موسى.
الملاحظة الثانية وهي عن أثر هذا اللقاء على موسى ويسوع، فالأول نزل من جبل سيناء ووجهه صار يلمع من النور، حتى اضطر موسى لوضع برقعاً لحماية بني اسرائيل من نور وجهه، وأما يسوع فان وجهه أضاء كالشمس ولكن هذا الضوء اختفى من وجهه في نهاية القصة، لأن كتبة الأناجيل سيكتبون بعد بضعة صفحات ان يسوع سوف يُلطم على وجهه ويُبصق عليه ويُجلد وفي اليوم التالي يُصلب ويُعلق بين لصين كانا يجدفان عليه، فأي فائدة ان يبقى وجهه مضيء؟! بخلاف موسى الذي سيستمر في قيادة شعبه حتى يوصلهم الى الارض التي وعدهم الرب بها.
من هذا الشرح أستطيع القول ان قصة التجلي التي ذكرتها الاناجيل مقتبسة من قصة صعود موسى على جبل سيناء، كعادة كتبة الاناجيل في اقتباس قصص العهد القديم وكتابتها في أناجيلهم لإضفاء حالة من المصداقية والقداسة عليها وللقول ان مصدرهما واحد! وهذا يدل على أن قانون لا تقبل خبراً كاذباً ينطبق على قصة التجلي.
11 - مصدر قول الأناجيل عن سرور الرب بيسوع
قرأنا في القصة السابقة وفي قصة التعميد فقرات تتحدث عن صوت سُمع من السماء يقول هذا ابني الحبيب الذي به سررت، فهل هذه الفقرات تدل على أن الموجهة إليه يحمل صفات إلهية توجب الخضوع له بالعبادة، وهل تدل على تعدد الآلهة، أم أنها مقتبسة من العهد القديم، ووضعت في الأناجيل لخدمة ما يؤمن به كتبة الاناجيل وهدفهم من تأليفها؟ وقبل مناقشتها سأُوردها جميعاً.
- وصوت من السماء قائلاً هذا هو ابني الحبيب الذي به سُررت. (متّى 3: 17)
- وللوقت وهو صاعد من الماء رأى السماء قد انشقت والروح مثل حمامة نازلاً عليه،
وكان صوت من السماء أنت ابني الحبيب الذي به سُررت. (مرقس 1: 10-11)
- ولما اعتمد جميع الشعب اعتمد يسوع أيضاً،
وإذ كان يُصلي انفتحت السماء ونزل عليه الروح المقدس بهيئة جسمية مثل حمامة وكان صوت من السماء قائلاً أنت ابني الحبيب بك سُررت. (لوقا 3: 21-22)
- وفيما هو يتكلم إذا سحابة نيرة ظللتهم وصوت من السحابة قائلاً هذا هو ابني الحبيب الذي به سُررت، له اسمعوا. (متّى 17: 5)
- وكانت سحابة تظللهم فجاء صوت من السحابة قائلاً هذا هو ابني الحبيب،
له اسمعوا. (مرقس 9: 7)
- وفيما هو يقول ذلك كانت سحابة فظللتهم ، فخافوا عندما دخلوا في السحابة،
وصار صوت من السحابة قائلاً هذا هو ابني الحبيب، له اسمعوا. (لوقا 9: 34-35)
هذه النصوص هي الوحيدة، بالإضافة لجملة ثانية كتبها يوحنا في إنجيله تقول مجّدت وأُمجّد، التي تقول الاناجيل أن الرب قالها مباشرة، وهي كما نقرأ عبارة عن جملة واحدة مع حذف الذي به سُررت في النصين الأخيرين، وزيادة فقرة له اسمعوا في النصوص الثلاثة الأخيرة، وهذا الأمر مستغرب وهو بخلاف العهد القديم المليء بنصوص تتحدث عن كلام الرب مباشرة كما بينت ذلك سابقاً، كما أن هذا السرور يتناقض مع ما كتبته الاناجيل عن يسوع، سواء ما تعرض له أثناء المحاكمة أو وهو معلق على الصليب ويصرخ إلهي إلهي لماذا تركتني، فلو كانت هذه النصوص صحيحة لحدث مع يسوع ما كان يحدث مع الأشخاص الذين كان الرب يُسَرّ بهم في العهد القديم، كما في النصوص التالية:
وكلم داوُد الرب بكلام هذا النشيد في اليوم الذي أنقذه فيه الرب من أيدي كل أعدائه ومن يد شاول فقال،
الرب صخرتي وحصني ومُنقذي، إله صخرتي به أحتمي، ترسي وقرن خلاصي، ملجأي ومناصي مُخلصي من الظلم تخلصني،
أدعو الرب الحميد فأتخلص من أعدائي. (صموئيل الثاني 22: 1-4)
- أرسل من العُلى فأخذني، نشلني من مياه كثيرة، أنقذني من عدوي القوي من مُبغضيّ لأنهم أقوي مني،
أصابوني في يوم بليّتي وكان الرب سَندي،
أخرجني الى الرحب،
خلّصني لأنه سُرّ بي،
يُكافئني الرب حسب برّي حسب طهارة يديّ يرد عليّ، لأني حفظت طرق الرب ولم أعص إلهي،
لأن جميع أحكامه أمامي وفرائضه لا أحيد عنها،
وأكون كاملاً لديه وأتحفظ من إثمي،
فيَرُدُّ الربُّ عليّ كبرّي وكطاهرتي أمام عينيه. (صموئيل الثاني 22: 17-25)
- أنقذني من عدوي القوي ومن مُبغضيّ لأنهم أقوى مني،
أصابوني في يوم بليتي وكان الرب سندي، أخرجني إلى الرّحب،
خلصني لأنه سُرّ بي،
يُكافئني الرب حسب برّي، حسب طهارة يدي يردُّ لي،
لأني حفظت طرق الرب ولم أعص إلهي،
لأن جميع أحكامه أمامي وفرائضه لم أُبعدها عن نفسي. (مزمور 18: 17-22)
فداوُد في هذه النصوص يقول ان الرب أنقذه من يد أعدائه وخلصه، وأن الرب سُرّ به لأنه حفظ طرق الرب ولم يعصه، وأنه يلتزم بكل أحكام الرب وفرائضه، فهل عدم تخليص الرب ليسوع كما هو مكتوب في الاناجيل دليل على أن سرور الرب به في هذه النصوص كان قد انتهى، أم إن هذه النصوص اقتبست من العهد القديم ووضعت في هذا الإطار لتخدم أهداف كتبة الاناجيل؟
لنقرأ النص التالي:
- وقد اختارني الرب إله اسرائيل من كل بيت أبي لأكون ملكاً على اسرائيل الى الأبد، لأنه إنما اختار يهوذا رئيساً ومن بيت يهوذا بيت أبي ومن بني أبي سُرّ بي ليُملكني على كل اسرائيل،
ومن كل بنيّ، لأن الرب أعطاني بنين كثيرين، إنما اختار سليمان ابني ليجلس على كرسي مملكة الرب على اسرائيل،
وقال لي إن سليمان ابنك هو يبني بيتي ودياري،
لأني اخترته لي ابناً وأنا أكون له أبا،
وأُثبّت مملكته الى الأبد، إذا تشدد للعمل حسب وصاياي وأحكامي كهذا اليوم،
والآن في أعين كل إسرائيل محفل الرب وفي سماع إلهنا احفظوا واطلبوا جميع وصايا الرب إلهكم لكي ترثوا الأرض الجيدة وتورّثوها لأولادكم بعدكم إلى الأبد،
وأنت يا سليمان ابني اعرف إله أبيك واعبده بقلب كامل ونفس راغبة لأن الرب يفحص جميع القلوب ويفهم كل تصورات الأفكار،
فإذا طلبته يُوجد منك وإذا تركته يرفضك الى الأبد. (اخبار الايام الاول 28: 4-9)
في هذا النص يقول داوُد ان الرب سُرّ به فجعله ملكاً على اسرائيل، وأن الرب اختار سليمان ابناً له، ومع قوله هذا إلا أنه لا يقصد البنوة الحقيقية كما تقول الكنائس عن يسوع، لأنه يتابع القول فيأمر سليمان بعبادة الرب بقلب كامل وأنه إذا ترك عبادة الرب فإنه سيرفضه، إنني أكاد أجزم أن كتبة الاناجيل قد أخذوا جملة سرور الرب بيسوع من هذا النص.
إن كتبة الاناجيل وهم يقرؤون بعض النصوص التي تتحدث عن أبناء للرب أو أن الرب أبو أحدٍ من البشر جعلهم يسارعون الى إلصاقها بيسوع في إطار قصصي متجاهلين ما تحمله من معان تظهر أن البنوة أو الأبوة إنما هي من باب المحبة والعبودية كما هي في هذا النص، فبعد أن قال إن سليمان هو ابن للرب وان الرب أبوه عقب بالقول وأنت يا سليمان ابني اعرف إله أبيك واعبده بقلب كامل ونفس راغبة لأن الرب يفحص جميع القلوب ويفهم كل تصورات الأفكار، فإذا طلبته يوجد منك وإذا تركته يرفضك الى الأبد، فهذا التعقيب هو الشارح والمفسر لفقرتي ابن الرب وان الرب أبوه، لأنه يُصرح بعبودية سليمان للرب، وان سليمان إذا ترك عبادة الرب بقلب كامل ونفس راغبة فانه لن ينفعه قول أن الرب اختاره ابناً أو أن الرب أبوه، فهل نقول إن ترك الرب ليسوع معلقاً على الخشبة لأنه لم يعبد الرب بقلب كامل ونفس راغبة وان الرب فحص قلب يسوع فلم يجده كاملاً وهو ما تجاهله كتبة الاناجيل ومن بعدهم الكنائس المختلفة؟!
- ليكن مباركاً الرب إلهك الذي سُرّ بك وجعلك على كرسي اسرائيل،
لأن الرب أحب اسرائيل الى الأبد جعلك ملكاً لتُجري حُكماً وبرّاً،
وأعطت الملك مئة وعشرين وزنة ذهب وأطياباً كثيرة جداً وحجارة كريمة، لم يأت بعدُ مثل ذلك الطيب في الكثرة الذي أعطته ملكة سبأ للملك سليمان. (الملوك الاول 10: 9-10)
هذا النص يتحدث عن سليمان أيضاً وان الرب سُرّ به ولهذا جعله ملكاً على بني اسرائيل، وهذا بخلاف ما كتبته الاناجيل عن يسوع فسرور الرب به لم يجعله ملكاً على اسرائيل!
وهنا قد يقول بعضهم إن سرور الرب بأحد لا يعني انه سيصبح ملكاً؟
وهذا القول صحيح بشكل عام، إلا أن ما يُشكك في صحته بالنسبة الى يسوع هو النبوءات المكتوبة في الأناجيل على لسان ملاك الرب وزكريا وغيرهما والتي تقول إن يسوع هو ملك اليهود، كما أن قول هذا القائل يكون صحيحاً بحق يسوع لولا أن صراخه على إلهه لم يملأ آذاننا وهو يقول إلهي إلهي لماذا تركتني وهو معلق على الصليب!
من هذا الشرح أستطيع القول ان جملة هذا ابني الذي سررت به ليست جملة صحيحة بل هي مقتبسة من العهد القديم ووضعت في إطار قصصي ظهر لنا ما يشوبها من تناقضات وأخطاء.
وأما فقرة اسمعوا له فقد وجدت شبيهاً لها في العهد القديم مما يشير الى أن كتبة الاناجيل اقتبسوها أيضاً منه على طريقتهم في كتابة الاناجيل، وهي مذكورة في النص التالي:
يُقيم لك الرب إلهك نبياً من وسط إخوتك مثلي،
له تسمعون. (تثنية 18: 15)
هذا النص يتكلم عن طلب الرب من بني اسرائيل السمع للنبي الذي سيُقيمه لهم من إخوتهم، وهذا النص استشهد به لوقا في أعمال الرسل في خطبة استفانوس، (أعمال الرسل 7: 37)، ولكن الفرق كبير بين النبي ومن تقول عنه الاناجيل والكنائس أنه ابن الإله وأحد الاقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر، ومع هذا فلم يسمع التلاميذ له، كما بينت ذلك في كتاب شخصيات الأناجيل فصل شخصيات التلاميذ!
12 - مصدر قول الأناجيل عن تمجد يسوع
الجملة الثانية التي قال كتبة الأناجيل ان الناس سمعوها من السماء هي مجّدت وأُمجّد وقد كتبت في إنجيل يوحنا وحده، وهي كما يلي:
- الآن نفسي قد اضطربت، وماذا أقول أيها الأب نجِّني من هذه الساعة، ولكن لأجل هذا أتيت الى هذه الساعة،
أيها الأب مجّد اسمك،
فجاء صوت من السماء مجّدت وأُمجّد أيضاً،
فالجمع الذي كان واقفاً وسمع قال قد حدث رعد، وآخرون قالوا قد كلمه ملاك،
أجاب يسوع وقال ليس من أجلي صار هذا الصوت بل من أجلكم،
الآن دينونة هذا العالم، الآن يُطرح رئيس هذا العالم خارجاً. (يوحنا 12: 27-31)
هذا النص محاولة من يوحنا لإثبات ان يسوع كان راضياً وعالماً بعملية الصلب، والقول ان عملية الصلب حالة تمجيد له، وكتب عن الصوت الذي سُمع من السماء مجّدت وأُمجّد، ولكن لو تأملنا جيداً في النص لوجدنا أن يوحنا زاد الأمر تعقيداً على أتباع الكنائس الطيبين في الإيمان بأن عملية الصلب حالة من المجد وذلك لعدة أسباب.
السبب الأول وهو قول يسوع الآن نفسي قد اضطربت، فهذا القول ينقض كل قوانين إيمان الكنائس التي تتحدث عن حمل يسوع لصفات إلهية، لأن الإضطراب من صفات البشر وليس من صفات الرب خالق السموات والأرض.
السبب الثاني وهو ما كتبه يوحنا على لسان يسوع بالقول انه لأجل الصلب أتى الى هذه الساعة، فهذا يتناقض مع ما كتبته الأناجيل الأُخرى عن صراخه الى إلهه وقوله إلهي إلهي لماذا تركتني، فلو كان ما كتبه يوحنا صحيحاً لما كتبوا عن هذا الصراخ، فهذا دليل على أن ما كتبوه جميعهم ليس وحياً لأن الوحي لا يتناقض.
السبب الثالث وهو موقف تلك الجموع من الصوت الذي سمعوه، هذا إذا كانوا قد سمعوه، فبعضهم قالوا قد حدث رعد وآخرون قالوا قد كلمه ملاك، وفي الحالتين فانه لا يوجد دليل على أنهم سمعوا شيئاً، لأنه لا يوجد من بين ذلك الجمع أحد يعرف لغة الرعد أو لغة الملائكة.
السبب الرابع وهو ان المجد والتمجّد الذي تحدث عنه أب يسوع يتناقض مع مجد الرب وتمجّده، فالرب يتمجّد ويُمجّد ذاته بالأعمال العظيمة التي تظهر عظمته وقوته، بخلاف ما نُسب لأب يسوع الذي اعتبر ان محاكمة يسوع وجلده وإهانته والبصق عليه وصلبه حالة من المجد والتمجّد، وفي هذا دليل على أن أب يسوع لا علاقة له بالرب خالق السموات.
- وها أنا أُشدّد قلوب المصريين حتى يدخلوا وراءهم، فأتمجّد بفرعون وكل جيشه بمركباته وفرسانه،
فيعرف المصريون أني أنا الرب حين أتمجّد بفرعون ومركباته وفرسانه. (خروج 14: 17-18)
- وقل هكذا قال السيد الرب هاأنذا عليك يا صيدون وسأتمجّد في وسطك فيعلمون أني أنا الرب حين أُجري فيها أحكاماً وأتقدس فيها. (حزقيال 28: 22)
في هذين النصين نرى حقيقة مجد الرب خالق السموات والأرض، فهو تمجّدَ عندما شق البحر وأغرق فرعون وجنوده وكذلك عندما أباد صيدون، فهذا مجّد الرب، فأين هذا من تمجّد أب يسوع وهو مُعلق على الصليب ويصرخ إلهي إلهي لماذا تركتني!
كما أن حالة الذل لا يُطلق عليها مجداً والدليل على ذلك هو النص التالي:
- فقالت زال المجد من إسرائيل لأن تابوت الإله قد أُخذ. (صموئيل الاول 4: 22)
هذا النص يبين أن المجد قد زال من إسرائيل لأن تابوت الإله قد أخذه الأعداء، فكيف لو سمعت هذه المرأة عن صلب يسوع وما جرى له في المحاكمة هل ستقول عنه إنه تمجّد؟!
لهذا أقول ان يوحنا كتب قصته عن الصوت الذي سُمع من السماء من خلال اقتباسه لما جاء في بعض نصوص العهد القديم التي تتحدث عن مجد الرب، مع فارق وحيد وهو أن مجد الرب دليل على عظمته في حين أن ما كتبه يوحنا عن مجد أب يسوع ويسوع دليل على مهانة وذل وليس مجداً.
وتبقى مسألة أخيرة وهي من أين اقتبس يوحنا قوله عن الرعد الذي سمعه الناس الحاضرون في قصته؟
لنقرأ النص التالي:
- وبينما كان صموئيل يُصعِد المُحرَقة تقدم الفلسطينيون لمُحاربة إسرائيل فأرعد الرب بصوت عظيم في ذلك اليوم على الفلسطينيين وأزعجهم فانكسروا أمام إسرائيل. (صموئيل الاول 7: 10)
من هذا النص اقتبس يوحنا ما كتبه عن الصوت الذي سمع من السماء ولا أرغب في التعليق عليه ففيما سبق كفاية.
13 - مصدر قصة تحذير الفريسيين ليسوع من أن هيرودس يريد أن يقتله
تمهيداً لقصة دخول يسوع الى أورشليم راكباً على حمارة وجحش التي ناقشتها سابقاً كتب لوقا قصة عن تحذير الفريسيين ليسوع من هيرودس ورده عليهم، كما في النص التالي:
- في ذلك اليوم تقدم بعض الفريسيين قائلين له أخرج واذهب من ههنا لأن هيرودس يُريد أن يقتلك،
فقال لهم امضوا وقولوا لهذا الثعلب ها أنا أُخرج شياطين وأشفي اليوم وغداً وفي اليوم الثالث أُكمّل،
بل ينبغي أن أسير اليوم وغداً وما يليه لأنه لا يمكن أن يَهلك نبي خارجاً عن أورشليم. (لوقا 13: 31-33)
في هذا النص يكتب لوقا أن يسوع قال للفريسيين، عندما حذروه من سعي هيرودس لقتله، أنه سيُخرج الشياطين ويشفي المرضى اليوم وغداً وفي اليوم الثالث يُكمل، وانه ينبغي أن يسير اليوم وغداً والذي يليه لأنه لا يمكن ان يهلك نبي خارجاً عن أُورشليم.
في الحقيقة إن الإنسان ليعجب أشد العجب وهو يقرأ الاناجيل عندما يرى هذا الكم الهائل من الأخطاء والتناقضات، والتي في أحيان كثيرة تكون في الإنجيل الواحد أو في الإصحاح الواحد كما هو الحال في هذا النص!
فهذا النص الذي نحن بصدد مناقشته يحمل عدة أخطاء في نسق واحد!
الخطأ الأول وهو قول يسوع، أو بمعنى أدق ما كتبه لوقا على لسان يسوع، انه لا يمكن ان يهلك نبي خارجاً عن أورشليم! فكل من له أدنى اطلاع على العهد القديم يعلم ان عشرات الانبياء ماتوا خارجاً عن أورشليم، بدءاً من إبراهيم وإسحاق ويعقوب ويوسف وانتهاءاً بموسى وهارون وغيرهم من أنبياء بني اسرائيل فكيف خطر على عقل لوقا ان يكتب على لسان يسوع قوله انه لا يمكن أن يهلك نبي خارجاً عن أورشليم، لو كان كتب إنجيله بأي طريقة من طرق البحث العلمي، فضلاً عن أن يكون قد كتبه عن طريق الوحي أو بسوق من الروح المقدس؟!
الخطأ الثاني وهو قوله انه ذاهب الى أورشليم لأنه لا يمكن ان يهلك نبي خارجاً عنها، فهذا دليل على انه يعتبر نفسه نبياً وهو ما يتناقض مع ما تصفه به الاناجيل والكنائس باعتباره إله وابن إله وأحد الاقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر!
الخطأ الثالث وهو قوله امضوا وقولوا لهذا الثعلب ها أنا اخرج شياطين واشفي اليوم وغداً وفي اليوم الثالث أُكمّل، فهذا يُشير الى أن نهايته ستكون بعد ثلاثة أيام، وهذا خطأ لأن هذا النص مكتوب على لسان يسوع وهو في أريحا وبعد ذلك توجه الى أُورشليم وبقي فيها مدة اسبوع، وهو ما يعرف باسبوع الآلام، أي انه أمضى أكثر من سبعة أيام قبل صلبه، والذي كتب يوحنا على لسان يسوع وهو على الصليب أنه قال قد أُكمل. (يوحنا 19: 30)! مما يعني أن قوله وفي اليوم الثالث أُكمل غير صحيح.
الخطأ الرابع وهو قول لوقا ان هيرودس كان يريد ان يقتل يسوع، لأنه كتب في إنجيله ان هيرودس فرح عندما رأى يسوع كما في النص التالي:
- وأما هيرودس فلمّا رأى يسوع فرح جداً،
لأنه كان يريد من زمان طويل أن يراه لسماعه عنه أشياء كثيرة وترجّى أن يرى آية تُصنع منه. (لوقا 23: 8)
فكما نلاحظ فإن هيرودس فرح جداً برؤية يسوع كما كتب لوقا نفسه، فكيف كتب انه كان يريد قتله؟!
فلو كان يريد قتله لما فرح برؤيته، لا بل ان لوقا نفسه كتب على لسان بيلاطس جملة تؤكد ان هيرودس لم يكن يريد قتل يسوع كما في النص التالي:
- فدعا بيلاطس رؤساء الكهنة والعظماء والشعب، وقال لهم قد قدّمتم إليّ هذا الانسان كمن يُفسد الشعب، وها أنا قد فحصت قدّامكم ولم أجد في هذا الانسان علّة مما تشتكون به عليه،
ولا هيرودس أيضاً، لأني أرسلتكم إليه،
وها لا شيء يستحق الموت صُنع منه، فأنا أُؤدبه وأُطلقه. (لوقا 23: 13-16)
فهيرودس كما قال بيلاطس عنه لم ير شيئاً من يسوع يستوجب القتل، فلماذا كتب لوقا هذا النص وهو أول من نقضه؟!
ان كتبة الاناجيل ومنهم لوقا كانوا وهم يكتبون عن يسوع يتقمصون شخصيات العهد القديم، وهو ما ظهر لنا كثيراً في هذا الكتاب، وهذا النص ليس بعيداً عن هذا المنهج والطريقة، ولإثبات هذه النتيجة لنقرأ النص التالي:
فقال الرب لموسى اذهب الى الشعب وقدِّسهم اليوم وغداً وليغسلوا ثيابهم،
ويكونوا مستعدين لليوم الثالث. (خروج 19: 10-11)
إن قراءة لوقا لهذا النص، أو لغيره، جعله يُسارع الى كتابة نص شبيه به وان كان مضمونه يختلف عن نص الخروج كما انه حمل عدة أخطاء وتناقضات، لان تقمص شخصية معينة لا يعني أن المتقمص أصبح تلك الشخصية الحقيقة، وهذا يؤكد أن أي نص يُقال عنه انه وحي من الرب ويحمل أخطاء وتناقضات، فان هذا القول غير صحيح وينطبق عليه قانون لا تقبل خبراً كاذباً، لان الرب ليس إنساناً فيكذب ولا ابن إنسان فيندم كما قال العهد القديم!
14 - مصدر قول الأناجيل مبارك الآتي باسم الرب
خلال دخول يسوع الى أُورشليم راكباً على حمارة وجحش كتبت الأناجيل عن استقبال الناس له، كما في النصوص التالية:
- والجموع الذين تقدموا والذين تبعوا كانوا يصرخون قائلين أُوصَنّا لابن داوُد،
مبارك الآتي باسم الرب، أُوصَنا في الأعالي،
ولما دخل أُورشليم ارتجّت المدينة كلها قائلة من هذا،
فقالت الجموع هذا يسوع النبي الذي من ناصرة الجليل. (متّى 21: 9-11)
- يا أُورشليم يا أُورشليم يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين إليها كم مرة أردت أن أجمع أولادك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها ولم تريدوا،
هو ذا بيتكم يُترك لكم خراباً،
لأني أقول لكم إنكم لا ترونني من الآن حتى تقولوا مبارك الآتي باسم الرب. (متّى 23: 37-39)
- والذين تقدموا والذين تبعوا كانوا يصرخون قائلين أُوصَنّا،
مبارك الآتي باسم الرب،
مباركة مملكة أبينا داوُد الآتية باسم الرب، أُوصَنّا في الأعالي. (مرقس 11: 9-10)
- بل ينبغي أن أسير اليوم وغداً وما يليه لأنه لا يمكن أن يهلك نبي خارجاً عن أُورشليم،
يا أُورشليم يا أُورشليم يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين إليها كم مرة أردت أن أجمع أولادك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها ولم تريدوا، هو ذا بيتكم يُترك لكم خراباً،
والحق أقول لكم إنكم لا ترونني حتى يأتي وقت تقولون فيه مبارك الآتي باسم الرب. (لوقا 13: 33-35)
- ولما قرب عند منحدر جبل الزيتون ابتدأ كل جمهور التلاميذ يفرحون ويسبِّحون الإله بصوت عظيم لأجل جميع القوّات التي نظروا،
قائلين مبارك الآتي باسم الرب سلام في السماء ومجد في الأعالي. (لوقا 19: 37-38)
- وفي الغد سمع الجمع الكثير الذي جاء إلى العيد أن يسوع آت إلى أُورشليم،
فأخذوا سعوف النخل وخرجوا للقائه وكانوا يصرخون أُوصنّا مبارك الآتي باسم الرب ملك اسرائيل. (يوحنا 12: 12-13)
هذه ستة نصوص تتحدث عن المبارك الآتي باسم الرب، وكنت قد ناقشت ما تحتويه من مسائل في عدة مواضع في الكتاب، إلا أنني ارغب بالتذكير بأبرز ما تحمله من حقائق غفلت عنها الكنائس أو أغفلتها.
1 - النصّ الاول نلاحظ فيه ان الجموع قالت عن يسوع انه النبي الذي من ناصرة الجليل أي إن يسوع نبي، وهذا الوصف يتعارض كلياً مع ما تصفه به قوانين إيمان الكنائس بالقول انه إله وابن إله وأحد الاقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر.
2 - النصّ الثاني يقول يسوع فيه إن اليهود لن يروه حتى يقولوا مبارك الآتي باسم الرب، وهذا القول من غرائب ما يمكن أن يسمعه الإنسان، لأنه ربط عودة يسوع بقول اليهود مبارك الآتي باسم الرب، فإذا لم يقل اليهود مبارك الآتي باسم الرب فهل يعني هذا ان يسوع لن يعود؟!
3 - النص الثالث يقول مباركة مملكة أبينا داوُد الآتية باسم الرب، وهذه المملكة ظهر لنا انها غير حقيقية، لأنه بعد عدة أيام يُلقى القبض على يسوع ويُحكم عليه بالصلب ويُنفذ الحكم به كما تقول الأناجيل، لا بل إن يسوع قال عن مملكته أنها ليست من هذا العالم عندما سأله بيلاطس عن مملكته في المحاكمة!
أجاب يسوع مملكتي ليست من هذا العالم،
لو كانت مملكتي من هذا العالم لكان خدّامي يُجاهدون لكي لا أُسلم الى اليهود،
ولكن الآن ليست مملكتي من هنا. (يوحنا 18: 34-36)
ومن هنا يظهر عدم صدق كتبة الاناجيل بالقول ان يسوع ملك لليهود وانه سيقيم مملكة داوُد على الارض!
4 - قول يوحنا في النصّ السادس ملك اسرائيل، فهذا الوصف كالوصف السابق عن مملكة داوُد، فالجميع يعلم ان يسوع لم يكن ملكاً على اليهود في يوم من الأيام، لا بل ان يسوع هرب من اليهود عندما علم أنهم مزمعون أن ينصبوه ملكاً عليهم، وكان يدفع الجزية لقيصر، ورفض أن ينطق بحكم شريعة موسى على من أُمسكت في حالة زنا، كما انه رفض أن يقضي بين المتخاصمين على الميراث وقال لأحدهما من أقامني عليكما قاضياً! فكتابة هذه الفقرات يعتمد فيه كتبة الاناجيل على قصر ذاكرة القارئ وليس على أنها حقّ!
فمن أين اقتبس كتبة الاناجيل هذه الفقرة وكتبوها على لسان الجموع التي خرجت لاستقبال يسوع؟
هذه الفقرة مكتوبة في المزمور الثامن عشر بعد المائة وقد سبق وناقشته فيما مضى لأن فيه عدة فقرات كان قد اقتبسها كتبة الأناجيل منه، وفيما يلي الفقرات التي تتحدث عن الموضوع:
- آه يا رب خلّص، آه يا رب أنقذ،
مبارك الآتي باسم الرب،
باركناكم من بيت الرب،
الرب هو الإله، وقد أنار لنا، أوثقوا الذبيحة بربط إلى قرون المذبح،
إلهي أنت فأحمدك إلهي فأرفعك،
احمدوا الرب لأنه صالح، لأن إلى الأبد رحمته. (مزمور 118: 25-29)
من هذا الشرح لما في النصوص السابقة ولما في المزمور الذي ناقشته سابقاً نجد أن كتبة الأناجيل كانوا يقتبسون فقرات من العهد القديم ويُعيدون صياغتها في قصصهم عن يسوع بغض النظر عن حقيقة تلك النصوص، وما تحمله قصصهم من تناقضات مع قصص أُخرى كتبوها في أناجيلهم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق