الثلاثاء، 22 مارس 2016

مصدر أقوال الأناجيل أن يوحنا المعمدان صوت صارخ في البرية وأنه ملاك وأنه إيليا النبي

الفصل الثالث: مصادر الأناجيل وطريقة تأليفها وكتابتها

القسم الرابعالنصوص المنسوبة مباشرة للعهد القديم
في هذا القسم سنطلع على النصوص المنسوبة للعهد القديم مباشرة وقول كتبة الأناجيل أنها لم تتم وتكتمل وتحدث إلا في يسوع وزمنه وجيله، لنرى حقيقتها ومدى صدق ما قاله الكتبة عنها.
مصدر قول الأناجيل أن يوحنا المعمدان صوت صارخ في البرّية
- وفي تلك الأيام جاء يوحنا المعمدان يكرز في برية اليهودية قائلاً توبوا لأنه قد اقتربت مملكة السماء،
فإن هذا هو الذي قيل عنه بإشعياء النبي القائل صوت صارخ في البرية أعدّوا طريق الرب اصنعوا سُبله مستقيمة. (متّى 3: 3)
- كما هو مكتوب في الأنبياء ها أنا أُرسل أمام وجهك ملاكي الذي يُهيئ طريقك قدّامك،
صوت صارخ في البرية أعدّوا طريق الرب اصنعوا سُبله مستقيمة،
كان يوحنا يُعمّد في البرية ويكرز بمعمودية التوبة لمغفرة الخطايا. (مرقس 1: 2-4)
- في أيام رئيس الكهنة حنان وقيافا كانت كلمة الإله على يوحنا بن زكريا في البرية،
فجاء الى جميع الكورة المحيطة بالاردن يكرز بمعمودية التوبة لمغفرة الخطايا، كما هو مكتوب في سفر أقوال إشعياء النبي القائل، صوت صارخ في البرية أعدّوا طريق الرب اصنعوا سُبله مستقيمة،
كل واد يمتلئ وكل جبل وأكمة ينخفض وتصير المعوجات مستقيمة والشعاب طرقاً سهلة، ويُبصر كل بشرٍ خلاص الرب. (لوقا 3: 2-6)
- فقالوا له من أنت لنعطي جواباً للذين أرسلونا ماذا تقول عن نفسك،
قال أنا صوت صارخ في البريّة قوّموا طريق الربّ كما قال إشعياء. (يوحنا 1: 22-23)
في هذه النصوص يكتب كتبة الأناجيل الأربعة ان يوحنا المعمدان هو المقصود بالصوت الصارخ في البرية الذي كتب عنه إشعياء، وهو ما تؤمن به الكنائس المختلفة، ونقرأ فيها أن مُهمّة هذا الصوت الصارخ في البرية هي ان يُعدّ للرب طرقاً مستقيمة، وهي كناية عن تمهيد يوحنا الطريق ليسوع كما تقول الاناجيل، ولكن ما هو مكتوب في الأناجيل عن يوحنا المعمدان لا يدل على هذا الأمر، فيوحنا هو من عمّد يسوع ولم يتعمد من يسوع.
- وفي تلك الايام جاء يسوع من ناصرة الجليل واعتمد من يوحنا في الأردن. (مرقس 1: 9)
ويوحنا ظل الى آخر أيامه غير متأكد من صفة يسوع مما اضطرّه الى إرسال اثنين من تلاميذه وهو في السجن ليسألاه إن كان هو المسيح أم لا!
- أما يوحنا فلما سمع في السجن بأعمال يسوع أرسل اثنين من تلاميذه،
وقال له أنت هو أم ننتظر آخر،
أجاب يسوع وقال لهما اذهبا وأخبرا يوحنا بما تسمعان وتنظران. (متى 11: 2-4)
- فأخبر يوحنا تلاميذه بهذا كله،
فدعا يوحنا اثنين من تلاميذه وأرسل الى يسوع قائلاً أنت هو الآتي أم ننتظر آخر،
فلما جاء الرجلان إليه قالا يوحنا المعمدان قد أرسلنا إليك قائلاً أنت هو الآتي أم ننتظر آخر،
وفي تلك الساعة شفى كثيرين من أمراض وأدواء وأرواح شريرة ووهب البصر لعميان كثيرين،
فأجاب يسوع وقال لهما اذهبا وأخبرا يوحنا بما رأيتما وسمعتما إن العُمي يُبصرون والعرج يمشون والبرص يُطهّرون والصم يسمعون والموتى يقومون والمساكين يُبَشَّرون،
وطوبى لمن لا يعثر فيّ. (لوقا 7: 18-23)
كما أن تلاميذ يوحنا ظلوا منفصلين عن يسوع وتلاميذه في العبادات، حتى أن تلاميذ يسوع طلبوا منه أن يُعلمهم الصلاة كما علم يوحنا تلاميذه الصلاة، فأين صفة الصوت الصارخ من يوحنا المعمدان؟!
- وإذ كان يُصلي في موضع لما فرغ قال واحد من تلاميذه يا رب علمنا أن نصلي كما علم يوحنا أيضاً تلاميذه. (لوقا 11: 1)
- حينئذ أتى إليه تلاميذ يوحنا قائلين لماذا نصوم نحن والفريسيون كثيراً وأما تلاميذك فلا يصومون. (متّى 9: 14)
- وكان تلاميذ يوحنا والفريسيين يصومون،
فجاءوا وقالوا له لماذا يصوم تلاميذ يوحنا والفريسيين وأما تلاميذك فلا يصومون. (مرقس 2: 18)
- وقالوا له لماذا يصوم تلاميذ يوحنا كثيراً ويُقدّمون طلبات وكذلك تلاميذ الفريسيين، وأما تلاميذك فيأكلون ويشربون. (لوقا 5: 33)
وهنا أود استعراض النص من سِفر إشعياء لنتأكد ان كان المقصود به يوحنا المعمدان أم لا، ونظراً لطوله ولأهمية محتواه سأُقسمه الى فقرات للتعليق عليها مباشرة، وهو كما يلي:
عزّوا شعبي يقول إلهكم،
طيّبوا قلب أُورشليم ونادوها بأن جهادها قد كمُل،
أن إثمها قد عُفيَ عنه،
أنها قد قبلت من يد الرب ضعفين عن كل خطاياها.
في هذه الفقرات يطلب الرب تعزية شعبه وتطييب قلب أُورشليم لأن جهادها قد كمُل وأنه قد عفى عن إثمها وقبلت ضعفين عن كل خطاياها، ثم يقول:
صوت صارخ في البرية أعدّوا طريق الرب قوّموا في القفر سبيلا لإلهنا،
كل وطاء يرتفع وكل جبل وأكمة ينخفض،
ويصير المعوج مستقيما والعراقيب سهلا.
هذه هي الفقرات التي استشهد بها كتبة الأناجيل على أن المقصود بها يوحنا المعمدان، ولكن هل حقاً كانت كل طرق الرب مقوّمة ليسوع، وان الوطاء كان يرتفع له وكذلك الجبال كانت تنخفض، أم إنه عاش طوال حياته خائفاً من اليهود، وكان يمضي أياما كثيرة وهو في البراري حتى لا يقتله اليهود؟!
ولما شفا أبرص كتب مرقس النص التالي:
فانتهره وأرسله للوقت وقال له انظر لا تقل لأحد شيئاً،
ولكن أر نفسك للكاهن وقدم عن تطهيرك ما أمر به موسى شهادة لهم،
وأما هو فخرج وابتدأ ينادي كثيراً ويذيع الخبر،
حتى لم يعد يقدر أن يدخل مدينة ظاهراً بل كان خارجاً في مواضع خالية وكانوا يأتون إليه من كل ناحية. (مرقس 1: 43-45)
- فلما رأى الناس الآية التي صنعها يسوع قالوا إن هذا هو بالحقيقة النبي الآتي إلى العالم،
وأما يسوع فإذ علم أنهم مزمعون أن يأتوا ويختطفوه ليجعلوه ملكاً انصرف أيضاً إلى الجبل وحده. (يوحنا 6: 14-15)
وهل كان يوحنا يصرخ في البرية ليُمهد طرق يسوع، أم أنه في آخر أيامه أرسل تلاميذه ليسأله إن كان هو المسيح أم ينتظروا آخر، كما هو مكتوب في النصوص السابقة؟
من هذا كله يتبين أن النص لا يتحدث عن يوحنا ولا عن يسوع، ثم نقرأ الفقرة التالية:
فيُعلن مجد الرب ويراه كل بشر جميعا لأن فم الرب تكلم.
هذه الفقرة تقول ان مجد الرب سيُعلن ويراه كل إنسان لأن الرب تكلم، وهنا نجد أنفسنا أمام مسألتين.
الأُولى وهي حالة التجسيم التي يؤمن بها كتبة الأناجيل والكنائس في هذه الفقرة وفي غيرها، والتي تتمثل في قولهم إن يسوع هو أحد تجسدات الرب، وهذا الأمر خطأ، بل هو أعظم من الخطأ، لأن إعلان مجد الرب ورؤية الناس له لا يعني رؤيتهم للرب خالق السموات والأرض مباشرة، أو تجسده في بعض مخلوقاته! بل يعني أن البشر يرون مجد الرب وعظمته من خلال ما يعمله في هذا الكون سواء في الطبيعة أو في حياة البشر، كما حدث عند عبور موسى وبني إسرائيل البحر وغرق فرعون وجنوده كما في النص التالي:
- وها أنا أُشدّد قلوب المصريين حتى يدخلوا وراءهم،
فأتمجّد بفرعون وكل جيشه بمركباته وفرسانه،
فيعرف المصريون أني أنا الرب حين أتمجّد بفرعون ومركباته وفرسانه. (خروج 14: 17-18)
وكذلك رأى الناس مجد الرب في معجزات موسى وغيره من الأنبياء، فهذا مجد الرب الذي يراه كل بشر، كما أن رؤية الرب مباشرة لا يستطيع الإنسان تحملها، وكل من يتجلى له الرب مباشرة يموت لأنه لا يستطيع تحمل مجد الرب كما يقول العهد القديم.
فقال أرني مجدك، فقال أُجيز كل جودتي قدّامك وأُنادي باسم الربّ قدّامك وأتراءف على من أتراءف وأرحم من أرحم،
وقال لا تقدر أن ترى وجهي،
لأن الإنسان لا يراني ويعيش. (خروج 33: 18-20)
المسألة الثانية في الفقرة وهي إذا وافقنا على ما يقوله كتبة الأناجيل والكنائس من أنها تقصد يسوع، فهل أعلن يسوع مجد الرب وهو الذي كان يوصي أتباعه أن لا يعلنوا انه المسيح؟!
- حينئذ أوصى تلاميذه أن لا يقولوا لأحد انه يسوع المسيح. (متّى 16: 20)
- ثم خرج يسوع وتلاميذه الى قرى قيصرية فيلبس،
وفي الطريق سأل تلاميذه قائلاً لهم من يقول الناس أني أنا،
فأجابوا يوحنا المعمدان،
وآخرون إيليا،
وآخرون واحد من الأنبياء،
فقال لهم وأنتم من تقولون أني أنا،
فأجاب بطرس وقال له أنت المسيح،
فانتهرهم كي لا يقولوا لأحد عنه. (مرقس 8: 27-30)
وهل أعلن يسوع مجده عندما التقى بيلاطس أو هيرودس في المحكمة، وهو الذي لم يُجب عن أي سؤال، حتى انه لم يُجب على سؤال ما هو الحق عندما سأله عنه بيلاطس؟
- صوت قائل ناد، فقال بماذا أُنادي،
كل جسد عشب وكل جماله كزهر الحقل،
يبس العشب ذبل الزهر لأن نفخة الرب هبت عليه،
حقاً الشعب عشب، يبس العشب ذبل الزهر،
وأما كلمة إلهنا فتثبت الى الأبد.
هذه الفقرات تتحدث عن ذبول الشعب وقلة إيمانه، ولكنها تقول ان كلمة الإله تثبت الى الأبد،  وثبوت كلمة الرب بينته في الفصل الأول، ولكن  الكنائس تعلم أنهم خالفوا كلمة إلههم يسوع، عندما قال انه لم يُرسل إلا الى خراف بيت إسرائيل الضالة، فتوجهوا لدعوة غير اليهود، وغيرها الكثير مما خالفوا فيه كلمة إلههم فأين ثبوت تلك الكلمة، لو كان النص يتحدث عن يوحنا المعمدان ويسوع؟
- هؤلاء الاثنا عشر أرسلهم وأوصاهم قائلاً،
إلى طريق أمم لا تمضوا الى مدينة للسامريين لا تدخلوا،
بل اذهبوا بالحري إلى خراف بيت إسرائيل الضالة. (متّى 10: 5-6)
- على جبل عال يا مُبشّرة صهيون ارفعي صوتك بقوة،
يا مبشرة أُورشليم ارفعي لا تخافي قولي لمدن يهوذا هوذا إلهك،
هوذا السيد الرب بقوة يأتي وذراعه تحكم له،
هوذا أُجرته معه وعُملته قدّامه،
كراع يرعى قطيعه،
بذراعه يجمع الحملان وفي حضنه يحملها ويقود المرضعات.
وهذه الفقرات مَن يقول أنها تقصد يسوع فعليه أن يخبرنا متى وأين حكم يسوع بذراع قوته، وهو الذي رفض أن يقضي بين اخوين في قضية ميراث؟
- وقال له واحد من الجمع يا معلم قل لأخي أن يقاسمني الميراث،
فقال له يا إنسان من أقامني عليكما قاضياً أو مُقسِّماً. (لوقا 12: 13-14)
وكان يدفع الجزية لقيصر ويدعو اليهود الى دفعها بقوله أعطوا ما لقيصر لقيصر.
وأين هي تلك الأجرة التي كان يدفعها يسوع لتلاميذه، والأناجيل تذكر أن النسوة اللواتي تبعنه كنّ ينفقن عليه من أموالهن؟
- وعلى إثر ذلك كان يسير في مدينة وقرية يكرز ويُبشر بمملكة الإله ومعه الاثنا عشر وبعض النساء كن قد شفين من أرواح شريرة وأمراض، مريم التي تدعى المجدلية التي خرج منها سبعة شياطين، ويونا امرأة خوزي وكيل هيرودس، وسوسنة،
وأُخر كثيرات كن يخدمنه من أموالهن. (لوقا 8: 1-3)
- من كال بكفه المياه،
وقاس السموات بالشبر،
وكال بالكيل تراب الارض،
ووزن الجبال بالقبان،
والآكام بالميزان،
من قاس روح الرب ومن مُشيره يُعَلمه،
من استشاره فأفهمه وعلّمه في طريق الحق وعلمه معرفة سبيل الفهم.
أما هذه الأسئلة فأتباع الكنائس الطيبين هم أحق الناس بتأملها ليعلموا حقيقة ما يؤمنون به ومدى مُخالفته للعهد القديم!
- هوذا الأُمم كنقطة من دلو وكغبار الميزان تحسب،
هوذا الجزائر يرفعها كدقّة،
ولبنان ليس كافياً للإيقاد لمحرقة، وحيوانه ليس كافياً لمُحرقة،
كل الأُمم كلا شيء قدّامه من العدم والباطل تحسب عنده،
فبمن تشبهون الرب وأي شبه تعادلون به.
هذا سؤال حق، فبمن تشبهون الرب وأي شبه تعادلون به؟
هل يشبه الرب أحد مخلوقاته سواء ولد من امرأة أو من رجل وامرأة؟
هل يعادل الرب من استقر في بطن امرأة تسعة أشهر وكان يرضع الحليب لينمو جسده، وكان يعطش ويشرب ويجوع ويأكل وينعس وينام ويُحاكم ويُضرب ويُجلد؟
فبمن تشبهون الرب وأي شبه تعادلون به؟
- الصنم يسبكه الصانع والصائغ يُغشّيه بذهب ويصوغ سلاسل فضة،
الفقير عن التقدمة ينتخب خشباً لا يسوس، يطلب له صانعاً ماهراً لينصب صنماً لا يتزعزع،
ألا تعلمون ألا تسمعون ألم تخبروا من البداءة ألم تفهموا من أساسات الأرض. (إشعياء 40: 1-21)
هل تشبهون الرب بالأصنام التي ملأت الكنائس الأرض بها، آم تشبهون الرب بالصور التي ترسمها؟!
أم تشبهون الرب بالإنسان كما قال يوحنا في إنجيله على لسان يسوع من رآني فقد رأى الأب؟
- الذي رآني فقد رأى الأب، فكيف تقول أنت أرنا الأب. (يوحنا 14: 9)
- والذي يراني يرى الذي أرسلني. (يوحنا 12: 45)
فبمن تشبهونني فأساويه يقول القدوس،
بمن تشبهون الرب يقول القدوس؟
بمن تشبهون الرب يقول القدوس؟
- ارفعوا الى العلاء عيونكم وانظروا من خلق هذه،
من الذي يُخرج بعدد جندها يدعو كلها بأسماء، لكثرة القوة وكونه شديد القدرة لا يُفقد أحد.
بمن تشبهون الرب يقول القدوس، افتحوا عيونكم وانظروا الى السموات كيف خُلقت؟!
هل خالق السموات والارض يمكن تشبيهه بإنسان أو بصنم أو بتمثال أو بصورة؟
وباقي النص يتحدث عن خلق الرب وقدرته التي لا تعجز عن شيء.
- لماذا تقول يا يعقوب وتتكلم يا اسرائيل قد اختفت طريقي عن الرب وفات حقيّ إلهي،
أما عرفت أم لم تسمع إله الدهر الرب خالق كل أطراف الارض لا يكلّ ولا يعيا،
ليس عن فهمه فحص، يُعطي المُعيي قدرة ولعديم القوة شدّة. (إشعياء 40: 25-29)
بعد أن قرأنا نص إشعياء الذي اقتطع منه كتبة الأناجيل الأربعة تلك الجملة وفصلوها عما قبلها وبعدها ليقولوا أن تلك الجملة تتحدث عن يوحنا المعمدان وانه هو الصوت الصارخ في البرية، على الرغم من أنهم كتبوا النصوص السابقة التي تنقض قولهم أن يوحنا هو الصوت الصارخ في البرية، وهذا يدل على أن قانون لا تقبل خبراً كاذباً ينطبق على قولهم أن يوحنا هو الصوت الصارخ.
مصدر قول الأناجيل أن يوحنا المعمدان ملاك أو رسول
نأتي الآن للحديث عن صفة ثانية ليوحنا في الاناجيل وهي القول بأنه ملاك، بحسب المخطوطة السينائية وغيرها وكذلك بحسب ترجمة الفانديك العربية التي اعتمدها في هذا الكتاب، أو أنه رسول بحسب الكثير من الترجمات الأُخرى، وهذه الصفة ذكرها كل من متّى ومرقس ولوقا كما في النصوص التالية:
- فإن هذا هو الذي كتب عنه ها أنا أرسل أمام وجهك ملاكي الذي يُهيئ طريقك قدّامك. (متّى 11: 10)
- كما هو مكتوب في الأنبياء ها أنا أرسل أمام وجهك ملاكي الذي يُهيئ طريقك قدامك،
صوت صارخ في البرية أعدّوا طريق الرب اصنعوا سبله مستقيمة،
كان يوحنا يعمد في البرية ويكرز بمعمودية التوبة لمغفرة الخطايا. (مرقس 1: 2-3)
- هذا هو الذي كتب عنه ها أنا أُرسل أمام وجهك ملاكي الذي يُهيئ طريقك قدامك،
لأني أقول لكم إنه بين المولودين من النساء ليس نبي أعظم من يوحنا المعمدان،
ولكن الأصغر في مملكة الإله أعظم منه. (لوقا 7: 27-28)
في هذه النصوص كتب متّى ومرقس ولوقا على لسان يسوع قوله ان يوحنا المعمدان ملاك، أو رسول، وأنه هو المقصود بالنص المذكور في كتاب ميخا، فإذا قلنا إن النصوص تتحدث عن ملاك فهذا سيسبب مشكلة لأن لوقا كتب أن يوحنا المعمدان إنسان ولد من رجل وامرأة بوعد من الرب لأنهما كانا عاقرين وكانا طاعنين في السن، لا بل إن حبل أليصابات بيوحنا كان مقدمة ليسوع كما في النص التالي:
- وهوذا أليصابات نسيبتك هي أيضاً حُبلى بابن في شيخوختها وهذا هو الشهر السادس لتلك المدعوة عاقراً، لأنه ليس شيء غير ممكن لدى الإله. (لوقا 1: 36-37)
وإذا قلنا إن النصوص تتحدث عن رسول فهذا أيضاً يسبب مشكلة لأن يوحنا المعمدان لم يكن رسولاً ليسوع ولا مقدمة له كما بينت ذلك عند الحديث عن صوت صارخ في البرية في النص السابق، وكنت قد بحثت شخصية يوحنا المعمدان وعلاقته بيسوع بالتفصيل في كتاب شخصيات الأناجيل.
وعلى الرغم من هذا فعلينا قراءة النص الذي استشهد به كتبة الاناجيل الثلاثة على أن يوحنا المعمدان ملاك لنرى إن كان ينطبق عليه أم لا، وهو مذكور في سِفر ملاخي الاصحاح الثالث، وفيما يلي نصه:
هاأنذا أُرسل ملاكي فيُهيئُ الطريق أمامي.
هذه هي الفقرة المقتبسة في الاناجيل وهي تتحدث عن ملاك، أو رسول، ولنفرض الآن انها تتحدث عن يوحنا المعمدان، فهل باقي النص يتحدث عنه؟
- ويأتي بغتة إلى هيكله السيد الذي تطلبونه،
وملاك العهد الذي تسرّون به هوذا يأتي قال رب الجنود.
هاتان الفقرتان تظهران ان السيد يأتي بغتة الى هيكله كما ان ملاك العهد الذي يُسرّ به اليهود يأتي معه، وكتبة الاناجيل نسوا ان يكتبوا لنا قصة عن دخول يسوع الهيكل بغتة وبصحبته يوحنا لو كان النص يتحدث عن يوحنا!
فكتبة الاناجيل ما اخبرونا إلا أن يوحنا عاش في البرية حتى سجن، ومن ثم قطع رأسه وقدم على طبق لامرأة راقصة، ولم يخبرونا انه كان مع السيد وان اليهود سرّوا به عندما رأوه في الهيكل، وأما يسوع فكان يدخل الى الهيكل خفية غير مظهر لنفسه خائفاً من اليهود حتى انه كان في آخر زيارة للهيكل لا يأمن على نفسه فيبيت خارج أُورشليم مع تلاميذه.
- ولما كان إخوته صعدوا، حينئذ صعد هو أيضاً الى العيد، لا ظاهراً بل كأنه في الخفاء. (يوحنا 7: 10)
- فمن ذلك اليوم تشاوروا ليقتلوه،
فلم يكن يسوع أيضاً يمشي بين اليهود علانية،
بل مضى من هناك الى الكورة القريبة من البرية الى مدينة يقال لها أفرايم، ومكث هناك مع تلاميذه. (يوحنا 11: 53-54)
فأين ظهور السيد في هيكله بغتة مع ملاك العهد من ظهور يسوع في الهيكل؟! وكذلك فإن الأناجيل لم تخبرنا ان يسوع كان يبيت في الهيكل بل كان يزوره كأي إنسان آخر ثم يذهب الى خارج أورشليم ليبيت هناك.
- ومن يحتمل يوم مجيئه،
ومن يثبت عند ظهوره لأنه مثل نار المُمَحّص ومثل أشنان القصّار،
فيجلسُ ممحصّاً ومنقباً للفضّة.
أما هذه الفقرات فهي بالتأكيد لا تتحدث عن يسوع ولا عن يوحنا المعمدان، لان يوحنا المعمدان كان قد قتل قبل مجيء يسوع الى أُورشليم، وأما يسوع فان مجيئه الى أُورشليم لم يكن غير محتمل، ولا ممحص لليهود، بل أنهم سعوا بكل جد ليقتلوه ونجحوا في ذلك بعد عدة أيام كما تقول الأناجيل!
- فيُنقي بني لاوي ويُصفيهم كالذهب والفضة ليكونوا مقرّبين للرب تقدمة بالبِّر.
وهذه الفقرة تأكيد لما قلته من أن النص لا يتحدث عن يوحنا المعمدان ولا عن يسوع، لان الاناجيل لم تذكر ان يسوع قام بتنقية وتصفية بني لاوي، لا بل ان بني لاوي هم من سعى لصلبه وقتله، وإذا كان هذا العمل تقدمة برٍّ من بني لاوي، فإن على الكنائس المختلفة القول ان صلب يسوع هو عمل جيد بنظر إلههم وبنظر أنفسهم ويكفوا عن لعن من صلبه ويكفوا عن اتهام يهوذا الاسخريوطي بالخيانة!
- فتكون تقدمة يهوذا وأُورشليم مَرضيّة كما في أيام القدم وكما في السنين القديمة،
واقترب إليكم للحكم وأكون شاهداً سريعاً على السحرة،
وعلى الفاسقين وعلى الحالفين زوراً وعلى السّالبين أُجرة الأجير الأرملة واليتيم ومن يصدّ الغريب ولا يخشاني قال رب الجنود. (ملاخي 3: 1-5)
الفقرة الاولى تؤكد على ان تلك التقدمة مرضية من الرب، والفقرة الأخيرة تتحدث عن حكم الرب بين الناس، ويسوع لم يقم بهذه المهمة في يوم من الأيام طوال حياته، فهو رفض ان يرجم امرأة أُمسكت في زنا كما رفض ان يقسم الميراث بين الأخوين اللذين اختلافا على ميراثهما، ورفض أن يكون ملكاً، فهذه الفقرات تدل على ان هذا النص لا يتحدث عنه ولا عن يوحنا المعمدان.
من هذه القراءة للنص أستطيع القول ان النصوص التي تحدثت عن يوحنا المعمدان كملاك أو رسول ينطبق عليها قانون لا تقبل خبراً كاذباً.
ملاحظة: التدوينة التالية في القسم الخامس من الكتاب ولكن نظراً لارتباطها بذات الموضوع مع التدوينات السابقة أحببت أن أضعها جميعاً في نفس المكان لذا اقتضى التنويه.
مصدر قول يسوع عن يوحنا المعمدان أنه النبي إيليا
في القسم السابق قرأنا وصف كتبة الاناجيل ليوحنا أنه ملاك، أو رسول، وصوت صارخ في البرية وكيف أنهم استشهدوا على ذلك بنصوص من العهد القديم وفيما يلي سوف نقرأ صفة أُخرى ليوحنا وهي أنه إيليا النبي! كما في النصوص التالية:
- ومن أيام يوحنا المعمدان الى الآن مملكة السماء تغتصَب والغاصبون يختطفونها، لأن جميع الأنبياء والناموس الى يوحنا تنبأوا،
وإن أردتم أن تقبلوا فهذا هو إيليا المُزمع أن يأتي،
من له أُذنان للسمع فليسمع. (متّى 11: 12-15)
- وسأله تلاميذه قائلين فلماذا يقول الكتبة إن إيليا ينبغي أن يأتي أولاً،
فأجاب يسوع وقال لهم إن إيليا يأتي أولاً ويردّ كل شيء،
ولكني أقول لكم إن إيليا قد جاء ولم يعرفوه بل عملوا به كل ما أرادوا، كذلك ابن الانسان أيضاً سوف يتألم منهم،
حينئذ فهم التلاميذ أنه قال لهم عن يوحنا المعمدان. (متّى 17: 10-13)
- فسألوه قائلين لماذا يقول الكتبة إن إيليا ينبغي أن يأتي أولاً،
فأجاب وقال لهم إن إيليا يأتي أولاً ويردُّ كل شيء،
وكيف هو مكتوب عن ابن الانسان أن يتألم كثيراً ويُرذل،
لكن أقول لكم إن إيليا أيضاً قد أتى وعَمِلوا به كل ما أرادوا كما هو مكتوب عنه. (مرقس 9: 11-13)
في هذه النصوص يقول متّى ومرقس أن يوحنا المعمدان هو إيليا وهذه الصفة أعظم وأصعب في تقبلها من وصفه بأنه ملاك، أو رسول، أو صوت صارخ، اللتان ظهر بطلانهما سابقاً، لان صفة ملاك، أو رسول، قد يجد لها الانسان مخرجاً كأن يقول انه ملاك بصفاته وأفعاله، مع أن هذه الصفة مقتبسة من سفر ملاخي أيضاً كما سبق وبينته! وكذلك الحال بالنسبة للصوت الصارخ، وأما أن يوصف بأنه رجل خلق قبل مئات السنين فهذا ما لن يصدقه إنسان!
وأنا أتساءل لو أن أحداً قال لأُم يوحنا المعمدان أن الجنين الذي في بطنها هو في الحقيقة رجل عمره مئات السنين ماذا سيكون موقفها منه؟!
ولكن ما هو رأي يوحنا المعمدان نفسه في هذه الصفة، هل قال عن نفسه انه إيليا أم لا؟
لنقرأ النص التالي ثم نكمل المناقشة.
وهذه هي شهادة يوحنا حين أرسل اليهود من أُورشليم كهنة ولاويين ليسألوه من أنت،
فاعترف ولم يُنكر وأقرّ أني لست أنا المسيح،
فسألوه إذاً ماذا أنت،
إيليا أنت،
فقال لست أنا،
النبي أنت، فأجاب لا،
فقالوا له من أنت لنعطي جواباً للذين أرسلونا،
ماذا تقول عن نفسك،
قال أنا صوت صارخ في البرية قوّموا طريق الرب كما قال إشعياء النبي. (يوحنا 1: 19-23)
في هذا النص يكتب يوحنا في إنجيله ان يوحنا المعمدان قال لليهود انه ليس إيليا!
فمن نصدق متّى ومرقس اللذان كتبا على لسان يسوع ان يوحنا المعمدان هو إيليا أم يوحنا كاتب الانجيل الذي كتب على لسان يوحنا المعمدان قوله انه ليس إيليا؟
هل نقول إن ما جاء في انجيلي متّى ومرقس هو الصحيح وان ما جاء في انجيل يوحنا هو الخطأ، أم نقول إن ما كتبه يوحنا هو الصحيح وما كتبه متّى ومرقس هو الخطأ؟
أي القولين ستختار الكنائس فإنها ستثبت أن في الاناجيل قصصاً وفقرات متناقضة وغير صحيحة ولا يمكن التوفيق بينها، مما يشير الى أن كتابة الاناجيل كانت بعيدة عن الوحي أو السوق من الروح المقدس، وان الاقتباس من نصوص العهد القديم إنما هو محاولة لربط الاناجيل به، والقول أنهما من مصدر واحد لإضفاء حالة من القداسة على الاناجيل.
وأنا أكاد اجزم أن السبب في قولهما عن يوحنا انه إيليا هو قراءتهما لما هو مذكور في سفر ملاخي الإصحاح الرابع وهو كما يلي:
- اذكروا شريعة موسى عبدي التي أمرته بها في حوريب على كل إسرائيل، الفرائض والأحكام،
هاأنذا أُرسل إليكم إيليا النبي قبل مجيء يوم الرب اليوم العظيم والمخوف،
فيرد قلب الآباء على الأبناء،
وقلب الأبناء على آبائهم،
لئلا آتي وأضرب الارض بلعن. (ملاخي 4: 4-6)
هذا النصّ هو من أوقع متّى ومرقس في الخطأ، وذلك لعدم فهمهما، أو تجاهلهما، لتاريخ النصّ ومضمونه اللغوي، ولإصرارهما على السعي بكل الوسائل لصياغة أناجليهما من خلال نصوص العهد القديم لخدمة أهدافهما من تأليف إنجيليهما.
فهذا النصّ لو وضع في مساره التاريخي ومضمونه اللغوي وما يحتويه من دعوة للالتزام بعبادة الرب وحده والعمل بالشريعة وأحكامها وفرائضها لتبين انه إشارة لإرسال إيليا الى بني اسرائيل أول مرة، بعيداً عن الأساطير التي قيلت عنه، هكذا بكل بساطة، أي إن هذا القول قيل قبل إرسال إيليا وكان هذا القول إعلان لإرساله لبني اسرائيل في زمانه، وما يدل على صحة هذا القول هو النص التالي:
- وكان عند اصعاد التقدمة أن إيليا النبي تقدم وقال أيها الرب إله إبراهيم واسحق وإسرائيل ليُعلم اليوم أنك أنت الإله في إسرائيل وأني أنا عبدك وبأمرك قد فعلت كل هذه الأمور،
استجبني يا رب، استجبني ليعلم هذا الشعب أنك أنت الرب الإله وأنك أنت حوّلت قلوبهم رجوعاً. (الملوك الاول 18: 36-37)
ففي هذا النص نقرأ شُكر إيليا للرب لأنه حول قلوب بني اسرائيل رجوعاً إليه والى الشريعة وهو ما تنبأ به النص المذكور في ملاخي، فجهل متّى ومرقس بالعهد القديم، ونظراً لأن سِفر ملاخي آخر الأسفار كتابة في العهد القديم بحسب النسخة السبعينية جعلهما يكتبان تلك النصوص على أساس أنها تتحدث عن عودة ثانية لإيليا، وليتهما اكتفيا بهذا بل قالا إنها تتحدث عن يوحنا المعمدان مع أنها تتناقض مع ما كتبه يوحنا في إنجيله على لسان يوحنا المعمدان نفسه من أنه ليس إيليا! ففهم كتبة الاناجيل لنصوص العهد القديم وصياغتها في إطار قصصي في أناجيلهم هي التي تسببت في كل الاخطاء والتناقضات فيما بينهم، وهذا يظهر بوضوح فيما كتبه لوقا عن يوحنا المعمدان وعلاقته بإيليا كما في النص التالي:
- فقال له الملاك لا تخف يا زكريا لأن طلبتك قد سُمعت وامرأتك اليصابات ستلد لك ابناً وتسميه يوحنا،
ويكون لك فرح وابتهاج وكثيرون سيفرحون بولادته،
لأنه يكون عظيماً أمام الرب وخمراً ومسكراً لا يشرب،
ومن بطن أُمه يمتلئ من الروح المقدس،
ويردّ كثيرين من بني اسرائيل الى الرب إلههم،
ويتقدم أمامه بروح إيليا،
ليرد قلوب الآباء الى الأبناء والعصاة الى فكر الأبرار لكي يُهيئ للرب شعباً مستعداً. (لوقا 1: 13-18)
كما نقرأ فإن لوقا كتب أن يوحنا المعمدان سيردّ كثيرين من بني اسرائيل الى الرب إلههم، ويرد قلوب الآباء الى الأبناء والعصاة الى فكر الأبرار لكي يهيئ للرب شعباً مستعداً، وهذا الكلام هو نفس كلام ملاخي عن إيليا، ولكن لوقا كتبه على أنه نبوءة من ملاك الرب عن يوحنا المعمدان، ولم يكتب أن يوحنا هو إيليا بل قال انه سيتقدم بروح إيليا! وهذه النبوءة غير متحققة في يوحنا المعمدان إذا كان المقصود به يسوع كما سبق شرحه، وعدم تحققها يدل على ان قوله السابق ليس وحياً بل هو مقتبس من قصص العهد القديم، فمن أين اقتبس لوقا فكرة تقدم يوحنا بروح إيليا؟
- ولما رآه بنو الأنبياء الذين في أريحا قبالته قالوا قد استقرت روح إيليا على أليشع،
فجاءوا للقائه وسجدوا له الى الارض. (الملوك الثاني 2: 15)
في هذا النص نقرأ أن روح إيليا استقرت على أليشع، وقراءة لوقا لهذا النص جعله يظن أن روح إيليا هي خاصة به، متجاهلاً أن الروح التي كانت مع الأنبياء كانت مستقلة عنهم، كما بينت ذلك سابقاً، لهذا كتب أن يوحنا سيتقدم بروح إيليا أمام يسوع! والذي ظهر لنا مما سبق شرحه أن يوحنا لم يتقدم أمام يسوع لا بروح إيليا ولا بروحه الشخصي!
وهذا كله يدل على أن كتبة الاناجيل لم يكتبوا هذه القصص بأي طريق من طرق الوحي المعروفة، لأن الوحي لا يتناقض ولا يكون فيه أخباراً كاذبة.
مما سبق يتبن لنا أن كتبة الأناجيل لم ينجحوا في كتابة تلك الحوارات والمجادلات ولا بالاقتباس من العهد القديم وهذا كله يشير الى أن قانون لا تقبل خبراً كاذباً ينطبق عليها كلها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق