الجمعة، 27 يوليو 2018

مصدر قصة ذهاب يسوع الى مصر وتناقضاتها

الفصل الثالث: مصادر الأناجيل وطريقة تأليفها وكتابتها

القسم الرابعالنصوص المنسوبة مباشرة للعهد القديم
في هذا القسم سنطلع على النصوص المنسوبة للعهد القديم مباشرة وقول كتبة الأناجيل أنها لم تتم وتكتمل وتحدث إلا في يسوع وزمنه وجيله، لنرى حقيقتها ومدى صدق ما قاله الكتبة عنها.
3 - مصدر قصة ذهاب يسوع إلى مصر
- وبعدما انصرفوا إذا ملاك الرب قد ظهر ليوسف في حلم قائلاً قم وخذ الصبي وأُمّه واهرب إلى مصر وكن هناك حتى أقول لك،
لأن هيرودس مزمع أن يطلب الصبي ليُهلكه،
فقام وأخذ الصبي وأُمّه ليلاً وانصرف إلى مصر،
وكان هناك إلى وفاة هيرودس،
لكي يتم ما قيل بالنبي القائل من مصر دعوت ابني. (متّى 2: 13-15)
نص متّى من نسخة الملك جيمس:
2:13 And when they were departed, behold, the angel of the Lord appeareth to Joseph in a dream, saying, Arise, and take the young child and his mother, and flee into Egypt, and be thou there until I bring thee word: for Herod will seek the young child to destroy him.
2:14 When he arose, he took the young child and his mother by night, and departed into Egypt:
2:15 And was there until the death of Herod: that it might be fulfilled which was spoken of the Lord by the prophet, saying, Out of Egypt have I called my son.
إن قارئ الأناجيل يستغرب أشد الاستغراب من كثرة الاستشهاد بنصوص العهد القديم لإثبات صفة يسوع كإله وابن إله وأحد الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر كما تقول الكنائس المختلفة، ولكن القارئ سيزداد استغراباً وتعجباً وحيرة عندما يقرأ تلك النصوص كاملة من أسفار العهد القديم، وهو يرى ان ما اقتطع منها لإثبات تلك الصفة ليسوع تتضارب مع كل حقائق الواقع والتاريخ المعلوم عن بني إسرائيل، فكما ظهر ذلك في النصين السابقين كذلك الأمر في هذا النص، فبمجرد أن قرأ متًى قول هوشع من مصر دعوت ابني نسي أو تناسى كل ما يتحدث عنه هوشع واقتطع تلك الجملة ووضعها في إنجيله في قصة ذهاب يسوع الى مصر، على الرغم من أن هذه القصة تتناقض مع انجيل لوقا الذي لم يتحدث عن ذهاب يسوع الى مصر، بل قال انه بقي في الارض المقدسة وكان يذهب كل عام الى أُورشليم أثناء فترة الأعياد!
وقبل أن أقرأ نص هوشع كاملاً أودّ أن أذكره من بعض النسخ الانجليزية:
نص هوشع من نسخة الملك جيمس:
11:1 When Israel [was] a child, then I loved him, and called my son out of Egypt.
نص هوشع من النسخة العبرانية:
11: 1 When Israel was a child, then I loved him, and out of Egypt I called My son.
نص هوشع من النسخة السبعينية:
11:1 Early in the morning were they cast off, the king of Israel has been cast off: for Israel is a child, and I loved him, and out of Egypt have I called his children.
نلاحظ أن متّى اقتبس النص من النسخة العبرانية وليس من السبعينية التي كان يعتمد عليها هو وباقي كتبة الأناجيل، لأن نص السبعينية يقول أن الرب دعا أبناء إسرائيل وليس ابني كما هو نص النسخة العبرانية، وهذا لا يُساعده في توصيل فكرته، ومع هذا فهل نص هوشع في النسخة العبرانية يتحدث حقيقة عن قصة ذهاب يسوع إلى مصر، والتي خالفه فيها لوقا وقال إن يسوع ذهب إلى الجليل ولم يذهب إلى مصر؟!
لنقرأ نص هوشع أولاً ثم نكمل المناقشة:
لمّا كان إسرائيل غلاماً أحببته ومن مصر دعوت ابني،
كل ما دعوهم ذهبوا من أمامهم يذبحون للبعليم،
ويُبخرون للتماثيل المنحوتة،
وأنا درّجت أفرايم ممسكاً إياهم بأذرعهم فلم يعرفوا أني شفيتهم،
كنت أجذبهم بحبال البشر برُبَط المحبة،
وكنت لهم كمن يرفع النير عن أعناقهم ومددت إليه مُطعماً إياه،
لا يرجع إلى أرض مصر بل أشور هو ملكه،
لأنهم أبَوْا أن يرجعوا، يثور السيف في مدنهم ويُتلف عصيها ويأكلهم من أجل آرائهم،
وشعبي جانحون إلى الارتداد عني فيدعونهم إلى العليّ ولا أحد يرفعه،
كيف أجعلك يا أفرايم، أُصيِّرك يا إسرائيل، كيف أجعلك كأدمة،
أصنعك كصبوييم،
قد انقلب عليّ قلبي، اضطرمت مراحمي جميعاً،
لا أُجري حُمُوّ غضبي لا أعود أخرب أفرايم،
لأني الإله لا إنسان،
القدوس في وسطك فلا آتي بسخط،
وراء الرب يمشون كأسد يُزمجر،
فإنه يُزمجر فيُسرع البنون من البحر،
يُسرعون كعصفور من مصر،
وكحمامة من أرض أشور،
فأُسكنهم في بيوتهم يقول الرب،
قد أحاط بي أفرايم بالكذب،
وبيت إسرائيل بالمكر،
ولم يزل يهوذا شارداً عن الإله وعن القدوس الأمين. (هوشع 11: 1-12)
في هذا النص يقول هوشع ان اسرائيل لما كان غلاماً أحبه الرب ومن مصر دعا ابنه، وهذه الصيغة (ابني) يستعملها كتبة العهد القديم للدلالة على بني إسرائيل وحب الرب لهم، وأحياناً يستعملونها للدلالة على شخص بعينه، وفيما يلي بعض النصوص التي تتحدث عن بعض الناس أنهم أبناء الرب، مع أن اليهود والكنائس المختلفة لا يقولون عنهم إنهم أبناء بالمعنى الذي تقوله الأناجيل والكنائس عن يسوع.
- فتقول لفرعون هكذا يقول الرب إسرائيل ابني البكر،
فقلت لك أطلق ابني ليعبدني،
فأبيتَ أن تطلقه، ها أنا أقتل ابنك البكر. (خروج 4: 22-23)
لأني صرت لإسرائيل أباً وأفرايم هو بكري. (إرميا 31: 9)
- قدّموا للرب يا أبناء الإله قدّموا للرب مجداً وعزاً،
قدّموا للرب مجد اسمه، اسجدوا للرب في زينة مقدسة. (مزمور 29: 1-2)
أبو اليتامى وقاضي الأرامل الإله في مسكن قُدسه. (مزمور 68: 5)
- يا إله الجنود ارجعنّ اطّلع من السماء وانظر وتعهد هذه الكرمة،
والغرس الذي غرسته يمينك، والابن الذي اخترته لنفسك،
هي محروقة بنار مقطوعة، من انتهار وجهك يبيدون،
لتكن يدك على رجل يمينك وعلى ابن ادم الذي اخترته لنفسك،
فلا نرتد عنك،
أحْيِنَا فندعوا باسمك، يا رب الجنود إله الجنود أرجعنا،
أنِر بوجهك فنخلص. (مزمور 80: 14-19)
لأنه من في السماء يعادل الرب،
من يشبه الرب بين أبناء الإله،
إله مهوب جداً في مؤامرة القديسين ومخوف عند جميع الذين حوله. (مزمور 89: 6-7)
- حينئذ كلّمت برؤيا تَقِيّكَ وقلت جعلتُ عوناً على قويّ،
رفعت مختاراً من بين الشعب،
وجدت داوُد عبدي، بدهن قدسي مسحته،
الذي تثبت يدي معه، أيضاً ذراعي تشدده، لا يُرغمه عدوٌّ وابن الإثم لا يُذلّه، وأسحق أعداءه أمام وجهه وأضربُ مُبغضيه، أمّا أمانتي ورحمتي فمعه وباسمي ينتصب قرنه، وأجعل على البحر وعلى الأنهار يمينه،
هو يدعوني أبي أنت،
إلهي وصخرة خلاصي،
أنا أيضاً أجعله بكراً أعلي من ملوك الأرض. (مزمور 89: 19-27)
- اسمعي أيتها السموات وأصغي أيتها الأرض لأن الربّ يتكلم،
ربيت بنين ونشأتهم،أما هم فعصوا عليّ. (إشعياء 1: 2)
أنتم أولاد للرب إلهكم لا تخمشوا أجسامكم ولا تجعلوا قرعة بين أعينكم لأجل ميّت. (تثنية 14: 1)
- فرأى الرب ورذل من الغيظ بنيه وبناته،
وقال أحجب وجهي عنهم وأنظر ماذا تكون آخرتهم،
إنهم جيل متقلب أولاد لا أمانة فيهم. (تثنية 32: 20)
- لكن يكون عدد بني إسرائيل كرمل البحر الذي لا يُكال ولا يُعدّ، ويكون عوضاً عن أن يُقال لهم لستم شعبي، يُقال لهم أبناء الاله الحي. (هوشع 1: 10)
- ألست من الآن تدعينني يا أبي أليف صباي أنت. (إرميا 3: 4)
- ارجعوا أيها البنون العصاة يقول الرب. (إرميا 3: 14)
- وقلتُ تدعينني يا أبي ومن ورائي لا ترجعين. (إرميا 3: 19)
- ارجعوا أيها البنون العصاة فأشفي عصيانكم ها قد أتينا إليك لأنك أنت الربّ إلهنا. (إرميا 3: 22)
- لأن شعبي أحمق إياي لم يعرفوا هم بنون جاهلون وهم غير فاهمين، هم حكماء في عمل الشر، ولعمل الصالح ما يفهمون. (إرميا 4: 22)
هذه بعض النصوص التي تقول ان الرب صار أباً لبني اسرائيل وان أفرايم بكره، وانه أبو اليتامى، وان داوُد يدعوه أبي، وهي لا تعني البنوة أو الأُبوة العضوية التي تصف بها الأناجيل والكنائس يسوع، فهو يصفهم بالعصيان والجهل وعدم الأمانة وهذه ليست من صفات الإله الحق خالق السموات والأرض، فكتابة أقوال عن بعض الناس أنهم أبناء للرب لا تعني أنهم كذلك من الناحية العضوية، لأن هذا الأمر يتناقض مع العهد القديم الذي قام على وحدانية الخالق، وعدم مشابهة المخلوقات له أو مساواته، كما نلاحظ أيضاً ان نص هوشع يتحدث عن قيام اليهود بعبادة غير الرب، وذلك بقوله أنهم يذبحون للبعليم، والبعليم أو البعل هو أحد الأصنام التي عبدها اليهود قبل السبي البابلي من دون الرب، ولم تخبرنا الأناجيل ان اليهود كانوا في زمن يسوع يذبحون للبعليم ولا ان البعليم كان موجوداً في ذلك الوقت!
وأما استنكار الرب على بني اسرائيل ان يُبخّروا للتماثيل المنحوتة فهذا أتركه للقارئ ليتأمل فيه ويُقارنه بما تقوم به الكنائس من تبخير للتماثيل والصور التي نحتوها ورسموها بأيديهم وقالوا أنها ليسوع ولأُمه ولغيرهما، وهل هذا الفعل موافقاً لشريعة الرب أم لا؟
ثم يُكمل هوشع نصه بالحديث عن عصيان أفرايم لأوامر الرب مع كل ما فعله الرب من أجلهم، مع انه قال عنه في نص سابق انه بكره مما يعني ان مصطلحي ابن الرب وبكر الرب ليس معناهما كما فهمه كتبة العهد الجديد والكنائس، أو بمعنى أدقّ كما يُريدون أن يُفهّموه لأتباع الكنائس الطيبين!
ويقول انه يجب ان لا يرجعوا الى أرض مصر بل أشور ملكه، ولأنهم رفضوا الرجوع الى أشور بل ذهبوا الى مصر يثور السيف في مدنهم ويدمرهم ويسبيهم الى أشور رغماً عنهم وهو ما حدث فعلاً كما تخبر أسفار العهد القديم، وهذه الفقرات بالتأكيد لا تتحدث عن يسوع ولا عن زمانه، لان أشور انتهت واندثرت قبل مئات السنين من ولادته، فهو ولد في الوقت الذي كانت فيه الأرض المقدسة تحت سيطرة الرومان.
ثم يقول النص ان بني اسرائيل جانحون للارتداد عن شريعة الرب، إلا انه في نهاية الأمر يرفع الرب غضبه عنهم ولا يعود يخرب إسرائيل ولا يسخط عليهم، وان اليهود بعد ذلك يمشون وراء الرب كأسد يزمجر فيُسرع البنون بالعودة من البحر ويعودون من مصر كالعصافير ومن أرض أشور كالحمام فيُسكنهم الرب في بيوتهم، ولم تكتب الأناجيل ان اليهود مشوا وراء يسوع كالأسود ولا أنهم جاءوا من البحر لإتباعه ولا أسرعوا بالمجيء من مصر كالعصافير، ولا أنهم جاءوا كالحمام من أشور لإتباع يسوع، لأن أشور كانت قد انتهت قبل يسوع بدهور، وكذلك الحال لم تكتب الاناجيل ان يسوع أسكن بني اسرائيل في بيوتهم، لو كان النص من مصر دعوت ابني يقصد يسوع!
وباقي النص فيه صفة اليهود بكل أسباطهم، قد أحاط بي أفرايم بالكذب، وبيت إسرائيل بالمكر، ولم يزل يهوذا شارداً عن الإله وعن القدوس الأمين.
فما هي العلاقة بين نص هوشع الذي يتحدث عن بني إسرائيل قبل السبي ويسوع الذي ولد بعد موت هوشع بمئات السنين وكان اليهود في زمانه تحت حكم الرومان؟
وأخيراً فإن استشهاد متّى بهذه الفقرة للقول أن يسوع ذهب الى مصر أوقعه في تناقض مع لوقا الذي لم يتحدث عن ذهاب يسوع الى مصر، بل قال انه بقي في الارض المقدسة وأنه بعد أربعين يوماً ذهب به والداه الى أُورشليم وقدما عنه ذبيحة، وأنه كان يذهب معهما كل سنة الى أُورشليم حتى بلغ الثانية عشرة سنة من عمره كما هو مكتوب في انجيل لوقا!
من هذه القراءة لنص هوشع الذي اقتطع منه متّى فقرة وحيدة وخالف لوقا فيما كتبه عن طفولة يسوع أجد ان قانون لا تقبل خبراً كاذباً ينطبق على قصة متّى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق