الجمعة، 27 يوليو 2018

مصدر قصة قتل أطفال بيت لحم وتناقضاتها

الفصل الثالث: مصادر الأناجيل وطريقة تأليفها وكتابتها

القسم الرابعالنصوص المنسوبة مباشرة للعهد القديم
في هذا القسم سنطلع على النصوص المنسوبة للعهد القديم مباشرة وقول كتبة الأناجيل أنها لم تتم وتكتمل وتحدث إلا في يسوع وزمنه وجيله، لنرى حقيقتها ومدى صدق ما قاله الكتبة عنها.
4 - مصدر قصة قتل الأطفال في بيت لحم
- حينئذ لما رأى هيرودس أن المجوس سخروا به غضب جداً،
فأرسل وقتل جميع الصبيان الذين في بيت لحم وفي كل تخومها،
من ابن سنتين فما دون بحسب الزمان الذي تحققه من المجوس،
حينئذ تم ما قيل بإرميا النبي القائل صوت سمع في الرّامة نوح وبكاء وعويل كثير،
راحيل تبكي على أولادها ولا تريد أن تتعزى لأنهم ليسوا بموجودين. (متّى 2: 16-18)
هذا النص يتحدث عن قصة قتل هيرودس لأطفال بيت لحم ويستشهد متّى بقول في كتاب إرميا راحيل تبكي على أولادها، وهنا لا أُريد أن أتحدث عن حقيقة القصة، وخاصة أنه لم يتحدث عنها أحد من مؤرخي القرن الأول مثل يوسيفوس فلافيوس وفيلو السكندري، الذي كتب كتاباً عن حياة هيرودس، ولكن سأتحدث عن حقيقة نص إرميا وإن كان ينطبق على هيرودس وقتله لأطفال بيت لحم زمن يسوع أم لا.
هذا النص مكتوب في الاصحاح الحادي والثلاثين بحسب العهد القديم في نسخة الملك جيمس والنسخة العبرية وفي الاصحاح الثامن والثلاثين بحسب النسخة السبعينية، وهذا الاصحاح هو استكمال للاصحاح الثلاثين والذي يبدأ بالنص التالي:
- الكلام الذي صار الى إرميا من قبل الربّ قائلاً، هكذا تكلم الرب إله اسرائيل قائلاً،
اكتب كل الكلام الذي تكلمت به إليك في سفر،
لأنه ها أيام تأتي يقول الرب وأردّ سبي شعبي اسرائيل ويهوذا يقول الرب وأُرجعهم الى الارض التي أعطيت آباءهم إياها فيمتلكونها. (إرميا 30: 1-3)
في هذا النص يطلب الرب من إرميا أن يكتب كل الكلام الذي سنقرأه في الاصحاحين ويبدأ بالقول أن الرب سيَرُدّ اليهود من السبي الى الارض المقدسة، وهذا يدل على أن الكلام يتحدث عن زمان معين وهو ما بعد العودة من السبي، ثم نقرأ النص التالي:
ويكون في ذلك اليوم يقول رب الجنود أني أكسر نيره عن عنقك وأقطع رُبطك ولا يستعبده بعد الغرباء،
بل يخدمون الرب إلههم وداوُد ملكهم الذي أُقيمه لهم. (إرميا 30: 8-9)
وهذه الفقرات تتحدث عما سيكون عليه حال اليهود بعد العودة من السبي، وهو بالتأكيد لا يقصد اليهود زمن يسوع وهيرودس لانهم في ذلك الوقت كانوا خاضعين للرومان، ثم نقرأ النص التالي:
- وأما أنت يا عبدي يعقوب فلا تخف يقول الرب ولا ترتعب يا اسرائيل لأني ها أنذا أُخلصك من بعيد ونسلك من أرض سبيه فيرجع يعقوب ويطمئن ويستريح ولا مزعج. (إرميا 30: 10)
وهذه الفقرة تؤكد أن الإصحاح يتحدث عن العودة من السبي، ثم نقرأ النص التالي:
- هكذا قال الرب ها أنذا أرد سبي خيام يعقوب وأرحم مساكنه وتبنى المدينة على تلها والقصر يسكن على عادته. (إرميا 30: 18)
وهذا النص يتحدث أيضاً عن عودة اليهود من السبي وأن أورشليم سيتم إعادة بنائها، ثم نقرأ النص التالي:
ويكون حاكمهم منهم ويخرج واليهم من وسطهم، وأُقرّبه فيدنو إليّ لأنه من هو هذا الذي أرْهَنَ قلبه ليدنو إليّ يقول الرب. (إرميا 30: 21)
هذا النص يقول انه في ذلك الزمان يكون حاكم اليهود منهم، وهذا لم يكن حال اليهود زمن ولادة يسوع، من هذه النصوص نجد أن هذا الاصحاح يتحدث عن اليهود بعد عودتهم من السبي، ثم يبدأ الاصحاح الواحد والثلاثون وهو استكمال للكلام السابق، وفيما يلي الاصحاح كاملاً ومن ثم سأُناقش فقراته لنرى إن كان يتحدث عن زمن يسوع وقتل هيرودس لأطفال بيت لحم أم أنه يتحدث عن أُمور حدثت قبل هذا الزمن بمئات السنين.
في ذلك الزمان يقول الرب أكون إلهاً لكل عشائر إسرائيل وهم يكونون لي شعباً،
هكذا قال الرب قد وجد نعمة في البرية الشعب الباقي عن السيف إسرائيل حين سرتُ لأُريحه،
تراءى لي الربّ من بعيد، ومحبةً أبدية أحببتك من أجل ذلك أدمت لك الرحمة،
سأبنيكِ بعد فتبنين يا عذراء اسرائيل، تتزينيين بعد بدفوفك وتخرجين في رقص اللاعبين،
تغرسين بعد كروماً في جبال السامرة يغرس الغارسون ويبتكرون،
لأنه يكون يومٌ ينادي فيه النواطير في جبال أفرايم قوموا فنصعد إلى صهيون إلى الرب إلهنا،
لأنه هكذا قال الرب، رنموا ليعقوب فرحاً واهتفوا برأس الشعوب، سمّعوا، سبِّحوا، وقولوا خلّص يا رب شعبك بقية إسرائيل،
هاأنذا آتي بهم من أرض الشمال وأجمعهم من أطراف الأرض، بينهم الأعمى والأعرج، الحبلى والماخض معاً، جمعٌ عظيم يرجع إلى هنا،
بالبكاء يأتون وبالتضرعات أقودهم، أُسيّرهم إلى أنهار ماء في طريق مستقيمة لا يعثرون فيها، لأني صرت لإسرائيل أباً وأفرايم هو بكري،
اسمعوا كلمة الرب أيها الأُمم وأخبروا في الجزائر البعيدة وقولوا مُبدّد إسرائيل يجمعه ويحرسه كراع قطيعه،
لأن الرب فدى يعقوب، وفكه من يد الذي هو أقوى منه،
فيأتون ويُرنمون في مرتفع صهيون ويجرون الى جود الربّ على الحنطة وعلى الخمر وعلى الزيت وعلى أبناء الغنم والبقر وتكون نفسهم كجنّة ريّا ولا يعودون يذوبون بعد،
حينئذ تفرح العذراء بالرقص والشبان والشيوخ معاً وأُحوّل نوحهم الى طرب وأُعزّيهم وأُفرّحهم من حزنهم،
وأروي نفس الكهنة من الدسم ويشبع شعبي من جودي يقول الرب،
هكذا قال الرب صوتٌ سُمع في الرّامة نوحٌ بكاءٌ مرٌّ، راحيل تبكي على أولادها وتأبى أن تتعزّى عن أولادها لأنهم ليسوا بموجودين،
هكذا قال الرب امنعي صوتك عن البكاء وعينيك عن الدموع لأنه يُوجد جزاء لعملك، يقول الرب فيرجعون من أرض العدو،
ويوجد رجاء لآخرتك يقول الرب فيرجع الأبناء إلى تخمهم،
سمعاً سمعت أفرايم ينتحب، أدبتني فتأدبت كعجل غير مروض، توّبني فأتوب لأنك أنت الرب إلهي،
لأني بعد رجوعي ندمت وبعد تعلمي صفقت على فخذي خزيتُ وخجلتُ لأني قد حملت عار صباي،
هل أفرايم ابن عزيز لديّ أو ولد مُسِرٌّ لأني كلما تكلمت به أذكره بعد ذكراً من أجل ذلك حنت أحشائي إليه رحمة أرحمه يقول الربّ،
انصبي لنفسك صوىً اجعلي لنفسك أنصاباً اجعلي قلبك نحو السكة الطريق الذي ذهبت فيها إرجعي يا عذراء اسرائيل ارجعي الى مدنك هذه،
حتى متى تطوفين أيتها البنت المرتدّة لأن الرب قد خلق شيئاً حديثاً في الارض أُنثى تحيط برجل،
هكذا قال ربّ الجنود إله اسرائيل سيقولون بعد هذه الكلمة في أرض يهوذا وفي مدنها عندما أردّ سبيهم يباركك الرب يا مسكن البر يا أيها الجبل المقدس،
فيسكن فيه يهوذا وكل مدنه معاً الفلاحون والذين يُسرِّحون القطعان،
لأني أرويت النفس المعيبة وملأت كل نفس ذائبة،
على ذلك استيقظتُ ونظرتُ ولذ لي نومي،
ها أيام تأتي يقول الربّ وأزرع بيت اسرائيل وبيت يهوذا بزرع إنسان وزرع حيوان،
ويكون كما سهرتُ عليهم للاقتلاع والهدم والقرض والإهلاك والأذى كذلك أسهر عليهم للبناء والغرس يقول الرب،
في تلك الأيام لا يقولون بعدُ الآباء أكلوا حصرماً وأسنان الأبناء ضرست،
بل كل واحد يموت بذنبه كل إنسان يأكل الحصرم تضرس اسنانه،
ها أيام تأتي يقول الربّ وأقطع مع بيت اسرائيل ومع بيت يهوذا عهداً جديداً،
ليس كالعهد الذي قطعته مع آبائهم يوم أمسكتهم بيدهم لأُخرجهم من أرض مصر حين نقضوا عهدي فرفضتهم يقول الرب،
بل هذا هو العهد الذي أقطعه مع بيت اسرائيل بعد تلك الأيام يقول الربّ أجعل شريعتي في داخلهم وأكتبها على قلوبهم وأكون لهم إلهاً وهم يكونون لي شعباً،
ولا يُعلمون بعد كل واحد صاحبه وكل واحد أخاه قائلين اعرفوا الربّ لأنهم كلهم سيعرفونني من صغيرهم الى كبيرهم يقول الربّ لأني أصفح عن إثمهم ولا أذكر خطيتهم بعد،
هكذا قال الرب الجاعل الشمس للإضاءة نهاراً وفرائض القمر والنجوم للإضاءة ليلاً الزاجر البحر حين تعجّ أمواجه ربّ الجنود اسمه،
إن كانت هذه الفرائض تزول من أمامي يقول الربّ فإن نسل اسرائيل أيضاً يكفُّ من أن يكون أُمّة أمامي كل الأيام،
هكذا قال الرب إن كانت السموات تقاس من فوق وتفحص أساسات الارض من أسفل فإني أنا أيضاً أرفض كل نسل اسرائيل من أجل كل ما عملوه يقول الربّ،
ها أيام تأتي يقول الربّ وتبنى المدينة للرب من برج حننئيل الى باب الزاوية،
ويخرج بعدُ خيط القياس مُقابله على أكمة جارب ويستدير الى جوعة،
ويكون كل وادي الجثث والرماد وكل الحقول الى وادي قدرون الى زاوية باب الخيل شرقاً قدساً للرب لا تقلع ولا تهدم الى الأبد. (إرميا 31: 1-40)
كما قلت سابقاً فإن هذا الاصحاح يتحدث عن فترة ما بعد السبي والعودة الى الأرض المقدسة إذ أنه يبدأ بجملة في ذلك الزمان يقول الرب، وهنا قد يظن بعض الطيبين من أتباع الكنائس أنه يتحدث عن زمن يسوع لأن يسوع وُلد بعد السبي! وهذه وجهة نظر جيدة ولهذا سنتابع قراءة الاصحاح لنرى إن كان يتحدث عن زمن يسوع أم يتحدث عن فترات أُخرى قبل يسوع، فنقرأ النصوص التالية:
في ذلك الزمان يقول الرب أكون إلهاً لكل عشائر إسرائيل وهم يكونون لي شعباً، وهذا لم يكن حال بني إسرائيل عند إرسال يسوع، لأنهم لم يكونوا مؤمنين حقاً وإلا لما كانت هناك حاجة لإرسال من يعرفهم طريق الرب، لا بل إن بني إسرائيل حتى صعود يسوع الى السماء لم يكونوا شعباً للرب بل كانوا كافرين به وبمن أرسله إليهم، وكانوا طوال الزمن الذي عاش فيه يسوع بينهم كارهون له ومقاومون لدعوته وساعون الى قتله حتى تمّ لهم ذلك الأمر بصلبه وموته على الصليب كما تقول الأناجيل.
لأنه هكذا قال الرب، رنموا ليعقوب فرحاً واهتفوا برأس الشعوب، سمّعوا، سبِّحوا، وقولوا خلّص يا رب شعبك بقية إسرائيل، وهذا الأمر لم يتحقق زمن يسوع، لأن يسوع لم يُخلص اليهود سواء من الرومان، فهو طلب منهم أن يعطوا لقيصر كل ما يطلبه منهم، وكذلك رفض أن يكون ملكاً عليهم، أو من خطاياهم، لا بل حملهم خطايا فوق خطاياهم عندما صلبوه كما هو مكتوب في الاناجيل، وقالت الكنائس المختلفة أن تدمير مدينة أُورشليم والهيكل هو عقاب لهم على صلبهم يسوع، ولم تكتف الكنائس بهذا بل حملت أبناء اليهود هذه الخطايا الى الآن، فيسوع لم يخلص اليهود حتى نقول ان النص يتحدث عن زمانه.
هاأنذا آتي بهم من أرض الشمال وأجمعهم من أطراف الأرض، بينهم الأعمى والأعرج، الحبلى والماخض معاً، جمعٌ عظيم يرجع إلى هنا، وهذه الفقرة لا تنطبق على زمان يسوع، لأن الاناجيل لم تخبرنا أن اليهود جاءوا من أرض الشمال وبينهم الاعمى والاعرج والحبلى والماخض، مما يدل على أن الاصحاح لا يتحدث عن زمان يسوع.
لأني صرت لإسرائيل أباً وأفرايم هو بكري، وهذه الفقرة أظن أنها ستسبب مشكلة في قوانين إيمان الكنائس لأنها تقول أن اسرائيل ابن الرب وأفرايم بكر الرب فهذا يتناقض مع تلك القوانين، وخاصة أن المذكور كبكر للرب هو أفرايم، والكنائس لن تستطيع القول انه يُشير الى يسوع، كما قالت عن نسل المرأة الذي يسحق رأس الحية أنه يشير الى يسوع باعتبار ان النسل يُقصد به انسان واحد سيأتي في المستقبل!، لأن يسوع كما تقول الاناجيل هو من نسل داوُد وداوُد من نسل يهوذا، فهنا البكر من سبط مختلف عن سبط يسوع، وهذا بالتأكيد لا يدل على أن الاصحاح يتحدث عن زمن يسوع.
اسمعوا كلمة الرب أيها الأُمم وأخبروا في الجزائر البعيدة وقولوا مبدد إسرائيل يجمعه ويحرسه كراع قطيعه،
لأن الرب قد فدى يعقوب، وفكه من يد الذي هو أقوى منه،
فيأتون ويرنمون في مرتفع صهيون ويجرون الى جود الربّ على الحنطة وعلى الخمر وعلى الزيت وعلى أبناء الغنم والبقر وتكون نفسهم كجنّة ريّا ولا يعودون يذوبون بعد،
حينئذ تفرح العذراء بالرقص والشبان والشيوخ معاً وأُحول نوحهم الى طرب وأُعزيهم وأُفرّحهم من حزنهم،
وأروي نفس الكهنة من الدسم ويشبع شعبي من جودي يقول الرب.
هذه الفقرات تبدأ بقول اسمعوا كلمة الرب وتنتهي بكلمة يقول الرب، وهنا أقول هل في هذه الفقرات أي دلالة على أنها تتحدث عن زمن يسوع سواء عند ولادته أو في حياته؟
ثم نقرأ الفقرة التي اقتبسها متّى للدلالة على صدق قصته وهي كما يلي:
- هكذا قال الرب صوت سمع في الرامة نوح وبكاء مر، راحيل تبكي على أولادها وتأبى أن تتعزى عن أولادها لأنهم ليسوا بموجودين،
هكذا قال الرب امنعي صوتك عن البكاء وعينيك عن الدموع لأنه يوجد جزاء لعملك، يقول الرب فيرجعون من أرض العدو،
ويوجد رجاء لآخرتك يقول الرب فيرجع الأبناء إلى تخمهم.
في الحقيقة عندما نتأمل في هذا النص فإننا نجد انه يتضمن أمرين. الاول وهو بكاء راحيل على أولادها، والثاني وهو عودة الأولاد، وهذا الامر صحيح إذا قلنا ان النص يتحدث عن سبي أولاد راحيل ومن ثم عودتهم من السبي، وهو ما بينته الفقرة الثانية بكل وضوح بقول الرب أنهم سيرجعون من أرض العدو الى تخمهم، وهو ما حدث أيضاً بالفعل من سبي أولاد راحيل الى أشور وبابل وعودتهم الى الارض المقدسة، ولكن لو قلنا ان النص يتحدث عن يسوع وقتل هيرودس لأطفال بيت لحم فإننا سنقع في مشكلتين. الاولى وهي ان هؤلاء الاطفال لم يرجعوا من أرض العدو الى تخمهم، لأن الاناجيل لم تخبرنا عن قيامتهم من الاموات زمن يسوع ولا بعده. والمشكلة الثانية وهي ان النص يتحدث عن اولاد راحيل وتحديداً عن سبط افرايم، وهذا السبط لم يكن يسكن في بيت لحم، لانها كانت من نصيب سبط يهوذا عندما قسمت الارض المقدسة على أسباط إسرائيل، وكما اشار الى ذلك لوقا عن سبب ذهاب يوسف النجار الى بيت لحم قبل ولادة يسوع، فليس لراحيل أولاد في بيت لحم في ذلك الوقت حتى تبكيهم، وما يؤكد ان الحديث عن سبط أفرايم وليس يهوذا هو الفقرات التي تلي الفقرات السابقة وهي كما يلي:
- سمعاً سمعت أفرايم ينتحب، أدبتني فتأدبت كعجل غير مروض، توّبني فأتوب لأنك أنت الرب إلهي،
لأني بعد رجوعي ندمت وبعد تعلمي صفقت على فخذي خزيتُ وخجلتُ لأني قد حملت عار صباي.
هل أفرايم ابن عزيز لديّ أو ولد مُسِرٌّ لأني كلما تكلمت به أذكره بعد ذكراً من أجل ذلك حنت أحشائي إليه رحمة أرحمه يقول الربّ.
في هذه الفقرات كلام عن أفرايم وأنه ابن عزيز وأنه تعلّم بعد رجوعه وأن الرب رحمه، وهذا دليل على ان النص يتحدث عن سبط افرايم، وليس كما حاول متّى القول انه يتحدث عن قتل هيرودس لأطفال بيت لحم التي لم يذكرها أي مصدر تاريخي في القرن الأول.
ثم نقرأ الفقرات التالية:
- انصبي لنفسك صوىً اجعلي لنفسك أنصاباً اجعلي قلبك نحو السكة الطريق الذي ذهبت فيها إرجعي يا عذراء اسرائيل إرجعي الى مدنك هذه،
حتى متى تطوفين أيتها البنت المرتدة لأن الرب قد خلق شيئاً حديثاً في الارض أُنثى تحيط برجل،
هكذا قال ربّ الجنود إله اسرائيل سيقولون بعد هذه الكلمة في أرض يهوذا وفي مدنها عندما أردّ سبيهم يباركك الرب يا مسكن البر يا أيها الجبل المقدس،
فيسكن فيه يهوذا وكل مدنه معاً الفلاحون والذين يسرحون القطعان،
لأني أرويت النفس المعيبة وملأت كل نفس ذائبة،
على ذلك استيقظت ونظرت ولذّ لي نومي،
ها أيام تأتي يقول الربّ وأزرع بيت اسرائيل وبيت يهوذا بزرع انسان وزرع حيوان،
ويكون كما سهرت عليهم للاقتلاع والهدم والقرض والإهلاك والأذى كذلك أسهر عليهم للبناء والغرس يقول الرب.
في هذه الفقرات يقول الرب أنه سيُرجع اسرائيل الى مدنه بعد السبي، وأنهم سيقولون عن الجبل المقدس الرب يباركك يا مسكن البرّ، وهذا الحال لم يكن حال اليهود زمن يسوع سواء زمن ولادته أو في حياته بل كانوا واقعين تحت احتلال الرومان، فهذه الفقرات بالتأكيد تتكلم عن زمن غير زمان يسوع.
ثم نقرأ الفقرة التالية:
في تلك الأيام لا يقولون بعدُ الآباء أكلوا حصرماً وأسنان الأبناء ضرست،
بل كل واحد يموت بذنبه كل انسان يأكل الحصرم تضرس اسنانه.
هذه الفقرة تؤكد بكل وضوح ان النص لا يتحدث عن زمن يسوع، لانها تبين ان الانسان لا يحمل خطيئة أبيه، ومنذ زمن يسوع بدأ القول ان الانسان يولد بخطيئة أبيه آدم، وأنا هنا لا أُريد الحديث عن الخطيئة الأصلية كعقيدة عند الكنائس المختلفة، ولكن بالتأكيد أن هذه العقيدة تخالف هذه الفقرة مما يبين أن النص الذي اقتبسه متّى لم يتم زمن هيرودس وأنه يتحدث عن أزمان أُخرى.
ثم نقرأ الفقرات التالية:
ها أيام تأتي يقول الربّ وأقطع مع بيت اسرائيل ومع بيت يهوذا عهداً جديداً،
ليس كالعهد الذي قطعته مع آبائهم يوم أمسكتهم بيدهم لأُخرجهم من أرض مصر حين نقضوا عهدي فرفضتهم يقول الرب،
بل هذا هو العهد الذي أقطعه مع بيت اسرائيل بعد تلك الأيام يقول الربّ أجعل شريعتي في داخلهم وأكتبها على قلوبهم وأكون لهم إلهاً وهم يكونون لي شعباً،
ولا يُعلمون بعد كل واحد صاحبه وكل واحد أخاه قائلين اعرفوا الربّ لأنهم كلهم سيعرفونني من صغيرهم الى كبيرهم يقول الربّ لأني أصفح عن إثمهم ولا أذكر خطيتهم بعد،
هكذا قال الرب الجاعل الشمس للإضاءة نهاراً وفرائض القمر والنجوم للإضاءة ليلاً الزاجر البحر حين تعجّ أمواجه ربّ الجنود اسمه،
إن كانت هذه الفرائض تزول من أمامي يقول الربّ فإن نسل اسرائيل أيضاً يكف من أن يكون أُمّة أمامي كل الأيام،
هكذا قال الرب إن كانت السموات تقاس من فوق وتفحص أساسات الارض من أسفل فإني أنا أيضاً أرفض كل نسل اسرائيل من أجل كل ما عملوه يقول الربّ.
في هذه الفقرات نقرأ عن العهد الجديد الذي سيقطعه الرب مع بيت اسرائيل وبيت يهوذا، وهذا العهد يتضمن جعل الشريعة في داخلهم وهم يكونون شعباً له وأنه لن يرفضهم الى الابد، وأن الرب سيصفح عن إثمهم ولا يذكر خطاياهم، وهذه الامور خالفتها الكنائس كلها سواء فيما يختص بالعهد، او بكون بني إسرائيل هم شعب الربّ، او بغفران خطاياهم، أو بالالتزام بالشريعة، كما بينت ذلك سابقاً، والمهم هنا هو ان هذه المخالفة لهذه الفقرات تؤكد ان النص لا يتحدث عن زمن يسوع ولا عن قصة قتل أطفال بيت لحم التي لم يذكرها احد من المؤرخين في ذلك الزمان.
وفي نهاية الاصحاح نقرأ الفقرات التالية:
ها أيام تأتي يقول الربّ وتبنى المدينة للرب من برج حننئيل الى باب الزاوية،
ويخرج بعد خيط القياس مقابله على أكمة جارب ويستدير الى جوعة،
ويكون كل وادي الجثث والرماد وكل الحقول الى وادي قدرون الى زاوية باب الخيل شرقاً قدساً للرب لا تقلع ولا تهدم الى الأبد. (إرميا 31: 1-40)
في هذه الفقرات حديث عن إعادة بناء المدينة المقدسة، وهذا القول قيل بعد دمارها نتيجة لغزو البابليين وتم بعد العودة من السبي، في حين انها كانت زمن يسوع واقعة تحت الاحتلال الروماني وبعد فترة تم تدمير الهيكل والمدينة بشكل عام، وهو ما يخالف الفقرة الاخيرة التي تقول ان المدينة لا تقلع ولا تهدم الى الابد، مما يؤكد ان النص لا يتحدث عن زمن يسوع و لا عن قصة قتل أطفال بيت لحم.
وأخيراً هناك ملاحظة على هذه القصة وهي التشابه بينها وبين ما حدث للأطفال عند ولادة موسى وقتلهم من قبل فرعون، وهذا التشابه بين يسوع وأنبياء بني اسرائيل يمكن ملاحظته في كل قصص الاناجيل مع فارق وحيد وهو أن قصص الانبياء حدثت فعلا، في حين أن قصص يسوع كما كتبت في الاناجيل يشوبها الكثير من التناقضات والأخطاء والتي تشكك في وقوعها كما هو الحال في هذا القصة وغيرها من القصص التي سنتناولها بالبحث والدراسة.
من هذه القراءة المتأنية للاصحاحين يتبين لنا أن متّى كان مهتماً بصياغة وكتابة إنجيله وفقاً لنصوص وقصص العهد القديم حتى لو اضطره الامر لاقتطاع فقرة من سياقها للقول انها تمت في ذلك الوقت، وهو ما يشير الى أن قانون لا تقبل خبراً كاذباً ينطبق على هذه القصة التي لم يذكرها أي مؤرخ من مؤرخي القرن الأول كما هو معلوم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق