الثلاثاء، 24 يوليو 2018

مصادر قصة دفن يسوع في قبر ومدة بقائه فيه، وقصة قيامة يسوع من الأموات وظهوره للتلاميذ وصعوده الى السماء

الفصل الثالث: مصادر الأناجيل وطريقة تأليفها وكتابتها

القسم السادس: النصوص المقتبسة من العهد القديم دون نسبتها له مباشرة
في هذا القسم سأقوم بدراسة النصوص المقتبسة من العهد القديم والتي لم تُنسب إليه مباشرة، كما هو الحال في الأقسام السابقة، أو ما أُطلق عليه الحبكة القصصية والحوارية، وفيه سنطلع على معظم الأحداث والقصص والأقوال المذكورة في الأناجيل ومقارنتها بالعهد القديم وبواقع حال يسوع كما تصفه قوانين إيمان الكنائس، وأبدأ ببعض أسماء وألقاب يسوع.
36 - مصدر قصة دفن يسوع في قبر ودحرجة حجر على باب القبر
ثم تكتب الاناجيل عن دفن يسوع في قبر وإغلاقه عليه بوضع حجر على بابه، كما في النصوص التالية:
- ووضعه في قبره الجديد الذي كان قد نحته في الصخرة ثم دحرج حجراً كبيراً على باب القبر ومضى. (متّى 27: 60)
فاشترى كتاناً فأنزله وكفنه ووضعه في قبر كان منحوتاً في صخرة ودحرج حجراً على باب القبر. (مرقس 15: 46)
وأنزله ولفه بكتان ووضعه في قبر منحوت حيث لم يكن أحد وُضع قط. (لوقا 23: 53)
- وكان في الموضع الذي صُلب فيه بستان وفي البستان قبر جديد لم يُوضع فيه أحد قط، فهناك وضعا يسوع لسبب استعداد اليهود لأن القبر كان قريباً. (يوحنا 19: 41-42)
إن دفن إنسان ميت في قبر ووضع حجر على بابه لم يكن ليُحدث أي إشكال، لأنه من الطبيعي دفن الموتى في القبور وإغلاقها عليهم، إلا ما يقوم به الهندوس من حرق موتاهم وذر رمادهم في نهر الجانج، ولكن ما أوجب الحديث عن القبر والحجر سببان.
السبب الأول وهو كتابة متّى أن القبر كان جديداً وأن الحجر كبيراً، وكتابة لوقا أن ذلك القبر لم يُوضع فيه أحد قط وكتابة يوحنا أن ذلك القبر كان جديداً ولم يوضع فيه أحد، فهذه الأقوال تتناقض مع ما هو مكتوب من نصوص في العهد القديم والتي قال كتبة الاناجيل والكنائس أنها تتنبأ عن يسوع كما في النص التالي:
- وجُعل مع الأشرار قبره،
ومع غني عند موته،
على أنه لم يعمل ظلماً ولم يكن في فمه غشّ،
أما الرب فسُرّ بأن يسحقه بالحزن،
إن جعل نفسه ذبيحة إثم يرى نسلاً تطول أيامه ومسرّة الرب بيده تنجح. (إشعياء 53: 9-10)
وهذا الإصحاح اقتبس منه كتبة الأناجيل عدة فقرات قالوا أنها تتنبأ عن يسوع، وقد شرحته في القسم الرابع عند الحديث عن مصدر قصة اقتسام ثياب يسوع وأظهرت أنه لا يتحدث عنه، فهذا القول يثبت خطأ ما اقتبسه كتبة الاناجيل من فقرات، ويثبت أيضاً خطأ قصة دفنه في قبر جديد وحده، دون أشرار معه في القبر!
السبب الثاني الذي يدعو للحديث عن القبر والحجر الذي وضع على بابه هو ما كتبه متّى فيما بعد عن قيام ملاك بإزالة الحجر عن القبر كما في النص التالي:
- وبعد السبت عند فجر أول الأسبوع جاءت مريم المجدلية ومريم الأخرى لتنظرا القبر،
وإذا زلزلة عظيمة حدثت، لأن ملاك الرب نزل من السماء وجاء ودحرج الحجر عن الباب وجلس عليه،
وكان منظره كالبرق ولباسه أبيض كالثلج. (متّى 28: 1-3)
هذا النص يتناقض مع ما كتبه الآخرون عن طريقة الكشف عن قيامة يسوع من الأموات، كما أنه يتعارض مع الواقع، فإزالة حجر عن باب قبر لا يُحدث زلزالاً كما قال متّى مهما كبُر ذلك الحجر، وخصوصاً انه قال ان يوسف الذي من الرامة هو من وضع الحجر على القبر، وهذا يعني ان الحجر كان بحجم يستطيع إنسان واحد دحرجته على القبر وكذلك إزالته عن القبر دون حدوث زلازل! كما أن يوحنا كتب عن إزالة حجر عن قبر ليعازر عندما أحياه يسوع ولم يحدث زلزال!
فانزعج يسوع أيضاً في نفسه، وجاء الى القبر، وكان مغارة وقد وضع عليه حجر،
قال يسوع ارفعوا الحجر،
قالت له مرثا أُخت الميت يا سيد قد أنتن، لأن له أربعة أيام،
قال لها يسوع ألم أقل لك ان آمنت ترين مجداً للإله،
ورفع يسوع عينيه الى فوق وقال أيها الأب أشكرك لأنك سمعت لي،
وأنا علمت أنك في كل حين تسمع لي،
ولكن لأجل هذا الجمع الواقف قلت،
ليؤمنوا أنك أرسلتني،
ولما قال هذا صرخ بصوت عظيم لعازر هلم خارجاً،
فخرج الميت ويداه ورجلاه مربوطات بأقمطة،
ووجهه ملفوف بمنديل،
فقال لهم يسوع حلّوه ودعوه يذهب. (يوحنا 11: 38-44)
لهذا أقول إن قصة دفن يسوع ووضع حجر على قبره اقتبسها كتبة الاناجيل من نصوص العهد القديم التي تتحدث عن قصص دفن بعض المصلوبين وفيما يلي بعض منها:
- وضربهم يشوع بعد ذلك وقتلهم وعلقهم على خمس خشب وبقوا معلقين على الخشب حتى المساء،
وكان عند غروب الشمس أن يشوع أمر فأنزلوهم عن الخشب وطرحوهم في المغارة التي اختبأوا فيها،
ووضعوا حجارة كبيرة على فم المغارة حتى الى هذا اليوم عينه. (يشوع 10: 26-27)
في هذا النص نلاحظ مدى التشابه بينه وبين ما كتبه كتبة الأناجيل، وما يزيد الأمر وضوحا هو ما كتبه متّى عن وضع حراس على القبر وختم الحجر كما في النص التالي:
- وفي الغد بعد الاستعداد اجتمع رؤساء الكهنة والفريسيون إلى بيلاطس، قائلين يا سيد قد تذكرنا أن ذلك المُضلّ قال وهو حيّ إني بعد ثلاثة أيام أقوم، فمُرْ بضبط القبر إلى اليوم الثالث لئلا يأتي تلاميذه ليلاً ويسرقوه ويقولوا للشعب إنه قام من الأموات، فتكون الضلالة الأخيرة أشرّ من الأُولى،
فقال لهم بيلاطس عندكم حراس، اذهبوا واضبطوه كما تعلمون،
فمضوا وضبطوا القبر بالحراس وختموا الحجر. (متّى 27: 62-66)
فهذه القصة تتناقض مع واقع حال التلاميذ كما هو مكتوب في الأناجيل، إذ أنهم كلهم هربوا وتركوا يسوع وحيداً وشكوا فيه وأنكروه وزاد بطرس على الإنكار بلعنه، كما أنهم لم يكونوا يعرفون انه سيقوم من الأموات، ولم يصدقوا من قالوا لهم أنهم نظروه خارج القبر، فَمَن كانت هذه حالتهم كيف يخاف اليهود منهم أن يأتوا ليخطفوا الجثة ليقولوا للناس انه قام من الأموات؟
- حينئذ تركه التلاميذ كلهم وهربوا. (متّى 26: 56)
ومرقس كتب ذات المعنى ولكنه تحدث عن تلميذ هرب عرياناً كما في النص التالي:
فتركه الجميع وهربوا، وتبعه شاب لابساً إزاراً على عُيريِّه فأمسكه الشبان، فترك الإزار وهرب منهم عرياناً. (مرقس 14: 50-52)
- أما بطرس فكان جالساً خارجاً في الدار،
فجاءت إليه جارية قائلة وأنت كنت مع يسوع الجليلي،
فأنكر قدّام الجميع قائلاً لست أدري ما تقولين،
ثم اذ خرج الى الدهليز رأته أُخرى فقالت للذين هناك وهذا كان مع يسوع الناصري،
فأنكر أيضاً بقسَم اني لست أعرف الرجل،
وبعد قليل جاء القيام وقالوا لبطرس حقاً أنت أيضاً منهم فان لغتك تظهرك،
فابتدأ حينئذ يلعن ويحلف اني لا أعرف الرجل،
وللوقت صاح الديك، فتذكر بطرس كلام يسوع الذي قال له انك قبل أن يصيح الديك تنكرني ثلاث مرات فخرج الى خارج وبكى بكاء مرّاً. (متّى 26: 69-75)
لانهم لم يكونوا بعد يعرفون الكتاب انه ينبغي أن يقوم من الأموات، فمضى التلميذان أيضاً الى موضعهما. (يوحنا 20: 9-10)
- ورجعن من القبر وأخبرن الأحد عشر وجميع الباقين بهذا كله،
وكانت مريم المجدلية ويونا ومريم أُم يعقوب والباقيات معهن اللواتي قلن هذا للرسل،
فتراءى كلامهن لهم كالهذيان، ولم يصدقوهن. (لوقا 24: 9-11)
وهل فقدان جثة من قبر دليل على أن صاحبها قام من الأموات؟!
فما كتبه متّى يتناقض مع واقع حال التلاميذ، ولكنه يشبه ما هو مكتوب في العهد القديم كما في النصين التاليين:
- فقال يشوع دحرجوا حجارة عظيمة على فم المغارة،
وأقيموا عليها رجالاً لأجل حفظهم. (يشوع 10: 18)
وأُتي بحجر ووُضع على فم الجُبِّ وختمه الملك بخاتمه وخاتم عظمائه لئلا يتغير القصد في دانيال. (دانيال 6: 17)
فهذا التشابه بين ما هو مكتوب في العهد القديم وما كتبه متّى يؤكد انه مُقتبس من العهد القديم بعيداً عن الوحي والسوق من الروح المقدس وواقع حال التلاميذ كما هو مكتوب في الاناجيل! وهذا يدل على أن قصة دفن يسوع في قبر ووضع حجر على بابه ينطبق عليها قانون لا تقبل خبراً كاذباً.
مصدر قصة قيامة يسوع من الأموات
بعد دفن يسوع يصمت كتبة الاناجيل عن الحديث عن أي شيء يتعلق بالأحداث التي جرت مع يسوع في القبر وكيفية خروجه منه! ويبدؤون بالحديث عن اللحظات التي تم فيها اكتشاف ان القبر فارغ، وكل واحد منهم كتب قصة تختلف في تفاصيلها كلياً عما كتبه الآخرون، كما يُلاحظ ذلك كل من يقرأ الاناجيل الاربعة بعيون وقلوب منفتحة! كما بينته بالتفصيل في كتاب يسوع ابن يوسف النجار أسئلة حائرة، وفيما يلي بعض تلك الاختلافات:
من الذي ذهب الى القبر، هل هي مريم المجدلية ومريم الأُخرى، أم مريم المجدلية ومريم أُم يعقوب وسالومة، أم مريم المجدلية ويونا ومريم أُم يعقوب ومجموعة من النساء معهن، أم مريم المجدلية وحدها؟!
ومن الذي أخبر عن قيامة يسوع من الأموات هل هو ملاك نزل من السماء ودحرج الحجر مما أدى لحدوث زلزال، أم هو شاب داخل القبر، أم هما رجلان كانا داخل القبر، أم هما ملاكان وكانا داخل القبر أيضاً؟!
- وبعد السبت عند فجر أول الاسبوع جاءت مريم المجدلية ومريم الاخرى لتنظرا القبر،
واذا زلزلة عظيمة حدثت، لأن ملاك الرب نزل من السماء وجاء ودحرج الحجر عن الباب وجلس عليه، وكان منظره كالبرق ولباسه أبيض كالثلج. (متّى 28: 1-3)
- وبعدما مضى السبت اشترت مريم المجدلية ومريم أُم يعقوب وسالومة حنوطاً ليأتين ويدهنه،
وباكراً جداً في أول الاسبوع أتين الى القبر اذ طلعت الشمس، وكن يقلن فيما بينهن من يدحرج لنا الحجر عن باب القبر، فتطلعن ورأين أن الحجر قد دُحرج، لأنه كان عظيماً جداً، ولما دخلن القبر رأين شاباً جالساً عن اليمين لابساً حلة بيضاء، فاندهشن، فقال لهن لا تندهشن. (مرقس 16: 1-5)
- وفي أول الاسبوع أول الفجر أتين الى القبر حاملات الحنوط الذي أعددنه ومعهن اناس، فوجدن الحجر مدحرجاً عن القبر، فدخلن ولم يجدن جسد الرب يسوع، وفيما هن محتارات في ذلك اذا رجلان وقفا بهن بثياب براقة، واذ كن خائفات ومنكسات وجوههن الى الارض، قالا لهن لماذا تطلبن الحي بين الاموات، ليس هو ههنا لكنه قام، اذكرن كيف كلمكنّ وهو بعد في الجليل، قائلاً انه ينبغي ان يُسلم ابن الانسان في أيدي أُناس خطاة ويُصلب وفي اليوم الثالث يقوم، فتذكرنَّ كلامه، ورجعن من القبر وأخبرن الأحد عشر وجميع الباقين بهذا كله، وكانت مريم المجدلية ويونا ومريم أُم يعقوب والباقيات معهن اللواتي قلن هذا للرسل، فتراءى كلامهن لهم كالهذيان، ولم يصدقوهن. (لوقا 24:1-11)
- وفي أول الأسبوع جاءت مريم المجدلية الى القبر باكراً والظلام باق، فنظرت الحجر مرفوعاً عن القبر، فركضت وجاءت الى سمعان بطرس والى التلميذ الآخر الذي كان يسوع يحبه وقالت لهما أخذوا السيد من القبر ولسنا نعلم أين وضعوه، فخرج بطرس والتلميذ الآخر وأتيا الى القبر، وكان الاثنان يركضان معاً، فسبق التلميذ الآخر بطرس وجاء أولاً الى القبر، وانحنى فنظر الأكفان موضوعة ولكنه لم يدخل، ثم جاء سمعان بطرس يتبعه ودخل القبر ونظر الأكفان موضوعة، والمنديل الذي كان على رأسه ليس موضوعاً مع الأكفان بل ملفوفاً في موضع وحده، فحينئذ دخل أيضاً التلميذ الآخر الذي جاء أولاً الى القبر ورأى فآمن، لأنهم لم يكونوا بعد يعرفون الكتاب أنه ينبغي أن يقوم من الأموات، فمضى التلميذان أيضاً الى موضعهما، أما مريم فكانت واقفة عند القبر خارجاً تبكي، وفيما هي تبكي انحنت إلى القبر فنظرت ملاكين بثياب بيض جالسين واحداً عند الرأس والآخر عند الرجلين حيث كان جسد يسوع موضوعاً، فقالا لها يا امرأة لماذا تبكين، قالت لهما انهم أخذوا سيدي ولست أعلم أين وضعوه، (يوحنا 20: 1-13)
وهل أمسكت مريم المجدلية بقدمي يسوع أم قال لها لا تلمسيني لأني لم أصعد بعد الى أبي؟!
- فخرجتا سريعاً من القبر بخوف وفرح عظيم راكضتين لتخبرا تلاميذه، وفيما هما منطلقتان لتخبرا تلاميذه إذا يسوع لاقاهما وقال سلام لكما،
فتقدمتا وأمسكتا بقدميه وسجدتا له، فقال لهما يسوع لا تخافا، اذهبا قولا لاخوتي أن يذهبوا إلى الجليل وهناك يرونني. (متّى 28: 8-10)
- قال لها يسوع يا مريم، فالتفتت تلك وقالت له ربوني الذي تفسيره يا معلم،
قال لها يسوع لا تلمسيني لأني لم أصعد بعد الى أبي، ولكن اذهبي الى اخوتي وقولي لهم اني أصعد الى أبي وأبيكم والهي والهكم، فجاءت مريم المجدلية وأخبرت التلاميذ أنها رأت الرب وأنه قال لها هذا. (يوحنا 20: 16-18)
هذه بعض الاختلافات التي لا يمكن تبريرها ولا الجمع بينها في الأناجيل عن قصة قيامة يسوع من الأموات! ولكن الملاحظ أن كتبة الاناجيل قد اعتمدوا في الحديث عن مدة بقاء يسوع في القبر على بعض نصوص العهد القديم التي تتحدث عن إحياء الموتى في اليوم الثالث، وعلى قصة يونان وبقائه في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال، فهل كان اعتمادهم على هذه النصوص واستشهادهم بها موفقاً وصحيحاً، أم ان هذا الأمر لا يعدو عن كونه استمرار لطريقتهم ومنهجهم في كتابة الأناجيل من خلال اقتباس نصوص من العهد القديم وإعادة صياغتها بطريقة قصصية في إناجيلهم، كما ظهر معنا في هذا الكتاب، لإضفاء حالة من المصداقية والقداسة عليها، والقول انهم يكتبون أناجيلهم من ذات المصدر الذي كتب به العهد القديم؟!
37 - مصدر قصة مدة بقاء يسوع في القبر
كتب متّى ولوقا نصين عن يونان تحدثا فيهما عنه باعتباره مثالاً ليسوع في مدة بقائه في القبر، فهل ما كتباه صحيحاً وينطبق على المدة التي مكثها يسوع في القبر أم لا؟
- حينئذ أجاب قوم من الكتبة والفريسيين قائلين يا معلم نريد ان نرى منك آية ،
فأجاب وقال لهم جيل شرير وفاسق يطلب آية ولا تعطى له آية إلا آية يونان النبي،
لأنه كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال هكذا يكون ابن الإنسان في قلب الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال،
رجال نينوى سيقومون في الدين مع هذا الجيل ويدينونه لأنهم تابوا بمناداة يونان، وهو ذا أعظم من يونان ههنا،
ملكة التيمن ستقوم في الدين مع هذا الجيل وتدينه، لأنها أتت من أقاصي الأرض لتسمع حكمة سليمان، وهو ذا أعظم من سليمان ههنا. (متّى 12: 38-42)
في هذا النص كتب متّى أن اليهود طلبوا من يسوع آية، فأجابهم يسوع أنهم لن يُعطوا آية إلا آية يونان، فكما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال فكذلك سيكون هو في بطن الارض ثلاثة أيام وثلاث ليال، وهذه المدة لا تنطبق على المدة التي مكثها يسوع في القبر بأي حال من الأحوال! لأن الاناجيل الاربعة، ومنها إنجيل متّى، تقول ان يسوع دُفن قبل غروب شمس يوم الجمعة واكتشف القبر فارغاً من جسد يسوع قبل شروق شمس يوم الأحد، وهذا يعني انه مكث في القبر ليلة السبت ويوم السبت وليلة الأحد فقط، ومجموع هذه المدة يساوي يوماً وليلتين، وإذا قلنا ان الفترة الزمنية قبل مغيب الشمس يوم الجمعة يوماً فالمدة تصبح يومان وليلتان، وهذا يتناقض مع المدة التي كتبها متّى، ويتناقض كذلك مع ما هو مكتوب في كتاب يونان كما في النص التالي:
- وأما الرب فأعدّ حوتاً عظيماً ليبتلع يونان،
فكان يونان في جوف الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال. (يونان 1: 17)
فهذا النص واضح في أن يونان بقي في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال.
ثم يكتب متّى نبوءة على لسان يسوع لم تتحقق، وهي ان رجال نينوى وملكة التيمن سيقومون مع ذلك الجيل ويدينونه، ومات ذلك الجيل ومات بعده عشرات الأجيال ولم يأت رجال نينوى ولا ملكة التيمن ولم تتم إدانة أي واحد من ذلك الجيل.
- وفيما كان الجموع مُزدحمين ابتدأ يقول هذا الجيل شرير يطلب آية ولا تعطى له آية إلا آية يونان النبي، لأنه كما كان يونان آية لأهل نينوى كذلك يكون ابن الإنسان أيضاً لهذا الجيل،
ملكة التيمن ستقوم في الدين مع رجال هذا الجيل وتدينهم،
لأنها أتت من أقاصي الأرض لتسمع حكمة سليمان، وهو ذا أعظم من سليمان ههنا،
رجال نينوى سيقومون في الدين مع هذا الجيل ويدينونه، لأنهم تابوا بمناداة يونان، وهو ذا أعظم من يونان ههنا. (لوقا 11: 29-32)
في هذا النص يكتب لوقا تقريباً ما كتبه متّى، ولكنه لم يتحدث عن المدة الزمنية لبقاء يونان ولا عن المدة الزمنية لبقاء يسوع، ويمكن إرجاع هذا الأمر الى أن لوقا كان أكثر دقة من متّى في فهم قصة يونان وربطها بالنصوص الأُخرى التي تتحدث عن إحياء الناس في اليوم الثالث، وما انتهت إليه الكنائس من الحديث عن قيامة يسوع من القبر يوم الأحد، فتحديد المدة الزمنية التي يجب أن يقضيها يسوع في القبر كما كتبها متّى تتناقض مع القصة المكتوبة في الاناجيل، ولهذا لم يكتبها لوقا، إلا أنه وقع في الخطأ الذي وقع فيه متّى بالحديث عن قيام رجال نينوى وملكة التيمن الذين سيدينون ذلك الجيل الشرير والفاسق!
وما يثير الدهشة في هذه الكلمات هو إغفال متّى ولوقا لكل المعجزات والآيات التي كتباها عن يسوع من المشي على الماء الى إحياء الموتى، فهذه المعجزات والآيات تساوي في قيمتها مسألة موت يسوع لمدة بسيطة من الزمن، مع أن موت يسوع يتناقض مع قول كتبة الاناجيل والكنائس المختلفة عن يسوع أنه إله وابن إله، لأن الإله الحق حيّ لا يموت! فكيف كتبا أنه لن تُعطى لليهود آية سوى آية يونان، مع كتابتهما للكثير من الآيات التي قام بها يسوع؟!
والأغرب من هذا كله هو كتابة مرقس لنص يشبه ما كتبه متّى ولوقا ولكنه لم يذكر قصة يونان، وكذلك نسي أنه كتب عن آيات ومعجزات قام بها يسوع، ولست أدري السبب الذي جعله يكتب مثل هذا القول على لسان يسوع، كما في النص التالي:
- فخرج الفريسيون وابتدأوا يحاورونه طالبين منه آية من السماء لكي يجربوه،
فتنهد بروحه وقال لماذا يطلب هذا الجيل آية،
الحق أقول لكم لن يُعطى هذا الجيل آية. (مرقس 8: 11-12)
فمرقس يكتب في هذا النص أنه لن يُعطى ذلك الجيل أيّة آية، ومتّى ولوقا كتبا ما قرأنا سابقاً!
هناك عدد من النصوص تتحدث عن قيامة يسوع في اليوم الثالث، وهي تتفق وإن بشكل ظاهري مع قصة اكتشاف اختفاء جسد يسوع من القبر أو كما هو المصطلح الكنسي القيامة من الأموات، ومنها النصوص التالية:
- وفيما هو يُصلي على انفراد كان التلاميذ معه،
فسألهم قائلاً من تقول الجموع إني أنا،
فأجابوا وقالوا يوحنا المعمدان وآخرون إيليا وآخرون إن نبياً من القدماء قام،
فقال لهم وأنتم من تقولون إني أنا،
فأجاب بطرس وقال مسيح الإله،
فانتهرهم وأوصى أن لا يقولوا ذلك لأحد، قائلاً إنه ينبغي أن ابن الانسان يتألم كثيراً ويُرفض من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة ويُقتل وفي اليوم الثالث يقوم. (لوقا 9: 18-22)
في هذا النص يقول يسوع انه سيُقتل وفي اليوم الثالث يقوم، وكما قرأنا سابقاً فانه لم يُقتل بل مات موتاً طبيعياً وأسلم الروح، فنهايته كما هي مكتوبة في الاناجيل تتناقض مع هذا النص، وإن كانت تتفق مع قصة قيامته في اليوم الثالث!
- وأخذ الاثني عشر وقال لهم ها نحن صاعدون إلى أُورشليم وسيتم كل ما هو مكتوب بالأنبياء عن ابن الانسان، لأنه يُسلم إلى الأُمم ويُستهزأ به ويُشتم ويُتفل عليه ويجلدونه ويقتلونه وفي اليوم الثالث يقوم، وأما هم فلم يفهموا من ذلك شيئاً وكان هذا الأمر مُخفىً عنهم ولم يعلموا ما قيل. (لوقا 18: 31-34)
في هذا النص يقول لوقا أيضاً على لسان يسوع انهم سيقتلونه وفي اليوم الثالث يقوم، ولكن تلاميذه الذين أعطاهم مملكة السماء ومعرفة أسرار مملكة السماء وأعطاهم سلطاناً على غفران الخطايا وشفاء المرضى وأعطاهم الروح المقدس لم يفهموا من ذلك شيئاً!
- ثم في أول الأسبوع أول الفجر أتين الى القبر حاملات الحنوط الذي أعددنه ومعهن أُناس،
فوجدن الحجر مُدحرجاً عن القبر، فدخلن ولم يجدن جسد الرب يسوع، وفيما هنّ مُحتارات في ذلك إذا رجلان وقفا بهن بثياب برّاقة،
وإذ كنّ خائفات ومنكّسات وجوههن إلى الأرض قالا لهنّ لماذا تطلبن الحيّ بين الأموات،
ليس هو ههنا لكنه قام،
اذكرن كيف كلمكن وهو بعد في الجليل، قائلاً إنه ينبغي أن يُسلّم ابن الإنسان في أيدي أُناس خطاة ويُصلب وفي اليوم الثالث يقوم،
فتذكّرن كلامه، ورجعن من القبر وأخبرن الأحد عشر وجميع الباقين بهذا كله،
وكانت مريم المجدلية ويونا ومريم أُم يعقوب والباقيات معهن اللواتي قلن هذا للرسل،
فتراءى كلامهن لهم كالهذيان ولم يُصدّقونهن. (لوقا 24: 1-11)
في هذا النص يُنبّه الملاكان النساء الى ان يسوع قال لهنّ انه سيقوم في اليوم الثالث، ولكن عندما رجعن وأخبرن التلاميذ تراءى لهم هذا القول كالهذيان ولم يُصدقوا ان يسوع قام من الأموات، وهم الذين قالوا لنا انه إله وابن إله وأحد الاقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر وأنه قام من الأموات!
- وابتدأ يُعلمهم أن ابن الانسان ينبغي أن يتألم كثيراً ويُرفض من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة ويُقتل وبعد ثلاثة أيام يقوم،
وقال القول علانية فأخذه بطرس إليه وابتدأ ينتهره،
فالتفت وأبصر تلاميذه فانتهر بطرس قائلاً اذهب عني يا شيطان،
لأنك لا تهتم بما للإله ولكن بما للناس. (مرقس 8: 31-33)
في هذا النص يكتب مرقس ان يسوع قال انه سيقوم من الأموات بعد ثلاثة أيام، وهذا القول يتناقض مع ما هو مكتوب في الاناجيل عن قيامته قبل شروق شمس يوم الأحد، إذ لو كان هذا صحيحاً لكان يجب أن يقوم يوم الاثنين لأن الاناجيل قالت انه دُفن يوم الجمعة، وبعد ثلاثة أيام يعني يوم الاثنين!
والأغرب من هذا الخطأ هو ردة فعل التلاميذ على قول يسوع السابق، فماذا كانت ردة فعل أعظم تلاميذ يسوع وهو سمعان بطرس؟
يقول مرقس إن بطرس بدأ ينتهر يسوع!
بطرس ينتهر يسوع أحد الاقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر!!
ولكن ما هي ردة فعل يسوع؟
ردة فعله هي أنه كال الكيل بمكيالين لبطرس، فانتهره هو أيضاً وقال له يا شيطان، فإذا كان بطرس لم يصدق ولم يؤمن بقول يسوع انه سيقوم في اليوم الثالث، وهو ما زال معهم ويعيش بينهم، وكذلك الأمر لم يصدقوا كلهم انه قام من الأموات عندما أخبرتهم النسوة على لسان الملاكين، فكيف آمنوا بعد ذلك بمجرد رؤيتهم لقبر فارغ؟!
وإذا كان بطرس شيطان فمن هو المؤمن؟!
- وخرجوا من هناك واجتازوا الجليل ولم يُرد أن يعلم أحد،
لأنه كان يُعلّم تلاميذه ويقول لهم إن ابن الإنسان يُسلّم الى أيدي الناس فيقتلونه وبعد أن يُقتل يقوم في اليوم الثالث،
وأما هم فلم يفهموا القول وخافوا أن يسألوه. (مرقس 9: 30-32)
هذا نص آخر يقول ان يسوع سيقوم بعد قتله من الأموات في اليوم الثالث، وهذا النص وإن كان ظاهرياً صحيح لأن الأناجيل كتبت أنه قام يوم الأحد أي في اليوم الثالث، إلا أنه يتناقض مع النص السابق الذي كتبه مرقس وقال فيه ان يسوع سيقوم بعد ثلاثة أيام، وهو كذلك غير صحيح لأن يسوع لم يُقتل بل مات وأسلم الروح كما هو مكتوب في الاناجيل، وأما موقف تلاميذه فلم يتغير فهم لم يفهموا هذا القول!
هذه بعض النصوص التي تقول ان يسوع، أو ابن الانسان كما هو مكتوب في النصوص، سيُقتل ويقوم في اليوم الثالث ومع أنها تتفق بشكل ظاهري مع قصة قيامة يسوع من الأموات إلا أنها تتناقض مع صفة ابن الانسان المذكورة في كتاب دانيال كما بينت ذلك سابقاً، وكما في النص التالي:
- كنتُ أرى في رؤى الليل وإذا مع سحب السماء مثل ابن إنسان،
أتى وجاء إلى قديم الأيام فقرّبوه قدّامه،
فأُعطي سلطاناً ومجداً ومملكة لتتعبد له كل الشعوب والأمم والألسنة، سلطانه سلطانٌ أبديّ ما لن يزول، ومملكته ما لا تنقرض. (دانيال 7: 13-14)
كما أنها تتناقض مع ما كتبه متّى عن مدة بقاء يسوع في القبر ثلاثة أيام وثلاث ليال، وهذه التناقضات والأخطاء دليل على أنها ليست وحياً وينطبق عليها قانون لا تقبل خبراً كاذباً، فمن أين جاءت فكرة هذه النصوص؟
هذه الفكرة اقتبسها كتبة الاناجيل من العهد القديم كما في النص التالي:
- هلمّ نرجع الى الرب لأنه هو افتَرَسَ فيشفينا، ضَرَبَ فيجبرنا،
يُحيينا بعد يومين، في اليوم الثالث يُقيمنا فنحيا أمامه،
لنعرف فلنتتبع لنعرف الرب،
خروجه يقين كالفجر يأتي إلينا كالمطر كمطر متأخر يسقي الارض،
ماذا أصنع بك يا أفرايم، ماذا أصنع بك يا يهوذا، فإن إحسانكم كسحاب الصبح وكالندى الماضي باكراً،
لذلك أقرضهم بالأنبياء، أقتلهم بأقوال فمي والقضاء عليك كنور قد خرج،
إني أريد رحمة لا ذبيحة ومعرفة الإله أكثر من محرقات،
ولكنهم كآدم تعدّوا العهد هناك غدروا بي، جلعاد قرية فاعلي الإثم مدوسة بالدم، وكما يكمن لصوص لإنسان كذلك زمرة الكهنة في الطريق يقتلون نحو شكيم،
إنهم قد صنعوا فاحشة،
في بيت اسرائيل رأيت أمراً فظيعاً هناك زنى أفرايم، تنجّس إسرائيل،
وأنت أيضاً يا يهوذا قد أُعد لك حصاد عندما أردّ سبي شعبي. (هوشع 6: 1-11)
في هذا النص كلام عن إحياء الرب لبعض الناس في اليوم الثالث، وهو ما كتبته الاناجيل على لسان يسوع في النصوص السابقة، مع فارق عظيم وهو قولها أن يسوع إله وابن إله والأُقنوم الثاني من الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر، ومن هذا صفته لو كانت صحيحة لا يموت!
وما يؤكد أن تلك النصوص مقتبسة من هذا النص هو اقتباس متّى لفقرة منه وقال ان يسوع استشهد بها، وهي قوله انه يريد رحمة لا ذبيحة.
- فلما سمع يسوع قال لهم لا يحتاج الأصحاء الى طبيب بل المرضى،
فاذهبوا وتعلموا ما هو اني أُريد رحمة لا ذبيحة،
لأني لم آت لأدعو أبراراً بل خطاة الى التوبة. (متّى 9: 12-13)
38 - مصدر قصة ظهور يسوع للتلاميذ
بعد قصة اكتشاف اختفاء يسوع من القبر يبدأ كتبة الاناجيل بكتابة قصص عن ظهوره للتلاميذ، وهي قصص متناقضة فيما بينها كما بينت ذلك بالتفصيل في كتاب يسوع بن يوسف النجار أسئلة حائرة، سواء في مكان ظهوره لهم، إذ كتب متّى ومرقس أنه قال للتلاميذ أنه سيلتقي بهم في الجليل كما في النصوص التالية:
- واذهبا سريعاً قولا لتلاميذه أنه قام من الأموات ها هو يسبقكم الى الجليل، هناك ترونه. (متّى 28: 7)
- فقال لهما يسوع لا تخافا، اذهبا قولا لإخوتي أن يذهبوا الى الجليل وهناك يرونني. (متّى 28: 10)
 - لكن اذهبن وقلن لتلاميذه ولبطرس إنه يسبقكم الى الجليل هناك ترونه كما قال لكم. (مرقس 16: 7)
ومع هذه النصوص إلا أن قصص ظهور يسوع للتلاميذ كانت في أُورشليم وليس في الجليل كما هو مكتوب في إنجيل لوقا وإنجيل يوحنا!
وكذلك تناقضوا في قصة ظهوره لمريم المجدلية إن كانت لوحدها أو معها امرأة أُخرى، وإن كانت لمسته أم لا، كما في النصوص التالية:
- وفيما هما منطلقتان لتخبرا تلاميذه إذا يسوع لاقاهما وقال سلام لكما فتقدمتا وأمسكتا بقدميه وسجدتا له. (متّى 28: 9)
- قال لها يسوع لا تلمسيني لأني لم اصعد بعد الى أبي ولكن اذهبي إلى إخوتي وقولي لهم إني أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم. (يوحنا 20: 17)
مع أن يوحنا كتب أن توما وضع اصبعه ويده في جراحه، أي أنه لمسه، وهو لم يكن قد صعد بعد الى السماء!
- ثم قال لتوما هات إصبعك إلى هنا وأبصر يديّ وهات يدك وضعها في جنبي ولا تكن غير مؤمن بل مؤمناً. (يوحنا 20: 27)
هذه الأمور، وغيرها الكثير، تلقي بظلال الشك على صحة هذه القصص، ولكن ما يهم في هذا المقام هو من أين اقتبس كتبة الاناجيل فكرة ظهور يسوع للتلاميذ؟
توجد عدة نصوص في العهد القديم تتحدث عن ظهور الرب لبعض الناس قد يفهم من يقرأها بعيداً عن الأُصول والأسس التي قام عليها العهد القديم أنها تتحدث عن ظهور مادي أو جسدي مباشر، وهو ما دفع كتبة الاناجيل للاقتباس منها قصص ظهور يسوع للتلاميذ مع أن ظهور الرب مباشرة لو كان ممكناً لكان مختلفاً عن ظهور يسوع، لأن ظهور الرب فيه من العظمة والمجد ما لا يمكن تخيله كما قرأنا عن قصة كلام الرب مع إيليا والذي أدى لهبوب العواصف وتزلزل الجبال وتحطم الصخور، وأما ظهور يسوع، لو كان صحيحاً، فهو من باب شفاء الانسان من الموت! كما أن ظهور يسوع بعد موته لا يحمل شيئاً عجيباً إذ ان الاناجيل ذكرت ثلاثة قصص عن قيامة ثلاثة أشخاص من الموت، وهو شبيه بما حدث مع يسوع وظهوره للتلاميذ!
وفيما يلي بعض نصوص العهد القديم التي تتحدث عن ظهور الرب لبعض الناس والتي اقتبس منها كتبة الاناجيل قصص ظهور يسوع للتلاميذ:
- وسمعا صوت الرب الإله ماشياً في الجنة عند هبوب ريح النهار، فاختبأ آدم وامرأته من وجه الرب الإله في وسط شجر الجنة. (تكوين 3: 8)
هذه القصة تشبه الى حد بعيد ما كتبه يوحنا عن ظهور يسوع لمريم في البستان!
- ولما كان أبرام ابن تسع وتسعين سنة ظهر الرب لأبرام وقال له أنا الإله القدير، سِر أمامي وكن كاملاً. (تكوين 17: 1)
- وظهر له الرب عند بلوطات ممرا وهو جالس في باب الخيمة وقت حر النهار. (تكوين 18: 1)
من هذه النصوص وغيرها اقتبس الكتبة فكرة ظهور يسوع للتلاميذ، وكتبوا قصصاً لا تتفق إحداها مع الأُخرى مما يؤكد أنها ليست وحياً، وأنه ينطبق عليها قانون لا تقبل خبراً كاذباً.
39 - مصدر قصة صعود يسوع الى السماء
بعد ظهور يسوع للتلاميذ تنتهي الاناجيل من التبشير بيسوع ويبدأ كتبتها في البحث عن خاتمة لها، فنجد أن الكاتبين اللذين تقول الكنائس أنهما من التلاميذ الإثني عشر، وهما متّى ويوحنا، قد أنهيا إنجيليهما دون الحديث عن قصة صعود يسوع الى السماء! في حين أن إنجيل مرقس قد أُضيفت له فقرات في آخره تتحدث عن صعود يسوع الى السماء كما في النص التالي:
- وأخيراً ظهر للأحد عشر وهم متكئون ووبخ عدم إيمانهم وقساوة قلوبهم لأنهم لم يصدقوا الذين نظروه قد قام. (مرقس 16: 14)
- ثم ان الرب بعدما كلمهم ارتفع الى السماء وجلس عن يمين الإله. (مرقس 16: 19)
وأما لوقا فقد كتب عن صعود يسوع إلى السماء مرتين، المرة الأُولى في إنجيله وقال فيها إن يسوع صعد في نفس اليوم الذي ظهر للتلاميذ، والمرة الثانية في أعمال الرسل قال فيها إن يسوع صعد إلى السماء بعد أربعين يوماً، كما في النصوص التالية:
- وأخرجهم الى بيت عنيا ورفع يديه وباركهم، وفيما هو يباركهم انفرد عنهم وأُصعد الى السماء، فسجدوا له ورجعوا الى أُورشليم بفرح عظيم. (لوقا 24: 50-52)
- الذين أراهم أيضاً نفسه حيّاً ببراهين كثيرة بعدما تألم وهو يظهر لهم أربعين يوماً ويتكلم عن الأُمور المختصة بمملكة الإله. (أعمال الرسل 1: 3)
- ولما قال هذا ارتفع وهم ينظرون وأخذته سحابة عن أعينهم،
وفيما كانوا يشخصون إلى السماء وهو منطلق إذا رجلان قد وقفا بهم بلباس أبيض. (أعمال الرسل 1: 9-10)
فلو كانت قصة صعود يسوع إلى السماء حقيقية وسمعها لوقا من مصدر موثوق، أو كما قال هو في أول إنجيله أنه تسلمها من الذين كانوا منذ البدء مُعاينين وخدّاماً للكلمة وتتبع كل شيء من الأول بتدقيق، (لوقا 1: 1-4)، لما اختلف مع نفسه في تحديد وقت الصعود ولما تجاهلها متّى ويوحنا، واضطر بعض كتبة الكنائس لإضافتها إلى إنجيل مرقس!
وأما فكرة قصة صعود يسوع الى السماء فيمكن إرجاعها الى قصة صعود إيليا الى السماء بعربة تجرها الخيول كما في النص التالي:
- وفيما هما يسيران ويتكلمان إذا مركبة من نار وخيل من نار، ففصلت بينهما فصعد إيليا في العاصفة الى السماء،
وكان أليشع يرى وهو يصرخ يا أبي يا أبي مركبة اسرائيل وفرسانها،
ولم يره بعد فأمسك ثيابه ومزّقها قطعتين. (الملوك الثاني 2: 11-12)
هذه قصة تتحدث عن صعود إيليا الى السماء، وأعتقد أن منها اقتبس لوقا ومَن أضاف خاتمة إنجيل مرقس قصة صعود يسوع الى السماء، في حين أن متّى ويوحنا لم يقتنعا بأن هذه القصة يمكن أن تكون مصدراً أو أساساً للحديث عن قصة صعود يسوع إلى السماء، أو أنهما لم ينتبها لقصة إيليا، لهذا لم يكتبا شيئاً عن صعوده الى السماء، وهذا ما نلاحظه في قصة دخول يسوع إلى أُورشليم راكباً على أتان وجحش أو جحش فقط التي ناقشتها سابقاً، فوجود نص واضح في كتاب زكريا (9 : 9) عن دخول ملك أُورشليم إليها راكباً على حمار وجحش جعل كتبة الأناجيل الأربعة يتسابقون في كتابة قصة دخول يسوع إلى أُورشليم، وإن اختلفوا فيما بينهم وتلاعبوا بنص زكريا كما بينت ذلك سابقاً، وأما قصة صعود يسوع إلى السماء فعدم وجود نصوص واضحة في العهد القديم تتحدث عن صعود بعض البشر إلى السماء، باستثناء قصة إيليا، أدى الى عدم كتابتها في إنجيل متّى ويوحنا، وهذا أمر مثير للدهشة لأن الكتابة عن صعود يسوع إلى السماء أهم من الكتابة عن ركوبه أتان وجحش أو جحش فقط لو كان كتبة الأناجيل يكتبون قصصاً شاهدوها أو سمعوها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق