الخميس، 26 يوليو 2018

مصدر قول يسوع أنا قلت أنكم آلهة، ومصدر قول اليهود أنهم أبناء الإله، ومصدر قول يسوع عن سماع الناس من أبيه

الفصل الثالث: مصادر الأناجيل وطريقة تأليفها وكتابتها

القسم الخامس: النصوص المستشهد بها في الحوارات والمجادلات
في هذا القسم سنطلع على بعض الحوارات والمُجادلات التي كتبت في الأناجيل وتم الاستشهاد فيها بنصوص من العهد القديم لنرى إن كان كتبة الأناجيل قد نجحوا في كتابة تلك الحوارات والمُجادلات بما يتوافق مع نصوص الأناجيل ونصوص العهد القديم أم أنهم كتبوا حوارات ومجادلات تتناقض مع نصوص الأناجيل ونصوص العهد القديم كما ظهر لنا في القسم السابق.
2 - مصدر قول أنا قلت أنكم آلهة
- فتناول اليهود أيضاً حجارة ليرجموه،
فأجابهم يسوع أعمالا كثيرة حسنة أريتكم من عند أبي،
بسبب أي عمل ترجمونني،
أجابه اليهود قائلين لسنا نرجمك لأجل عمل حسن، بل لأجل تجديف،
فإنك وأنت إنسان تجعل نفسك إلهاً،
أجابهم يسوع أليس مكتوباً في ناموسكم أنا قلت إنكم آلهة، إن قال آلهة لأُولئك الذين صارت إليهم كلمة الإله،
ولا يمكن أن ينقض المكتوب،
فالذي قدّسه الأب وأرسله إلى العالم أتقولون له إنك تجدّف لأني قلتُ إني ابن الإله. (يوحنا 10: 31-36)
في هذا النص يكتب يوحنا قصة عن محاولة اليهود رجم يسوع بالحجارة! وسؤال يسوع لهم عن السبب الذي يريدون ان يرجموه من اجله، ويُذكّرهم بأنه قام بعمل الكثير من الأعمال الحسنة من اجلهم، وخاصة شفاء بعض المرضى الذين عجز الأطباء عن شفائهم، فيجيبه اليهود قائلين انهم لا يريدون أن يرجموه لأجل شفاء المرضى والأعمال الحسنة الأخرى، ولكنهم يريدون ان يرجموه من اجل كلام الكفر أو التجديف الذي يتفوه به  بإدعائه وهو انسان انه إله، فيرد عليهم يسوع بالقول أليس مكتوباً في ناموسكم أنا قلت أنكم آلهة، إن قال آلهة لأُولئك الذين صارت إليهم كلمة الإله ولا يمكن أن ينقض المكتوب.
وهذا الرد على الرغم من انه يعتبر رداً منطقياً وقوياً من يسوع على اليهود كما كتب يوحنا إلا انه توجد عدة ملاحظات عليه.
الملاحظة الأُولى وهي على قوله ناموسكم فهذه الكلمة خطأ لأن المزامير لا يُطلق عليها ناموس لا في اللغة ولا في تقسيم كتب العهد القديم، فالمزامير تعني القطع النثرية أو الشعرية، والناموس يعني الشريعة وفي تقسيم كتب العهد القديم في النسخة العبرانية تقع ضمن قسم الكتب أو ما يطلق عليه بالعبرانية كتبييم، وأما الناموس أو التوراة فهو يُطلق على الأسفار الخمسة الأُولى!
الملاحظة الثانية وهي لو وافقنا تجاوزاً على أن المزامير يطلق عليها ناموس! فقوله ناموسكم ليست هي الكلمة الصحيحة في هذا الموقف، فيوحنا هنا يريد ان يُظهر ان يسوع ابن الإله، فكان من الواجب ان يستخدم كلمة ناموسي أنا، وليس ناموسكم! لأنه إذا كان ما يقوله صحيحاً من انه ابن الإله، واحد الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر، فيكون هو نفسه من أوحى بالناموس لموسى! فقوله لهم ناموسكم كأنه يستشهد على قوله انه ابن الإله من باب ما جاء في العهد القديم من بعض الفقرات التي تذكر أن بعض الناس يُطلق عليهم أنهم أبناء الإله، وليس لأنه هو بالفعل إله وابن إله حقيقي! ولهذا كان من الواجب عليه ان يقول ناموسي لو كان حقاً يحس انه ابن الإله، أو بمعنى أدق كان الواجب على يوحنا ان يكتب على لسان يسوع ناموسي لو كان يؤمن ان يسوع هو ابن الإله!
الملاحظة الثالثة وهي إذا كان ما ذكره يوحنا صحيحاً وموافقاً عليه من يسوع ومن الروح المقدس ومن الكنائس المختلفة فقد اثبت وجود آلهة أُخرى كثيرة، وليس إلهاً أو إلهين آخرين، لأنه قال عن قضاة اليهود أنهم آلهة وهؤلاء القضاة يعدون بالمئات!
الملاحظة الرابعة وهي هل ما فهمه يوحنا من المزمور مقبول عند اليهود، خاصة انه يصف قضاتهم بالآلهة مثل يسوع نفسه، فهو يمدحهم ولا يذمهم، بل ويعطيهم مكانة عالية جداً عليهم؟!
والجواب على هذا واضح ومشهور، فاليهود لم يقتنعوا بكلام يوحنا وما كتبه على لسان يسوع من استشهاده بالنص، بل بقوا مصرّين على ان قوله عن نفسه انه ابن الإله تجديف يستوجب الرجم والقتل.
نأتي الآن لقراءة النص المستشهد به لنرى حقيقة ما فهمه يوحنا أو يسوع منه، وهو مذكور في المزمور الثاني والثمانين، وهو كما يلي:
الإله قائم في مجمع الإله،
في وسط الآلهة يقضي،
حتى متى تقضون جوراً وترفعون وجوه الأشرار،
سلاة،
اقضوا للذليل ولليتيم،
أنصفوا المسكين والبائس،
نجّوا المسكين والفقير، من يد الأشرار أنقذوا،
لا يعلمون ولا يفهمون،
في الظلمة يتمشون،
تتزعزع كل أُسس الارض،
أنا قلت إنكم آلهة وبنو العلي كلكم،
لكن مثل الناس تموتون،
وكأحد الرؤساء تسقطون،
قم يا إله دن الارض،
لأنك أنت تمتلك كل الأمم. (مزمور 82: 1-8)
وحتى نأخذ صورة أوضح عن معاني هذا المزمور أود أن أذكره من طبعة أُخرى للعهد القديم، كتاب الحياة، المطبوع بإشراف من
 International Bible Society
وهو يأخذ الترميز الدولي رقم
ISBN 1-56320-074-0
الطبعة الثالثة
وهذا نصه:
الإله يترأس ساحة قضائه،
وعلى القضاة يصدر حكماً،
حتى متى تقضون بالظلم وتنحازون الى الأشرار،
احكموا للذليل واليتيم،
وأنصفوا المسكين والبائس،
أنقذوا المسكين والفقير،
أنقذوهما من قبضة الشريرة،
هم من غير معرفة وفهم،
يتمشون في الظلمة،
وتتزعزع أسس الأرض من كثرة الجور،
أنا قلت أنكم آلهة،
وجميعكم بنو العلي،
لكنكم ستموتون كالبشر،
وتنتهي حياتكم مثل كل الرؤساء،
قم يا إله قم دن الارض، لأنك أنت تمتلك الأمم بأسرها. (مزمور 82: 1-8)
نص يوحنا من نسخة الملك جيمس:
10:31 Then the Jews took up stones again to stone him.
10:32 Jesus answered them, Many good works have I shewed you from my Father; for which of those works do ye stone me?
10:33 The Jews answered him, saying, For a good work we stone thee not; but for blasphemy; and because that thou, being a man, makest thyself God.
10:34 Jesus answered them, Is it not written in your lawI said, Ye are gods?
10:35 If he called them gods, unto whom the word of God came, and the scripture cannot be broken;
10:36 Say ye of him, whom the Father hath sanctified, and sent into the world, Thou blasphemest; because I said, I am the Son of God?
نص المزمور من نسخة الملك جيمس:
Psalm 82
A Psalm of Asaph.
82:1 God standeth in the congregation of the mightyhe judgeth among the gods.
82:2 How long will ye judge unjustly, and accept the persons of the wicked? Selah.
82:3 Defend the poor and fatherless: do justice to the afflicted and needy.
82:4 Deliver the poor and needy: rid [them] out of the hand of the wicked.
82:5 They know not, neither will they understand; they walk on in darkness: all the foundations of the earth are out of course.
82:6 I have said, Ye [are] gods; and all of you [are] children of the most High.
82:7 But ye shall die like men, and fall like one of the princes.
82:8 Arise, O God, judge the earth: for thou shalt inherit all nations.
نص المزمور من النسخة العبرانية:
82:1 A Psalm of Asaph. {N} God standeth in the congregation of Godin the midst of the judges He judgeth:
82:2 'How long will ye judge unjustly, and respect the persons of the wicked? Selah
82:3 Judge the poor and fatherless; do justice to the afflicted and destitute.
82:4 Rescue the poor and needy; deliver them out of the hand of the wicked.
82:5 They know not, neither do they understand; they go about in darkness; {N} all the foundations of the earth are moved.
82:6 I said: Ye are godlike beingsand all of you sons of the Most High.
82:7 Nevertheless ye shall die like men, and fall like one of the princes.'
82:8 Arise, O God, judge the earth; for Thou shalt possess all the nations.{P}
نص المزمور من النسخة السبعينية:
Psalm 82 A Psalm for Asaph.
82:1 God stands in the assembly of godsand in the midst of them will judge gods.
82:2 How long will ye judge unrighteously, and accept the persons of sinners? Pause.
82:3 Judge the orphan and poor: do justice to the low and needy.
82:4 Rescue the needy, and deliver the poor out of the hand of the sinner.
82:5 They know not, nor understand; they walk on in darkness: all the foundations of the earth shall be shaken.
82:6 I have said, Ye are gods; and all of you children of the Most High.
82:7 But ye die as men, and fall as one of the princes.
82:8 Arise, O God, judge the earth: for thou shalt inherit all nations.
إن نص المزمزر سواء في طبعة الفانديك أو طبعة كتاب الحياة أو الكلام الذي كتبه يوحنا في إنجيله أو في النسخ الانجليزية يُظهر انه يتحدث عن قضاة بني إسرائيل، وإن وصفتهم نسخة الفانديك بالآلهة، إلا ان نسخة كتاب الحياة بينت المعنى الصحيح لهذه الكلمة، وهو ان المقصود بالآلهة هم قضاة اليهود، وما يزيد الأمر وضوحاً بالنسبة لمعنى الكلمة هو ما تتكلم القصة عنه.
فالمزمور يقول ان الرب يطلب من قضاة بني اسرائيل ان ينتهوا عن القضاء بالجور، وان لا يرفعوا وجوه الأشرار، وان يقضوا للذليل والمسكين، وان ينصفوا المساكين وينجّوا الفقراء، وتوجد عدة نصوص في العهد القديم تتحدث عن حالة قضاة اليهود وكيف أنهم كانوا لا يقضون بالحق ومنها النص التالي:
- رؤساؤكِ متمردون ولغفاء اللصوص،
كل واحد منهم يحب الرشوة ويتبع العطايا،
لا يقضون لليتيم ودعوى الأرملة لا تصل إليهم. (إشعياء 1: 23)
فالمزمور يُوبخ قضاة اليهود ولا يمدحهم، بعد كل هذا التوبيخ لهم من الرب يذكر المزمور صفات أُخرى لأولئك القضاة، أو الآلهة بحسب نسخة الفانديك، فيقول الرب عنهم أنهم لا يعلمون ولا يفهمون وانهم يمشون في الظلمة وانهم بأحكامهم تلك يزعزعون أسس الأرض التي قامت على العدل والحكمة، فإذا كان هؤلاء آلهة حقيقية كما ظن يسوع، أو بمعنى أدق كما كتب يوحنا على لسان يسوع، وهذه صفاتهم فكيف سيستقيم أمر هذا الكون؟!
وهل حقاً ان تلك الآلهة الذين لا يعلمون ولا يفهمون ويمشون في الظلمة هم آلهة حقيقية؟!
بعد كل هذه الأوصاف القبيحة وهذا التوبيخ الشديد لأولئك القضاة تأتي جملة أنا قلت أنكم آلهة وبنو العلي كلكم التي كتبها يوحنا على لسان يسوع ليثبت لهم عدم خطأ قوله أنه ابن الإله لأن هذه الجملة ذكرت في ناموسهم، وهذا الاستشهاد يكون صحيحاً لو ان الجملة جاءت في سياق المدح وليس الذم والتوبيخ كما هو ملاحظ! لان المزمور كله يتحدث عن جور القضاة وظلمهم وجهلهم ومشيهم في الظلمات ومن ثم يطلب منهم ان يتوقفوا عن كل أنواع الظلم، فالجملة التي نحن بصددها هي استكمال للحديث الأول، أي إن الرب يريد أن يوبخ قضاة اليهود زيادة على ما سبق فقال لهم من باب التوبيخ وليس المدح، كما هو سياق النص كله!
فقال لهم أنا قلت أنكم آلهة حتى تقضوا وتحكموا كما تشتهي أنفسكم وتظلموا المساكين واليتامى!
أنا قلت أنكم آلهة حتى ترفعوا وجوه الأشرار!
انا قلت انكم آلهة وانتم تمشون في الظلمة!
انا قلت انكم آلهة وانتم لا علم لكم ولا فهم!
انا قلت انكم بنو العلي كلكم وانتم هذه صفاتكم!
أنا قلت انكم آلهة وانتم تموتون مثل الناس وتسقطون كأحد الرؤساء!
انا قلت انكم آلهة وبنو العلي تدعون!
قم يا رب دن الأرض، لأنك أنت تمتلك كل الأمم.
من هذه القراءة المتأنية لهذا المزمور نجد ان اقتباس يوحنا لهذا النص للاستشهاد به على صحة قوله عن يسوع انه ابن الإله ليس صحيحاً، وكان من الأفضل له معرفة الرب ومعرفة يسوع كما تصفه قوانين إيمان الكنائس قبل كتابة هذه القصة، فالرب في العهد القديم مكتوب عنه عشرات النصوص بل مئات النصوص التي تبين وحدانيته وانه لا شريك له ولا مثيل وان كل من يشرك به سيعاقبه، وان كل المعبودات من دونه انما هي أباطيل وخرافات لا تضر ولا تنفع فكيف يصف قضاة اليهود بأنهم آلهة إلا إذا كان هذا الوصف للتوبيخ والتحقير وهو ما ظهر لنا من خلال قراءة المزمور.
وأما معرفة يوحنا ليسوع فكان الواجب عليه إذا كان يؤمن بما تقوله قوانين إيمان الكنائس عن يسوع أن يعلم ان هذه القوانين لا تعتبر يسوع كقضاة اليهود.
وهذا الأمر يدل على أن كتبة الاناجيل كانوا يعتمدون في كتابتهم للأناجيل على نصوص العهد القديم للقول أن ما يؤمنون به متوافق معها، بغض النظر عن حقيقة تلك النصوص وما تتحدث عنه لإضفاء حالة من القداسة والمصداقية على ما يكتبون، وهو ما يدل على أن قانون لا تقبل خبراً كاذباً ينطبق على نص يوحنا.
3 - مصدر قول اليهود أنهم أبناء الإله
- أنا عالم أنكم ذريّة إبراهيم،
لكنكم تطلبون أن تقتلوني لأن كلامي لا موضع له فيكم،
أنا اتكلم بما رأيت عند أبي وأنتم تعملون ما رأيتم عند أبيكم،
أجابوا وقالوا له أبونا هو إبراهيم،
قال لهم يسوع لو كنتم أولاد إبراهيم لكنتم تعملون أعمال إبراهيم،
ولكنكم الآن تطلبون أن تقتلوني،
وأنا إنسان قد كلمكم بالحق الذي سمعه من الإله،
هذا لم يعمله إبراهيم،
أنتم تعملون أعمال أبيكم،
فقالوا له إننا لم نولد من زناً،
لنا أب واحد هو الإله،
فقال لهم يسوع لو كان الإله أباكم لكنتم تحبونني لأني خرجت من قبل الإله وأتيت، لأني لم آت من نفسي بل ذاك أرسلني. (يوحنا 8: 37-42)
هذا الحوار أو المجادلة بين يسوع واليهود هي عكس الحوار او المجادلة السابقة، فهنا يكتب يوحنا على لسان اليهود قولهم أنهم أبناء الإله في حين أنه كتب في النص السابق أنهم حاولوا ان يرجموا يسوع لأنه قال عن نفسه انه إله!
ويوحنا وهو يكتبها لا يهمه إن كانت تتعارض مع النص السابق أم تتوافق، فالمهم عنده إثبات ان العهد القديم يتحدث عن عدد من الآلهة وليس عن إله واحد خالق السموات والارض، وهذا الحوار أو المجادلة، كما كتبها يوحنا جدير بالتأمل سواء من حيث التصريح بأن يسوع انسان، وأنه مرسل من قبل الإله وأنه لم يأت من نفسه، وأن ما يتكلم به من كلام ليس له بل هو ما يسمعه، وخوفه الدائم من القتل، فهذه المواضيع كل واحد منها ينقض قوانين إيمان الكنائس المختلفة، ومع هذا فموضوعنا الرئيس هو البحث عن مصادر النصوص المقتبسة من العهد القديم ومطابقتها مع واقع الأناجيل وواقعها الذاتي، فنجد أن يوحنا اقتبس هذا الحوار من النص التالي:
- تطلّع من السموات وانظر من مسكن قدسك ومجدك،
أين غيرتك وجبروتك، زفير أحشائك ومراحمك نحوي امتنعت،
فإنك أنت أبونا وإن لم يعرفنا إبراهيم،
وإن لم يدرِنا إسرائيل،
أنت يا رب أبونا وليّنا منذ الأبد اسمك،
لماذا أضللتنا يا رب عن طرقك،
قسيّت قلوبنا عن مخافتك،
ارجع من أجل عبيدك أسباط ميراثك. (إشعياء 63: 15-17)
كما نلاحظ فإن اليهود بعد ان قالوا عن انفسهم انهم أبناء الإله وان الإله أبوهم، عادوا واعترفوا بعبوديتهم للرب وأنهم عبيد له، فاليهود يستخدمون هذا التعبير، أي أبناء الإله، من باب العبودية والمحبة والاختيار وليس من الناحية الطبيعية أو الجوهرية كما يستخدمها يوحنا وباقي الكتبة والكنائس المختلفة.
ويوجد نص آخر في كتاب إشعياء يتحدث عن الرب كأب لليهود! وهو كما يلي:
وقد صرنا كلنا كنجس، وكثوب عدة كل أعمال برنا،
وقد ذبلنا كورقة وآثامنا كريح تحملنا،
وليس من يدعو باسمك أو ينتبه ليتمسك بك لأنك حجبت وجهك عنا وأذبتنا بسبب آثامنا،
والآن يا رب أنت أبونا،
نحن الطين وأنت جابلنا، وكلنا عمل يديك. (إشعياء 64: 6-8)
في هذا النص كلام عن قول اليهود ان الرب أبوهم! ولكن لو تأملنا النص كاملاً لوجدناه عبارة عن دعاء وتذلل للرب وطلب المساعدة منه، وصفات لليهود في هذا النص هي بالتأكيد لا تدل على صفات إلهية وخاصة نجاستهم، وليس كما حاول يوحنا القول على لسانهم للتدليل على تعدد الآلهة!
فكتابة يوحنا هذا النص هو محاولة منه للقول ان ما يقوله عن يسوع من أنه إله هو قول متداول بين اليهود وليس فيه غرابة، مع أن اليهود حتى لو قالوا أنهم آلهة وأبناء الرب على الحقيقة، فهو ليس حجة على الرب خالق السموات والأرض، لأن كل ذرة في الكون تدل على وحدانيته وعظمته، كما أن الرب بيّن في التوراة في عشرات بل مئات النصوص أنه هو الإله الحق الواحد، وأن كل ما يُعبد من دونه إنما هي آلهة باطلة لا تخلق ولا تسمع ولا تبصر ولا تخلص نفسها فضلاً عن أن تخلص غيرها، واليهود مرّوا بفترات من الكفر والعصيان وعبادة آلهة أُخرى مع الرب، وكان من نتيجة هذه الأعمال أن حلت عليهم المصائب والعذاب حتى انتهى بهم الأمر الى السبي سواء الى أشور أو الى بابل، لهذا فمحاولة يوحنا تبسيط مسألة وحدانية الرب هي مخالفة لطبيعة  الكون كما أنها مخالفة للعهد القديم حتى لو قال اليهود أن الرب أبوهم! وهذا يدل على أن قانون لا تقبل خبراً كاذباً ينطبق على هذا النص.
4 - مصدر قول يسوع عن سماع الناس من أبيه
- فكان اليهود يتذمّرون عليه لأنه قال أنا هو الخبز الذي نزل من السماء،
وقالوا أليس هذا هو يسوع بن يوسف الذي نحن عارفون بأبيه وأمه،
فكيف يقول هذا إني نزلت من السماء،
فأجاب يسوع وقال لهم لا تتذمروا فيما بينكم،
لا يقدر أحد أن يُقبِلَ إليّ إن لم يجتذبه الأب الذي أرسلني وأنا أُقيمه في اليوم الأخير،
إنه مكتوب في الأنبياء ويكون الجميع متعلمين من الإله،
فكل من سمع من الأب وتعلم يُقبل إليّ،
ليس أن أحداً رأى الأب إلا الذي من الإله، هذا رأى الأب،
الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فله حياة أبدية،
أنا هو خبز الحياة،
آباؤكم أكلوا المَنّ في البرية وماتوا،
هذا هو الخبز النازل من السماء لكي يأكل منه الإنسان ولا يموت،
أنا هو الخبز الحيّ الذي نزل من السماء،
إن أكل أحد من هذا الخبز يحيا الى الأبد،
والخبز الذي أنا أُعطي هو جسدي الذي أبذله من أجل حياة العالم. (يوحنا 6: 41-51)
هذا حوار آخر بين يسوع واليهود كتبه يوحنا واستشهد فيه بقول نسبه للعهد القديم، وحاول فيه إثبات أن من يأكل جسد يسوع فإنه لن يموت وسيحيا الى الأبد، والكنائس كما نعلم ما زالت تأكل جسد يسوع من خلال أكلها لقطع من الخبز مع قليل من الخمر منذ مئات السنين وفي كل عام عشرات المرات ومع هذا فهم يموتون كما مات بنو اسرائيل الذين أكلوا المنّ في سيناء! فموت التلاميذ ومَن جاء بَعدهم يثير الشك في القصة كلها، ومع هذا فما يهم في هذا الحوار هو قوله انه مكتوب في الانبياء ويكون الجميع متعلمين من الإله، فكل من سمع من الأب وتعلم يُقبل إليّ، والغريب في الأمر ان كتبة الاناجيل لم يذكروا ان أحداً سمع كلام أب يسوع إلا في ثلاثة مواضع فقط، الأول عند تعميده سُمع صوت من السماء يقول هذا ابني الذي به سررت، والذي سمعه، إن كان قد سمعه، هو يوحنا المعمدان لأن يسوع حتى ذلك الوقت لم يكن قد بدأ كرازته، ومع هذا فان يوحنا المعمدان بقي مستقلاً عن يسوع ولم يُقبل إليه كما قال في هذا النص، حتى ان يوحنا المعمدان في نهاية حياته وقبل مقتله ببضعة أيام لم يكن متأكداً من صفة يسوع لهذا فقد أرسل إليه من يسأله ان كان هو المسيح أم لا كما في النصين التاليين:
- أما يوحنا فلما سمع في السجن بأعمال يسوع أرسل اثنين من تلاميذه وقال له أنت هو الآتي أم ننتظر آخر. (متّى 11: 2-3)
- فأخبر يوحنا تلاميذه بهذا كله،
فدعا يوحنا اثنين من تلاميذه وأرسل الى يسوع قائلاً أنت هو الآتي أم ننتظر آخر،
فلما جاء إليه الرجلان قالا يوحنا المعمدان قد أرسلنا إليك قائلاً أنت هو الآتي أم ننتظر آخر. (لوقا 7: 18-20)
والموضع الثاني الذي سُمع فيه صوت أب يسوع كان في قصة التجلي عندما التقى يسوع بموسى وإيليا على جبل، وكان معه فقط بطرس ويعقوب ويوحنا كاتب الانجيل، وسمعوا جملة واحدة أيضاً وهي هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت، له اسمعوا، ومع هذا فقد هربوا عنه وتركوه وحده ليواجه مصيره وأنكروه وشكوا فيه وزاد عليهم بطرس بلعنه، ولم يُصدّقوا أنه قام من الأموات!
والموضع الثالث الذي سُمع فيه صوت أب يسوع مكتوب في إنجيل يوحنا وهو كما يلي:
- أيها الأب مجّد اسمك فجاء صوت من السماء مجّدتُ وأُمجّد أيضاً،
فالجمع الذي كان واقفاً وسمع قال قد حدث رعد، وآخرون قالوا قد كلمه ملاك،
أجاب يسوع وقال ليس من أجلي صار هذا الصوت بل من أجلكم. (يوحنا 12: 28-30)
وهذا الجمع أيضاً ترك يسوع وهرب وشك فيه وأنكره ولم يُقبل إليه.
وأما إذا قالت الكنائس إن المقصود بالنص هو العمل بوصايا الرب في العهد القديم، فهذا الأمر لم تلتزم به الكنائس المختلفة نفسها ونقضت عشرات الوصايا كما هو معلوم ولم تلتزم بالشريعة.
وأما إذا قالت الكنائس ان المقصود بالنص هو سماع كلام يسوع وتعاليمه باعتباره احد الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر، فهذا يوقعهم في مشكلة اكبر من التي حاولوا الخروج منها، إذ أن يسوع بقي ثلاث سنوات وهو يُعلم ويُسمِع كلامه لمئات الناس إلا أن من تبعه منهم لم يزد عددهم عن بضع عشرات! لا بل إن بعض تلاميذه بعد أن سمعوه يقول هذا الكلام ذاته قد ارتدوا عنه، واعتبروه كلاماً صعباً كما في النص التالي:
- فقال كثيرون من تلاميذه إذ سمعوا،
إن هذا الكلام صعب، من يقدر أن يسمعه،
فعلم يسوع في نفسه أن تلاميذه يتذمرون على هذا،
فقال لهم أهذا يُعثركم،
فإن رأيتم ابن الانسان صاعداً إلى حيث كان أولاً،
الروح هو الذي يُحيي وأما الجسد فلا يُفيد شيئاً،
الكلام الذي أُكلمكم به هو روح وحياة،
ولكن منكم قوم لا يؤمنون،
لأن يسوع من البدء علم من هم الذين لا يؤمنون ومن هو الذي يُسلمه،
فقال لهذا قلت لكم انه لا يقدر أحد أن يأتي إليّ إن لم يُعط من أبي،
من هذا الوقت رجع كثيرون من تلاميذه الى الوراء ولم يعودوا يمشون معه. (يوحنا 6: 60-66)
وقد تقول الكنائس إن المعنى هو العمل بوصايا وتعاليم يسوع وليس سماع الصوت، وهذا الأمر غير متحقق لا في التلاميذ ولا في الكنائس، لأنهم لم يلتزموا بالكثير من وصايا وتعاليم يسوع كما بينت ذلك في كتاب يسوع ابن يوسف النجار ... أسئلة حائرة في فصل تعاليم يسوع، وفيما يلي بعض الوصايا:
- وكان جموع كثيرة سائرين معه فالتفت،
وقال لهم إن كان أحد يأتي إليّ ولا يُبغض،
1- أباه،
2- وأُمه،
3- وامرأته،
4- وأولاده،
5- واخوته،
6- وأخواته،
7- حتى نفسه أيضاً،
فلا يقدر أن يكون لي تلميذاً،
8- ومن لا يحمل صليبه ويأتي ورائي فلا يقدر ان يكون لي تلميذاً،
فكذلك كل واحد منكم لا يترك جميع أمواله لا يقدر أن يكون لي تلميذاً،
الملح جيد ولكن إذا فسد الملح فبماذا يُصلح،
لا يصلح لأرض ولا لمزبلة فيطرحونه خارجاً،
من له أُذنان للسمع فليسمع.(لوقا 14: 25-35)
هل يستطيع أحد القول أن التلاميذ والكنائس تعمل بهذه الوصايا، والتلاميذ لم يحملوا صلبانهم ويتبعوه بل هربوا وتركوه وحيداً وأنكروه وشكوا فيه ولم يصدقوا أنه قام من الأموات؟
ولكن ما هو هذا المكتوب الذي أشار إليه يوحنا في هذه المناظرة؟
توجد ثلاثة نصوص أشار إليها ناشرو إحدى طبعات الكتاب المقدس وهي صادرة عن دار الكتاب المقدس في الشرق الأوسط وتحمل الترميز الدولي
Arabic Bible 050 series
UBS-EPS 2003-6.57K
053 ISBN 1 903865 01 8
والتي تتسم بنسبة نصوص الاناجيل لمصادرها في العهد القديم وهي كما يلي:
أيتها الذليلة المضطربة غير المتعزية هاأنذا أبني بالأثمد حجارتك وبالياقوت الأزرق أُؤسسك، وأجعل شُرَفَك ياقوتاً وأبوابك حجارة بهرمانية وكل تخومك حجارة كريمة،
وكل بنيك تلاميذ الرب، وسلام بنيك كثيراً،
بالبر تثبتين بعيدة عن الظلم فلا تخافين وعن الارتعاب فلا يدنو منك،
ها إنهم مجتمعون اجتماعاً ليس من عندي، من اجتمع عليك فإليك يسقط،
هاأنذا قد خلقت الحداد الذي ينفخ الفحم في النار ويُخرج آلة لعمله وأنا خلقتُ المُهلك ليخرب،
كل آلة صُوِّرت ضِدّك لا تنجح وكل لسان يقوم عليك في القضاء تحكمين عليه،
هذا هو ميراث عبيد الرب وبرُّهم من عندي، يقول الرب. (إشعياء 54: 11-17)
هذه الفقرات جزء من الإصحاح الذي يتحدث عن أُورشليم وفيه فقرة تتحدث عن وراثة نسلها، أي اليهود، لأُمم كثيرة وإعمارهم مدناً خربة ثم نقرأ الفقرة التي تقول وكل بنيك تلاميذ للرب، وهذه الفقرات لا تنطبق على يسوع ولا على تلاميذه ولا حتى على الكنائس المختلفة، فهؤلاء جميعاً ليسوا من أبناء أُورشليم لأنهم من الجليل كما تقول الأناجيل، وما يزيد هذا الأمر بياناً هو الفقرة التي تقول في القضاء تحكمين عليه وهذا الأمر لا ينطبق على يسوع لأنه رفض أن يقضي بين الشقيقين في الميراث كما هو مكتوب في الاناجيل، كما أن حالة أُورشليم في زمن يسوع لم تكن كما وصفها النص، فقد كانت واقعة تحت احتلال الرومان، فهذا النص لا ينطبق على يسوع ولا على زمانه فماذا عن النص الثاني؟
- ها أيام تأتي يقول الرب وأقطع مع بيت اسرائيل ومع بيت يهوذا عهداً جديداً،
ليس كالعهد الذي قطعته مع آبائهم يوم أمسكتهم بيدهم لأُخرجهم من أرض مصر حين نقضوا عهدي فرفضتهم يقول الرب،
بل هذا هو العهد الذي أقطعه مع بيت اسرائيل بعد تلك الأيام يقول الرب،
أجعل شريعتي في داخلهم وأكتبها على قلوبهم وأكون لهم إلهاً وهم يكونون لي شعباً،
ولا يُعلمون بعد كل واحد صاحبه وكل واحد أخاه قائلين اعرفوا الرب،
لأنهم كلهم سيعرفونني من صغيرهم الى كبيرهم، يقول الرب،
لأني اصفح عن إثمهم ولا أذكر خطيتهم بعد. (إرميا 31: 31-34) 
هذا النص يتحدث عن عهد جديد مع بيت اسرائيل وبيت يهوذا وهذا العهد لم تعترف به الكنائس ونقضته كما سبق وذكرت، ومن صفات هذا العهد أن الرب سيجعل شريعته في داخلهم ويكتبها على قلوبهم ويكون لهم إلهاً وهم له شعباً، وهذه الأُمور لم تعترف بها الكنائس كما سبق وذكرت أيضاً عن نقضهم للناموس وشرائعه، كما أن قوله أنهم سيعرفونه كلهم من صغيرهم الى كبيرهم، لم يتحقق في يسوع لأن عدد الذين تبعوه كما كتب لوقا في أعمال الرسل لم يتجاوز المائة والعشرين شخصاً، مع أنهم جميعاً تركوه وحيداً وهربوا ساعة القبض عليه واختبؤوا وقت صلبه، باستثناء بعض النسوة، ولم يصدقوا جميعاً انه قام من الأموات، وأخيراً فان الفقرة الأخيرة تنقض كل كلام عن ضرورة الصلب لرفع الخطايا فهي تعلن بأن الرب يغفر الخطايا ويرفعها مباشرة دون الحاجة لما تقوله قوانين إيمان الكنائس، فهذا النص لا يتحدث عن يسوع ولا عن جيله أيضاً، فماذا عن النص الثالث؟
ويكون في آخر الأيام أن جبل بيت الرب يكون ثابتاً في رأس الجبال ويرتفع فوق التلال وتجري إليه شعوب، وتسير أُمم كثيرة،
ويقولون هَلمّ نصعد الى جبل الرب والى بيت إله يعقوب فيُعلمنا من طرقه،
ونسلك في سبله لأنه من صهيون تخرج الشريعة ومن أُورشليم كلمة الرب،
فيقضي بين شعوب كثيرين، يُنصف لأُمم قوية بعيدة فيطبعون سيوفهم سككاً ورماحهم مناجل، لا ترفع أُمة على أُمة سيفاً ولا يتعلمون الحرب فيما بعد، بل يجلسون كل واحد تحت كرمته وتحت تينته ولا يكون من يُرعب لأن رب الجنود تكلم،
لأن جميع الشعوب يسلكون كل واحد باسم إلهه،
ونحن نسلك باسم الرب إلهنا الى الدهر والأبد. (ميخا 4: 1-5)
في هذا النص حديث عن آخر الزمان ومكانة جبل بيت الرب وأنه سيكون مرتفعاً فوق الجميع وأن الأُمم ستجري إليه ليعلموا طرقه ويسلكوا سبله لأنه من هناك تخرج الشريعة وكلمة الرب، وهذه الفقرات رفضتها الكنائس ونقضتها كما قلت سابقاً، كما أن حال أُورشليم في زمن يسوع لا ينطبق عليه ما هو مكتوب في هذه الفقرات، فلم تكن ثابتة ولم تكن الأُمم تأتي إليها بل كانت واقعة وخاضعة تحت حكم الرومان، وأما الفقرة التي تتحدث عن القضاء بين الشعوب فهي تؤكد أن هذا النص لا يتحدث عن يسوع ولا زمانه، لأن يسوع كان خاضعاً لسلطة روما وكان يدفع الجزية لولاتها فكيف سيقضي بين الشعوب؟!
من كل ما سبق يظهر لنا طريقة كتبة الاناجيل في اقتباسهم من نصوص العهد القديم، فالنص المشار إليه ليس مذكوراً حرفياً في العهد القديم كما أنه لا ينطبق على واقع حال يسوع وزمانه ومع هذا فقد كتب يوحنا أن يسوع قال انه مكتوب في الأنبياء! ووضعه في سياق قصة غير صحيحة تتحدث عن عدم موت من يؤمن بيسوع وأنه سيحيا الى الأبد!
فطريقتهم كما بدت ظاهرة الى الآن هي العمل على كتابة نصوصهم بما يتوافق، ولو من ناحية المعنى اللغوي، مع نصوص العهد القديم لإضفاء حالة من القداسة والمصداقية على ما كتبوه للقول إن ما كتبوه نابع من نفس مصدر العهد القديم، وهذا يشير الى أن قانون لا تقبل خبراً كاذباً ينطبق على قول يسوع عن سماع الناس من أبيه!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق