السبت، 28 يوليو 2018

أُصول التوراة: الأصل الثامن العهود مع بني اسرائيل: القسم الثالث عهد المُلك مع داود وذريته

الفصل الأولالأُصول والأُسس التي قام عليها العهد القديم وعلاقة كتبة الأناجيل بها

إن اعتماد كتبة الأناجيل والكنائس المختلفة على العهد القديم، واعتبار أنها امتداد له سواء بالاستشهاد بنصوصه أو بتاريخه، يستوجب علينا وقفة للمقارنة بين الاصول والأُسس التي قام عليها العهد القديم والأصول والأُسس التي قامت عليها الأناجيل لنرى صحة هذا الاعتماد وهذا الامتداد، لندرك حقيقة المصادر الذي اعتمد عليها كتبة الأناجيل، كما يستوجب علينا إظهار حقيقة العلاقة بين العهد القديم وكتبة الأناجيل وموقفهم من شرائعه وأحكامه بشكل عام.
لهذا سأقوم في الصفحات التالية باستعراض أهم الاصول والأسس التي قام عليها العهد القديم ومقارنتها بالأصول والأسس التي قامت عليها الأناجيل وتدعو لها، لنرى إن كانت تتوافق فيما بينها أم تختلف، لنفصل القول إن كانت مصادرهما واحدة أم مختلفة، وبالتالي علينا البحث عن المصدر الذي اعتمد عليه كتبة الأناجيل عند كتابتهم لها.
الأصل أو الأساس الثامن العهود مع بني إسرائيل
يُعتبر العهد مع بني إسرائيل من أهم الأصول والأسس التي قام عليها العهد القديم، وهو يتمثل في التزام بني إسرائيل بعبادة الرب وحده وعدم عبادة آلهة أُخرى من دونه والعمل بوصايا وشرائع الناموس في مقابل اصطفائهم وإعطائهم الأرض المقدس التي وعد الرب بها إبراهيم وذريته ومباركتهم في حياتهم.
ومن خلال نصوص العهد القديم يمكن تقسيم العهد الى ثلاثة أقسام، الأول عهد الاصطفاء والاختيار وهو مع بني إسرائيل عامة، والثاني عهد الكهانة وهو مع اللاويين عامة وذرية هارون خاصة، والثالث عهد المُلك والحُكم وهو مع داوُد ومن بعده مع سليمان بن داوُد وذريته، وفيما يلي استعراض لهذه الأقسام وموقف كتبة الأناجيل ورسائل العهد الجديد والكنائس منها.
عهد المُلك مع داوُد وذريته
بعد استقرار بني إسرائيل في الأرض المقدسة وقيام القضاة بتصريف شؤونهم وقبل وفاة صموئيل، وهو آخر القضاة، طلبوا منه أن يُقيم ملكاً عليهم فتم اختيار شاول ملكاً عليهم، وهو أول من أُطلق عليه لقب مسيح، ومن ثم تولى المُلكَ داوُد، وفي نهاية عهده تلقى عهد المُلك والحُكم من الرب ومن بعده مع سليمان وذريته على حكم بني إسرائيل الى الأبد، مع وجود الشروط ذاتها تقريباً المذكورة في عهد الاصطفاء والاختيار مع بني إسرائيل، وفيما يلي استعراض لهذا العهد وشروطه وما آل إليه في نهاية الأمر.
- قطعتُ عهدا مع مختاري، حلفتُ لداوُد عبدي، إلى الدهر أُثبّت نسلك وأبني الى دور فدور كرسيّك، سلاة
والسموات تحمد عجائبك يا رب وحقك أيضاً في جماعة القدّيسين،
لأنه من في السماء يعادل الرب، من يُشبه الرب بين أبناء الإله،
إله مَهُوبٌ جداً في مؤامرة القديسين ومَخُوفٌ عند جميع الذين حوله،
يا رب إله الجنود مْن مثلك قوي، ربٌّ وحقك من حولك،
أنت متسلط على كبرياء البحر، عند ارتفاع لججه أنت تسكنها،
أنت سحقت رهب مثل القتيل، بذراع قوّتك بدّدت أعداءك،
لك السموات لم أيضاً الأرض، المسكونة ومِلؤها أنت أسستها،
الشمال والجنوب أنت خلقتهما تابور وحرمون باسمك يهتفان،
لك ذراع القدرة، قوية يدك، مرتفعة يمينك،
العدل والحق قاعدة كرسيك، الرحمة والأمانة تتقدمان أمام وجهك،
طوبى للشعب العارفين الهتاف يا رب بنور وجهك يسلكون،
باسمك يبتهجون اليوم كله وبعَدْلِكَ يرتفعون،
لأنك أنت فخر قوّتهم وبرضاك ينتصب قرننا،
لأن الرب مِجَنّنا وقدوس إسرائيل مَلِكنا،
حينئذ كلّمتَ برؤيا تقيَّك وقلتَ جعلتُ عوناً على قويٍّ،
رفعتُ مختاراً من بين الشعب،
وجدتُ داوُد عبدي، بدهن قدسي مَسَحته،
الذي تثبت يدي معه، أيضاً ذراعي تشدّده، لا يُرغمه عدّو، وابن الإثم لا يُذلّه،
وأسحق أعداءه أمام وجهه وأضرب مُبغِضِيه،
أما أمانتي ورحمتي فمعه وباسمي ينتصب قرنه، وأجعل على البحر يده وعلى الأنهار يمينه،
هو يدعوني أبي أنت،
إلهي وصخرة خلاصي،
أنا أيضاً أجعله بكراً،
أعلى من ملوك الأرض،
إلى الدهر أحفظ له رحمتي،
وعهدي يثبت له،
وأجعل إلى الأبد نسله،
وكرسيّه مثل أيام السموات،
إن ترك بنوه شريعتي ولم يسلكوا بأحكامي،
إن نقضوا فرائضي ولم يحفظوا وصاياي، افتقد بعصاً معصيتهم وبضرباتٍ إثمهم،
أما رحمتي فلا أنزعها عنه ولا أكذب من جهة أمانتي،
لا أنقض عهدي،
ولا أُغيِّر ما خرج من شفتي،
مَرّة حلفت بقدسي أني لا أكذب لداوُد،
نسله الى الدهر يكون وكرسيُّه كالشمس أمامي،
مثل القمر يُثبَّت إلى الدهر، والشاهد في السماء أمينٌ، سلاة. (مزمور 89: 3-37)
- ومنذ يوم أقمتُ فيه قضاة على شعبي إسرائيل، وقد أرحتك من جميع أعدائك،
والرب يُخبرك أن الرب يصنع لك بيتاً،
متى كملت أيامك واضطجعت مع آبائك،
أُقيم بعدك نسلك الذي يخرج من أحشائك وأُثبِّت مملكته،
هو يبني بيتاً لاسمي،
وأنا أُثبت كرسي مملكته إلى الأبد،
أنا أكون له أباً،
وهو يكون لي ابناً،
إن تعوج أُؤدبه بقضيب الناس وبضربات بني آدم،
ولكن رحمتي لا تنزع منه كما نزعتها من شاول الذي أزلته من أمامك،
ويأمن بيتك ومملكتك إلى الأبد أمامك،
كرسيك يكون ثابتاً إلى الأبد،
فحسب جميع هذا الكلام وحسب كل هذه الرؤيا كذلك كلم ناثان داوُد. (صموئيل الثاني 7: 11-17)
- المزمور الثامن عشر لإمام المغنين، لعبد الرب داوُد
- برج خلاص لِمَلِكِهِ والصانع رحمة لمسيحه، لداوُد ونسله إلى الأبد. (مزمور 18: 50)
في هذه النصوص نقرأ عن وعد الرب لداوُد بأن يكون نسله ملوكاً الى الأبد، وأن تكون مملكتهم ثابتة ومستقرة الى الأبد، مع تذكيرهم بأنهم إن تعوّجوا وخالفوا الشريعة فإنه سيتم تأديبهم بضربات من الممالك والشعوب الأُخرى، ويتم توضيح شروط العهد في النص التالي:
- ولمل قربت أيام وفاة داوُد أوصى سليمان ابنه قائلاً،
أنا ذاهب في طريق الأرض كلها فتشدد وكن رجلاً،
احفظ شعائر الربّ إلهك إذ تسير في طرقه وتحفظ فرائضه وصاياه وأحكامه وشهاداته كما هو مكتوب في شريعة موسى،
لكي تفلح في كل ما تفعل وحيثما توجهت،
لكي يُقيم الرب كلامه الذي تكلم به عني قائلاً إذا حفظ بنوك طريقهم وسلكوا أمامي بالأمانة من كل قلوبهم وكل أنفسهم،
قال لا يُعدَمُ لك رجل عن كرسي إسرائيل. (الملوك الاول 2: 2-4)
هذا النص يُبين أن الالتزام بكل ما جاء في الناموس من فرائض ووصايا وأحكام هو شرط لتنفيذ العهد بحكم أولاد داوُد لبني إسرائيل وبقائهم في الحكم إلى الأبد.
ويتكرر التأكيد على شروط العهد مع داوُد وذريته في العهد مع سليمان كما في النص التالي:
- وأنت إن سلكت أمامي كما سلك داوُد أبوك بسلامة قلب واستقامة،
وعملت حسب كل ما أوصيتك وحفظت فرائضي وأحكامي،
فإني أُقيم كرسي مُلكك على إسرائيل إلى الأبد،
كما كلمت أبوك قائلاً لا يُعدَم لك رجل عن كرسي إسرائيل،
إن كنتم تنقلبون أنتم أو أبناؤكم من ورائي ولا تحفظون وصاياي فرائضي التي جعلتها أمامكم بل تذهبون وتعبدون آلهة أُخرى وتسجدون لها فإني أقطع إسرائيل عن وجه الأرض التي أعطيتهم إيّاها والبيت الذي قدّسته لاسمي أنفيه من أمامي ويكون إسرائيل مثلاً وهزأة في جميع الشعوب، وهذا البيت يكون عبرة،
كل من يمرّ عليه يتعجب ويصفر ويقولون لماذا عمل الرب هكذا لهذه الأرض ولهذا البيت،
فيقولون من أجل أنهم تركوا الرب إلههم الذي أخرج آباءهم من أرض مصر وتمسكوا بآلهة أُخرى وسجدوا لها وعبدوها لذلك جلب الرب عليهم كل هذا الشر. (الملوك الاول 9: 4-9)
في هذا النص نقرأ أنه إذا خالف بنو إسرائيل الشريعة وقاموا بعبادة آلهة أُخرى وسجدوا لها فإن العهد مع داوُد وذريته سيُنقض وسيتم تدمير إسرائيل ومدنها ونفيهم منها إلى أماكن كثيرة.
ولهذا فإن سليمان قام بتنفيذ الشروط سواء المتعلقة بتوحيد الرب وتعظيمه أو بالالتزام بالشرائع والأحكام ومن ثم طلب من الرب الإبقاء على عهده مع داوُد وذريته كما في النص التالي:
- ووقف سليمان أمام مذبح الرب تجاه كل جماعة إسرائيل وبسط يديه إلى السماء،
وقال أيها الرب إله إسرائيل ليس إله مثلك في السماء من فوق ولا على الأرض من أسفل،
حافظ العهد والرحمة لعبيدك السائرين أمامك بكل قلوبهم،
الذي قد حفظت لعبدك داوُد أبي ما كلمته به فتكلمت بفمك وأكملت بيدك كهذا اليوم،
والآن أيها الرب إله إسرائيل احفظ لعبدك داوُد أبي ما كلمته به قائلاً لا يُعدم لك أمامي رجل يجلس على كرسي اسرائيل إن كان بنوك إنما يحفظون طرقهم حتى يسيروا أمامي كما سرتَ أنت أمامي،
والآن يا إله إسرائيل فليتحقق كلامك الذي كلمت به عبدك داوُد أبي. (الملوك الاول 8: 22-26)
في هذا النص نقرأ التزام سليمان بشروط العهد من توحيد الرب وعبادته بحسب الشريعة والدعاء إلى الرب بأن يحفظ عهده مع داوُد بأن يكون من ذريته ملوكاً على إسرائيل.
ويتكرر هذا الموقف في النص التالي:
وقال أيها الرب إله إسرائيل لا إله مثلك في السماء والأرض،
حافظ العهد والرحمة لعبيدك السائرين أمامك بكل قلوبهم،
الذي قد حفظت لعبدك داوُد أبي ما كلمته به، فتكلمت بفمك وأكملت بيدك كهذا اليوم،
والآن أيها الرب اله إسرائيل احفظ لعبدك داوُد أبي ما كلمته به قائلاً لا يُعدم لك أمامي رجل يجلس على كرسي إسرائيل إن يكن بنوك طرقهم يحفظون حتى يسيروا في شريعتي كما سرتَ أنت أمامي،
والآن أيها الرب إله إسرائيل فليتحقق كلامك الذي كلمت به عبدك داوُد. (الأيام الثاني 6: 14-17)
كما نقرأ فإن سليمان قام بتعظيم الرب وتمجيده ثم بدأ يدعو الرب للإبقاء على عهده مع داوُد وذريته ما داموا حافظين للشريعة وعاملين بها.
وبعد سليمان انقسمت المملكة إلى مملكتين، واحدة في الشمال وملوكها ليسوا من ذرية داوُد، والثانية في الجنوب وتشمل أراضي سبطي يهوذا وبنيامين وكان ملوكها من ذرية داوُد، وكان منهم المؤمنون وأكثرهم كافرون وفي النهاية تمّ نقض العهد مع ذرية داوُد كما في النص التالي:
- حيّ أنا، يقول الرب ولو كان كنياهو بن يهوياقيم ملك يهوذا خاتماً في يدي اليمنى فإني من هناك أنزعك، وأُسلمك ليد طالبي نفسك ولِيَد الذين تخاف منهم ولِيَد نبوخذ راصّر ملك بابل ولِيَد الكلدانيين،
وأطرحك وأُمك التي ولدتك إلى أرض أُخرى لم تولدا فيها وهناك تموتان،
أما الأرض التي يشتاقان إلى الرجوع إليها فلا يرجعان إليها،
هل هذا الرجل كنياهو وعاء خزف مُهان ومكسور أو إناءٌ ليست فيه مسرّة،
لماذا طرح هو ونسله وأُلقوا إلى أرض لم يعرفوها،
يا أرض يا أرض اسمعي كلمة الرب،
هكذا قال الرب اكتبوا هذا الرجل عقيماً،
رجلاً لا ينجح في أيامه لأنه لا ينجح من نسله أحد جالساً على كرسي داوُد وحاكماً بعد في يهوذا. (إرميا 22: 24-30)
وبعد كنياهو (أو يكنيا كما يسمى في بعض النصوص وخاصة في إنجيل متّى) لم يعد هناك مملكة لبني اسرائيل ليجلس على كرسيها أحد من نسل داوُد!
وفي سِفر التكوين نبوءة عن نقض عهد الحكم مع ذرية داوُد وهي كما يلي:
لا يزول قضيب من يهوذا ومشترع من بين رجليه، حتى يأتي شيلون وله يكون خضوع شعوب،
رابطاً بالكرمة جحشه وبالجفنة ابن أتانه غسل بالخمر لباسه وبدم العنب ثوبه. (تكوين 49: 10-11)
ويهوذا هو السبط الذي ينتمي له داوُد، فهذه النبوءة تحدد أن الحكم سيزول من ذرية داوُد عند مجيء شيلون الذي تخضع له الشعوب، ومع هذه النصوص إلا أنه يوجد بعض النصوص تتحدث عن بقاء عهد المُلك مع داوُد وذريته الى الابد في بعض أسفار الأنبياء ومنها ما جاء في سِفر إرميا الذي عاش في أواخر دولة أُورشليم وذهب مع السبي الى بابل وما جاء في سِفر حزقيال وهو أيضاً من أنبياء فترة السبي، وفيما يلي بعض منها.
ها أيام تأتي يقول الرب وأُقيم الكلمة الصالحة التي تكلمت بها الى بيت اسرائيل والى بيت يهوذا،
في تلك الأيام وفي ذلك الزمان أُنبتُ لداوُد غصن البِرّ،
فيُجري عدلاً وبرّاً في الأرض،
في تلك الأيام يخلص يهوذا وتسكن أُورشليم آمنة، وهذا ما تتسمّى به الربّ بِرَّنا،
لأنه هكذا قال الربّ،
لا ينقطع لداوُد إنسانٌ يجلس على كرسي بيت اسرائيل،
ولا ينقطع للكهنة اللاويين إنسان من أمامي يُصعِدُ مُحرقة ويُحرق تقدمة ويُهيء ذبيحة كل الأيام. (إرميا 33: 14-18)
يتحدث إرميا في النص عن ظهور رجل من ذرية داوُد يحكم بالعدل والبرّ ويقوم بتخليص يهوذا وتكون أُورشليم مدينة آمنة تنفيذاً لعهد الرب مع داوُد بأنه لا ينقطع إنسان يجلس على كرسي بيت إسرائيل من ذريته، ويتحدث كذلك عن عهد الكهانة مع اللاويين وهو الذي قال بولس أنه نُقض ووافقته عليه الكنائس المختلفة كما أوضحت ذلك سابقاً.
ثم يؤكد على بقاء العهد وعدم نقضه مع داوُد وذريته ما دام هناك ليل ونهار وكذلك العهد مع اللاويين! وأن الرب سيُكثر أولادهما بحيث لا يمكن إحصائهم، كما في النص التالي:
- ثم صارت كلمة الرب إلى إرميا قائلة،
هكذا قال الرب إن نقضتم عهدي مع النهار وعهدي مع الليل حتى لا يكون نهار ولا ليل في وقتهما،
فإن عهدي أيضا مع داوُد عبدي يُنقض،
فلا يكون له ابن مالكاً على كرسيه،
ومع اللاويين الكهنة خادِمِيَّ،
كما أن جند السموات لا يُعد ورمل البحر لا يُحصى هكذا أُكثّر نسل داوُد عبدي واللاويين خادِمِيّ. (إرميا 33: 19-22)
كما نلاحظ فإن النص يتحدث عن عدم نقض العهد مع داوُد وكذلك عدم نقض العهد مع اللاويين الذي كما قلت سابقاً أن بولس قال بنقضه معهم.
وفي سِفر حزقيال نقرأ النص التالي:
- ولا يتنجسون بعدُ بأصنامهم ولا برجاساتهم ولا بشيء من معاصيهم بل أُخلصهم من كل مساكنهم التي فيها أخطأوا وأُطهرهم فيكونون لي شعباً وأنا أكون لهم إلهاً،
وداوُد عبدي يكون ملكاً عليهم ويكون لجميعهم راع واحد،
فيسلكون في أحكامي ويحفظون فرائضي ويعملون بها،
ويسكنون في الأرض التي أعطيت عبدي يعقوب إيّاها التي سكنها آباؤكم ويسكنون فيها هم وبنوهم وبنو بنيهم إلى الأبد،
وعبدي داوُد رئيس عليهم إلى الأبد،
وأقطع معهم عهد سلام فيكون معهم عهداً مؤبداً وأُقرّهم وأُكثرهم وأجعل مقدسي في وسطهم إلى الأبد، ويكون مسكني فوقهم وأكون لهم إلهاً ويكونون لي شعباً،
فتعلم الأمم أني أنا الرب مُقدِّسُ إسرائيل إذ يكون مقدسي في وسطهم إلى الأبد. (حزقيال 37: 23-28)
هذا النص يتحدث عن داوُد كملك الى الأبد وأن بني اسرائيل سيسكنون في الأرض الى الأبد وأن العهد معهم أيضاً الى الأبد، مع القول أنهم سيسلكون في أحكام الناموس ويحفظون فرائضه ويعبدون الرب بحيث تعلم الأُمم أنهم شعب مقدس.
وخلاصة القول أن الرب وعد داوُد وذريته بالبقاء على كرسي الحكم في الارض المقدسة الى الأبد ما داموا عابدين له وغير مشركين معه آلهة أُخرى من أي نوع، حافظين لأحكام الناموس ومطبقين لها، فكيف تعامل كتبة الأناجيل والرسائل والكنائس المختلفة مع هذا العهد؟
لقد تعامل كتبة الأناجيل والرسائل والكنائس مع هذا العهد بطريقة مختلفة عن طريقتهم في التعامل مع عهد الاصطفاء والاختيار وعهد الكهانة، فهم أقاموا أناجيلهم ورسائلهم وقوانين إيمانهم على أساس أن هذا العهد لم يُنقض، وأن يسوع هو المقصود في كل النصوص التي تحدثت عن ظهور مخلص لبني اسرائيل من ذرية داوُد، كما في النصوص التالية:
- لأنه هكذا مكتوب بالنبي وأنت يا بيت لحم أرض يهوذا لست الصغرى بين رؤساء يهوذا، لأن منك يخرج مدبر يرعى شعبي اسرائيل. (متّى 2: 6)
- فكان هذا كله لكي يتم ما قيل بالنبي القائل، قولوا لابنة صهيون هوذا ملكك يأتيك وديعاً راكباً على أتان وجحش ابن أتان. (متّى 21: 4-5)
- وها أنت ستحبلين وتلدين ابناً وتسمينه يسوع، هذا يكون عظيماً وابن العلي يُدعى،
ويُعطيه الرب الإله كرسي داوُد أبيه، ويملك على بيت يعقوب الى الأبد ولا يكون لملكه نهاية. (لوقا 1: 31-33)
- عضد اسرائيل فتاه ليذكر رحمة،
كما كلم آباءنا، لإبراهيم ونسله الى الأبد. (لوقا 1: 54-55)
- وامتلأ زكريا أبوه من الروح المقدس وتنبأ قائلاً،
مبارك الرب إله اسرائيل لأنه افتقد وصنع فداء لشعبه،
وأقام لنا قرن خلاص في بيت داوُد فتاه،
كما تكلم بفم أنبيائه القديسين الذين هم منذ الدهر، خلاص من أعدائنا ومن أيدي جميع مبغضينا،
ليصنع رحمة مع آبائنا ويذكر عهده المقدس،
القَسَم الذي حلف لإبراهيم أبينا، أن يعطينا إننا بلا خوف مُنقذين من أيدي أعدائنا، نعبده بقداسة وبرٍّ قدّامه جميع أيام حياتنا. (لوقا 1: 67-75)
- أيها الرجال الإخوة يسوغ أن يُقال لكم جهاراً عن رئيس الآباء داوُد إنه مات ودُفن وقبره عندنا حتى هذا اليوم،
فإذ كان نبياً وعَلِمَ أن الرب حلفَ له بقسم أنه من ثمرة صُلبه يُقيم المسيح حسب الجسد ليجلس على كرسيّه. (أعمال الرسل 2: 29-30)
- أما هم المجتمعون فسألوه قائلين يا رب هل في هذا الوقت تردُّ المُلكَ الى إسرائيل،
فقال لهم ليس لكم أن تعرفوا الأزمنة والأوقات التي جعلها الأب في سلطانه. (أعمال الرسل 1: 6-7)
هذه بعض النصوص التي تظهر أن كتبة الأناجيل والرسائل يقولون بعدم نقض عهد المُلك مع داوُد وذريته، وهذه النصوص وغيرها ستكون مدار بحث في الفصول القادمة لإظهار مدى صدقها وانطباقها على يسوع، مع أن هذا الأمر يتناقض مع العهد القديم وكذلك يتناقض مع واقع حال يسوع كما هو مكتوب في الأناجيل! فبعض النصوص السابقة تحدثت عن إنهاء العهد مع يهوياقيم ويكنيا وذريتهما اللذين قال متّى في إنجيله عنهما أنهما من أجداد يسوع، كما أن يسوع بحسب الأناجيل لم يكن ملكاً على بني إسرائيل في يوم من الأيام، حتى انه رفض أن يكون ملكاً عندما حاول اليهود أن يجعلوه ملكاً عليهم.
- وأما يسوع فإذ علم أنهم مزمعون أن يأتوا ويختطفوه ليجعلوه ملكاً انصرف أيضاً إلى الجبل وحده. (يوحنا 6: 15)
لا بل انه صرح أن مملكته ليست من هذا العالم كما في النص التالي:
- ثم دخل بيلاطس أيضاً إلى دار الولاية ودعا يسوع وقال له أنت ملك اليهود،
أجابه يسوع أمِنْ ذاتك تقول هذا أم آخرون قالوا لك عني،
أجابه بيلاطس ألعلي أنا يهودي،
أُمّتك ورؤساء الكهنة أسلموك إليّ، ماذا فعلت،
أجاب يسوع مملكتي ليست من هذا العالم،
لو كانت مملكتي من هذا العالم لكان خدّامي يُجاهدون لكي لا أُسلم الى اليهود،
ولكن الآن ليست مملكتي من هنا. (يوحنا 18: 33-36)
ونصوص العهد القديم تقول ان عهد المُلك والحُكم مع ذرية داوُد هو على حكم بني اسرائيل على الارض وليس في السماء، وكل الملوك من ذرية داوُد، بدءأً منه وانتهاء بيكنيا وصدقيا، كانوا ملوكاً على الأرض وليس في السماء، فواقع حال يسوع لا ينطبق عليه العهد أصلاً لأنه لم يكن ملكاً والعهد مع داوُد هو عهد مُلك وحُكم على الأرض.
وخلاصة القول أن هذه العهود الثلاثة إما أن تكون قد نُقضت جميعها مع بني إسرائيل نتيجة لعدم التزامهم بشروطها كاتخاذ آلهة مع الرب وعبادتها والسجود لها، وعدم الالتزام بشرائع الناموس كما تقول نصوص العهد القديم، وكما هو ظاهر في الواقع التاريخي لبني إسرائيل من خلال فقدانهم للحكم في الأرض المقدسة وتشتتهم في مختلف دول العالم وما تعرضوا له من اضطهاد، وإما أن يكون عهد الاصطفاء والاختيار وعهد الكهانة لم ينقضا معهم كما لم ينقض عهد المُلك والحكم مع داوُد وذريته كما ذكرت بعض النصوص التي تحدثت عن بقاء العهود مع بني إسرائيل واللاويين إلى الأبد، وكما تقول الأناجيل والكنائس عن عهد المُلك مع داوُد.
وأما ما يقوله كتبة الأناجيل والرسائل، والكنائس من بعدهم، أن عهد الاصطفاء وعهد الكهانة نقضا مع بني إسرائيل وبقي عهد المُلك مع داوُد متمثلاً في يسوع، فهذا القول على الرغم من مخالفته لبعض نصوص العهد القديم التي تحدثت عن بقاء هذه العهود جميعها مع بني إسرائيل الى الأبد، إلا أنه يتناقض مع واقع حال يسوع لأنه رفض ان يكون ملكاً وقال ان مملكته ليست من هذا العالم!
من خلال هذا البحث في الأُصول والأُسس التي قام عليها العهد القديم ومقارنتها بالأُصول والأُسس التي قامت عليها الأناجيل وباقي رسائل العهد الجديد وقوانين إيمان الكنائس المختلفة نجد أنها تتناقض فيما بينها ولا يوجد بينها أي رابط سواء في الأصل الأول والأهم وهو وحدانية الرب خالق السموات والأرض وعبادته وحده أو في باقي الأُصول، سواء فيما يتعلق بكلمة الرب أو روح الرب أو الوحي أو النبوة أو الناموس أو العهود.
فالعهد القديم قائم على وحدانية الرب خالق السموات والأرض وانعدام وجود آلهة حقيقية معه، في حين أن الأناجيل والكنائس المختلفة تقوم على تعدد الآلهة أو بمعنى أدق قائمة على ثلاث آلهة والتي تشكل إلهاً واحداً! وإن أضافت الكنائس آلهة كثيرة هم جميع أتباع الكنائس ولكنها تقول إن هؤلاء آلهة بالتبني!
وكلمة الرب في العهد القديم تمثل كلام الرب الذي يقوله سواء في خلق ما يشاء أو أوامره أو إخباره بما سيقع في المستقبل أو ما يخبر به فيما وقع في الماضي، في حين أن الأناجيل والكنائس المختلفة تقول ان كلمة الرب هي إله مساو للرب تجسد في حالة بشرية أطلقت عليه اسم يسوع عاش على الأرض وصلب ومات وقام وتجب عبادته.
وروح الرب في العهد القديم مخلوق له وظائف محددة بأمر من الرب، في حين أن الكنائس المختلفة تقول ان الروح المقدس إله مساو للرب في الجوهر والصفات، وتوجب الخضوع له بالعبادة وتعطيه وظائف كثيرة منها حلوله في المتعمّدين من أتباعها، وحلوله في الأزواج عند زواجهم ليصبحوا جسداً واحداً، وحلوله في الكهنة عند تكريسهم، وحلوله في الكنائس عند بنائها، وحلوله في التماثيل بعد مسحها بزيت الميرون، وهذه الأعمال كلها تعتبرها الكنائس من أسرارها الخاصة التي لا يستطيع أن يفهمها أو يشعر بها أحد من الناس!
كما أن العهد القديم يعتبر أن الوحي والنبوءة حالتان خاصتان يأخذهما من له صفات معينة والتي من أهمها أن يكون عابداً للرب وحده وخاضعاً لشرائعه ووصاياه وداعياً لعبادة الرب وحده، في حين أن الأناجيل والكنائس المختلفة تعتبر أن الوحي والنبوءة حالتان عامتان يتمتع بهما كل من تم تكريسه، ومن هنا قامت الكنيسة الكاثوليكية بالقول ان رئيسها معصوم من الخطأ، وباقي الكنائس تقول ان كهنتها وقساوستها ينطقون بالوحي في عظاتهم!
كما أن العهد القديم يدعوا للمحافظة على الناموس والعمل بشرائعه، في حين أن كتبة الأناجيل والرسائل رفضوا ونقضوا الناموس وزادوا عليه شرائع.
والعهد القديم يقول ان العهود مع بني اسرائيل مشروطة بشروط محددة، وكتبة الأناجيل والرسائل والكنائس خالفوا هذه الشروط وقالوا بنقض العهد مع بني اسرائيل واللاويين ولكن عهد المُلك لم ينقض بل هو معقود مع يسوع، مع أنه رفض أن يكون ملكاً وقال ان مملكته ليست من هذا العالم! وهذا كله يؤكد ان مصادر الأناجيل مختلفة عن مصدر العهد القديم، وهذا يدعونا للبحث عن تلك المصادر، والبداية ستكون بدراسة كلمة أو مصطلح إنجيل كما وردت في العهد الجديد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق