الجمعة، 27 يوليو 2018

مصدر قصة تنبؤ يسوع بشك بطرس والتلاميذ وإنكارهم له

الفصل الثالث: مصادر الأناجيل وطريقة تأليفها وكتابتها

القسم الرابعالنصوص المنسوبة مباشرة للعهد القديم
في هذا القسم سنطلع على النصوص المنسوبة للعهد القديم مباشرة وقول كتبة الأناجيل أنها لم تتم وتكتمل وتحدث إلا في يسوع وزمنه وجيله، لنرى حقيقتها ومدى صدق ما قاله الكتبة عنها.
18 - مصدر قصة تنبؤ يسوع بشك بطرس والتلاميذ وإنكارهم له
- ثم سبحوا وخرجوا الة جبل الزيتون،
حينئذ قال لهم يسوع كلكم تشكّون فيّ في هذه الليلة لأنه مكتوب أضرب الراعي فتتبدد خراف الرعية،
ولكن بعد قيامي أسبقكم الى الجليل،
فأجاب بطرس وقال له وإن شكّ فيك الجميع فأنا لا أشكّ أبداً،
قال له يسوع الحق أقول لك انك في هذه الليلة قبل أن يصيح الديك تنكرني ثلاث مرات،
قال له بطرس ولو اضطررت أن أموت معك لا انكرك، هكذا قال أيضاً جميع التلاميذ. (متّى 26: 30-35)
- ثم سبحوا وخرجوا الة جبل الزيتون،
وقال لهم يسوع إن كلكم تشّكون فيّ في هذه الليلة،
لأنه مكتوب أني أضرب الراعي فتتبدد الخراف،
ولكن بعد قيامي أسبقكم الى الجليل،
فقال له بطرس وإن شك الجميع فأنا لا أشك،
فقال له يسوع الحق أقول لك أنك اليوم في هذه الليلة قبل أن يصيح الديك مرتين تنكرني ثلاث مرات،
فقال بأكثر تشديد ولو اضطررت أن أموت معك لا أُنكرك، وهكذا قال الجميع. (مرقس 14: 26-31)
- وقال الرب سمعان سمعان هو ذا الشيطان طلبكم لكي يغربلكم كالحنطة،
ولكني طلبت من أجلك لكي لا يفنى إيمانك، وأنت متى رجعت ثبّت إخوتك،
فقال له يا رب إني مستعد أن أمضي معك حتى الى السجن والى الموت،
فقال أقول لك يا بطرس لا يصيح الديك اليوم قبل أن تنكر ثلاث مرات أنك تعرفني. (لوقا 22: 31-34)
 - قال له سمعان يا سيد الى أين تذهب، أجابه يسوع حيث أذهب لا تقدر الآن أن تتبعني ولكنك ستتبعني أخيراً،
قال له بطرس يا سيد لماذا لا أقدر أن اتبعك الآن، إني أضع نفسي عنك،
أجابه يسوع أتضع نفسك عني، الحق الحق أقول لك لا يصيح الديك حتى تنكرني ثلاث مرات. (يوحنا 13: 36-38)
هذه هي النصوص التي تتحدث عن قصة انكار التلاميذ ليسوع وشكهم فيه وخصوصاً بطرس، وهناك عدة ملاحظات عليها تشكك في حقيقتها وكتابتها بسوق من الروح المقدس، بما في ذلك الملاحظات التالية:
الملاحظة الأولى وهي ان الأناجيل تذكر ثلاث قصص لحادثة واحدة كما هو ظاهر من خلال النصوص.
الملاحظة الثانية وهي الاختلاف في وقت إنكار بطرس ليسوع، فمتّى ولوقا ويوحنا قالوا إن بطرس سينكر يسوع ثلاث مرات قبل ان يصيح الديك، في حين أن مرقس قال ان بطرس سينكر يسوع قبل ان يصيح الديك مرتين ثلاث مرات! وهذه الامر وما فيه من اختلافات وتناقضات ناقشته بالتفصيل في كتاب يسوع ابن يوسف النجار ... أسئلة حائرة.
الملاحظة الثالثة وهي على قول يسوع في انجيل لوقا ولكني طلبت من أجلك لكي لا يفنى إيمانك، هذا القول ينقض قانون لإيمان الكنائس الذي يقول بوحدة الأقانيم الثلاثة وتساويها في القدرات، لأنه بهذا القول يثبت أن يسوع أقل من الذي طلب منه!
والأهم من هذا وهو هل استجاب من طلب منه يسوع أن لا يفنى إيمان بطرس؟
الجواب هو كلا، لم يستجب له، والدليل أن بطرس وكذلك جميع التلاميذ لم يؤمنوا أن يسوع قام من الأموات!
الملاحظة الرابعة وهي على قول يسوع أنه سيلتقي التلاميذ في الجليل، فهذا الأمر لم يوافق عليه لوقا ويوحنا لأنهما كتبا أن يسوع التقى بالتلاميذ في أُورشليم وليس في الجليل!
إن قراءة الأناجيل من خلال مقارنة النصوص ببعضها ومقارنتها بالنصوص المستشهد بها من العهد القديم تظهر لنا سبب وجود كل الاختلافات والتناقضات المكتوبة فيها، والتي كانت وما زالت تحير الناس في سبب كتابتها.
نأتي الآن لمناقشة النص المقتبس لنرى إن كان استشهاد متّى ومرقس صحيحاً، أم انه كالعادة تم اقتطاعه من النص دون الاهتمام بما يحتويه من معلومات قد تكون متعارضة مع الأناجيل نفسها ومع قوانين إيمان الكنائس،  والنص المقتبس مذكور في سفر زكريا الإصحاح الثالث عشر وهو امتداد للنص الذي استشهد به يوحنا في النص السابق، وهذا يطرح علامة استفهام كبيرة عن سبب عدم استشهاده به وكتابة قصته بسياق مختلف عنهما، وهو كما يلي:
في ذلك اليوم يكون ينبوع مفتوحاً لبيت داوُد ولسكان أُورشليم للخطية وللنجاسة،
ويكون في ذلك اليوم يقول رب الجنود أني أقطع أسماء الأصنام من الأرض فلا تذكر بعد،
وأُزيل الأنبياء أيضاً والروح النجس من الأرض،
ويكون إذا تنبأ أحد بعد أن أباه وأمه والديه يقولان له لا تعيش لأنك تكلمت بالكذب باسم الرب فيطعنه أبوه وأُمه والداه عندما يتنبأ،
ويكون في ذلك اليوم ان الأنبياء يخزون كل واحد من رؤياه إذا تنبأ،
ولا يلبسون ثوب شعر لأجل الغشّ،
بل يقول لست أنا نبياً، أنا إنسان فالح الارض لأن إنساناً اقتناني من صباي،
فيقول له ما هذه الجروح في يديك،
فيقول هي التي جُرحت بها في بيت أحبائي.
في هذه الفقرات يقول الرب انه في ذلك اليوم، وهذا اليوم هو ما تحدث عنه في النص السابق الذي اقتبس منه يوحنا فقرة سينظرون الى الذي طعنوه وقام بتحريفها لأن هذا النص امتداد له، سيكون ينبوعاً مفتوحاً لبيت داوُد وسكان أُورشليم للتطهر من خطاياهم ونجاساتهم، ويكون في ذلك اليوم أيضاً قطع للأصنام وأسمائها فلا يذكرها أحد، وتتم فيه إزالة الأنبياء الكذبة والأرواح النجسة من الأرض، حتى أن من يحاول ان يتنبأ منهم فان أُمه وأباه هما أول من يقاتله ويقتله لأنه يتكلم باسم الرب كذباً، لهذا فإن كل الأنبياء الكذبة يخزون، ولا يعودون يعلنون عن أنفسهم بل يحاولون التخفي بكل الوسائل، ثم يُكمل كلامه عن ذلك اليوم فيقول:
- استيقظ يا سيف على راعيّ وعلى رجل رفقتي،
 يقول رب الجنود أضرب الراعي فتتشتت الغنم وأردّ يدي على الصغار،
ويكون في كل الأرض يقول الرب أن ثلثين منها يُقطعان ويموتان، والثلث يبقى فيها،
وأُدخل الثلث في النار وأمحصهم كمحص الفضة وأمتحنهم امتحان الذهب،
هو يدعو باسمي وأنا أُجيبه،
أقول هو شعبي وهو يقول الرب إلهي. (زكريا 13: 1-9)
في هذه الفقرات يطلب الرب من سيفه الإستيقاظ على الراعي الذي كان معه، لأنه سيضربه فتتشتت الغنم، ويكون هذا الشتات في كل الأرض، فيموت الثلثان ويبقى ثلث الغنم، وهذا الثلث يُمحصه الرب كما تُمَحّص الفضة والذهب في النار، ويكون نتيجة هذا التمحيص انهم يدعون باسم الرب ويقولون ان الرب هو إلههم، والرب يستجيب لهم ويقول الرب عنهم انهم شعبه.
من هذا الاستعراض للنص الذي استشهد به متّى ومرقس، أنا أتساءل أين هو المكتوب عن شك التلاميذ أو عن صلب يسوع؟! أم ان الأمر لا يعدو عن منهج وطريقة كان يتبعها الكتبة لربط ما يكتبونه بالعهد القديم وتقمص نصوصه وشخصياته، للقول للناس أن ما يؤمنون به هو تعبير عما هو مكتوب في العهد القديم وامتداد له، فقراءة متّى ومرقس لفقرة ضرب الراعي وتشتت الغنم جعلهم يضعونها في قصة شك التلاميذ باعتبار ان يسوع هو الراعي والتلاميذ هم الغنم، وقد يكون ما كتباه صحيحا، ولكن استشهادهما بهذا النص خطأ لأنه لا ينطبق على التلاميذ، لأن هذه النص يتحدث عن موت ثلثي الغنم وتمحيص الثلث الآخر، والأناجيل ورسائل العهد الجديد لم تكتب عن موت ثلثي التلاميذ وتمحيص الثلث الباقي، وكذلك فالتلاميذ لا يقولون ان الرب وحده إلههم، بل قالوا ان آلهتهم ثلاثة، الأب إله والابن إله والروح المقدس إله، وإن قالوا ان هؤلاء الثلاثة يتشكلون في واحد، ولكن يبقى الثلاثة غير الواحد!
كما ان صفة الراعي لا تنطبق على يسوع لأنه رفض ان يقسم الميراث بين أخوين وقال لأحدهما من أقامني عليكما قاضياً، وكذلك رفض أن ينطق بحكم الرب في المرأة التي أُمسكت بالزنا كما أنه قال لا تقاوموا الشّرّ وأخيراً فهو رفض أن يكون ملكاً عندما حاول بعض اليهود تنصيبه ملكاً عليهم، فهذه الأعمال تدل على انه لم يكن راعياً وبالتالي فإن النص لا يتحدث عنه ولا عن التلاميذ، وينطبق عليه قانون لا تقبل خبراً كاذباً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق