الثلاثاء، 24 يوليو 2018

مصدر أقوال الأناجيل عن يسوع انه خروف وأنه حمل خطايا العالم وخراف لا راعي لها، ومصدر قول يسوع لبطرس ارع خرافي

الفصل الثالث: مصادر الأناجيل وطريقة تأليفها وكتابتها

القسم السادس: النصوص المقتبسة من العهد القديم دون نسبتها له مباشرة
في هذا القسم سأقوم بدراسة النصوص المقتبسة من العهد القديم والتي لم تُنسب إليه مباشرة، كما هو الحال في الأقسام السابقة، أو ما أُطلق عليه الحبكة القصصية والحوارية، وفيه سنطلع على معظم الأحداث والقصص والأقوال المذكورة في الأناجيل ومقارنتها بالعهد القديم وبواقع حال يسوع كما تصفه قوانين إيمان الكنائس، وأبدأ ببعض أسماء وألقاب يسوع.
42 - مصدر قول الأناجيل عن يسوع أنه خروف وأنه حَمَلَ خطايا الناس
يُعتبر الحديث عن يسوع كحمل أو خروف ورفعه لخطيئة آدم التي اكتسبها وورّثها لذريته نتيجة أكله من الشجرة، وحمله لخطايا البشرية، أو على الأقل لأتباع الكنائس، من أعقد وأغرب المسائل التي تدعو إليها الكنائس، إذ أنها لا تستقيم بأيّة طريقة من طرق البحث العلمي أو العقلي أو الديني!
فالقول إن يسوع هو خروف يتناقض مع الصفات التي تقولها الكنائس عنه باعتباره الأقنوم الثاني من الاقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر، فكيف يتحول الأقنوم الثاني الى خروف، وخاصة أن يوحنا في كتاب الرؤيا يقول انه تحول الى خروف حقيقي ومذبوح، مع ان الأناجيل لم تكتب أن يسوع قد ذُبح بل صُلب!
- وَرَأَيْتُ فَإِذَا فِي وَسَطِ الْعَرْشِ وَالْحَيَوَانَاتِ الأَرْبَعَةِ وَفِي وَسَطِ الشُّيُوخِ خَرُوفٌ قَائِمٌ كَأَنَّهُ مَذْبُوحٌ، لَهُ سَبْعَةُ قُرُونٍ وَسَبْعُ أَعْيُنٍ، هِيَ سَبْعَةُ أَرْوَاحِ الإله الْمُرْسَلَةُ إِلَى كُلِّ الأَرْضِ. (الرؤيا 5: 6)
والقول انه خروف يتناقض أيضاً مع القول عنه أنه راعي! وأما قول الكنائس ان يسوع رفع خطيئة آدم التي أورثها لذريته وحملَ خطايا البشرية، أو أتباع الكنائس، فهذه الفكرة أيضاً تتناقض مع كل عقل وعلم إذا كان ما تقوله الكنائس عن يسوع صحيح من أنه الأقنوم الثاني من الاقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر، فهل الذي خلق كل شيء بحاجة لأن يعذب يسوع، الجسد الذي حلت فيه الأقانيم الثلاثة أو على الأقل الأُقنوم الثاني، ليغفر للبشرية، وهل هناك مانع يمنعه من أن يغفر الذنوب دون الحاجة الى تعذيب يسوع، كما أن القول إن يسوع حمل وغفر خطايا أتباعه يثير الحيرة والأسئلة في قلوب أتباع الكنائس الطيبين، فماذا يعني هذا القول؟
هل يعني منعهم من الخطأ، أم مغفرة خطاياهم؟
إذا قلنا أنه يعني منعهم من عمل الخطايا، فهم يعلمون ويشعرون أنه غير صحيح لأنهم يرتكبون الخطايا كغيرهم من الناس.
وإذا قلنا إن معناه هو غفران خطاياهم فهذا أيضاً لا تقوله الكنائس، إذ أنها تفرض على أتباعها القيام بالكثير من الطقوس والصلوات لطلب غفران خطاياهم، حتى أن الكنيسة الكاثوليكية قامت بعمل صكوك لغفران الخطايا وباعتها للناس!
فما معنى حمل يسوع لخطايا الناس ورفعها عن العالم إذا كان لم يمنع أتباع الكنائس من القيام بالأعمال الخاطئة وإذا كان لم يغفر لهم خطاياهم؟!
وأخيراً ألا يوجد في العهد القديم عشرات الطرق لتكفير الخطايا وقبولها من الرب دون ما تقوله الكنائس عن يسوع الخروف الذي رفع خطيئة آدم وحمل خطايا أتباع الكنائس؟
وما يهم في هذا المقام ليس الحديث عن الخطيئة الأصلية كقانون من قوانين الإيمان بل بيان مصدر هذه الفكرة المتناقضة في الأناجيل، وقبل الحديث عن مصادرها لنلقي نظرة على بعض نصوص العهد الجديد التي تتحدث عن يسوع كحمل وخروف جاء ليحمل ويرفع خطايا البشرية.
- وفي الغد نظر يوحنا يسوع مقبلاً إليه فقال هو ذا حَمَل الإله الذي يرفع خطية العالم. (يوحنا 1: 29)
- وفي الغد أيضاً كان يوحنا واقفاً هو واثنان من تلاميذه،
فنظر الى يسوع ماشياً فقال هو ذا حَمَل الإله،
فسمعه التلميذان يتكلم فتبعا يسوع. (يوحنا 1: 35-37)
- فإنني سلمت إليكم في الأول ما قبلته أنا أيضاً أن المسيح مات من أجل خطايانا حسب الكتب،
وأنه دُفن وأنه قام في اليوم الثالث حسب الكتب، وأنه ظهر لصفا ثم للاثني عشر، وبعد ذلك ظهر دفعة واحدة لأكثر من خمسمئة أخِ أكثرهم باقٍ إلى الآن ولكن بعضهم قد رقدوا،
وبعد ذلك ظهر ليعقوب ثم للرسل أجمعين،
وآخر الكلّ كأنه للسقط ظهر لي أنا. (كورنثوس الاولى 15: 3-8)
- واسلكوا في المحبة كما أحبنا المسيح أيضاً وأسلم نفسه لأجلنا قرباناً وذبيحة للإله رائحة طيبة. (أفسس 5: 2)
- الذي هو بهاء مجده ورسم جوهره وحامل كل الأشياء بكلمة قدرته،
بعدما صنع بنفسه تطهيراً لخطايانا جلس في يمين العظمة في الأعالي صائراً أعظم من الملائكة بمقدار ما ورث اسماً أفضل منهم. (العبرانيين 1: 3-4)
هذه بعض النصوص التي تصف يسوع بالخروف وحمله خطايا العالم، والنص الثالث يحمل خطأ كبيراً وهو قول بولس ان يسوع ظهر للاثني عشر في حين أن الاناجيل تقول ان يهوذا خانه وسلمه لليهود وبعد ذلك شنق نفسه، وظهور يسوع للتلاميذ كان قبل صعوده الى السماء واختيار التلميذ البديل ليهوذا كما هو مكتوب في الأناجيل وأعمال الرسل، فما كتبه بولس يدل على أنه ليس وحياً مما يشير الى أن قوله ان المسيح مات من أجل خطاياهم حسب الكتب ليس صحيحاً، وفي النص الأخير يقول بولس ان يسوع صار أعظم من الملائكة وهذا ينقض قوانين إيمان الكنائس التي تقول ان يسوع أُقنوم من الاقانيم الثلاثة، إذ لو كانت هذه القوانين صحيحة لما فكر بولس في كتابة هذه الفقرة، لأنه من يخطر على قلبه أن الرب يصير أعظم من الملائكة أو أعظم من أي من مخلوقاته! بل الرب هو أعظم من كل المخلوقات ولا يصير أعظم من المخلوقات، فقوله ان يسوع صار أعظم من الملائكة دليل على أنه لا يحمل أيّة صفات إلهية بل هو إنسان صارت له مكانة معنوية أعظم من الملائكة وليست صفة ذاتية! وحتى هذه الصفة التي كتبها بولس فهو اقتبس أصلها من العهد القديم كما في النص التالي:
فمن هو الانسان حتى تذكره وابن الانسان حتى تفتقده،
وتنقصه قليلاً عن الملائكة. (مزمور 8: 4-5)
فهذا النص يقول ان الانسان وابن الانسان مكانته أنقص من مكانة الملائكة قليلاً، فقام بولس بكتابة صفة ليسوع عكس هذه الصفة بقوله انه صار أعظم من الملائكة!
فمن أين اقتبس كتبة الاناجيل فكرة الخروف وحمل الخطايا، وهل يوجد في أسفار العهد القديم قصص تتحدث عن بعض الناس والحيوانات الذين يحملون الخطايا عن باقي الناس؟
لنقرأ النصوص التالية:
- وأما تيْس الخطية فإن موسى طلبه فإذا هو قد احترق فسخط على ألعازر وإيثمار ابني هارون الباقيين وقال، ما لكما لم تأكلا ذبيحة الخطية في المكان المقدس لأنها قدس أقداس،
وقد أعطاكما إياها لتحملا إثم الجماعة تكفيراً عنهم أمام الرب. (لاويين 10: 16-17)
في هذا النص نقرأ عن ألعازر وإيثمار، ابنا هارون، أنهما كانا يحملان خطايا وآثام بني اسرائيل كما يقول كتبة الاناجيل والكنائس عن يسوع.
- ثم يذبح تيس الخطية الذي للشعب ويدخل بدمه الى داخل الحجاب ويفعل بدمه كما فعل بدم الثور ينضحه على الغطاء وقدّام الغطاء،
فيُكفر عن القدس من نجاسات بني اسرائيل ومن سيآتهم مع كل خطاياهم وهكذا يفعل لخيمة الاجتماع القائمة بينهم في وسط نجاساتهم. (لاويين 16: 15-16)
في هذا النص نقرأ عن تيس الخطيئة الذي يُذبح للتكفير عن سيئات وخطايا بني اسرائيل، وهو يشبه ما تقوله الاناجيل والكنائس عن صلب يسوع للتكفير عن خطايا العالم.
- ويضع هارون يديه على رأس التيس الحيّ ويُقرّ عليه بكل ذنوب بني إسرائيل وكل سيئاتهم مع كل خطاياهم ويجعلها على رأس التيس ويرسله بيد من يلاقيه الى البرية، ليحمل التيس عليه كل ذنوبهم إلى أرض مقفرة فيُطلق التيس في البرية، ثم يدخل هارون إلى خيمة الاجتماع ويخلع ثياب الكتان التي لبسها عند دخوله إلى القدس ويضعها هناك،
ويرحض جسده بماء في مكان مُقدس ثم يلبس ثيابه ويخرج ويعمل مُحرقته ومُحرقة الشعب ويُكفر عن نفسه وعن الشعب. (لاويين 16: 21-24)
في هذا النص نقرأ عن التيس الذي يُرسل الى البرية ليحمل كل خطايا وسيئات بني اسرائيل دون الحاجة الى صلب يسوع!
فهل هذه الأعمال كانت تغفر خطايا بني اسرائيل أم أنها لم تكن تغفر خطاياهم وأنها عبارة عن أعمال عبثية أمرهم الرب بالقيام بها؟!
إن غفران الخطايا هي من صفات الرب الذي لا يشاركه فيها أحد كما يقول العهد القديم في عشرات النصوص وفيما يلي بعض منها:
طوبى للذي غُفر إثمه وسُترتْ خطيئته،
طوبى لرجل لا يحسب له الرب خطيئة ولا في روحه غشّ،
لما سكتُّ بَليت عظامي من زفيري اليوم كله،
لأن يدكَ ثقلت عليّ نهاراً وليلاً تحوّلت رطوبتي إلى يبوسة القيظ، سلاة،
أعترف لك بخطيئتي ولا أكتم إثمي،
قلتُ أعترف للرب بذنبي،
وأنت رفعت آثام خطيئتي، سلاة. (مزمور 32: 1-5)
- وأنت يا ابن آدم فكلم بيت إسرائيل وقل أنتم تتكلمون هكذا قائلين،
إن معاصينا وخطايانا علينا،
وبها نحن فانون فكيف نحيا،
قل لهم حيّ أنا يقول السيد الرب إني لا أُسرّ بموت الشرير بل بأن يرجع الشرير عن طريقه ويحيا،
ارجعوا ارجعوا عن طرقكم الرديئة، فلماذا تموتون يا بيت اسرائيل،
وأنت يا ابن آدم فقل لبني شعبك إن البارّ لا يُنجيه في يوم معصيته،
والشرير لا يعثر بشرّه في يوم رجوعه عن شرّه،
ولا يستطيع البارّ أن يحيا ببرّه في يوم خطيئته،
إذا قلتُ للبارّ حياة تحيا، فاتكل هو على برّه وأثِمَ فبرّه كلّه لا يُذكر بل بإثمه الذي فعله يموت،
وإذا قلتُ للشرير موتاً تموت، فإن رجع عن خطيئته وعمل بالعدل والحق، إن ردّ الشرير الرهن وعوّض عن المغتصب وسلك في فرائض الحياة بلا عمل إثم فانه يحيا، لا يموت،
كل خطيئته التي أخطأ بها لا تذكر عليه،
عَمِلَ بالعدل والحق فيحيا حياة،
وأبناء شعبك يقولون ليست طريق الرب مستوية، بل هم طريقهم غير مستوية،
عند رجوع البارّ عن برّه وعند عمله إثماً فإنه يموت به،
وعند رجوع الشرير عن شرّه وعند عمله بالعدل والحق فإنه يحيا بهما. (حزقيال 33: 10-19)
- لك ينبغي التسبيح يا رب في صهيون ولك يُوفى النذرُ،
يا سامع الصلاة إليك يأتي كل بشر،
آثامٌ قد قويت عليّ،
معاصينا أنت تكفرها. (مزمور 65: 1-3)
- لا تتكلوا على الرؤساء،
ولا على ابن آدم حيث لا خلاص عنده،
تخرج روحه فيعود الى ترابه،
في ذلك اليوم نفسه تهلك أفكاره،
طوبى لمن إله يعقوب مُعينه،
ورجاؤه على الرب إلهه صانع السموات والارض،
البحر وكل ما فيها، الحافظ الأمانة الى الأبد. (مزمور 146: 3-6)
- رضيتَ يا رب على أرضك، أرجعتَ سبي يعقوب،
غفرت إثم شعبك،
سترت كل خطيّتهم، سلاة،
حجزت كل رجزك رجعت عن حموّ غضبك،
أرجعنا يا إله خلاصنا وانفِ غضبك عنا. (مزمور 85: 1-4)
في تلك الأيام وفي ذلك الزمان يقول الرب،
يُطلب إثم إسرائيل فلا يكون،
وخطيئة يهوذا فلا توجد،
لأني أغفر لمن أُبقيه. (إرميا 50: 20)
- الذي يغفر جميع ذنوبك الذي يشفي كل أمراضك. (مزمور 103: 3)
لأن عندك المغفرة لكي يُخاف منك. (مزمور 130: 4)
- ليَرجُ إسرائيل الرب لأن عند الرب الرحمة وعنده فدىً كثير،
وهو يفدي إسرائيل من كل آثامه. (مزمور 130: 7-8)
هذه النصوص وغيرها تؤكد على ان الرب يغفر الذنوب دون الحاجة للدخول في قصص يتناقض بعضها مع بعض وتتناقض جميعها مع العقل والواقع، وخاصة ما تقوله الكنائس عن تحول يسوع الى خبز وخمر ومن ثم تقوم بأكله وشربه ليغفر خطايا أتباعها الطيبين في طقس الافخارستيا!
وأما أصل الخطيئة المورّثة لبني آدم، مع أن الأناجيل لم تتحدث عنها ولا ذكرت اسم آدم إلا مرة واحدة في نسب يسوع في إنجيل لوقا، فأظن أنها مقتبسة من النص التالي:
هاأنذا بالإثم صورت وبالخطية حبلت بي أُمي. (مزمور 51: 5)
هذا النص هو ما استند عليه بولس والكنائس من بعده للقول ان آدم ورّث ذريته خطيئة أكله من الشجرة التي نُهي عنها، مع أن من يقرأ المزمور كله يجد فيه دعاء لداوُد يطلب فيه من الرب ان يرحمه ويغفر له، والانسان في حالة الدعاء والصلاة للرب يقول ما يشاء، ولا يكون حجة على الناموس، أو الشريعة، الذي بيّن فيه الرب الوصايا والتعاليم، وبيّن فيه أنه هو الوحيد الذي يغفر الخطايا ولم يتحدث فيه عن توريث آدم خطيئته لذريته، لا بل إنه قال إن الانسان لا يحمل خطيئة أباه كما في النص التالي:
لا يُقتل الآباء عن الأولاد ولا يُقتل الأولاد عن الآباء كل إنسان بخطيئته يُقتل. (تثنية 24: 16)
فهذا النص ينقض كل الأقوال التي تقول ان آدم ورّث ذريته خطيئة الأكل من الشجرة.
من هذا الشرح نخرج بنتيجة أن وصف يسوع بالخروف وحمله لخطايا البشر خطأ سواء في الواقع أو مقارنة مع العهد القديم، وهذا يدل على أن هذه النصوص ليست وحياً وينطبق عليها قانون لا تقبل خبراً كاذباً.
43 - مصدر قول يسوع عن بطرس انه راعي التلاميذ
- فبعدما تغدوا قال يسوع لسمعان بطرس يا سمعان بن يونا أتحبني أكثر من هؤلاء، قال له نعم يا رب أنت تعلم أني أُحبك،
قال له ارع خرافي. (يوحنا 21: 15)
هذا النص جزء من الاصحاح الاخير في انجيل يوحنا وكنت أود أن أكتب فقرات أخرى تظهر عدداً من الأخطاء والتناقضات في هذا الإصحاح ولكن أكتفي هنا بتناقض واحد يُظهر أن هذا النص ليس وحياً! لان أي نص يظهر فيه أي خطأ لا يمكن أن يكون وحياً، لان الرب خالق السموات والأرض ليس إنساناً فيكذب ولا ابن إنسان فيندم كما يقول العهد القديم.
في هذا النص تناقض واضح مع نص أخر قاله يسوع وهو كما يلي:
ولا تدعوا لكم أباً على الارض لأن أباكم واحد الذي في السماء. (متّى 23: 9)
فيسوع في هذا النص يأمر تلاميذه أن لا ينتسبوا لأب على الارض، وهو ما يفعله زعماء بعض الكنائس، إذ أنهم عند استلامهم لمراكزهم الجديدة يتخذون لهم أسماءاً ليس فيها انتساب لآبائهم، ولكن يوحنا يقول إن يسوع بعد قيامته من الأموات نادى بطرس باسم أبيه الجسدي، أي سمعان بن يونا، وهو ما يدل على خطأ احد القولين، فمن أين اقتبس يوحنا نصه هذا؟
لنقرأ النص التالي:
- ومنذ أمس وما قبله حين كان شاول كنت أنت تخرج وتدخل إسرائيل وقد قال لك الرب إلهك أنت ترعى شعبي اسرائيل وأنت تكون رئيساً لشعبي اسرائيل،
وجاء جميع شيوخ اسرائيل الى الملك الى حبرون فقطع داوُد معهم عهداً أمام الرب، ومسحوا داوُد ملكاً على اسرائيل حسب كلام الرب عن يد صموئيل. (اخبار الايام الاول 11: 2-3)
كما نلاحظ فإنه يوجد تشابه كبير بين النصين مع اختلاف في الواقع، لأن داوُد من أعظم ملوك بني اسرائيل ورعاتهم، وفي زمنه كانت لبني اسرائيل دولة واحدة مرهوبة الجانب، وهو ما لم يتحقق في حياة بطرس، لأن بطرس لم يرع خراف يسوع وكان له أتباعه وللآخرين أتباعهم، وكانت بينهم خصومات ومشاحنات وخلافات كما في النصوص التالية:
ولما صعد بطرس الى أُورشليم خاصمه الذين من أهل الختان. (أعمال الرسل 11: 2)
- ولكنني أطلب إليكم أيها الإخوة باسم ربنا يسوع المسيح أن تقولوا جميعكم قولاً واحداً ولا يكون بينكم انشقاقات بل كونوا كاملين في فكر واحد ورأي واحد،
لأني أُخبرت يا إخوتي من أهل خُلُوِي أن بينكم خصومات،
فأنا أعني ان كل واحد منكم يقول أنا لبولس وأنا لأبلوس وأنا لصفا وأنا للمسيح. (كورنثوس الاولى 1: 10-12)
- بل بالعكس إذ رأوا أني اؤتمنت على إنجيل الغرلة كما بطرس على إنجيل الختان. (غلاطية 2: 7)
- ولكن لما أتى بطرس الى أنطاكية قاومته مواجهة لأنه كان ملوماً. (غلاطية 2: 11)
كما نقرأ فإن الراعي الذي عينه يسوع لرعاية خرافه يقاومه بولس مواجهة ويجعله في موقع الملامة!
من هنا أستطيع القول أن النص السابق ليس متحققاً في بطرس لأنه لم يكن راعياً للتلاميذ، وهذا يشير الى أن النص السابق ليس وحياً وينطبق عليه قانون لا تقبل خبراً كاذباً، ويوضح الطريقة التي اتبعها الكتبة في كتابة أناجيلهم وهي اقتباس بعض نصوص العهد القديم وإعادة صياغتها في قالب قصصي بغض النظر عن مخالفتها لما هو مكتوب في الأناجيل الأخرى أو حتى مخالفتها لما هو مكتوب في الإنجيل الواحد، لإضفاء حالة من المصداقية والقدسية عليها.
44 - مصدر قول الأناجيل خراف لا راعي لها
- ولما رأى الجموع تحنّن عليهم إذ كانوا منزعجين ومنطرحين كغنم لا راعي لها. (متّى 9: 36)
- فلما خرج يسوع رأى جمعاً كثيراً فتحنن عليهم إذ كانوا كخراف لا راعي لها فابتدأ يُعلمهم كثيراً. (مرقس 6: 34)
في هذين النصين نقرأ قول متّى ومرقس في وصف الجموع بأنهم كغنم لا راعي لها، فمن أين اقتبسا هذا القول؟
- فقال رأيت كل إسرائيل مشتتين كخراف لا راعي لها. (الايام الثاني 18: 16)
كما نلاحظ فإنه يوجد تشابه بين ما كتبه متّى ومرقس وما هو مكتوب في كتاب الأيام الثاني، وهذا يؤكد أن كتبة الأناجيل كانوا شديدي الحرص على اقتباس كل ما يكتبونه من العهد القديم حتى في الفقرات البسيطة وهذا كله ليضفوا على ما كتبوه حالة من القداسة والمصداقية، للقول لأتباعهم أن ما يكتبوه متوافق مع العهد القديم ومن نفس المصدر، على الرغم من مخالفتهم لكل أُصوله كما ظهر لنا سابقاً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق