الثلاثاء، 24 يوليو 2018

قول يسوع أنه ليس أحد صالح إلا الله دليل على انه ليس إلًه، وقول يسوع أنه ليس قاضياً دليل على انه ليس إله

الفصل الثالث: مصادر الأناجيل وطريقة تأليفها وكتابتها

القسم السادس: النصوص المقتبسة من العهد القديم دون نسبتها له مباشرة
في هذا القسم سأقوم بدراسة النصوص المقتبسة من العهد القديم والتي لم تُنسب إليه مباشرة، كما هو الحال في الأقسام السابقة، أو ما أُطلق عليه الحبكة القصصية والحوارية، وفيه سنطلع على معظم الأحداث والقصص والأقوال المذكورة في الأناجيل ومقارنتها بالعهد القديم وبواقع حال يسوع كما تصفه قوانين إيمان الكنائس، وأبدأ ببعض أسماء وألقاب يسوع.
51 - مصدر قول يسوع أن الرب هو الصالح
فقال له لماذا تدعوني صالحاً،
ليس أحد صالحاً إلا واحد وهو الإله ولكن إن أردت أن تدخل الحياة فاحفظ الوصايا. (متّى 19: 17)
- فقال له يسوع لماذا تدعوني صالحاً،
ليس أحد صالحاً إلا واحد وهو الإله. (مرقس 10: 18)
وسأله رئيس قائلاً أيها المعلم الصالح ماذا أعمل لأرث الحياة الأبدية،
فقال له يسوع لماذا تدعوني صالحاً،
ليس أحد صالحاً إلا واحد وهو الإله. (لوقا 18: 18-19)
إن وجود هذه النصوص في الأناجيل يثير في قلوب وعقول الكثير من أتباع الكنائس الطيبين الحيرة والقلق في صحة كتابة الأناجيل عن طريق الوحي وبسوق من الروح المقدس، وكذلك في صحة قوانين إيمان الكنائس القائلة أن يسوع إله وابن إله وأحد الاقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر، إذ كيف يستنكر يسوع أن يوصف بالصالح إذا كان هو إله وابن إله وأحد الاقانيم الثلاثة، أو إذا كانت هذه الأقانيم موجودة أصلاً، وهي ليست بموجودة؟!
ولكن هذه الحيرة وهذا القلق ينتفيان إذا علموا أن كتبة الاناجيل كتبوها من خلال اقتباس نصوص من العهد القديم وليس عن طريق الوحي أو بسوق من الروح المقدس، فالكتبة في محاولاتهم الدؤوبة لجعل ما يكتبونه مُتطابقاً مع العهد القديم كانوا أحياناً لا ينتبهون الى أن ما كتبوه يتناقض مع ما كتبوه من صفات ليسوع أو يتناقض مع قوانين إيمان الكنائس، وهذه النصوص مثال على طريقتهم في الكتابة، فوجود عشرات النصوص في العهد القديم التي تصف الرب بالصالح جعلهم يسارعون الى كتابة النصوص السابقة، ولم ينتبهوا لما قد تسببه من نقض لما كتبوه من صفات ليسوع، وما تقوله قوانين إيمان الكنائس عنه، ولو أنهم كتبوا نصوصاً تصف يسوع بالصالح لكان أقرب لهدفهم من كتابة أناجيلهم، كما يقول بعض رجال الكنائس أن قول يسوع عن نفسه (أنا) في بعض النصوص هو دليل على أنه أحد الاقانيم الثلاثة لأنه يوجد بعض النصوص في العهد القديم يقول الرب فيها أنا! ولكنني أقول إن الرب الإله الحق الصالح خالق السموات والأرض لن يدع أحداً يكتب عنه شيئاً مخالفاً لوحدانيته وتفرده بالعبادة إلا ويفضحه من خلال كلماته ذاتها، وهو ما حدث هنا فكل كلام عن يسوع كإله وابن إله وأحد الاقانيم، والأقانيم الثلاثة ذاتها، قد تبخر وتلاشى وظهر أنه لا أحد صالح إلا الرب وحده، وهو ما يعني أن الرب وحده هو الإله الحق الذي يجب التوجه له بالعبادة، والعهد القديم مليء بالنصوص التي تقول إن الرب هو الصالح ومنها النصين التاليين:
- إليك يا رب أرفع نفسي، يا إلهي عليك توكلت فلا تدعني أخزي، لا تشمت بي أعدائي،
أيضاً كل منتظريك لا يخزوا، ليخز الغادرون بلا سبب،
طرقك يا رب عرّفني، سبلك علّمني، درّبني في حقك وعلّمني،
لأنك أنت إله خلاصي،
إياك انتظرت اليوم كله، اذكر مراحمك يا رب وإحساناتك لأنها منذ الأزل هي،
لا تذكر خطايا صباي ولا معاصيّ،
كرحمتك اذكرني أنت من أجل جودك يا رب،
الرب صالح ومستقيم،
لذلك يُعلّم الخطاة الطريق،
يُدرّب الودعاء في الحق ويُعلّم الودعاء طرقه،
كل سبل الرب رحمة وحق لحافظي عهده وشهاداته،
من أجل اسمك يا رب اغفر إثمي لأنه عظيم،
من هو الانسان الخائف الرب، يُعلّمه طريقاً يختاره،
نفسه في الخير تبيت ونسله يرث الارض،
سِرُّ الربِّ لخائفيه وعهده لتعليمهم،
عيناي دائماً الى الرب لأنه هو يُخرج رجلي من الشبكة،
التفت إليّ وارحمني لأني وحيد ومسكين أنا،
افرج ضيقات قلبي من شدائدي أخرجني، انظر الى ذلّي وتعبي،
واغفر جميع خطاياي. (مزمور 25: 1-18)
إن من يتأمل في هذا المزمور، الذي يذكر فيه أن الرب صالح، يرى عدة حقائق أغفلتها الكنائس.
الحقيقة الأُولى وهي ان التوكل يكون على الرب وحده، فلا يتوكل الإنسان على أي شيء آخر، سواء تمثال يقال عنه انه ليسوع أو تمثال يقال عنه انه لمريم أو تمثال يقال عنه انه لملاك من الملائكة أو حتى التوكل على هؤلاء بأشخاصهم!
الحقيقة الثانية وهي ان الخلاص لا يكون إلا بالرب وحده، لأنه هو الإله المخلص وليس أحداً سواه، لأنه إذا كان يسوع يقول إن الرب وحده هو الصالح، وهذا المزمور يقول إن الخلاص يكون بالرب لان الرب إله خلاصي فالمخلص هو الرب الصالح وليس يسوع، وفي هذا نقض لقانون الخلاص الذي تبشر به الكنائس!
الحقيقة الثالثة وهي ان من يغفر الذنوب جميعاً هو الرب الصالح فقط، وفي هذا القول نقض لغفران رجال الكنائس لخطايا أتباعهم، وكذلك فيه إبطال لصكوك الغفران التي كانت تبيعها الكنائس في العصور الوسطى!
والمزمور الثاني الذي يقول ان الرب هو الصالح يُظهر حقيقة أن الرب واحد ولا مثيل له بين الآلهة وليس كما تصوره تماثيل وصور الكنائس كرجل كبير في السن! وإن الرب هو الإله الحق وحده بخلاف ما تقوله الكنائس عن إلهها وانه عبارة عن ثلاثة اقانيم وله ابن حقيقي وأبناء بالتبني!
- أمِل يا رب أُذنك، استجب لي لأني مسكين وبائس أنا، احفظ نفسي لأني تقّي،
احفظ نفسي لأني تقيّ يا إلهي خلّص أنت عبدك المتكل عليك،
ارحمني يا رب لأنني إليك أصرخ اليوم كله،
فرّح نفس عبدك لأنني إليك يا رب أرفع نفسي،
لأنك أنت يا رب صالح وغفور وكثير الرحمة لكل الداعين إليك،
اصغ يا رب إلى صلاتي وأنصت إلى صوت تضرعاتي،
في يوم ضيقي أدعوك لأنك تستجيب لي،
لا مثل لك بين الآلهة يا رب ولا مثل أعمالك،
كل الأُمم الذين صنعتهم يأتون ويسجدون أمامك يا رب ويُمجّدون اسمك،
لأنك عظيم أنت وصانع عجائب،
أنت الإله وحدك يا رب. (مزمور 86: 1-17)
52 - مصدر قول يسوع أنه ليس قاضياً
- وقال له واحد من الجمع يا معلم قل لأخي أن يُقاسمني الميراث،
فقال له يا إنسان من أقامني عليكما قاضياً أو مُقسّماً. (لوقا 12: 13-14)
هذا النص امتداد للنصوص السابقة التي تنقض ما تقوله الاناجيل وقوانين إيمان الكنائس عن يسوع من أنه إله وابن إله وأحد الاقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر، إذ يكتب لوقا على لسان يسوع قوله أنه ليس قاضياً، وفي العهد القديم عشرات النصوص التي تقول ان الرب هو القاضي وهذا يدل على ان يسوع ليس كما تصفه الكنائس وقوانين إيمانها، كما وينقض عشرات النصوص في الاناجيل التي تقول ان يسوع ملك وأنه المقصود بالنصوص التي تتحدث عن رجل من نسل داوُد سيحكم ولا يكون لحكمه نهاية، لأنه لو كان كذلك لما رفض أن يكون قاضياً أو مقسماً، لأن من أهم وظائف المَلك هو القضاء والحكم بين الناس، وهذا يؤكد أن الاناجيل لم تكتب عن طريق الوحي أو بسوق من الروح المقدس، وإنما كتبت من خلال اقتباس بعض نصوص العهد القديم وإعادة صياغتها في إطار قصصي، فمن أين اقتبس لوقا هذا النص؟
لنقرأ النص التالي:
- وحدث في تلك الأيام لمّا كبر موسى أنه خرج الى إخوته لينظر في أثقالهم،
فرأى رجلاً مصريّاً يضرب رجلاً عبرانيّاً من إخوته،
فالتفت إلى هنا وهناك ورأى أن ليس أحدٌ فقتل المصريّ وطمره في الرمل،
ثم خرج في اليوم الثاني وإذا رجلان عبرانيان يتخاصمان، فقال للمذنب لماذا تضرب صاحبك،
فقال من جعلك رئيساً وقاضياً علينا،
أمفتكر أنت بقتلي كما قتلت المصري فخاف موسى وقال حقاً قد عُرف الأمر. (خروج 2: 11-14)
وما يؤكد أن هذا النص هو الذي اقتبس منه لوقا نصه هو استشهاده به في أعمال الرسل على لسان استفانوس، كما في النص التالي:
- هذا هو موسى الذي أنكروه قائلين من أقامك رئيساً وقاضياً هذا أرسله الإله رئيساً وفادياً بيد الملاك الذي ظهر له في العُليقة. (أعمال الرسل 7: 35)
مع أن هذا الاستشهاد خطأ لأن موسى في هذا الوقت لم يكن قد أُرسل إليهم بعد! كما أن الذي قال لموسى هذا القول لم يكن مجموعة من الناس بل إنسان واحد.
إن إصرار كتبة الاناجيل على تقمّص يسوع لبعض شخصيات العهد القديم هو ما أوقعهم في كل التناقضات والأخطاء الموجودة في الأناجيل، فكما حدث معهم في تقمّص شخصية داوُد في المزامير وتقمص بعض شخصيات سِفر إشعياء مثل عمانوئيل يحدث هنا في تقمص شخصية موسى المذكورة في الأسفار الخمسة الأولى من العهد القديم، وقد ظهر لنا بعض تلك المحاولات من خلال النصوص التي ذكرتها سابقاً مثل إنارة وجه يسوع في قصة التجلي عندما صعد على الجبل العالي للقاء موسى وإيليا كما حدث مع موسى عند تلقيه للوصايا في جبل حوريب وغيره من النصوص، ولكن الغريب هنا هو اقتباس قول الرجل العبراني الذي قاله مهدداً به موسى بسلطان فرعون، وهذه الغرابة تنتهي إذا علمنا صعوبة إظهار يسوع كموسى في مقاومته لفرعون، لان موسى في نهاية الأمر استطاع أن يقضي على فرعون وجنوده ويخرج مع بني اسرائيل الى الأرض المقدسة التي وعدهم الرب بها، بعكس يسوع الذي ظلّ يدفع الجزية لقيصر وخاضعاً لأحكامه وآمراً أتباعه أن لا يقاوموا الشر، وان يعطوا قيصر كل ما يريده منهم، ومُنهياً حياته معلقاً على الصليب وصارخاً الى إلهه إلهي إلهي لماذا تركتني كما هو مكتوب في الاناجيل!
إن اقتباس قول ذلك العبراني ووضعه في سياق قصصي ينقض كل كلام عن يسوع باعتباره إله وابن إله وأحد الاقانيم الثلاثة لأن العهد القديم مليء بالنصوص التي تقول ان الرب هو القاضي، فلو كان ما تقوله الأناجيل وقوانين إيمان الكنائس عن يسوع صحيحاً لما كتب لوقا هذا القول لأنه بهذا يثبت أن يسوع لا علاقة له بالرب خالق السموات والأرض، وكان الأولى به أن يكتب نصاً على لسان يسوع يقول فيه أنه قاضي ليتناسق مع ما تصفه الاناجيل به، وفيما يلي بعض نصوص العهد القديم التي تقول إن الرب هو القاضي.
- لا تنظروا إلى الوجوه في القضاء للصغير كالكبير تسمعون،
لا تهابوا وجه إنسان لأن القضاء للإله، والأمر الذي يعسر عليكم تقدمونه إليّ لأسمعه. (تثنية 1: 17)
- فأنا لم أُخطئ إليك وأما أنت فإنك تفعل بي شرّاً بمُحاربتي،
ليقض الرب القاضي اليوم بين بني إسرائيل وبني عمون. (قضاة 11: 27)
يقضي الرب بيني وبينك، وينتقم لي الربّ منك ولكن يدي لا تكون عليك. (صموئيل الأول 24: 12)
- فيكون الرب الديّان ويقضي بيني وبينك ويرى ويُحاكم محاكمتي وينقذني من يدك. (صموئيل الاول 24: 15)
- الإله قاض عادل وإله يسخط في كل يوم. (مزمور 7: 11)
- أما الرب فإلى الدهر يجلس ثبَّتَ للقضاء كرسيّه،
وهو يقضي للمسكونة بالعدل يدين الشعوب بالاستقامة. (مزمور 9: 7-8)
- ويقول الإنسان إن للصديق ثمراً إنه يُوجد إله قاض في الأرض. (مزمور 58: 11)
ولكن الرب هو القاضي هذا يضعه وهذا يرفعه. (مزمور 75: 7)
فإن الرب قاضينا، الرب شارعنا، الرب ملكنا هو يُخلّصنا. (إشعياء 33: 22)
هذه النصوص تقول ان الرب هو قاضي ويسوع يقول انه ليس قاضياً، مما يدل على ان يسوع لا يحمل أي صفات إلهية، وهذا يدل على أن الاناجيل لم تكتب عن طريق الوحي أو بسوق من الروح المقدس، وأن التشابه بينها وبين العهد القديم إنما جاء من خلال اقتباس الكتبة لنصوص العهد القديم وإعادة صياغتها في قصص لإضفاء حالة من القداسة والمصداقية عليها والقول أن الاناجيل امتداد للعهد القديم، وهذا يشير الى أن قانون لا تقبل خبراً كاذباً ينطبق على قول يسوع أنه ليس قاضياً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق