الثلاثاء، 24 يوليو 2018

مصدر أقوال يسوع عن الحياة الأبدية وعن الماء الحي وعن ينبوع الحياة

الفصل الثالث: مصادر الأناجيل وطريقة تأليفها وكتابتها

القسم السادس: النصوص المقتبسة من العهد القديم دون نسبتها له مباشرة
في هذا القسم سأقوم بدراسة النصوص المقتبسة من العهد القديم والتي لم تُنسب إليه مباشرة، كما هو الحال في الأقسام السابقة، أو ما أُطلق عليه الحبكة القصصية والحوارية، وفيه سنطلع على معظم الأحداث والقصص والأقوال المذكورة في الأناجيل ومقارنتها بالعهد القديم وبواقع حال يسوع كما تصفه قوانين إيمان الكنائس، وأبدأ ببعض أسماء وألقاب يسوع.
45 - مصدر قول الأناجيل عن الحياة الأبدية
الحياة الأبدية من معضلات الاناجيل التي أثارت وتثير الكثير من الحيرة والاضطراب في عقول وقلوب أتباع الكنائس الطيبين، من زمن التلاميذ الأوائل الى يومنا هذا، فنصوص الاناجيل تتحدث عن الحياة الأبدية بعدة طرق مختلفة وكل طريقة تتناقض مع الأُخرى وكلها تتناقض مع الواقع ومع قوانين إيمان الكنائس!
فبعض النصوص تتحدث عنها باعتبارها حياة الخلود بعد الموت والتي يمكن للإنسان الحصول عليها بالتمسك بالشريعة والوصايا التي أُعطيت لموسى، وهو ما رفضه بولس والكنائس المختلفة.
وبعضها يتحدث عن الحياة الأبدية باعتبار أن التلاميذ لن يذوقوا الموت بل سينتقلون مباشرة إليها وهو ما وافق عليه بولس وكان يقول ان الحياة الأبدية تعني الانتقال للعيش في مملكة السماء وهم أحياء وقبل موت التلاميذ جميعاً! وهذا ما يتناقض مع الواقع إذ أن التلاميذ كلهم ماتوا بمن فيهم بولس نفسه! وعلى الرغم من ظهور خطأ هذه الفكرة إلا أنها بقيت تراود خيال الكثير من رجال الكنائس على مرّ العصور بناء على تلك النصوص والنصوص التي تتحدث عن مجيء يسوع الثاني على سحاب السماء والناس أحياء فينتقلون الى الحياة الأبدية ويدخلون في مملكته، وكان في كل جيل رجال من الكنائس يحددون تاريخاً معيناً لمجيء يسوع والانتقال للحياة الأبدية وهم أحياء!
كما أن الكنائس أقامت بعض الطقوس لإدخال أتباعها الى الحياة الأبدية وعدم الموت، كطقس التناول أو الأفخارستيا، والذي يتم فيه أكل جسد يسوع وشرب دمه بناء على بعض النصوص، ولكنها للأسف لم تمنح أتباعها الحياة الأبدية، بل يموتون كما مات بنو اسرائيل الذين أكلوا المنّ في سيناء!
وبعض النصوص تتحدث عن الحياة الأبدية باعتبارها حالة معنوية تعني الإيمان بيسوع وبمن أرسله، وهذه الحالة قد تكون أقرب للصحة من غيرها، ولكنها تتناقض مع النصوص التي تحدثت عنها باعتبارها حالة مادية تعني عدم الموت والانتقال مباشرة الى حالة الخلود في مملكة يسوع.
وما يهم هنا هو معرفة أصل هذه الأفكار ومن أين اقتبس كتبة الأناجيل نصوصهم المختلفة عن الحياة الأبدية، وفيما يلي استعراض لبعض نصوص الأناجيل التي تحدثت عن الحياة الأبدية بأشكالها المختلفة لنرى إن كانت هذه النصوص وحياً أم أنها مقتبسة من العهد القديم وينطبق عليها قانون لا تقبل خبراً كاذباً.
القسم الأول النصوص التي تتحدث عن وراثة الحياة الأبدية بالالتزام بوصايا وتعاليم الناموس
- وإذا واحد تقدّم وقال له أيها المعلم الصالح أيّ صلاح أعمل لتكون لي الحياة الأبدية،
فقال له لماذا تدعوني صالحاً، ليس أحد صالحاً إلا واحد وهو الإله،
ولكن إن أردت أن تدخل الحياة فاحفظ الوصايا، قال له أيّة الوصايا،
فقال يسوع لا تقتل، لا تزن، لا تسرق، لا تشهد بالزور، أكرم أباك وأُمك وأحب قريبك كنفسك،
قال له الشاب هذه كلها حفظتها منذ حداثتي، فماذا يعوزني بعد،
قال له يسوع إن أردت أن تكون كاملاً فاذهب وبع أملاكك وأعط الفقراء فيكون لك كنز في السماء وتعال اتبعني،
فلما سمع الشاب الكلمة مضى حزيناً لأنه كان ذا أموال كثيرة،
فقال يسوع لتلاميذه الحق أقول لكم إنه يعسر أن يدخل غني إلى مملكة السماء وأقول لكم أيضاً إن مرور جمل من ثقب إبرة أيسر من أن يدخل غني إلى مملكة الإله،
فلما سمع تلاميذه بُهتوا جداً قائلين إذاً من يستطيع أن يخلص،
فنظر إليهم وقال لهم هذا عند الناس غير مستطاع ولكن عند الإله كل شيء مستطاع،
فأجاب بطرس حينئذ وقال له ها نحن قد تركنا كل شيء وتبعناك فماذا يكون لنا،
فقال لهم يسوع الحق أقول لكم إنكم أنتم الذين تبعتموني في التجديد متى جلس ابن الإنسان على كرسي مجده تجلسون أنتم أيضاً على اثني عشر كرسياً تدينون أسباط إسرائيل الاثني عشر،
وكل من ترك بيوتاً أو إخوة أو أخوات أو أباً أو أُماً أو امرأة أو أولاداً أو حقولاً من أجل اسمي،
يأخذ مئة ضعف ويرث الحياة الأبدية. (متّى 19: 16-29)
- وفيما هو خارج الى الطريق ركض واحد وجثا له وسأله أيها المعلم الصالح ماذا أعمل لأرث الحياة الأبدية،
فقال له يسوع لماذا تدعوني صالحاً، ليس أحد صالح إلا واحد وهو الإله،
أنت تعرف الوصايا لا تزن، لا تقتل لا تسرق، لا تشهد بالزور، لا تسلب، أكرم أباك وأُمك،
فأجاب وقال له يا معلم هذه حفظتها منذ حداثتي،
فنظر إليه يسوع وأحبّه وقال له يعوزك شيء واحد، اذهب بع كل مالك وأعط الفقراء فيكون لك كنز في السماء وتعال اتبعني حاملاً الصليب،
فاغتم على القول ومضى حزيناً لأنه كان ذا أموال كثيرة،
فنظر يسوع حوله وقال لتلاميذه ما أعسر دخول ذوي الأموال الى مملكة الإله،
فتحيّر التلاميذ من كلامه، فأجاب يسوع أيضاً وقال لهم يا بَنِيَّ ما أعسر دخول المتكلين على الأموال الى مملكة الإله،
مرور جمل من ثقب إبرة أيسر من أن يدخل غني الى مملكة الإله،
فبهتوا الى الغاية قائلين بعضهم لبعض فمن يستطيع أن يخلص،
فنظر إليهم يسوع وقال عند الناس غير مستطاع ولكن ليس عند الإله،
لأن كل شيء مستطاع عند الإله،
وابتدأ بطرس يقول له ها نحن قد تركنا كل شيء وتبعناك،
فأجاب يسوع وقال الحق أقول لكم ليس أحد ترك بيتاً أو إخوة أو أخوات أو أباً أو أُماً أو أولاداً أو حقولاً لأجلي ولأجل الإنجيل، إلا ويأخذ مئة ضعف الآن في هذا الزمان بيوتاً وإخوة وأخوات وأُمهات وأولاداً وحقولاً، مع اضطهادات،
وفي الدهر الآتي الحياة الأبدية. (مرقس 10: 17-30)
- وإذا ناموسي قام يُجربه قائلاً يا مُعلم ماذا أعمل لأرث الحياة الأبدية،
فقال له ما هو مكتوب في الناموس كيف تقرأ،
فأجاب وقال تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل قدرتك ومن كل فكرك وقريبك مثل نفسك،
فقال له بالصواب أجبت افعل هذا فتحيا. (لوقا 10: 25-28)
- وسأله رئيس قائلاً أيها المعلم الصالح ماذا أعمل لأرث الحياة الأبدية،
فقال له يسوع لماذا تدعوني صالحاً، ليس أحد صالح إلا واحد وهو الإله،
أنت تعرف الوصايا لا تزن، لا تقتل، لا تسرق، لا تشهد بالزور، أكرم أباك وأُمك،
فقال هذه كلها حفظتها منذ حداثتي،
فلما سمع يسوع ذلك قال له يعوزك أيضاً شيء بع كل مالك ووزّع على الفقراء فيكون لك كنز في السماء وتعال اتبعني،
فلما سمع ذلك حزن لأنه كان غنياً جداً،
فلما رآه يسوع قد حزن قال ما أعسر دخول ذوي الأموال الى مملكة الإله،
لأن دخول جمل من ثقب إبرة أيسر من أن يدخل غني الى مملكة الإله،
فقال الذين سمعوا فمن يستطيع أن يخلص، فقال غير المستطاع عند الناس مستطاع عند الإله،
فقال بطرس ها نحن قد تركنا كل شيء وتبعناك،
فقال لهم الحق أقول لكم إن ليس أحد ترك بيتاً أو والِدَين أو إخوة أو امرأة أو أولاداً من أجل مملكة الإله، إلا ويأخذ في هذا الزمان أضعافاً كثيرة،
وفي الدهر الآتي الحياة الأبدية. (لوقا 18: 18-30)
في هذه النصوص نقرأ كلاماً قيل على لسان يسوع باعتبار أن وراثة الحياة الأبدية يكون بالالتزام بالناموس ووصاياه، وهو ما رفضه بولس كما في النصين التاليين:
- إذاً نحسب أن الإنسان يتبرر بالإيمان بدون أعمال الناموس. (رومية 3: 28)
- إذ نعلم أن الإنسان لا يتبرر بأعمال الناموس بل بإيمان يسوع المسيح، آمنا نحن أيضاً بيسوع المسيح لنتبرر بإيمان يسوع لا بأعمال الناموس،
لأنه بأعمال الناموس لا يتبرر جسد ما. (غلاطية 2: 16)
في هذين النصين يقول بولس إن الإنسان لا يتبرر بالناموس وهو ما يتناقض مع النصوص السابقة، وهذا ما وافقت الكنائس عليه وخالفت أقوال يسوع!
كما نقرأ أيضاً في النصوص استنكار يسوع لمن دعاه بالصالح، وهذا يهدم قوانين إيمان الكنائس المختلفة التي تقول ان يسوع إله وابن إله وأحد الاقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر، لأنه لو كانت هذه القوانين صحيحة لما استنكر دعوته بالصالح لأنه يوجد عشرات النصوص في العهد القديم تقول ان الرب صالح! ومنها النص التالي:
- آه يا رب خلّص، آه يا رب أنقذ،
مبارك الآتي باسم الرب،
باركناكم من بيت الرب،
الرب هو الإله، وقد أنار لنا، أوثقوا الذبيحة بربط إلى قرون المذبح،
إلهي أنت فأحمدك إلهي فأرفعك،
احمدوا الرب لأنه صالح، لأن إلى الأبد رحمته. (مزمور 118: 25-29)
وكذلك نقرأ عن وعود يسوع للتلاميذ بأخذ مائة ضعف لأي شيء يتركونه من أجله ومن أجل الإنجيل والتي لم يتحقق منها شيء، وكيف يتحقق منها شيء وخاصة أخذ مائة أب! أو مائة أُم! أو مائة زوجة! ويكون الأمر أصعب إذا كان وعده للنساء أيضاً، إذ كيف ستأخذ المرأة مائة زوج بدلاً عن زوجها الذي تركته من أجل اسمه كما كتب متّى أو من أجله ومن أجل الإنجيل كما كتب مرقس أو من أجل مملكة الإله كما كتب لوقا!
فعدم تحقق وعود يسوع كما كتبت في الاناجيل يدل على أنه لا علاقة له بالذات الإلهية لأنه لو كان له أي علاقة، حتى لو كانت علاقة نبوة، أي إنه نبي، لتحققت وعوده كما هو حال أنبياء العهد القديم، وهذا الأمر ينقض قوانين إيمان الكنائس ويثبت أن هذه النصوص ليست وحياً، وأنها مقتبسة من مصادر أُخرى.
القسم الثاني النصوص التي تقول ان الحياة الأبدية تعني عدم موت التلاميذ وانتقالهم مباشرة الى مملكة يسوع
- الحق أقول لكم إن من القيام ههنا قوماً لا يذوقون الموت حتى يروا ابن الإنسان آتياً في مملكته. (متّى 16: 28)
- وقال لهم الحق أقول لكم إن من القيام ههنا قوماً لا يذوقون الموت حتى يروا مملكة الإله قد أتت بقوة. (مرقس 9: 1)
- وقال للجميع إن أراد أحد أن يأتي ورائي فليُنكر نفسه ويحمل صليبه كل يوم ويتبعني،
فإن من أراد أن يُخلص نفسه يُهلكها ومن يُهلك نفسه من أجلي فهذا يُخلصها،
لأنه ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم وأهلك نفسه أو خسرها،
لأن من استحى بي وبكلامي فبهذا يستحي ابن الانسان متى جاء بمجده ومجد الأب والملائكة القديسين،
حقاً أقول لكم إن من القيام ههنا قوماً لا يذوقون الموت حتى يروا مملكة الإله. (لوقا 9: 23-27)
- وكما رفع موسى الحيّة في البرّيّة هكذا ينبغي أن يُرفع ابن الإنسان،
لكي لا يهلك كل من يُؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية،
لأنه هكذا أحب الإله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يُؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية. (يوحنا 3: 14-16)
- خرافي تسمع صوتي وأنا أعرفها فتتبعني،
وأنا أُعطيها حياة أبدية ولن تهلك الى الأبد، ولا يخطفها أحد من يدي. (يوحنا 10: 27-28)
هذه النصوص تقول انه لن يموت جميع من عاصروا يسوع حتى يكون قد جاء مرة أُخرى بمملكته أو حتى يروا مملكة الإله آتية، وأما نص يوحنا فهو يؤكد على عدم موت من يؤمن بيسوع والانتقال الى الحياة الأبدية مباشرة! فموت التلاميذ وهلاكهم وعدم مجيئه الثاني كما قال في هذه النصوص وغيرها، وعدم قيام مملكته دليل على أنه لا يحمل أي صفات إلهية، وهذا ينقض قوانين إيمان الكنائس، ويدل على ان هذه النصوص لم تكتب بأية طريقة من طرق الوحي لأن الوحي يتحقق بكل دقة وفي الوقت المحدد، لأنه ليس الرب إنساناً فيكذب ولا ابن إنسان فيندم، هل يقول ولا يفعل، أو يتكلم ولا يفي. (عدد 23: 19)
وما يؤكد أن كتبة الاناجيل كانوا يقصدون بالحياة الأبدية هو عدم موتهم جميعاً وانتقالهم للعيش في مملكة يسوع مباشرة هو ما كتبوه عن انتهاء الحياة على الأرض وتحقق كل ما كتبوه على لسان يسوع من علامات نهاية الزمان، كما في النصوص التالية:
- الحق أقول لكم لا يمضي هذا الجيل حتى يكون هذا كله،
السماء والأرض تزولان ولكن كلامي لا يزول،
وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد ولا ملائكة السماء إلا أبي وحده. (متّى 24: 34-36)
- الحق أقول لكم لا يمضي هذا الجيل حتى يكون هذا كله،
السماء والأرض تزولان ولكن كلامي لا يزول،
وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد ولا الملائكة الذين في السماء ولا الابن إلا الأب. (مرقس 13: 30-32)
- الحق أقول لكم إنه لا يمضي هذا الجيل حتى يكون الكل،
السماء والأرض تزولان ولكن كلامي لا يزول. (لوقا 21: 32-33)
في هذه النصوص يكتب متّى ومرقس ولوقا على لسان يسوع قوله ان ذلك الجيل لا يمضي، أي لا يموتون كلهم، حتى تحدث كل العلامات التي حددها عن نهاية العالم في الفقرات التي سبقت هذا القول، وللتأكيد على صحة قوله كتبوا انه قال السماء والأرض تزولان وكلامه لا يزول، ولكن للأسف فان أيّة علامة تحدث عنها، أو بمعنى أدق كتبوها على لسانه، لم تقع ولم تحدث، وذلك الجيل مضى في سبيله وبعده مضت عشرات الأجيال، والسماء والارض باقيتان ولم تزولا وكلامه زال! ثم نقرأ كلاماً في نصي متّى ومرقس ينقض قوانين إيمان الكنائس، وهو قولهما أنه لا يعلم ذلك اليوم وتلك الساعة أحد لا الملائكة ولا حتى هو نفسه إلا أباه وحده! وهذا الكلام يدل على جهل يسوع بالغيب وهو ما يؤكد أن يسوع ليس متحداً مع أبيه ولا هو مساو له ولا هو من نفس الجوهر، كما أن هذا النص يؤكد ويشير الى أن أب يسوع ليس هو الرب خالق السموات والارض، لأنه لو كان هذا صحيحاً لتحققت جميع أقوال يسوع السابقة سواء إعطاء تلاميذه مائة ضعف أو إبقاء بعضهم أحياء حتى يروا مملكته أو وقوع ما تحدث عنه من علامات نهاية الزمان قبل مضي ذلك الجيل، وهذا كله يؤكد أن هذه النصوص ليست وحياً وأنها مقتبسة من مصادر أُخرى.
ثم بعد هذا نقرأ نصاً في إنجيل يوحنا الاصحاح السادس كتبه على لسان يسوع يبين فيه معنى الحياة الأبدية وأنها تعني عدم الموت، ويبين كذلك الطريقة التي تمكن الانسان من الوصول إليها، وهي أكل جسده وشرب دمه، وهو ما تقوم الكنائس بعمله، إذ تقوم بصنع أنواع من الخبز وإحضار بعض الخمر وتقيم عليها الصلوات فيحل فيها يسوع وبعد ذلك تقوم بأكل جسده وشرب دمه! ومع كل هذا الجهد إلا أن أتباعها يموتون كما يموت باقي البشر، وهذا النص جدير بالقراءة والتأمل في معانيه على الرغم من طوله، وهو كما يلي:
فقالوا له فأيّة آية تصنع لنرى ونؤمن بك، ماذا تعمل،
آبائنا أكلوا المنّ في البرية كما هو مكتوب أنه أعطاهم خبزاً من السماء ليأكلوا،
فقال لهم يسوع الحق الحق أقول لكم ليس موسى أعطاكم الخبز من السماء،
بل أبي يُعطيكم الخبز الحقيقي من السماء،
لأن خبز الإله هو النازل من السماء الواهب حياة للعالم،
فقالوا يا سيد أعطنا في كل حين هذا الخبز،
فقال لهم يسوع أنا هو خبز الحياة.
في هذه الفقرات يطلب اليهود من يسوع آية كي يؤمنوا به، وذكروه بآية المنّ الذي أكله آباؤهم، فيرد عليهم بالقول إن موسى ليس هو من أعطاهم المن! وهي محاولة من يوحنا للتقليل من شأن موسى، لأن اليهود يعلمون أن المنّ من الرب وليس من موسى، ثم يتابع كلامه على لسان يسوع فيقول إن أباه يعطيهم الخبز الحقيقي من السماء، فيجيبه اليهود بالطلب منه أن يعطيهم هذا الخبز، فيرد عليهم يسوع بالقول انه هو خبز الحياة!
- من يُقبل إليّ فلا يجوع ومن يؤمن بي فلا يعطش أبداً،
ولكني قلت لكم إنكم قد رأيتموني ولستم تؤمنون،
كل ما يُعطيني الأب فإليّ يُقبل، ومن يُقبل إليّ لا أُخرجه خارجاً،
لأني قد نزلت من السماء ليس لأعمل مشيئتي بل مشيئة الذي أرسلني.
في هذه الفقرات يبدأ يسوع بالحديث عن نفسه، فيقول إن من يُقبل إليه لا يجوع ومن يُؤمن به فلا يعطش أبداً، وهذا الكلام غير صحيح، سواء قلنا أنه يعني الحقيقة أو المجاز، لأنه لو قلنا ان هذا الكلام يعني الحقيقة، فعطش وجوع أتباع الكنائس ينقضه، وحتى يسوع نفسه كان يعطش كما في قصة ذهابه الى قرية السامريين (يوحنا 4: 5-10)، وقوله وهو على الصليب أنا عطشان (يوحنا 19: 28)
وأما إذا قلنا ان معنى كلامه مجازاً ويعني الإيمان به، فانقسام الكنيسة الى عشرات الكنائس يدل على جوع وعطش عندهم، وهذا يثبت خطأ أقواله السابقة، ثم يقول بأنه نزل من السماء، وهذا القول أيضاً خطأ لان الاناجيل كتبت أنه نزل من بطن أُمه وليس من السماء!
ثم يتابع كلامه فيقول:
- وهذه مشيئة الأب الذي أرسلني، أن كل ما أعطاني لا أُتلف منه شيئاً بل أُقيمه في اليوم الأخير،
لأن هذه هي مشيئة الذي أرسلني، أن كل من يرى الابن ويؤمن به تكون له حياة أبدية، وأنا أُقيمه في اليوم الأخير.
في هذه الفقرات حديث عن مشيئة أب يسوع فيقول إن مشيئة أبيه تقضي أن كل ما أعطاه له لا يتلف منه شيئاً، وأن كل من يراه ويؤمن به تكون له حياة أبديه ويقيمه في اليوم الأخير، وهذه الأقوال أو بمعنى أدق هذه المشيئة ثبت خطأها، لأنه ليس كل ما أُعطي له لم يتلفه، لا بل انه أتلف كل ما أُعطي له، فيهوذا خانه وبطرس أنكره ولعنه، وباقي التلاميذ هربوا عنه ولم يصدقوا قيامته من الأموات!
وأما قوله إن كل من يؤمن به تكون له حياة أبدية فموت تلاميذه وهروبهم عنه وعدم تصديق قيامته من الأموات أكبر دليل على انه لم يُعطِ الحياة الأبدية لهؤلاء سواء قلنا ان الحياة الأبدية تعني عدم الموت أو الإيمان به.
- فكان اليهود يتذمرون عليه لأنه قال أنا هو الخبز الذي نزل من السماء،
وقالوا أليس هذا هو يسوع بن يوسف الذي نحن عارفون بأبيه وأُمه،
فكيف يقول هذا إني نزلت من السماء.
هذه الفقرات تتحدث عن تذمر اليهود من قوله أنه الخبز الذي نزل من السماء، ويذكرونه بأنهم يعرفون أباه يوسف وأُمه، فكيف يقول انه نزل من السماء، وهذه الفقرات تظهر أمرين.
الأول أن يسوع هو ابن يوسف النجار وأن ولادته دون رجل لم تكن مشهورة عندهم، وهو ما وافقهم عليه لوقا الذي نسبه الى يوسف النجار مباشرة!
والأمر الثاني ان قوله انه نزل من السماء غير صحيح لأن الاناجيل كتبت أنه نزل من بطن أُمه كباقي البشر وليس من السماء!
هذا ما كتبه يوحنا عن تذمر اليهود فماذا أجابهم يسوع؟
- فأجاب يسوع وقال لهم لا تتذمروا فيما بينكم، لا يقدر أحد أن يُقبل إليّ إن لم يجتذبه الأب الذي أرسلني وأنا أُقيمه في اليوم الأخير،
إنه مكتوب في الأنبياء ويكون الجميع متعلمين من الإله،
فكل من سمع من الأب وتعلم يُقبل إليّ،
ليس أن أحداً رأى الأب إلا الذي من الإله،
هذا قد رأى الأب.
كما نقرأ في هذه الفقرات فإن يسوع لم يُجب عن تساؤلات اليهود سواء المتعلقة بقولهم انه ابن يوسف النجار أو عن كيفية نزوله من السماء، وهو الذي نزل من بطن أُمه، ونحى منحاً بعيداً كل البعد عن تساؤلاتهم، فبدأ يتكلم عن عدم قدرة الانسان على الإيمان به إن لم يجتذبه أبوه الذي أرسله، ثم يستشهد بنص مكتوب في العهد القديم، وهذا النص ناقشته سابقاً في القسم الخامس من هذا الفصل وبينت خطأ الاستشهاد به، ثم يختم رده على اليهود بالقول انه لم ير الأب إلا الذي من الإله، وهذا القول إن كان يقصد به نفسه فهو خطأ لأنه قال إن كل من رآه فقد رأى أباه، كما في النصين التاليين:
والذي يراني يرى الذي أرسلني. (يوحنا 12: 45)
- قال له فيلبس يا سيد أرني الأب وكفانا،
قال له يسوع أنا معكم زماناً هذه مدته ولم تعرفني يا فيلبس،
الذي رآني فقد رأى الأب، فكيف تقول أنت أرنا الأب. (يوحنا 14: 8-9)
وأما إن كان يقصد أن كل من يؤمن به فإنه يرى الأب فهذا يدل على أن أباه لا علاقة له بالرب، لأنه قال إن من رآه فقد رأى أباه، والرب خالق السموات والارض لم يره أحد ولا يقدر أن يراه أحد كما بينت ذلك سابقاً.
ثم يبدأ بالحديث عن الحياة الأبدية وأنها تعني عدم الموت والانتقال الى حياة الخلود مباشرة كما في الفقرات التالية:
- الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فله حياة أبدية،
أنا هو خبز الحياة،
آباؤكم أكلوا المنّ في البرية وماتوا،
هذا هو الخبز النازل من السماء لكي يأكل منه الانسان ولا يموت،
أنا هو الخبز الحي الذي نزل من السماء،
إن أكل أحد من هذا الخبز يحيا الى الأبد،
والخبز الذي أنا أُعطي هو جسدي الذي أبذله من أجل حياة العالم.
في هذه الفقرات يكتب يوحنا على لسان يسوع قوله الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فله حياة أبدية، وأنه، أي يسوع، هو خبز الحياة، ثم يتوجه لليهود بالقول ان آبائهم أكلوا المنّ في سيناء وماتوا، وأما من يأكل خبز الحياة النازل من السماء، ويقصد نفسه، فإنه لا يموت ويحيا الى الأبد!
وهذا الكلام في غنى عن التعليق عليه لأن الواقع يكذبه منذ قرابة العشرين قرناً، إذ أن موت التلاميذ ومن بعدهم أتباع الكنائس أعظم دليل على خطئه.
وبعد هذا يكتب يوحنا عن ردة فعل اليهود على الكلام السابق، فنقرأ الفقرة التالية:
- فخاصم اليهود بعضهم بعضاً قائلين كيف يقدر هذا أن يُعطينا جسده لنأكل.
في هذه الفقرة يتساءل اليهود عن الطريقة التي سيأكلون بها جسد يسوع، فيجيبهم يسوع كما كتب يوحنا بالقول:
- فقال لهم يسوع الحق الحق أقول لكم إن لم تأكلوا جسد ابن الانسان وتشربوا دمه فليس لكم حياة فيكم،
من يأكل جسدي ويشرب دمي فله حياة أبدية وأنا أُقيمه في اليوم الأخير،
لأن جسدي مأكل حق ودمي مشرب حق،
من يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت فيّ وأنا فيه،
كما أرسلني الأب الحيّ وأنا حيّ بالأب فمن يأكلني فهو يحيا بي،
هذا هو الخبز الذي نزل من السماء،
ليس كما أكل آباؤكم المنّ وماتوا،
من يأكل هذا الخبز فإنه يحيا إلى الأبد.
في هذه الفقرات يؤكد يسوع على أمرين، الأول وهو الطلب من اليهود أكل جسده وشرب دمه، والثاني وهو أن من يأكل جسده ويشرب دمه فإنه لا يموت كما مات بنو اسرائيل الذين أكلوا المنّ في سيناء ويحيا الى الأبد، وهذا كما قلت ثبت خطأه لأن طريقة أكل جسده وشرب دمه بيّنها وقام بعملها في العشاء الأخير، إذ أطعم تلاميذه خبزاً وسقاهم خمراً وقال عنهما أنهما جسده ودمه، ومع هذا العمل إلا أن التلاميذ ماتوا، سواء قلنا الموت الحقيقي، أو المجازي، أي الإيمان، إذ أنهم بعد تناولهم لجسده وشربهم لدمه ناموا بدلاً من الصلاة معه، مع أنه طلب منهم السهر والصلاة معه، وقام يهوذا الاسخريوطي بخيانته، وأنكره التلاميذ الآخرون، وزاد بطرس عليهم بلعنه، كما أنهم جميعاً لم يصدقوا أنه قام من الأموات، حتى أن توما لم يصدق إلا عندما وضع أصابعه ويده في جراحه، وهذه الأعمال كلها تدل على الموت، أي عدم الإيمان، والأمر ذاته حدث مع من جاء بعدهم فهم يموتون كما مات بنو اسرائيل الذين أكلوا المنّ في سيناء.
بعد هذا يكتب يوحنا عن موقف تلاميذ يسوع من الكلام السابق، فنقرأ ما يلي:
- قال هذا في المجمع وهو يُعلم في كفر ناحوم،
فقال كثيرون من تلاميذه إذ سمعوا،
إن هذا الكلام صعب،
من يقدر أن يسمعه.
إن هذا الكلام صعب من يقدر أن يسمعه، هذا هو موقف التلاميذ من كلام يسوع عن الحياة الأبدية، وهو يدل على أن هؤلاء فهموا من كلامه أنه يتحدث عن الحياة الى الأبد وعدم الموت، فماذا أجاب يسوع على كلام تلاميذه السابق؟
- فعلم يسوع في نفسه أن تلاميذه يتذمرون على هذا،
فقال لهم أهذا يعثركم،
فإن رأيتم ابن الانسان صاعداً إلى حيث كان أولاً.
في الفقرة الأخيرة يُعيد يوحنا كتابة الخطأ السابق بالقول إن يسوع نزل من السماء ويزيد عليه خطأ آخر بالقول أن هؤلاء سيرون يسوع صاعداً الى السماء! فكما أظهرت سابقاً أنه لم يره أحد من التلاميذ أو غيرهم صاعداً الى السماء، حتى أنه هو نفسه، أي يوحنا، لم يتحدث عن صعود يسوع الى السماء في إنجيله، فكيف يكتب هذا الكلام على لسان يسوع؟!
ثم يُكمل كلامه فيقول:
- الروح هو الذي يُحيي أما الجسد فلا يُفيد شيئاً،
الكلام الذي أُكلمكم به هو روح وحياة،
ولكن منكم قوم لا يؤمنون،
لأن يسوع من البدء علم من هم الذين لا يُؤمنون ومن هو الذي يُسلمه.
في هذه الفقرات نقرأ أن كلام يسوع روح وحياة وما قرأناه في الأناجيل حتى الآن لا يُثبت هذا القول، إذ لو كان كلامه روح وحياة، أو بمعنى أدق ما هو مكتوب في الأناجيل، لما وجدنا هذا الكم الهائل من الأخطاء والتناقضات، وأما تعقيب يوحنا بالقول ان يسوع كان يعلم الذين لا يؤمنون به والذي سيسلمه فهذا ظهر خطأه كما بينت ذلك عند الحديث عن نهاية يهوذا وغيرها من المواقف.
- فقال لهذا قلت لكم إنه لا يقدر أحد أن يأتي إليّ إن لم يُعط من أبي،
من هذا الوقت رجع كثيرون من تلاميذه الى الوراء ولم يعودوا يمشون معه.
في هذه الفقرات نقرأ أن هؤلاء التلاميذ لم يقتنعوا بكلام يسوع فارتدوا عنه، ثم يكتب يوحنا عن توجه يسوع بالخطاب لتلاميذه الاثني عشر فيقول:
- فقال يسوع للاثني عشر ألعلكم أنتم أيضاً تريدون أن تمضوا،
فأجابه سمعان بطرس يا رب إلى من نذهب،
كلام الحياة الأبدية عندك،
ونحن آمنا وعرفنا أنك أنت المسيح ابن الإله الحيّ.
في هذه الفقرات يقول بطرس أنهم آمنوا به وأنهم عرفوا انه المسيح ابن الإله، ولكن بطرس بعد هذا الكلام ببضع ساعات ينكر معرفته بيسوع ويلعنه ويهرب عنه ولا يصدق أن يسوع قام من الأموات، فهذه الأفعال تنقض أقواله هنا.
وينتهي النص بالفقرات التالية:
- أجابهم يسوع أليس أني أنا اخترتكم الاثني عشر وواحد منكم شيطان،
قال عن يهوذا سمعان الاسخريوطي،
لأن هذا كان مُزمعاً أن يُسلمه، وهو واحد من الاثني عشر. (يوحنا 6: 30-71)
في هذه الفقرات يقول يوحنا ان يهوذا سيسلم يسوع، وهذا ينقض أقواله السابقة التي تتحدث عن عدم إتلاف ما أعطاه إيّاه أبوه، وقصة يهوذا كنت قد درستها بالتفصيل في كتاب شخصيات الأناجيل فأغنى عن الحديث عنها هنا.
وخلاصة القول في هذا النص أن يسوع قال عن جسده أنه خبز الحياة وأن من يأكله ويشرب دمه فإنه لا يموت ويحيا الى الأبد، وهذا تأكيد لما في النصوص السابقة من ان المقصود بالحياة الأبدية هو عدم موت التلاميذ والانتقال مباشرة الى السماء والعيش في مملكة يسوع الى ما لا نهاية.
كما أن يوحنا كتب قولاً على لسان يسوع يؤكد فيه على عدم موت أتباعه وأن من مات منهم وهو مؤمن فسيحيا، وهو مذكور في قصة إحياء لعازر، وهو كما يلي:
- فلما سمعت مرثا أن يسوع آت لاقته، وأما مريم فاستمرت جالسة في البيت،
فقالت مرثا ليسوع يا سيد لو كنت ههنا لم يمت أخي،
لكني الآن أيضاً أعلم أن كل ما تطلب من الإله يُعطيك الإله إياه،
قال لها يسوع سيقوم أخوك،
قالت له مرثا أنا أعلم أنه سيقوم في القيامة في اليوم الأخير،
قال لها يسوع أنا هو القيامة والحياة،
من آمن بي ولو مات فسيحيا،
وكل من كان حياً وآمن بي فلن يموت الى الأبد،
أتؤمنين بهذا،
قالت له نعم يا سيد، أنا قد آمنت أنك أنت المسيح ابن الإله الآتي الى العالم. (يوحنا 11: 20-27)
في هذا النص يكتب يوحنا على لسان يسوع أن من آمن به ولو مات فسيحيا وأن كل من كان حياً وآمن به فلن يموت الى الأبد، وقد درست قصة إحياء لعازر بالتفصيل في كتاب يسوع بن يوسف النجار أسئلة حائرة فأغنى عن إعادتها، فهذا القول دليل على أن المقصود بالحياة الأبدية في الأناجيل هو عدم الموت الى الأبد، وهذا الأمر كان يؤمن به كثير من التلاميذ كما في النص التالي:
- قال له يسوع إن كنت أشاء أنه يبقى حتى أجيء فماذا لك، اتبعني أنت،
فذاع هذا القول بين الإخوة أن ذلك التلميذ لا يموت،
ولكن لم يقل له يسوع إنه لا يموت، بل إن كنت أشاء أنه يبقى حياً حتى أجيء فماذا لك. (يوحنا 21: 22-23)
فالتلاميذ الأوائل كانوا يعتبرون أن عدم موت يوحنا، وهو الذي عاش قرابة مائة عام، يعطيهم أملاً في عودة يسوع قبل موت جميع التلاميذ كما قال يسوع في النصوص السابقة، ولكن يوحنا مات كمن سبقه من التلاميذ.
وأما بولس وهو الذي رفض إمكانية وراثة الحياة الأبدية كنتيجة للالتزام بوصايا الناموس كما قرأنا سابقاً فقد كان يفاخر بأن يسوع جاء ليبطل الموت الذي صار يحدث للبشرية نتيجة لأكل آدم من الشجرة، وكان يقول إنه يؤمن بأنه سيبقى حياً الى يوم مجيء يسوع مرة ثانية، كما في النص التالي:
فلا تخجل بشهادة ربنا ولا بي أنا أسيره بل اشترك في احتمال المشقات لأجل الانجيل بحسب قوة الإله، الذي خلصنا ودعانا دعوة مقدسة لا بمقتضى أعمالنا بل بمقتضى القصد والنعمة التي أُعطيت لنا في المسيح يسوع قبل الأزمنة الأزلية،
وإنما أُظهرت الآن بظهور مخلصنا يسوع المسيح الذي أبطل الموت وأنار الحياة والخلود بواسطة الانجيل، الذي جُعلت أنا له كارزاً ورسولاً ومُعلماً للأُمم،
لهذا السبب أحتملُ هذه الأمور أيضاً، لكنني لستُ أخجل لأنني عالم بمن آمنت وموقن أنه قادر أن يحفظ وديعتي الى ذلك اليوم. (2تيموثاوس 1: 8-12)
وكان يعتبر أن عدم موت جميع التلاميذ الى الأبد هو من الأسرار التي اطلع عليها وحده دون الأنبياء السابقين! كما في النص التالي:
- هو ذا سرّ أقوله لكم لا نرقد كلنا ولكننا كلنا نتغير. (كورنثوس الاولى 15: 51)
ولكن التلاميذ كانوا يموتون على الرغم من السر الذي كشفه بولس، فما كان منه إلا أن قال لأتباعه أن موت التلاميذ لا يدل على أن أقوال يسوع لن تتحقق بالمجيء الثاني وهم أحياء، كما في النص التالي:
- ثم لا أُريد أن تجهلوا أيها الإخوة من جهة الراقدين لكي لا تحزنوا كالباقين الذين لا رجاء لهم،
لأنه إن كنا نؤمن أن يسوع مات وقام فكذلك الراقدون بيسوع سيحضرهم الإله أيضاً معه،
فإننا نقول لكم هذا بكلمة الرب،
إننا نحن الأحياء الباقين إلى مجيء الرب لا نسبق الراقدين،
لأن الرب نفسه بهتافٍ بصوت رئيس ملائكة وبوق الإله سوف ينزل من السماء، والأموات في المسيح سيقومون أولاً،
ثم نحن الأحياء الباقين سنُخطف جميعاً معهم في السحب لملاقاة الرب في الهواء،
وهكذا نكون كل حين مع الرب،
لذلك عَزوا بعضكم بعضاً بهذا الكلام. (1تسالونيكي 4: 13-18)
في هذا النص يقول بولس إن يسوع سيعود، وهو وبعض أتباعه أحياء، وأنه يجب أن لا يُحدث مشكلة موت بعض التلاميذ لأنهم سيحيون عند مجيء يسوع ويلاقوه على السحاب في الهواء، لا بل انه قام بتفسير سبب موت بعضهم بالقول انهم غير مؤمنين لأنهم يأكلون الخبز ويشربون الخمر في طقس الذبيحة الإلهية، أو الافخارستيا، بدون استحقاق! كما في النص التالي:
- إذاً أيُّ من أكل هذا الخبز أو شرب كأس الرب بدون استحقاق يكون مُجرماً في جسد الرب ودمه، ولكن ليمتحن الإنسان نفسه وهكذا يأكل من الخبز ويشرب من الكأس،
لأن الذي يأكل ويشرب بدون استحقاق، يأكل ويشرب دينونة لنفسه غير مميز جسد الرب،
من أجل هذا فيكم كثيرون ضعفاء ومرضى وكثيرون يرقدون،
لأننا لو كنا حكمنا على أنفسنا لما حُكم علينا،
ولكن إذ حُكم علينا نؤدب من الرب لكي لا ندان مع العالم. (1كورنثوس 11: 27-32)
ومع هذه الكلمات التي قالها بولس وقال إنها كلمة الرب إلا أنه مات هو ومن معه، وبعدهم مات عشرات الأجيال، فهل بولس ومن مات خلال هذه القرون كانوا يأكلون ويشربون بدون استحقاق؟! وهذا كله يؤكد خطأ كلامه وأن سرّه الذي كشفه ليس بسر، بل هو كلام أطلقه في محاولة منه لمنع أتباعه من التفكير فيما يقرؤونه ويسمعونه من أقوال تنسب ليسوع مليئة بالأخطاء والتناقضات بعيداً عن الوحي وعن كلمة الرب، لأنه لو كان يتكلم عن طريقهما لتحقق ما قاله، ويختم أقواله بالقول عزوا بعضكم بعضاً بهذا الكلام، والكنائس بعد مئات السنين ما زالت تعزي نفسها بهذا الكلام، وما زال أتباعها يموتون بخلاف كلام بولس وسره الذي قاله!
القسم الثالث النصوص التي تقول إن الحياة الأبدية هي الإيمان بأن أب يسوع هو الإله الحقيقي
- تكلم يسوع بهذا ورفع عينيه نحو السماء وقال أيها الأب قد أتت الساعة،
مجّد ابنك ليُمجّدك ابنك أيضاً،
إذ أعطيته سلطاناً على كل جسد ليُعطي حياة أبدية لكل من أعطيته،
وهذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك،
ويسوع المسيح الذي أرسلته،
أنا مجّدتك على الأرض،
العمل الذي أعطيتني لأعمل قد أكملته،
والآن مجّدني أنت أيها الأب عند ذاتك بالمجد الذي كان لي عندك قبل كون العالم. (يوحنا 17: 1-5)
في هذه الفقرات كتب يوحنا على لسان يسوع قوله أن أباه هو الإله الحقيقي وحده، وهذا الكلام وإن كان ظاهره صحيحاً بالقول انه يوجد إله واحد حقيقي ويقصد به الرب خالق السموات والأرض، إلا أن دراسة صفات أب يسوع كما هي مكتوبة في الأناجيل تظهر أنه ليس هو الرب خالق السموات والأرض، لأن الرب لا تسعه السموات ولا سماء السموات ولا يشبه أحداً من خلقه ومشيئته نافذة، وليس له ولد، فهذه الصفات وغيرها تتناقض مع صفات أب يسوع، ومنها قوله إن أباه يشبهه كما هو مكتوب في نصوص سابقة، هذه وغيرها من الصفات كنت قد درستها في كتاب شخصيات الأناجيل وأظهرت هناك أن أب يسوع لا علاقة له بالرب خالق السموات والأرض.
إن هذه القراءة المتأنية للنصوص السابقة تشير إلى أنها ليست وحياً وينطبق عليها قانون لا تقبل خبراً كاذباً، فمن أين اقتبس كتبة الاناجيل فكرة الحياة الأبدية بأنواعها المختلفة؟
لنقرأ النصوص التالية:
- بم يُزكي الشاب طريقه،
بحفظه إياه حسب كلامك، بكل قلبي طلبتك،
لا تضلني عن وصاياك،
خبأت كلامك في قلبي لكيلا أُخطئ إليك،
مبارك أنت يا ربي علّمني فرائضك. (مزمور 119: 9-12)
في هذا النص تساؤل عن الطريقة التي يزكي بها الشاب حياته، وكان الجواب بحفظ نفسه حسب كلام الرب ووصاياه وفرائضه، وهذا تقريباً نفس ما هو مكتوب في النصوص الثلاثة الأُولى من القسم الأول عندما سأل شاب يسوع عن الطريق التي تورثه الحياة الأبدية فأجابه بالدعوة للالتزام بالوصايا وحفظها، وهو ما رفضه بولس والكنائس من بعده!
- فتحفظون فرائضي وأحكامي التي إذا فعلها الإنسان يحيا بها، أنا الرب. (لاويين 18: 5)
وأعطيتهم فرائضي وعرّفتهم أحكامي التي إن عملها إنسان يحيا بها. (حزقيال 20: 11)
- فتمرّد عليّ بيت إسرائيل في البرية لم يسلكوا في فرائضي ورفضوا أحكامي التي إن عملها إنسان يحيا بها ونجّسوا سبوتي كثيراً فقلت أسكب رجزي عليهم في البرية لإفنائهم. (حزقيال 20: 13)
في هذه النصوص دعوة لحفظ الفرائض والأحكام التي إذا فعلها الانسان فإنه يحيا بها.
- فالآن يا إسرائيل اسمع الفرائض والأحكام التي أنا أُعلمكم لتعملوها لكي تحيوا وتدخلوا وتمتلكوا الأرض التي الرب إله آبائكم يُعطيكم،
لا تزيدوا على الكلام الذي أنا أُوصيكم به ولا تنقصوا منه لكي تحفظوا وصايا الرب إلهكم، التي أنا أُوصيكم بها. (تثنية 4: 1-2)
في هذه النصوص دعوة للتمسك بالفرائض والأحكام لكي يحيا بها بني اسرائيل ويمتلكوا الأرض المقدسة، ويحذرهم من الزيادة عليها أو الإنقاص منها، وهو ما لم يلتزم به كتبة الاناجيل والكنائس من بعدهم.
- قال لهم وجّهوا قلوبكم إلى جميع الكلمات التي أنا أشهد عليكم بها اليوم لكي توصوا بها أولادكم ليحرصوا أن يعملوا بجميع كلمات هذه التوراة،
لأنها ليست أمراً باطلاً عليكم، بل هي حياتكم. (تثنية 32: 46-47)
في هذا النص دعوة للعمل بالتوراة التي يعتبرها حياتهم، وهذا يشبه ما كتبه يوحنا على لسان يسوع بالقول إن كلامه حياة لهم، مع فارق كبير أن كلام الرب ووعوده وأحكامه متحققة وصادقة في حين أن ما هو مكتوب في الاناجيل على لسان يسوع مليء بالأخطاء والتناقضات والوعود التي لم يتحقق منها شيء ومنها عدم موت جميع تلاميذه قبل مجيئه الثاني وإعطاء من يترك من أجله شيئاً مائة ضعف!
- حِد عن الشر وافعل الخير واسكن الى الأبد،
لأن الرب يُحب الحق ولا يتخلّى عن اتقيائه،
الى الأبد يُحفظون، أما نسل الاشرار فينقطع، الصّدّيقون يرثون الارض ويسكنونها الى الأبد،
فم الصّديق يلهج بالحكمة ولسانه ينطق بالحق، شريعة إلهه في قلبه لا تتقلقل خطواته. (مزمور 37: 27-31)
في هذا النص نقرأ أن من يحيد عن الشر ويفعل الخير فإنه يُحفظ الى الأبد ويرث الأرض ويسكن فيها الى الأبد، لأنه صدّيق ويلهج فمه بالحكمة والحق وشريعة الرب إلهه في قلبه، وهذه الصفات ليست متوفرة في كتبة الأناجيل وبولس والكنائس من بعدهم، لأنهم لم يجعلوا شريعة الرب في قلوبهم، فالحديث عن العيش الى الأبد في الأرض لا ينطبق عليهم، لهذا نجدهم يموتون كما مات بنو اسرائيل الذين أكلوا المنّ في سيناء، على الرغم من كتابة تلك الأقوال على لسان يسوع.
- وأنتم تقولون ليست طريق الرب مستوية،
فاسمعوا الآن يا بيت اسرائيل،
أطريقي هي غير مستوية، أليست طرقكم غير مستوية،
إذا رجع البارّ عن برّه وعمل إثماً ومات فيه فبإثمه الذي عمله يموت،
وإذا رجع الشرير عن شرّه الذي فعل وعمل حقاً وعدلاً فهو يُحيي نفسه،
رأى فرجع عن كل معاصيه التي عملها فحياة يحيا ولا يموت،
وبيت اسرائيل يقول ليست طريق الرب مستوية، أطرقي غير مستقيمة يا بيت اسرائيل، أليست طرقكم غير مستقيمة. (حزقيال 18: 25-29)
هذا النص ينقض قانون الخطيئة الأصلية والفداء من جذوره إذ يبين أن الخطيئة تكون بعمل المعاصي وأن تكفيرها لا يكون بأن يُصلب يسوع الجسد الذي حلت فيه الأقانيم الثلاثة، أو أحدها! بل يتم التكفير عن المعاصي بالتوبة وبالرجوع عنها، وما يهم هنا هو قوله عن الشرير الذي يرجع عن معاصيه أنه يحيا ولا يموت وهو يشبه الأقوال المنسوبة ليسوع أن من يأكل جسده ويشرب دمه فإنه يحيا ولا يموت الى الأبد، مع فارق وحيد وهو أن من وعده الرب بالحياة وعدم الموت متحقق، في حين أن من وعده كتبة الأناجيل بالحياة الأبدية وعدم الموت غير صحيح، سواء قلنا ان عدم الموت والحياة الأبدية تعني الحقيقة أو المجاز، إذ أنهم رغم أكلهم لجسد يسوع وشربهم لدمه فهم يرتكبون المعاصي وأهمها وأعظمها عبادة آلهة أُخرى مع الرب خالق السموات والأرض.
- وكثيرون من الراقدين في تراب الأرض يستيقظون،
هؤلاء الى الحياة الأبدية، وهؤلاء الى العار للازدراء الأبدي. (دانيال 12: 2)
في هذا النص نقرأ عن قيام الناس من قبورهم، وعيش الطيبون منهم في الحياة الأبدية، والعُصاة الى حياة العار والازدراء، وهذا يبين أن الحديث عن الحياة الأبدية مقتبس من العهد القديم.
وأما أقوال يسوع وبولس والتي تشير الى حياة بعض الناس الى الأبد، فهذا يمكن إرجاعه الى الفهم الخاطئ لبعض نصوص العهد القديم ومنها النص التالي:
- وعاش أخنوخ خمساً وستين سنة وولد متوشالح، وسار أخنوخ مع الإله بعدما ولد متوشالح ثلاث مئة سنة وولد بنين وبنات،
فكانت كل أيام أخنوخ ثلاث مئة وخمساً وستين سنة،
وسار أخنوخ مع الإله ولم يوجد لأن الإله أخذه. (تكوين 5: 21-24)
هذا النص يتحدث عن أخنوخ وعمره وأولاده وفي الفقرة الأخير نقرأ أنه سار مع الرب ولم يوجد لأن الرب أخذه، وفقرة الرب أخذه تعني أنه مات ولم توجد جثته، وهو أمر طبيعي في ذلك الزمان لأن الناس كان عددهم قليل والأرض شاسعة ولا يوجد هناك أجهزة بحث وتقصي، هذا ما تعنيه فقرة أخذه الرب، فكيف فهم بولس، أو كاتب رسالة العبرانيين، هذا النص؟
-  بالإيمان نُقل أخنوخ، لكي لا يرى الموت،
ولم يوجد لأن الإله نقله،
إذ قبل نقله شُهد له بأنه قد أرضى الإله. (عبرانيين 11: 5)
بولس، أو كاتب الرسالة، فهم أن أخذ الرب لأخنوخ يعني أنه لم يمت وأن الرب نقله، وهذا الفهم ليس مذكوراً في نص سِفر التكوين، ولكن بولس وهو يفكر في بقاء التلاميذ وعدم موتهم قام بتفسير النص السابق بالقول إن أخنوخ لم يمت، وهذا الفهم الخاطئ لنصوص العهد القديم ظهر لنا كثيراً في الأناجيل ورسائل بولس، ومنها كلامه عن الكاهن ملكي صادق الذي كان في زمان إبراهيم، فعدم كتابة اسم أباه وأُمه في العهد القديم جعل بولس يقول إن ملكي صادق هذا بلا أب، بلا أُم، بلا نسب، لا بداءة أيام له، ولا نهاية حياة، بل هو مُشبّهٌ بابن الإله، هذا يبقى كاهناً الى الأبد. (عبرانيين 7: 3)!
وخلاصة القول ان النصوص التي تحدثت عن الحياة الأبدية في الأناجيل مليئة بالأخطاء والتناقضات وهو ما يشير الى أنها ليست وحياً، وهي مقتبسة من العهد القديم، وينطبق عليها قانون لا تقبل خبراً كاذباً.
46 - مصدر قول الأناجيل عن الماء الحي وينبوع الحياة
تحدث يوحنا في إنجيله عن امتلاك يسوع لماء حيّ من يشرب منه فإنه لا يعطش الى الأبد، فما هي حقيقة هذا الماء، وهل الحديث عنه تلقاه يوحنا عن طريق الوحي أو بسوق الروح المقدس أم هو مقتبس من العهد القديم على طريقة كتبة الأناجيل في كتابتهم لها؟!
النص الذي تحدث عن الماء الحي مذكور في الإصحاح الرابع وهو كما يلي:
- فجاءت امرأة من السامرة لتستقي ماء،
فقال لها يسوع أعطيني لأشرب،
فقالت له كيف تطلب منى لتشرب وأنت يهوديّ وأنا امرأة سامرية،
أجاب يسوع وقال لها لو كنت تعلمين عَطيّة الإله ومن هو الذي يقول لك أعطيني لأشرب لطلبت أنت منه فأعطاك ماءً حيّاً،
قالت له المرأة يا سيد لا دلْوَ لك والبئر عميقة، فمن أين لك الماء الحيّ،
ألعلك أعظم من أبينا يعقوب الذي أعطانا البئر وشرب منها هو وبنوه ومواشيه،
أجاب يسوع وقال لها كل من يشرب من هذا الماء يعطش أيضاً،
ولكن من يشرب من الماء الذي أٌعطيه أنا فلن يعطش الى الأبد،
بل الماء الذي أُعطيه يصير فيه ينبوع ماء ينبع الى حياة أبدية،
قالت له المرأة يا سيد أعطني هذا الماء لكي لا أعطش ولا آتي إلى هنا لأستقي. (يوحنا 4: 7-15)
هذا النصّ جزء من القصة التي تتحدث عن دعوة يسوع للسامريين، والتي تفرد بكتابتها يوحنا في انجيله دون الاناجيل الأخرى، وأول ما نلاحظه في النص هو تناقضه مع متّى لأنه كتب في إنجيله قولاً ليسوع يمنع فيه تلاميذه من التوجه الى مدن السامريين ودعوتهم! كما في النص التالي:
- هؤلاء الاثنا عشر أرسلهم وأوصاهم قائلاً،
إلى طريق أُمم لا تمضوا، الى مدينة للسامريين لا تدخلوا،
بل اذهبوا بالحري إلى خراف بيت إسرائيل الضالة. (متّى 10: 5-6)
كما أنه يتناقض مع قول يسوع الذي صرح فيه أنه لم يُرسل إلا الى خراف بيت إسرائيل الضالة كما في النص التالي:
- فلم يُجبها بكلمة، فتقدم تلاميذه وطلبوا إليه قائلين اصرفها لأنها تصيح وراءنا،
فأجاب وقال لم أُرسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة. (متّى 15: 23-24)
في هذا النص يقول يسوع أنه لم يُرسل إلا الى خراف بيت إسرائيل الضالة، ويوحنا يقول ان يسوع ذهب وبشر السامريين، وهذا التناقض لا يمكن أن يصدر عن الوحي، أو عن الروح المقدس لو كان يسوق متّى ويوحنا عند كتابتهما لإنجيليهما!
الملاحظة الثانية على نص يوحنا وهي أن يسوع لم يُعط المرأة الماء الحيّ الذي قال عنه إن من يشرب منه فانه لا يعطش الى الأبد، مع أنها طلبته منه كما هو مذكور في النص!
الملاحظة الثالثة وهي إذا كان ما كتبه يوحنا على لسان يسوع صحيحاً فلماذا كتب في إنجيله أن يسوع كان عطشاناً وهو معلق على الصليب كما في النص التالي:
فلكي يتم الكتاب قال أنا عطشان. (يوحنا 19: 28)
أم أن يسوع لم يكن عطشاناً ولكنه قال إنه عطشان لكي يتم الكتاب؟!
وكنت قد ناقشت، في القسم الرابع عند الحديث عن مصدر قول الأناجيل أن اليهود أبغضوا يسوع بلا سبب، المزمور الذي تحدث عنه يوحنا هنا وأثبت أنه لا يقصد يسوع.
من خلال هذه الملاحظات نجد أن هذا النص يحمل في طيّاته خللاً واضحاً وخطأ في التطبيق مما استدعى البعض للقول إن هذا النص لا يُحمل على ظاهره بل يحتاج الى تأويل، وهو القول أن الماء الحيّ يُقصد به التعاليم التي جاء بها يسوع، وهذا التأويل غير صحيح أيضاً، لأن من يقرأ التعاليم المكتوبة في الأناجيل يدرك أنها إما تعاليم لم يلتزم بها تلاميذه ولا الكنائس، أو أنها تعاليم عبثية لم ينفذها أحد خلال العشرين قرناً الماضية.
أما التعاليم التي لم يلتزم بها التلاميذ والكنائس من بعدهم فأشهرها أمره لهم بان يتوجهوا بدعوة اليهود وان لا يذهبوا الى غير اليهود لأنه لم يرسل إلا الى خراف بيت إسرائيل الضالة، فقام التلاميذ والكنائس بمخالفة هذا الأمر وتوجهوا لدعوة غير اليهود، ثم خالفوا شريعة الختان التي التزم هو شخصياً بها إذ ختن في اليوم الثامن لولادته وهو كما تقول عنه الكنائس إله وابن إله وأحد الاقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر، وغيرها من التعاليم التي خالفوها وكنت قد بينتها كلها في كتاب يسوع بن يوسف النجار أسئلة حائرة.
وأما التعاليم العبثية فمن أشهرها دعوة أتباعه لخصي أنفسهم وقطع أيديهم وأرجلهم وقلع أعينهم إن هي أعثرتهم حتى لا يدخلوا مملكة السماء عُمياً ومقطوعي الأيدي والأرجل، وكأنه لا يستطيع أن يُعيد لهم ما فقدوه من أعضاء! وكذلك دعوته لكره الآباء والأُمهات والإخوة والأخوات وحتى نفس الإنسان، كما في النصوص التالية:
- وكان جموع كثيرة سائرين معه فالتفت،
وقال لهم إن كان أحد يأتي اليّ ولا يُبغض،
1- أباه،
2- وأُمه،
3- وامرأته،
4- وأولاده،
5- واخوته،
6- وأخواته،
7- حتى نفسه أيضاً،
فلا يقدر أن يكون لي تلميذاً،
8- ومن لا يحمل صليبه ويأتي ورائي فلا يقدر ان يكون لي تلميذاً،
9- فكذلك كل واحد منكم لا يترك جميع أمواله لا يقدر ان يكون لي تلميذاً،
الملح جيد ولكن اذا فسد الملح فبماذا يُصلح،
لا يصلح لأرض ولا لمزبلة فيطرحونه خارجاً،
من له أُذنان للسمع فليسمع.(لوقا 14: 25-35)
- وان أعثرتك عينك فاقلعها عنك،
خير لك أن تدخل الحياة أعور من أن تلقى في جهنم النار ولك عينان. (متّى 18: 9)
- وان كانت يدك اليمنى تعثرك،
فاقطعها وألقها عنك،
لأنه خير لك أن يهلك أحد أعضائك ولا يُلقى جسدك كله في جهنم. (متّى 5: 30)
فان أعثرتك يدك أو رجلك فاقطعها وألقها عنك،
خير لك أن تدخل الحياة أعرج أو أقطع من أن تلقى في النار الأبدية ولك يدان أو رجلان. (متّى 18: 8)
- قال له تلاميذه ان كان هكذا أمر الرجل مع المرأة فلا يوافق أن يتزوج،
فقال لهم ليس الجميع يقبلون هذا الكلام بل الذين أُعطي لهم،
لأنه يوجد خصيان ولدوا هكذا من بطون أُمهاتهم،
ويوجد خصيان خصاهم الناس،
ويوجد خصيان خصوا أنفسهم لأجل مملكة السماء،
من استطاع ان يقبل فليقبل. (متّى 19: 10-12)
وقد يقول البعض إن المقصود بالماء الحي هو الروح المقدس كما قال يوحنا في إنجيله كما في النص التالي:
- وفي اليوم الأخير العظيم من العيد وقف يسوع ونادى قائلاً إن عطش أحد فليُقبل إليّ ويشرب،
من آمن بي كما قال الكتاب تجري من بطنه أنهار ماء حي،
قال هذا عن الروح الذي كان المؤمنون به مُزمعين أن يقبلوه،
لأن الروح المقدس لم يكن قد أُعطي بعد،
لأن يسوع لم يكن قد مُجّد بَعدُ.(يوحنا 7: 37-39)
وهذا المعنى غير صحيح أيضاً لأن ما حدث من خلافات بين التلاميذ والكنائس في كل الأُمور حتى في الأُمور المتعلقة بيسوع نفسه لا يدل على شربهم للماء الحي وعدم عطشهم لمعرفة الحق والحقيقة.
من هذا كله أستطيع القول ان هذه القصة ينطبق عليها قانون لا تقبل خبراً كاذبا، وهذا يعني أنها ليست وحياً، وأنها مقتبسة من مصدر آخر، فمن أين اقتبس يوحنا فكرة الماء الحي وينبوع الحياة؟
لنقرأ النص التالي:
- يا رب في السموات رحمتك أمانتك إلى الغمام،
عدلك مثل جبال الإله وأحكامك لجّة عظيمة، الناس والبهائم تخلّص يا رب،
ما أكرم رحمتك يا إله فبنو البشر في ظلّ جناحيك يحتمون،
يَروون من دسم بيتك ومن نهر نعمك تسقيهم،
لأن عندك ينبوع الحياة، بنورك نرى نوراً. (مزمور 36: 6-9)
هذا النصّ جزء من مزمور لعبد الرب داوُد كما هو مكتوب، وفيه تمجيد وتعظيم للرب على نعمه ورحمته، ثم يقول ان الرب عنده ينبوع الحياة، وهذا أمر حقّ، فكل الأحياء تستمد حياتها من الرب، ومن نِعَمِه يأكلون ويشربون وبرحمته هم يحتمون، وهذا أمر لا ينكره إنسان، وهو أمر مستقيم مع كل ما في السموات والأرض، ولكن الأمر يكون مختلفاً إذا حاول إنسان أن يقول إن هذه الأمور تحدث بإرادة أي شيء آخر، سواء إنسان أو ملاك أو شيطان أو صنم، فيوحنا عندما كتب أن ينبوع الحياة عند يسوع وانه يعطيه لمن يشاء، وان من يشرب من الماء الذي يُعطيه لا يعطش الى الأبد، نجد أن الأمر قد كبر وطال على يسوع وعلى يوحنا كاتب الإنجيل! لان يوحنا وهو يكتب أن يسوع يملك هذا الماء الحي الذي من يشرب منه فانه لا يعطش الى الأبد، يبدأ قصته بالقول إن يسوع وهو مسافر تعب فطلب من المرأة أن تعطيه ماء ليشرب، وهذا أول الخطأ لأنه لو كان يملك ذلك الماء لما طلب من المرأة الماء أصلاً، وقد يقول قائل انه لم يكن عطشاناً بل ادّعى ذلك كي يقول لنا وللمرأة عن ماء الحياة الذي عنده!
أول ما يُرَدُ به على هذا القائل هو أن الإعلان عن امتلاك يسوع للماء الحيّ الذي من يشرب منه لا يعطش الى الأبد لا يحتاج الى طلب الماء، والرد الثاني على هذا القائل هو إن كان ما تقوله صحيحاً وان يسوع يمتلك الماء الحيّ فلماذا لم يعطه لتلك المرأة، مع أنها طلبته منه؟
ولماذا لم يعطه لأي أحد من تلاميذه أو لأي أحد من الكنائس لو كان يمتلكه وخاصة وقت إلقاء القبض عليه وهروب التلاميذ كلهم عنه؟
وأخيراً لماذا قال وهو على الصليب أنا عطشان. (يوحنا 19:28)؟!
هل بدلت أُمةٌ آلهة وهي ليست آلهة،
أما شعبي فقد بدل مجده بما لا ينفع،
ابهتي أيتها السموات من هذا واقشعرّي وتحيّري جداً يقول الرب،
لأن شعبي عمل شرّين،
تركوني أنا ينبوع المياه الحيّة،
لينقروا لأنفسهم أباراً، أباراً مشققة لا تضبط ماء. (إرميا 2: 11-13)
هذا نصّ ثان يتحدث عن ينبوع الحياة وهو يقول إن الرب خالق السموات هو ينبوع الحياة وهو الذي يعطي كل المخلوقات صفة الوجود والحياة، كما يتحدث عن حالة الكفر التي كان عليها اليهود زمن إرميا وكيف أنهم تركوا عبادة الرب وحده وعبدوا آلهة لا تضر ولا تنفع، ويستهجن هذا العمل بقوله هل تبدل الأمم الرب بانسان أو بأصنام أو بآلهة لا تضر ولا تنفع؟!
- أيها الرب رجاء إسرائيل كل الذين يتركونك يخزون، الحائدون عني في التراب يُكتبون،
لأنهم تركوا الرب ينبوع المياه الحيّة. (إرميا 17: 13)
هذا نص ثالث عن ينبوع الحياة وأنه هو الرب خالق السموات والارض وليس أحداً آخر وخاصة من مات على الصليب وهو عطشان!
مخافة الرب ينبوع حياة للحيدان عن أشراك الموت. (أمثال 14: 27)
وأخيراً هذا النص الذي يتحدث عن مخافة الرب كينبوع للحياة للإبتعاد عن أشراك الموت، وهذه المخافة تنتج حياة في الضمير والمجتمع، وهذا المعنى صحيح ولا ملاحظات عليه، وليس كالقصة التي ذكرها يوحنا عن الماء الحي الذي قال إن يسوع كان يمتلكه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق